على ضفاف نهر النيل شيّد المصريون القدماء الحضارة الفرعونية، التي ما تزال آثارها الباقية من أهرام ومعابد تبهر العالم. وعندما نجح العالِم الفرنسي شامبليون في تفسير رموز الهيروغليفية (اللغة المصرية القديمة)، بدأ علماء الآثار بقراءة التاريخ المسجل على جدران المقابر والمعابد، فقد حرص الفراعنة على تسجيل تفاصيل عن حياتهم اليومية، وكذلك علاقاتهم الخارجية مع الشعوب والبلاد المجاورة سلماً وحرباً.
ومن أشهر الرحلات الفرعونية؛ الرحلة إلى بلاد بونت على الساحل الشرقي لإفريقيا في عهد الملكة حتشبسوت من الأسرة الثامنة عشرة، ورحلة الدوران حول قارة إفريقيا في عهد الفرعون نيخو الثاني من الأسرة السادسة والعشرين والتي ذكرها المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت، الذي أشار إلى استعانة نيخو الثاني بالبحارة الفينيقيين لإرسال أسطوله انطلاقاً من البحر الأحمر، ومواصلة الإبحار بمحاذاة الساحل الإفريقي حتى الوصول لأعمدة هرقل (مضيق جبل طارق)، وعبوره للعودة إلى مصب النيل في البحر المتوسط.
ونقل هيرودوت عن البحارة ملاحظتهم ظاهرة شروق الشمس عن يسارهم منذ بدء الرحلة إلى أن وصلوا لمكان معين، بعدها وجدوا الشمس تشرق عن يمينهم؛ ما يعد دليلاً على تجاوزهم نقطة رأس الرجاء الصالح ودورانهم حول قارة إفريقيا.



وانطلاقاً من هذه الرحلة، هناك من يعتقدون احتمالية أن تكون بعض السفن قد خرجت عن مسارها خلال إبحارها في المحيط الأطلسي لتصل إلى أقرب ساحل مقابل، أي إلى البرازيل ومنها شمالاً إلى خليج المكسيك.
ويستدلون بهذا على الرابط بين الحضارة المصرية القديمة وبناء الأهرام في حضارات المايا والأزتك بأميركا الوسطى.
أفارقة وأهرام في المكسيك

هل يوجد ارتباط بين الأهرام الفرعونية والأهرام التي شيدتها حضارات المايا والأزتك في مواقع عديدة بأميركا الوسطى؟
فقد برعت هذه الحضارات في علوم الفلك والهندسة -مثل الفراعنة- ووظفت تلك البراعة في تشييد تلك المباني هرمية الشكل لأغراض دينية، مثل تأدية الشعائر وتقديم القرابين للآلهة، بينما ترتبط الأهرام الفرعونية برحلة الفرعون بعد وفاته إلى العالم الآخر.
وزعم أحد الباحثين أنه عثر على آثار للتبغ والكوكايين في بعض المومياوات المصرية. ومن المعروف أن هذه النباتات كانت تنمو فقط في الأميركتين آنذاك، فكيف وصلت إلى مصر؟ هل كانت تذكاراً مع بعثة عادت من هناك أم أنه كانت هناك رحلات تجارية عبر المحيط؟



على الجانب الآخر، توجد في ولاية تاباسكو بالمكسيك بعض آثار حضارة الأولمك التي يعود تاريخها إلى 3700 عام مضت، وتعد الحضارة الأم لكل حضارات أميركا الوسطى. وأشهر تلك الآثار، رؤوس حجرية ضخمة ذات ملامح إفريقية واضحة لا تخطئها العين، مثل الشفاه الممتلئة والأنف العريض، ومع ذلك فلم تسفر أعمال البحث والتنقيب هناك عن العثور على دليل قوي يحسم فرضية وصول الأفارقة إلى سواحل المكسيك.

آثار الوادي العظيم في أريزونا

وقبيل نهاية العقد الأول من القرن العشرين، أشار تقرير بإحدى الصحف المحلية الأميركية إلى عثور بعثة ممولة من معهد سميثسونيان على آثار قديمة، تشمل مومياوات ومنحوتات وألواحاً تحمل نقوشاً تشبه الهيروغليفية داخل بعض الكهوف والأنفاق التي تقع في منطقة الوادي العظيم أو جراند كانيون بأريزونا. لكن الغريب هو أنه لا توجد أي أنباء أخرى عن هذا “الاكتشاف المهم”، ونفى معهد سميثسونيان وجود أي سجلات لديه حول هذه البعثة.



وما يزيد الموضوع غموضاً أن بعض مناطق جراند كانيون تحمل أسماء تخص آلهة فرعونية، مثل معبد إيزيس وبرج رع. وقد لقيت هذه القصة انتقادات عديدة وصلت لحد تكذيبها بالكامل، ولا سيما في غياب أي صور توثق هذا الكشف الأثري. لكن هناك كتاب آخر أشار إلى اكتشاف مغامرين ما يبدو مثل هرم منحوت من الصخر، بالإضافة إلى كهوف على ارتفاع 800 قدم، لكن مداخلها مغلقة بالصخور مع وجود نمط دائري فيما يبدو مثل عمل بشري.
ومن ناحية أخرى، يضم الوادي العظيم أيضاً عدة مواقع لحضارات هندية قديمة، مثل شعب الأنسازي؛ الذين اعتمدوا في معيشتهم على صيد الطرائد الصغيرة وزراعة الذرة، وهناك تفسير يرجح أن يكونوا هم أصحاب تلك الآثار القديمة، وليس الفراعنة.
نقوش جوسفورد في أستراليا

في سبعينات القرن العشرين، عُثر بمنطقة كاريونج في نيوساوث ويلز بأستراليا على رموز تشبه الهيروغليفية منقوشة على جدارين من الحجر الرملي بطول 15 متراً، وبعض تلك النقوش تصور طيوراً من البوم ودجاجاً وكلاباً وقوارب وأشخاصاً.
ووفقاً لتفسير عالم المصريات راي جونسون، فإن هذه النقوش تتحدث عن مقبرة لنبيل فرعوني يدعى نفرتي-رو،والذي تُوفي ودُفن بالمنطقة بينما كان يقود حملة استكشافية وصلت إلى الساحل الشرقي لأستراليا.
وهناك حكايات متداولة بين السكان الأصليين تتحدث عن تبادل ثقافي بينهم وبين الفراعنة، لكن الأمور تأزمت عندما حاول الفراعنة الاستيلاء على بعض الأحجار المقدسة لدى السكان الأصليين، فطاردوهم وقتلوهم جميعاً.



لكن عدة أكاديميين، مثل بويو أوكينا، الأستاذ بقسم التاريخ القديم في جامعة ماكواري، يرفضون تلك المزاعم بشدة، ويعتقدون أن تلك النقوش غير أصلية؛ لوجود عدة رموز تعود لفترات زمنية مختلفة تفصل بينها آلاف السنين.
ويرجحون أن تلك النقوش محاولة لتقليد ما رآه الجنود الأستراليون الذين خدموا في الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى، أو مجرد مزحة بين مجموعة من المراهقين العابثين.
وفي الختام، ما تزال جعبة التاريخ حبلى بأسرار تقبع هناك بانتظار من يكشف عنها الستار، ويظهر أدلة جديدة تجعلنا نعيد النظر فيما نعرفه عن تاريخ تلك الحضارات القديمة.