شجرة الدر
شجرة الدر هي عصمة الدين (أم خليل)، اختُلف في أصولها، فمنهم من قالوا إنّها تركيّة أرمينيّة، والبعض الآخر قالوا إنّها خوارزميّة. شجرة الدر كانت جارية قام السلطان الصالح نجم الدين أيوب بشرائها، وقام بعتقها والزواج منها، ومنذ ذلك الحين لعبت شجرة الدر دوراً تاريخيّاً هاماّ، تحديداً أثناء الحملة الصليبيّة السابعة.
بعد أن أصبحت شجرة الدر زوجةً للسلطان أنجبت منه ولداً اسمه خليل، كانت تنوب عن زوجها في الحكم أثناء فترة غيابه عن البلاد، توفي زوجها بعد فترة حكم دامت عشر سنوات، وجاءت وفاته في أوقاتٍ حرجة جداً، فترة الحملة الصليبيّة على مصر، قامت بعدها شجرة الدر باستدعاء الأمير فخر الدين يوسف قائد الجيش في ذلك الوقت، ورئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن، وأخبرتهما بأمر وفاة السلطان، وأن البلاد في مرحلةٍ سياسيّة حرجة، فاتفق ثلاثتهم على إخفاء نبأ الوفاة خوفاً من أن يضعف هذا الخبر من استعداد الجيش ، وقامت شجرة الدر بنقل جثمان السلطان سراً على مركبٍ إلى القاهرة ، وتمّ وضعه في قلعة جزيرة الروضة، وقامت باستدعاء توران شاه لتولّي الحكم بدل أباه، وأصدرت قراراً بتنصيب توران شاه وليّاً للعهد.
وصلت أخبار وفاة السلطان للصليبيين، فقاموا بالاستعداد للخروج من دمياط، وبعد وصول الدعم من الجيوش لهم خرجوا متوجهين إلى القاهرة، وباغتوا معسكراً للجيش المصري، وقاموا بقتل الأمير فخر الدين يوسف، وما تبقى من الجيش المصري هربوا، وصلت الأنباء للقاهرة فقام بيبرس بعرض خطة على الحاكمة شجرة الدر لإيقاف الزحف الصليبي، فوافقت عليها، انطلق بيبرس مع اقطاي وقاموا بتنفيذ خطته التي تكللت بالنصر، الأمر الذي أدخل المماليك بوابّة التاريخ في أول وأعظم نصرٍ لهم في ذلك الوقت برفقة شجرة الدر.
تنكّر توران شاه لهذا النصر، وأخذ بتهديد شجرة الدر ومطالبته إيّاها بمال أبيه الذي قامت بإنفاقه في تجهيز الجيوش، وعند تضييق الخناق عليها ذهبت للقدس خوفاً من غدره، وامتدّ تهديد توران شاه ليطال الأمراء المماليك، وأخذ يفكّر بالتخلص منهم لكن أقطاي علم بالأمر فقام بقتله.
بعد موت توران شاه تمّت مبايعة شجرة الدر لتولي منصب السلطان، فصبت جل اهتمامها بعد تنصيبها على تصفية الوجود الصليبي، فقامت بعقد اتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيراً عندهم بتسليم دمياط مقابل إخلاء سبيله ودفع فدية كبيرة على أن يدفع نصفها قبل مغادرته للبلاد، والنصف الآخر بعد وصوله لمدينة عكا مع تعهدٍ يوقعه بعدم العودة لمصر أو السواحل الإسلامية مطلقاً.
على الرّغم من الحنكة التي أبدتها شجرة الدر أثناء فترة حكمها إلى أنّها قوبلت بمعارضة شديدة من العامة في الداخل والخارج، بالإضافة لغضب الأيوبيين العارم لمقتل توران شاه، فلم يعترفوا بنصر المماليك على الصليبيين، ولم يكن من أمر شجرة الدر إلا الرضوخ لمطالب العامة فقامت بالتنازل عن العرش لصالح الأمير عز الدين أيبك بعد أن تزوجت منه، وأطلق عليه لقب الملك المعز، وبهذا فقد بقيت شجرة الدر على عرش مصر لمدّة ثمانين يوماّ.
الملك المعز كان فعليّاً تحت سيطرة شجرة الدر التي كانت تدير سدة الحكم بمشاركته بعد تنازلها له عن العرش، لكنّه وبعد إحكام قبضته على الحكم، بدأ يعدّ نفسه للزواج الأمر الذي أغضب شجرة الدر، فقامت بتدبير مؤامرة للتخلّص والانتقام منه، فأخذت تطلب العفو منه وتدعوه إليها، انطلت حيلتها عليه فاستجاب لهذه الدعوة، وذهب إلى القلعة حيث توجد، ولقي حتفه هناك، فأشاعت بأنّ أيبك قد مات فجأة لكن المماليك لم يصدقوها، فقاموا بإلقاء القبض عليها وأخذوها إلى زوجة أيبك، فأمرت الأخيرة جواريها بقتل شجرة الدر بعد عدّة أيام؛ حيث قمن بضربها بالقباقيب على رأسها، وألقين بها من فوق سور القلعة، وبقيت مكانها ملقاةً لم تدفن إلا بعد عدة أيام؛ حيث كانت نهاية حزينة لامرأة قوية حرة تركت بصمةً كبيرة في التاريخ، وكان لها دور في هزم جيشٍ من أقوى الجيوش في ذلك الوقت ألا وهو الجيش الصليبي، فكان هذا التكريم الذي يليق بملكة أبت إلا أن تتحرّر بلادها من دنس الصليبيين.