بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ليس العلم وقفاً على من يحمل الشهادات، فقد يكون الإنسان عالماً بيده لا بمدرسته وكتابه، مثل الرجل يقضي حياته كلها في الحقل أو في المصنع، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع هذا يعرف من مهنته الخاصة أكثر من الذين تخصصوا بها، وأمضوا العديد من السنوات في المدرسة والكلية، وأيضاً ليس عمل الخير والفضيلة مقتصراً على من قرأ الأخلاق أو تخصص بعلمه، فمن الممكن أن يكون المرء فاضلاً في أخلاقه دون أن يستطيع تعريف الفضيلة كما قيل.
وقال الشيخ محمد عبده ما لفظه أو معناه: قد يوجد مسلمون في غير بلاد الإسلام، ولا يوجد مسلمون في بلاد الإسلام. يريد أن بعض الناس قد لا يتخذ الإسلام ديناً، ومع ذلك يتخلق بأخلاقه، وآخر قد ينتمي إلى الإسلام، ولكنه أبعد الناس عنه. قال الإمام أمير المؤمنين(ع): رُب عالم قد قتله جهله، وعلمه معه لا ينفعه.
فالعلم بلا عمل الجهلُ خير منه، والمعرفة بالمباشرة والممارسة تدخل في العلم العملي أو التطبيقي أو (التكنيك) بالتعبير الدارج، ويعتمد هذا العلم على الظواهر الجزئية والمشاهد الحسية، ويتخذ منها مجالاً للدراسة والاختبارات، ويصوغ من نتائجها أحكاماً وقضايا مستمدة من الحس والتجربة، ويعتمد العلم النظري على التفكير والتأمل، وقضاياه حدسية لأنها تدور في عقل الباحث، ولا تستند إلى أذن أو عين، وقد تتجاوز هذه القضايا حدود الفكر والكلام إلى عالم التجربة والامتحان، فان وجدت في العمل والتطبيق البرهان على صدقها اتحد النظر والعمل، وكانت القضية ذات وجهين: نظرية لأن مصدرها الأول الفكر، وأيضاً عملية لمكان التوافق والتطابق بين النظر والعمل، بين التصور والواقع، وبكلمة: العلم العملي ينطلق من الجزئيات والعلم النظري ينطلق من الكليات.
والأخلاق النظرية هي من هذا النوع، لأنها الأصل والمدرك للأخلاق العملية .. فالصلة بينهما صلة النتيجة بمقدماتها، والمدلول بدليله. وقد يظن أن المراد بالأخلاق العملية هنا تقييم العمل والسلوك الموجود بالفعل والحكم عليه بعد حدوثه، وليس هذا بمراد، وإنما المراد بالأخلاق العملية، الأحكام الفرعية التي تتعلق بالعمل مثل افعل، ولا تفعل. فهي عملية لأن موضوعها نفس العمل، وأيضاً يسوغ أن نطلق عليها كلمة (نظرية) من حيث انها مجرد تشريع وانشاء