كوكب الأرض في خطر.. اخفضوا الحرارة
لكل إنسان بيت وسكن يأوي إليه، يحبه ويحافظ عليه، ويهتم ويعتني بممتلكاته، والكائنات الأخرى أيضاً تشاركنا -نحن البشر- بهذا الحق الطبيعي، فلم نرَ أو نسمع بكائن حي يهدم بيته وبيئته التي تحتضنه ويجلب الدمار والخراب لها مثل الإنسان، الذي أسرف وتمادى وقسا بالتعامل مع الطبيعة، ومن سوء حظ الكائنات الحية الأخرى أنها تشاركنا البيئة نفسها، التي لم نُلقِ بالاً لخرابها.
ولا يخفى على أحد أن الإنسان هو المتسبب الرئيس بإحداث التغيّر المناخي؛ وذلك بسبب اندفاعه المفرط نحو الحضارة والتقدم والرقي وبناء المجد، على حساب البيئة والظروف الطبيعية التي عاش بها الإنسان والكائنات الحية بوئام وتناغم منذ آلاف السنين.
فمنذ انطلاق الثورة الصناعية العالمية وإلى يومنا هذا، قد ازدادت درجات الأرض بمقدار(1.2) درجة مئوية؛ بسبب استخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، وهذه الموارد الأحفورية أطلقت غازات تحبس الحرارة؛ كثاني أوكسيد الكربون، الذي يعتبر من أهم أسباب الاحتباس الحراري.
فشعوب العالم اليوم تتصايح خوفاً وهلعاً، والمؤسسات العلمية والتقنية تزداد أبحاثاً ودراسات، ومنظمات حماية البيئة العالمية تتسارع في إبرام البروتوكولات والاتفاقيات لتحقيق برامج البيئة النظيفة والتنمية المستدامة على الأرض للحد أو التخفيف من الأسباب المؤدية إلى الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي، وليكون المستقبل آمناً للجنس البشري والأحياء الأخرى.
ويتوقّع باحثون في معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهد قبرص في نيقوسيا، مصيراً مظلماً يهدد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقالت الخبيرة فرانشيسكا دوشاتيل، المختصة بقضايا المياه في الشرق الأوسط، إن الحكومات في المنطقة غير قادرة على التعامل مع النمو السكاني الكبير والتغيرات المناخية، وتتوقع الأمم المتحدة أن سكان 22 دولة عربية مجتمعة سيرتفع من 400 مليون إلى ما يقارب الـ 600 مليون نسمة بحلول عام 2050، وهذا الأمر سيكلّف البلدان خسائر كبيرة، في ظل توقعات علماء المناخ أن معدّل درجات الحرارة سيرتفع أكثر، ومعدل الأمطار سينخفض، وكذلك ازدياد ملوحة المياه الجوفية جراء ارتفاع منسوب مياه البحر.
وبلدي العراق ليس بمنأى عن التأثيرات السلبية والخطيرة لظاهرة التغير المناخي، بل إنه في قلب المشكلة المناخية؛ إذ سجلت في محافظة البصرة أعلى درجة حرارة في العالم، بحسب جدول لمحطة "بلاسيرفيلي" في كاليفورنيا الأمريكية، نشر بتاريخ 4 أغسطس/آب العام الماضي، إذ بلغت درجة الحرارة 51.9 درجة مئوية.
حيث يقع العراق ضمن المنطقة الجافة وشبه الجافة، والتي تكون قاحلة يسود فيها المناخ القاري البارد شتاء والحار صيفاً، والذي يتميز بقلّة سقوط الأمطار وندرة المياه، وإذا ما استمرّت درجات الحرارة بالارتفاع فهذا يعني مزيداً من الجفاف، وانخفاض معدلات سقوط الأمطار، وتقلّص المساحات الخضراء، إذ إن مناطق عديدة من العراق مهدّدة بالجفاف والتصحّر، كمنطقة سهل نينوى، الذي يعتبره الاقتصاديون "سلة خبز العراق"، وكثير من الأهوار في جنوب العراق، ومنطقة الفرات الأوسط سيصيبها الجفاف أيضاً، وهذا يعني أن الجاموس العراقي مهدّد بالنفوق والانقراض تدريجياً، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأحياء المائية التي تعيش وترتاع في تلك الأهوار، علماً أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو قد أدرجت أهوار العراق على لائحة التراث العالمي.
والفلاح والمزارع العراقي هو الآخر سيتضرّر من ارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف، ما يضطره للهجرة إلى المدينة، ليزداد الضغط السكاني والاقتصادي عليها، ومن ثم على مواردها، الأمر الذي سيولّد أعباء كبيرة على الدولة لتلبية متطلّبات السكان الغذائية بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى المتطلّبات الأخرى، وهذا نذير شؤم للزراعة الوطنية التي تعتبر من أهم مقوّمات الاقتصاد الوطني بعد النفط، ومن آثار الجفاف الأخرى تدمير معالم البيئة لكثير من الأحياء النباتية والحيوانية، وهجرة الطيور الأصلية فيها، ومثال على ذلك غابات الموصل الشهيرة، التي أخذت تتقلّص بسبب الجفاف وشحّ المياه، وهي معرّضة للتلف والاندثار إذا ما استمرّت درجات الحرارة بالارتفاع. ولو توجّهنا إلى أقصى جنوب العراق، إلى مدينة البصرة تحديداً، إذ إنه من المتوقّع أن تقلّ وفرة المياه العذبة في تلك المدينة بسبب انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات؛ لقلّة سقوط الأمطار، ولجفاف الروافد المغذّية لهذين النهرين، ما يؤدي إلى دخول مياه الخليج المالحة إلى العمق العراقي، ومن ثم تلف آلاف الهكتارات من مزارع النخيل والحمضيات في محافظة البصرة.
وبحسب تقرير قسم العلوم الطبيعية في اليونسكو- مكتب العراق، فإن العراق سيخسر نحو 100 ألف دونم سنوياً من الأراضي الزراعية نتيجة التصحّر وتملّح التربة، ما يؤثر في سبل عيش الناس الذين يعيشون في المجتمعات الريفية الضعيفة وتتدهور صحتهم، كما أن تدهور الظروف البيئية يؤدي إلى ندرة المياه الصالحة للشرب، وتراجع الغطاء النباتي، وتدمير الثروة الحيوانية.
كل ما سبق ذكره أعلاه هي مشاكل حتمية الحصول إذا ما ارتفعت درجة حرارة الأرض فوق مستوى (1.5)، وهذا الأمر يتطلّب موقفاً عالمياً جدياً للحد من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للتغيُّر المناخي.