..
كان يستكشف عالمه الصغير، عالمٌ لم يتعد وقت تشكّله العامين.. يقلب ألبسته و يرتدي ما يعجبه من الثياب و لا يختار نفسها في كل مرة بل يحب التبختر أمام المرآة بلباس جديد و بهيئة جديدة .
كنت أوهبه الحرية المطلقة في الحكم على مملكته الصغيرة برغم قوانيني المقننة التي لا يقوى على تجاوزها .
وذات يوم سمعت أصوات إعتراضه في تزايد و قد إنتاب لحن طفولته العصبية والتشنج.. يصرخ و يتلفظ الفاظا لم أعهدها منه مسبقاً ك " لماذا.. لماذا".
إنتابني الذعر من تلك الاصوات و رحت متجاوزة على مملكته الصغيرة استكشف الغزو الذي تجاوز صفو عالمه، و ما ان وصلت وجدته يتعارك مع حذاءه!.
كانت إحدى أحذيته مشبّكه يصعب عليه إرتداءها الا بمساعدتي و ما ان أخفق في ذلك رغم محاولاته راح يعلو تذمره و صراخه الذي يتلوه البكاء المرير ..
البستهُ الحذاء، ربطته على رِجله جيدا، حتى رأيته يقف بسعادة بالغة كأن الذي كان للتو لم يكن و عاد مرة أخرى إلى الحكم في مملكته بثقة!.
رغم الدروس التي تعلمتها في عالمي و رغم الكتب التي قرأتها والحِكم التي ملأت منافذ أُذني ألا ان هذه الصفعة الطفولية كانت أقوى من كل تلك الأمور!
علمني طفلي بأن أكسر رتابة الجمود وأضيف التجدد لحياتي، بسبب إرتدائه البسة جديدة كل يوم .
علمني بأن لا أتشاجر مع الحياة حين لا أعي أبجديتها و تفكيك معادلتها، بل حين أتعلمها جيدا يغدو امر مواجهتها مَلَكة بيدي لا أخشاها.
و علمني أيضا أن أقف سريعا سريعا بمحض وقوعي و إنتصاري و ان اترك امر التحسر على الوقعة ينصرم مع الماضي لكي لا يؤثر على حالتي الآنية .
الدروس تأتي من كل مكان و من كل حدث يومي، حتى من أطفالنا!.
م.ن.