إنها تلك الأسئلة التي تخطر على بال أطفال الحضانة، أو على بالك أنت شخصيًا بينما تحدق في السقف المظلم قبل أن تخلد للنوم مباشرة. للوهلة الأولى تبدو تلك الأسئلة سخيفة غير منطقية على الإطلاق، وهي كذلك بالفعل في معظمها لذا سنختار منها ما يبدو سخيفًا في الظاهر فقط لكنه ذو تفسير علمي سيهمك معرفته!

متى كانت آخر مرة رأيت فيه قوس قزح؟ عن نفسي، حدث هذا منذ خمسة أشهر تقريبًا وأذكر حينها كيف أخذت أنبه الجميع لمطالعة القوس الملون الزاهي وكأنما اكتشفت حصانًا ورديًا بقرن سحري. وسريعًا انتقلت لوثة الحماسة إلى البقية وتراكمنا جميعًا على الواجهة الزجاجية نحدق مأخوذين بلا ملل؛ ومن المدهش أن تعلموا أن من بين الوقوف كانتا زميلتا عمل أصغر سنًا لم يسبق لهما رؤية قوس قزح مطلقًا من قبل خارج الكتب المصورة!
<
أقواس قزح ليست بهذه الندرة في الواقع، فقط صرنا أكثر انشغالًا من أن نطالع السماء أو ننتبه لما يدور فوقنا؛ هذا إن حالفنا الحظ وتركت لنا الأبراج الخرسانية فراغًا ننفذ منه بأبصارنا إلى السماء؛ فإن فعلت فلابد لشيء آخر أن يستحوذ على أرواحنا وعقولنا كهاتف ذكي تحدق بشاشته أو عجلة قيادة تصلبت عليها يداك بينما تقود عائدًا إلى المنزل. ولربما خفق قلب تلك الشابة في إحدى الليالي وهي تتابع في افتتان مشهدًا رومانسيًا يحوي قمرًا فضيًا على شاشة التلفاز بينما لا تدري أن بدرًا أجمل تام الاستدارة يحلق وحيدًا في السماء الصافية خارج نافذتها. من المدهش كيف ارتضينا الاستمتاع بنسخ السعادة وتركنا أصولها!

وبالعودة إلى قوس قزح، كان هناك ذلك السؤال الذي راودني كثيرًا وبدا سخيفًا وساذجًا: لماذا لا يظهر قوس قزح إلا منحنيًا؟ أعني أننا جميعًا على الأرجح تعرفنا على قوس قزح في أفلام ومسلسلات الكارتون بينما كنا صغارًا قبل أن نراه في الواقع؛ وعن نفسي كنت أعتقد أن الشكل فني و”كارتوني” كون قوس قزح ظاهرة أجمل وألطف من أن تكون حقيقة. لحسن أو لسوء الحظ اتضح لي لاحقًا أن السؤال السخيف ليس سخيفًا في الواقع، وأن هناك تفسيرًا علميًا وراء الشكل المميز والمنحني لقوس قزح، وهذه من المرات القليلة التي لا يحب المرء فيها تدخل العلم لإفساد كل شيء شاعري أو سحري.
ولادة قوس قزح!
تخيل معي المشهد التالي: الشمس تبدأ رحلة الغروب في الأفق خلفك عندما تنظر أنت إلى الاتجاه المقابل في الشرق لتطالع عاصفة بعيدة أو أمطارًا متساقطة. وبينما تنطلق أشعة الشمس الغاربة عبر الغلاف الجوي وتعبرك أنت شخصيًا إلى الشرق لتصطدم بقطرات المطر المتساقطة فهناك احتمالان اثنان لا ثالث لهما: أن يعبر ضوء الشمس القطرات بكل بساطة فلا يحدث شيء، أو تكون أفضل حظًا فتصطدم أشعة الضوء بوجه القطرة وتنحني بينما تعبره ثم تنعكس عن وجهها المقابل (ظهرها) لتغادر عبر وجهها الأمامي الذي دخلت منه وتنطلق ناحيتنا من جديد لنراها. هذا الضوء هو ما ييتكون منه قوس قزح!
بمعنى آخر، وبتوفر عنصرين أساسين هما قطرات الماء وأشعة الشمس، قد تتصرف قطرة الماء المعلقة في الجو بالسيناريو السابق كمنشور ضوئي Prism يشتت شعاع الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف السبعة المرئية التي يتكون منها أي قوس قزح تقليدي.


حلقة قزح!
يعتمد مظهر أي قوس قزح على موقعك وزاوية نظرك إليه، فإذا تحركت سيتحرك القوس وفقًا لمعادلة الانكسار والتشتت التي طالعناها بالأعلى. هذا يعني أنه لو كان هناك ألف شخص ينظرون لقوس قزح بالسماء، ففي الحقيقة هناك ألف قوس قزح مختلف ينظرون إليه! مدهش، أليس كذلك؟
يرجع هذا في الواقع لأن مقدار انحناء الضوء عبر قطرة الماء يعتمد على طول الضوء الموجي أو لونه، فالضوء الأحمر على سبيل المثال هو الأكثر انحناء، بينما ينحني اللون الأصفر والبرتقالي بدرجة أقل، وهكذا وصولًا إلى اللون البنفسجي الأقل انحناءً. والأكثر إثارة هنا هو أن كل لون لا ينحني إلا عبر زاوية بعينها، فاللون الأحمر ينعكس عبر زوايا 42 درجة من اتجاه مصدره الأصلي (الشمس)، بينما ينحني اللون الأزرق عبر زوايا 40 درجة فقط وهكذا. من هنا يظهر كل لون بموقع مختلف في السماء ليولد قوس قزح منحنيًا ومقوسًا وبالترتيب اللوني الثابت الذي نعرفه!

فقط لدي مفاجأة بسيطة هنا: قوس قزح في الواقع لا يتكون على شكل نصف دائرة أو قوس، بل هذا ما نراه نحن لا أكثر! وفي الحقيقة، فقوس قزح يتكون على شكل دائرة تامة الاستدارة، لكننا لا نستطيع رؤيتها بالكامل لأن الأفق يقطع نصفها السفلي. مع هذا، فإذا ما استطعت التحليق على ارتفاع شاهق بما يكفي للتغلب على حد الأفق، فحينها ستستطيع مشاهدة قوس قزح بحجمه واستدارته الكاملة بكل بهائه!


وبنفس معطيات المعادلة الكبيرة السابقة، فلكي تستطيع رؤية قوس قزح أو نصفه كما رأينا، يجب أن تقف وظهرك للشمس التي لابد وأن تكون منخفضة في السماء. تتذكرون مشهد الغروب؟ إذا ما كانت الشمس مرتفعة أكثر من اللازم في السماء، فلن ترى أي شيء! وهذا لا يعني أن قوس قزح غير موجود حينها، بل هو موجود بالفعل، فقط سيراه الشخص الواقف في الموقع المناسب، كناطحة سحاب مثلًا أو فوق قمة جبل، بينما لا يراه المارة أسفل البناية الشاهقة. أمر مربك ومحير قليلًا لكنه جدير بتلك الظاهرة الساحرة!

كنز قوس قزح
ولنختم الحديث عن قوس قزح بتناول الكنز الأسطوري الذي ينتظر سعداء الحظ الذين يهديهم السبيل إلى نهايته. فوفقًا للأسطورة القديمة، هناك تلال من ذهب خالص تنتظر المغامر الذي يصل إلى الموضع السحري حيث يضرب قوس قزح الأرض.
أجل، كما خمنت أنت تمامًا! لم تكن تلك الأسطورة إلا ضربًا آخر من المستحيل لأنه لا يمكنك أبدًا أن تقترب من قوس قزح فضلًا عن أن تصل لنهايته! فكما طالعنا بالأعلى، سيتحرك معك قوس قزح ويطارد نفسه معك طيلة الوقت فلا تصل إليه أبدًا. هكذا، يمكننا أن نعلم السبب التي تحولت معه تلك الأسطورة القديمة إلى مثل شعبي دارج للدلالة على استحالة إتيان أو تحقيق أمر ما.