من غور ذخائر تراث اهل البيت(ع) هذه الرسالة التي كتبها مولانا الامام الصادق (عليه السلام) للمؤمنين واشتملت على بيان معالم الشخصية الايمانية والكيان الايماني الحق.
عن ابي عبدالله الصادق(عليه السلام) انه كتب بهذه الرسالة الى اصحابه، وامرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن الرّبيع الصحاف، عن اسماعيل بن مخلّد السرّاج، قال: خرجت هذه الرسالة من ابي عبد الله (عليه السلام) الى اصحابه:
بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد: فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة اهل الباطل(2)، تحملوا الضيم منهم، واياكم ومما ظنهم(3)، دينوا في ما بينكم وبينهم اذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام - فانه لابدّ لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام - بالتقية التي امر كم الله ان تأخذوا بها في ما بينكم وبينهم، فاذا ابتليتم بذلك منهم فانهم سيؤذونكم، وتعرفون في وجوههم المنكر، ولولا انّ الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء اكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة، وارواحكم وارواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم ابداً ولا يحبونكم، غير ان الله تعالى اكرمكم بالحق وبصركموه، ولم يجعلهم من اهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم، وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم(4) على شيء من اموركم، تدفعون انتم السيئة بالتي هي احسن في ما بينكم وبينهم، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته، وهم لا خير عندهم. لا يحل لكم ان تظهروهم(5) على اصول دين الله، فانهم ان سمعوا منكم فيه شيئاً عادوكم عليه، ورفعوه عليكم، وجاهدوا على هلاككم، واستقبلوكم بما تكرهون، ولم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم في ما بينكم وبين اهل الباطل، فانه لا ينبغي لأهل الحق ان ينزلوا انفسهم منزلة اهل الباطل، لأن الله لم يجعل اهل الحق عنده بمنزلة اهل الباطل.
الم تعرفوا وجه قول الله تعالى في كتابه اذ يقول: «ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار»(6) أكرموا انفسكم عن اهل الباطل، فلا تجعلوا الله تعالى -وله المثل الأعلى- وامامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل، فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا. فمهلاً ! مهلاً! يا اهل الصلاح، لا تتركوا امر الله وامر من امركم بطاعته فيغيّر الله ما بكم من نعمة(7)، احبوا في (الله) من وصف صفتكم، وابغضوا في الله من خالفكم، وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغاكم(8) الغوائل. هذا أدبنا أدب الله، فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم اخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به. واياكم والتجبّر على الله، واعلموا ان عبداً لم يبتل بالتجبر على الله الا تجبّر على دين الله، فاستقيموا لله ولا ترتدّوا على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين. اجارنا الله واياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم الا بالله.
وقال: ان العبد اذا كان خلقه الله في الأصل - اصل الخلقة- مؤمنا لم يمت حتى يكرّه (الله) اليه الشرّ ويباعده منه، ومن كرّه الله اليه الشرّ وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبريّة، فلانت عريكته، وحسن خلقه، وطلق وجهه، وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشّعه، وورع عن محارم الله، واجتنب مساخطه، ورزقه الله مودّة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من اهلها في شيء. وان العبد اذا كان الله خلقه في الأصل - أصل الخلق- كافراً لم يمت حتى يحبّب اليه الشرّ ويقرّبه منه، فاذا حبّب اليه الشرّ وقربه منه ابتلي بالكبر والجبريّة(9)، فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه، وقلّ حياؤه، وكشف الله ستره، وركب المحارم فلم ينزع عنها، وركب معاصي الله وابغض طاعته واهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر، سلوا الله العافية، واطلبوها اليه، ولا حول ولا قوة الا بالله.
صبروا النفس على البلاء في الدنيا، فان تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من امر بولايته خير عاقبة عند الله في الاخرة من ملك الدنيا، وان طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته، فان الله امر بولاية الائمة الذين سماهم في كتابه في قوله «وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا»(10)وهم الذين امر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم ائمة الضلال الذين قضى الله لهم ان يكون لهم دول في الدنيا على اولياء الله الائمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم امر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل اصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله ان يخلقهم له في الأصل، ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله «وجعلناهم ائمة يدعون الى النار»(11) فتدبروا هذا واعقلوه، ولا تجهلوه، فان من جهل هذا واشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما امر به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه، فاستوجب سخط الله، فاكبه الله على وجهه في النار.
وقال: ايتها العصابة المرحومة المفلحة، ان الله تعالى اتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا انه ليس من علم الله ولا من امره ان يأخذ احد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد انزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن وتعلم القرآن اهلاً، لا يسع اهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه ان يأخذوا فيه بهوى، ولا رأي ولا مقائيس، اغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصهم به ووضعه عندهم، كرامة من الله تعالى اكرمهم بها، وهم اهل الذكر الذين امر الله هذه الامة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله ان يصدّقهم ويتّبع اثرهم- ارشدوه، واعطوه من علم القرآن ما يهتدي به الى الله باذنه والى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن علمهم الذي اكرمهم الله به وجعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء في اصل الخلق تحت الأضّللة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال اهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن ووضعه عندهم وامر بسؤالهم، فاولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان، لانهم جعلوا اهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا اهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما احل الله في كثير من الامر حراماً، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالاً. فذلك اصل ثمرة اهوائهم. وقد عهد اليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله [تعالي] رسوله يسعنا ان نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد [ما] قبض الله تعالى رسوله وبعد عهده الذي عهده الينا وامرنا به، مخالفة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). فما احد اجرأ على الله ولا ابين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم ان ذلك يسعه. والله ان لله على خلقه ان يطيعوه ويتبعوا امره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد موته، هل يستطيع اولئك اعداء الله ان يزعموا ان احداً ممن اسلم مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اخذ بقوله ورأيه ومقائيسه؟ فان قال: نعم، فقد كذب على الله وضل ضلالاً بعيداً، وان قال: لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه، فقد اقر بالحجة على نفسه، وهو ممن يزعم ان الله يطاع ويتبع امره بعد قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال الله تعالى - وقوله الحق-: «وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين»(12).
وذلك ليعلموا ان الله تعالى يطاع ويتبع امره في حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد قبض الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافاً لأمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه.
وقال: دعوا رفع ايديكم في الصلاة الا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فان الناس قد شهروكم بذلك، والله المستعان، ولا حول ولا قوة الا بالله.
وقال: اكثروا من ان تدعوا الله، فان الله يحب من عباده المؤمنين ان يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنة.
فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فان الله تعالى امر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين. واعلموا ان الله لم يذكره احد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير، فاعطوا الله من انفسكم الاجتهاد في طاعته، فان الله لا يدرك شيء من الخير عنده الا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القرآن وباطنه، فان الله تعالى قال في كتابه - وقوله الحق-: «وذروا ظاهر الاثم وباطنه»(13).
واعلموا ان ما ما امر الله ان تجتنبوه فقد حرمه(14)، واتبعوا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته فخذوا بها، ولا تتبعوا اهواءكم وآراءكم فتضلوا، فان اضلّ الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، واحسنوا الى انفسكم ما استطعتم، فان احسنتم احسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم.
واياكم وسب اعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدواً بغير علم(15).
وقد ينبغي لكم ان تعلموا حد سبهم لله كيف هو، انه من سب اولياء الله فقد انتهك سب الله، ومن اظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه؟! فمهلاً مهلاً! فاتبعوا امر الله ولا قوة الا بالله.
وقال: ايتها العصابة الحافظ الله لهم امرهم، عليكم بآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته وآثار الأئمة الهداة من اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم، فانه من اخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين امر الله بطاعتهم وولايتهم.
وقد قال ابونا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وان قل ارضى لله وانفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء. الا ان اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال، وكل ضلال بدعة، وكل بدعة في النار. ولن ينال شيء من الخير عند الله الا بطاعته والصبر والرضا، لان الصبر والرضا من طاعة الله. واعلموا انه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله في ما صنع الله اليه وصنع به على ما احب وكره، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله الا ما هو اهله، وهو خير له مما احب وكره. وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، كما امر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم واياكم. وعليكم بحب المساكين المسلمين، فانه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زلّ(16) عن دين الله، والله له حاقر وماقت، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «امرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم». واعلموا انه من حقر أحداً من المسلمين القى الله عليه المحقرة، حتى يمقته الناس والله [له] اشد مقتاً. فاتقوا الله في اخوانكم المسلمين المساكين منهم فان لهم عليكم حقاً ان تحبوهم، فان الله امر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحبهم، فمن لم يحب من امر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين.
واياكم والعظمة والكبر، فان الكبر رداء الله تعالى، فمن نازع الله رداءه قصمه الله واذله يوم القيامة. واياكم ان يبغي بعضكم على بعض، فانها ليست من خصال الصالحين فانه من بغي صير الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه، ومن نصره الله غلب، واصاب الظفر من الله. واياكم ان يحسد بعضكم على بعض(17) فان الكفر اصله الحسد.
واياكم وان تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعوا الله عليكم فيستجاب له فيكم فان ابانا رسول الله (صلى الله وعليه وآله وسلم) كان يقول: «ان دعوة المسلم المظلوم مستجابة». وليعن بعضكم بعضاً، فان ابانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «ان معونة المسلم خير واعظم اجراًمن صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام».
واياكم واعسار احد من اخوانكم من المؤمنين(18)، ان تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر. فان ابانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: «ليس لمسلم ان يعسر مسلماً، ومن انظر معسراً اظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل الا ظله».
واياكم - ايتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها- وحبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، فانه من عجل حقوق الله قبله كان الله اقدر على التعجيل له الى مضاعفة الخير في العاجل والاجل، وانه من آخر حقوق الله قبله كان الله اقدر على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر ان يرزق نفسه، فادوا الى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها الا الله رب العالمين.
وقال: اتقوا الله ايتها العصابة، وان استطعتم ان لا يكون منكم محرج للامام، وان محرج الامام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من اتباع الامام، المسلمين لفضله، الصابرين على اداء حقه، العارفين بحرمته.
واعلموا ان من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج الامام، فاذا فعل ذلك عند الامام احرج الامام الى ان يلعن اهل الصلاح من اتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على اداء حقه، العارفين بحرمته، فاذا لعنهم لاحراج اعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم، وصارت اللعنة من الله و [من] الملائكة ورسوله على اولئك.
واعلموا - ايتها العصابة- ان السنة(19) من الله قد جرت في الصالحين قبل.
وقال: من سره ان يلقي الله وهو مؤمن حقاً حقاً فليتول الله ورسوله والذين امنوا، وليبرأ الى الله من عدوهم، وليسلم لما انتهى اليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا من دون ذلك. الم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون، قال: «فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً»(20) فهذا وجه من وجوه فضل اتباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم، ومن سره ان يتم الله له ايمانه حتى يكون مؤمناً حقاً حقاً فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين، فانه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية ائمة المؤمنين (عليهم السلام) اقام الصلاة، وايتاء الزكاة، واقراض الله قرضاً حسناً، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله الا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله في ما بينه وبين الله مخلصاً لله، ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقاً. واياكم والاصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله: «ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون»(21) الى ههنا رواية القاسم بن الربيع(22).
يعني (ان) المؤمنين قبلكم اذا نسوا شيئاً مما اشترط الله في كتابه عرفوا انهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء، فاستغفروا ولم يعودوا الى تركه، فذلك معنى قول الله تعالى «ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون».
واعلموا انه انما امر ونهى ليطاع في ما امر به، ولينتهي عما نهي عنه. فمن اتبع امره فقد اطاعه، وقد ادرك كل شيء من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهي الله عنه فقد عصاه، فان مات على معصيته اكبه الله على وجهه في النار.
واعلموا انه ليس بين الله وبين احد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم الا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله ان سركم ان تكونوا مؤمنين حقاً حقاً، ولا قوة الا بالله.
وقال: عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم، فان الله ربكم. واعلموا ان الاسلام هو التسليم، والتسليم هو الاسلام، فمن سلم فقد اسلم، ومن لم يسلم فلا اسلام له، ومن سره ان يبلغ الى نفسه في الاحسان فليطع الله، فانه من اطاع الله فقد ابلغ الى نفسه في الاحسان. واياكم ومعاصي الله ان تركبوها فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد ابلغ في الاساءة الى نفسه، وليس بين الاحسان والاساءة منزلة، فلأهل الاحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الاساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه. واعلموا انه ليس يغني عنكم من الله احد من خلقه شيئاً، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، فمن سره ان تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب الى الله ان يرضى عنه.
واعلموا ان احداً من خلق الله لم يصب رضا الله الا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة امره من آل محمد (صلى الله عليهم) ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر. واعلموا ان المنكرين هم المكذبون، وان المكذبين هم المنافقون، وان الله تعالى قال للمنافقين - وقوله الحق-: «ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً»(23). ولا يفرقن(24) احد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من احد من الناس اخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من اهلها،فان من لم يجعله الله من اهل صفة الحق فاولئك هم شياطين الانس والجن، وان لشياطين الانس حيلاً ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم الى بعض، يريدون ان استطاعوا ان يردوا اهل الحق عما اكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من اهله، إرادة ان يستوي اعداء الله واهل الحق في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه «ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء»(25). ثم نهى الله اهل النصر بالحق ان يتخذوا من اعداء الله ولياً ولا نصيراً، فلا يهوّلنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الانس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم الى بعض، فان اعداء الله ان استطاعوا صدوكم عن الحق، فيعصمكن الله من ذلك. فاتقوا الله وكفو السنتكم الا من خير، واياكم ان تذلقوا(26) السنتكم بقول الزور والبهتان، والاثم والعدوان، فانكم ان كففتم السنتكم عما يكره الله عما نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربكم(27) من ان تذلقوا السنتكم به، فان ذلق اللسان في ما يكره الله وفي ما ينهى عنه لدناءة(28) للعبد عند الله ومقت من الله وصمم وعمي وبكم يورثه الله اياه يوم القيامة، فتصيروا كما قال الله «صم بكم عمي فهم لا يرجعون»(29) يعني لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
واياكم وما نهاكم الله عنه ان تركبوه، وعليكم بالصمت الا في ما ينفعكم الله به في امر آخرتكم، ويؤجركم عليه، واكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء علىالله والتضرع اليه والرغبة في ما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه احد، فاشغلوا السنتكم بذلك عما نهى الله عنه من اقاويل الباطل التي تعقب اهلها خلوداً في النار لمن مات عليها ولم يتب الى الله منها ولم ينزع عنها. وعليكم بالدعاء، فان المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بافضل من الدعاء والرغبة اليه والتضرع الى الله والمسألة له، فارغبوا في ما رغبكم الله فيه، واجيبوا الله الى ما دعاكم اليه لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله. واياكم وان تشره انفسكم الى شيء حرم الله عليكم فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة ابد الابدين. واعلموا انه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته، فاختار ان ينهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن اهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة اهلها. ويل لأولئك، ما اخيب حظهم، واخسر كرتهم(30)، واسواً حالهم عند ربهم يوم القيامة! استجيروا الله ان يجريكم في مثالهم ابداً، وان يبتليكم بما ابتلاهم به، ولا قوة لنا ولكم الا به.
فاتقو الله: ايتها العصابة الناجية - ان اتم الله لكم ما اعطاكم، فانه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم، وحتى تبتلوا في انفسكم واموالكم، وحتى تسمعوا من اعداء الله اذى كثيراً فتصبروا وتعركوا بجنوبكم(31)، وحتى يستذلوكم ويبغضوكم، وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم، تلتمسون بذلك وجه الله والدار الاخرة، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله يجترمونه اليكم، وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم، ومصداق ذلك كله في كتاب الله تعالى الذي انزله جبرئيل على نبيكم، سمعتم قول الله تعالى لنبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم): «فاصبر كما صبر اولوالعزم من الرسل ولا تستعجل لهم»(32) ثم قال: «وان يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك»(33)«فصبروا على ما كذبوا واوذوا»(34) فقد كذب نبي الله والرسل من قبله واوذوا مع التكذيب بالحق، فان سركم ان تكونوا مع نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله) والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به انبياءه واتباعهم المؤمنين، ثم سلوا الله ان يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء، والشدة والرخاء مثل الذي اعطاهم.
واياكم ومماظة اهل الباطل، وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله، وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته، فانكم ان لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم. واعلموا ان الله تعالى اذا اراد بعبد خيراً شرح صدره للاسلام، فاذا اعطاه نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به، فاذا جمع الله له ذلك تم اسلامه، وكان عند الله ان مات على ذلك الحال من الملسمين حقاً. واذا لم يرد الله بعبد خيراً وكله الى نفسه، وكان صدره ضيقاً حرجاً، فان جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، واذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فاذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله ان يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه.
فاتقوا الله وسلوه ان يشرح صدوركم للاسلام، وان يجعل السنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وانتم على ذلك، وان يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم، ولا قوة الا بالله، والحمد لله رب العالمين.
ومن سره ان يعلم [ان] الله يحبه(35) فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، الم يسمع قول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله): «قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم»(36) والله لا يطيع الله عبد ابداً الا ادخل الله [عليه] في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد ابداً الا احبه الله، ولا والله لا يدع اتباعنا احد ابداً الا ابغضنا، ولا والله لا يبغضنا احد ابداً الا عصى الله، ومن مات عاصياً لله اخزاه الله واكبه على وجهه في النار، والحمد الله رب العالمين(37).
*******
(1) هو حفص بن عمر بن محمد، كان مؤذناً لعلى بن يقطين، كما ذكره ابو عمرو الكشى، وكما ذكره في الكافي (باب اجناس اللباس) وهو امامي الا ان حاله مجهول.
(2) أي معاملتهم بالجميل.(3) الضيم: الظلم، والمماظة: شدة المخاصمة والمنازعة.(4) تختلف النسخة المطبوعة من الروضة عن نسخة الكتاب في بعض فصول هذه الرسالة لكنها توافق نسخة الوافي، وقال المجلسي (ره): قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه في بعض النسخ بسبب تقديم بعض الورقات وتأخير بعضها. وفيها قوله «ولا صبر لهم» متصل بقوله في ما بعد «من اموركم».
(5) ان تطلعوهم (خ).(6) ص : 28.(7) في المصدر: «نعمه»(8) فيه: «بغالكم».(9) في بعض النسخ «الجبر».(10) الانبياء: 73.(11) القصص: 41، وفي المصحف «وجعلناهم» ولعل «منهم» قراءة أهل البيت (عليهم السلام) او من تصرف الراوي.(12) آل عمران: 144.(13) الانعام: 120.(14) في المصدر: «حرمه الله».
(15) اشارة الى قوله تعالى «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم» (الانعام: 108).(16) ضل (خ).(17) في المصدر «بعضكم بعضاً» وكذا في النسخة المصححة.(18) المسلمين (خ).(19) لعل المراد بها ما ذكره آنفاً من لعن من يسعى به من الصالحين وصيرورته رحمة عليه.(20) النساء: 69.(21) آل عمران: 135.
(22) أي ما يذكر بعده لم يكن من رواية القاسم بل كان في رواية حفص بن اسماعيل.(23) النساء: 145.(24) فرق - كسمع- منه: فزع وخاف.(25) النساء: 89.
(26) من ذلاقة اللسان بمعنى فصاحته وحدته.(27) في بعض النسخ «وان تذلقوا».(28) مرداة (خ).(29) البقرة: 18.(30) واحسر كربهم (خ).(31) عرك الاذى بجنبه: احتمله.(32) الاحقاف: 35.(33) فاطر: 4.(34) الانعام: 34.(35) في المصدر: «ان يعلم ان الله عزوجل يحبه».(36) آل عمران: 31.
(37) روضة الكافي: 2- 14، على اختلاف في بعض الفصول كما نبهنا عليه، وذكر مختارها في تحف العقول: 313-315