قد تبدو كوحدة تخزين معلومات عادية، لكن الأفضل أن تدقق النظر وتتأكد. ما يبدو أنه وحدة تخزين معلومات USB هي في الواقع أداة جديدة يمكنها تتبع أثار الحامض النووي «DNA» بمجرد توصيلها بالحاسوب النقال. مجرد إدراك أن مثل هذا الجهاز قد تم إختراعه يضمن قفزات ما بعدها قفزات في مجالات صناعة الدواء والأبحاث الجينية.
تركيب الحامض النووي المعروف باسم اللولب المزدوج
التحفة العلمية الجديدة من بكورة أعمال شركة «أوكسفورد نانبور» البريطانية، وتحمل أسم MinION. أوضحت الشركة المنتجة أن الاختراع الجديد قادر على تتبع أبسط وأدق الكروموسومات مثل تلك الخاصة بأنواع الفيروسات والبكتيريا في ثوان قليلة. فضلاً عن ما أكدته الشركة خلال مؤتمر تطورات علم وتكنولوجيا الجينوم، الذي جرت فعاليته بفولوريدا الأمريكية، من أن جهازها الذي يبدو بسيط الهيئة، يستطيع في الواقع تتبع الحامض النووي للخلايا خلال عمليات الفحص للتأكد من وقوع إصابة سرطان من عدمها، فضلا عن تحري بقايا العظام، في حالات الكشوف الأثرية.
خلال مؤتمر فلوريدا، قام أصحاب MinION بإجراء اختبار حي،أثبتوا فيه قدرة جهازهم الجديد على تتبع فيروس من النوع غير المعقد يعرف باسم في- أكس، لكن إن استطاع الجهاز المبتكر أن يتربص بهذا الفيروس البسيط ويكشف طبعه وخصاله، فهو قادر حتما على كشف غيره من الفيروسات الأكثر تعقيدا وإن استهلك وقتا أطول، لكن الأخبار السارة لا تتوقف عند هذا الحد، فالشركة البريطانية تعكف حاليا على تصنيع جهاز أكبر باسم GridION للاستعمال في المعامل. سواء كان الجهاز في نسخته الصغيرة أو الأعظم، فالتكتيكات التكنولوجية المستخدمة واحدة. فعينة الحامض النووي تضاف إلى سائل به إنزيمات، وعند إضافة تيار مائي إلى المحلول، فإن الإنزيمات وعينة الحامض النووى تجذبها المئات والمئات من الآبار التي شكلها التيار المائي، لتتحول إلى غشاء في قاع السائل.
جهاز MinLON سبق جديد لفك شفرة الحامض النووي
في قلب كل واحدة من هذه الآبار الصغيرة، نسخة معدلة من البروتين «ألفا» بحالته الدموية (AHL) بأنبوبة أسطوانية داخلية يصل قطرها إلى ما لا يزيد عن 10 نانوميتر. و مع انجذاب عينة الحامض النووي إلى المسام، فأن الإنزيمات تلتصق بالبروتين «ألفا» وتبدأ عملية ساحرة لفك شفرة العينة.
لكنها ليست أول محاولة للتتبع وفك شفرة عينة للحامض النووي وحتما لن تكون الأخيرة، فما الذي يميز هذه التقنية الجديدة عن غيرها. مبدئيا، مع هذه المقاربة العلمية المستحدثة لا حاجة إلى اللجوء إلى عملية تضخيم عينة الحامض النووي، وهي خطوة كانت تستهلك من الوقت والجهد الكثير والكثير. ثانيا، التقنية الجديدة تمكن من تتبع الحامض النووي حتى 10 آلاف قاعدة بلا توقف، فيما تلزم الأساليب الأخرى بفك العينة إلى جزيئات أصغر وتحويلها إلى المئات من القواعد، وذلك يتطلب أنه بمجرد الانتهاء من قراءة جزيئات هذه العينة، إعادة تجميعها في عملية شاقة كتجميع جزيئات صورة بانورامية كبيرة. أما مع التقنية الجديدة، فالمسألة مختلفة، مجرد قراءة واحدة مرة واحدة وتكون أسرار العينة بين أيدي مستخدمي MinION.
برغم عظمة الإنجاز، يبدو أنه سيواجه منافسة شرسة قد تنزع عنه لقب الأفضل. فقد أعلنت شركة منافسة أسسها ويديرها عالم يدعى جوناثن روسبيرج، أنها على وشك رفع الستار عن جهاز جديد يمكنه تتبع الحامض النووي وقراءته، حتى أنه يمكنه قراءة وتحليل جينوم بشري خلال فترة ضئيلة لا تتجاوز ساعتين وبتكلفة تقارب الألف دولار، على النقيض من MinION، الذي يستغرق ست ساعات كاملة لإنجاز مهمة مماثلة.