بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾
الدمعة الصادقة تألف من عنصرين:
العنصر الأول: الانفعال لهدف إنساني.
العنصر الثاني: أنها وسيلة لتحقيق ذلك الهدف الإنساني.
فهي تجمع الانفعال والفعل، الانفعال لهدف والفعل من أجل لتحقيق الهدف، أذن الدمعة الصادقة دمعة هادفة وليست دمعة غير هادفة، الدمعة الصادقة دمعة واعية وهادفة.
بيان الحاجة الفطرية والإنسانية لدمعة الصادقة
هل الدمعة علامة ضعف؟! أم هي علامة قوة؟! ربما يتصور إِنسان أنّ الدمعة علامة ضعف، الدمعة من شؤون المرأة لأنها مخلوق ضعيف خصوصاً في المُجتمع العربي فذلك تتوسل إِلى التعبير عن ضعفها بالدمعة، والدمعة لا تنسجم مع الشخصية البطلة ذات الإرادة الحديدة والرجولة، الدمعة يحتاج إليها الإنسان حاجة إِنسانية داخلية، أنت مُحتاج بِفطرتك إلى أن تبكي إلى أن تدمع عينك كيف؟!
منطلقات ثلاثة للحاجة الفطرية للدمعة والبكاء
المنطلق الأول:
أنّ الدمعة والبكاء علاج لِرفع الضغوطات النفسية، وهذا يذكره علماء الصحة النفسية يقولون ضروري يأتوا معك ناس للبكاء ولو تستأجرهم بأموالك، البكاء ضروري لِ علاجك، الإنسان أحياناً يمر بضغوطات اجتماعية وأسرية، عنده مشاكل مع عائلته مع أصدقائه، أذا خيمت عليه الظروف القاسية وسيطرت عليه الهموم والغموم فهو محتاج حاجة إلى التنفيس ما لم ينفس فهو يتحول إلى إِنسان انتقامي، والإنسان الانتقامي عضو خطر على المُجتمع، أذا من أجل علاجه لكي لا يتحول إِلى شخص انتقامي يحتاج إلى أنّ يبكي لي يكون البكاء وسيلة لِ تنفيس ولتخفيف الضغوط النفسية أذا البكاء هنا حاجة فطرية.
المنطلق الثاني:
أنّ البكاء يا أخوان وسيلة الردع الذات كيف؟! طريق التغير هو ردع الذات، تقدر تغير ذاتك من غير أن تردعها؟ لا يمكن، طريق ردع الذات قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾الإنسان أحياناً يفرط في المعاصي والرذائل يفرط في الذنوب ثم يلتفت إلى نفسه وجد نفسه مُظلمة مكفهرة نتيجة كثرة الذنوب والمعاصي، أذا وجد نفسه مظلم مسود ومكفهرة حتى الإنسان الملحد الذي لا يعترف بالذنوب أحياناً يفرط في الخطأ والجرائم فيلتفت إلى نفسه يجدها مُظلمة مسودة ومكفهرة نتيجة كثرة الذنوب والأخطاء والمعاصي، ما هو طريق التغير؟! كيف أغير ذاتي؟!
طريق التغير يقول علماء العرفان: «مُراقبة، مُحاسبة، مُعاتبة، محاربة» أربع مراحل يمر بها طريق التغير يبدأ أولاً:
المرحلة الأولى مرحلة المُراقبة:
أُراقب ذاتي في أين أمشي وَ إلى أين أمشي ومع من أمشي، الإنسان الذي ينفس في المعاصي ولا يتلفت إلى ذاته، الإنسان الذي يتغافل عن أخطائه، الآخرين عندهم أخطأ أم أنا لا ليس عندي أخطأ، الإنسان الذي يكون قادراً على تغافل أخطائه، لن يكون قادراً على تغير ذاته أبداً، أذا المرحلة الأولى مرحلة المراقبة. قرأت الذات ما هي سلبياتي؟ ما هي أخطائي؟ ما هي نقاط الضعف في شخصيتي؟ ما هي تجاوزاتي؟
المرحلة الثانية مرحلة محاسبة النفس:
ورد عن النبي مُحمَّدٍ ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا“ يعني أفرزوا الأخطاء عن الإيجابيات وركز وعلى السلبيات، وكُلّ سلبية ما هو خطائها؟ ما هي أضرارها؟ ما هو أثارها؟ هذه محاسبة النفس.
المرحلة الثالثة مرحلة المُعاتبة:
إلى متى أنا هكذا؟ أذا كل واحد يسأل نفسه هذه السؤال إلى متى أنا هكذا؟ يتغير، إِلى متى أنا مع المعصية؟ إلى متى أنا مع الرذيلة؟! إلى متى أنا عندي علاقة غير مشروعة؟! إلى متى أنا أسمع الأغنية؟! إلى متى أنا عندي عقوق للوالدين؟! إلى متى إلى متى.؟ هذه مرحلة المُعاتبة.
المرحلة الرابعة مرحلة المُحاربة:
المُحاربة يعني بداية الردع بداية ردع الذات بالمُحاربة ورد عن النبي مُحمّدٍ : ”أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه“ جهاد مرير صارع، أقف، إلى متى أنا لا أوقف نفسي عند حدها وأقف أمام نفسي قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ نصل إلى مرحلة المُحاربة المحاربة يا أخوان أذا تفاعل مع محاربة النفس سيصل إلى البكاء سيصل إلى الدمعة الصادقة.
الدمعة الصادقة هي علامة المُحاربة، أنت وصلت إلى المُحاربة، وصولك إلى مُحاربة النفس الدليل عليه هو الدمعة الصادقة، الدمعة الصادقة طريق لردع الذات وهي طريق التغير، وأنت محتاج إلى الدمعة الصادقة، أذا الحاجة إلى الدمعة الصادقة حاجة فطرية.
المنطلق الثالث:
الدمعة الصادقة أذات لترسيخ القيم الضميرية هذه القيم الضميرية مصطلح نُعبر عنها بالمبدأ العملية كيف؟! المبادئ على قسمين:
هناك مبادئ نظرية.
هناك مبادئ عملية.
2+2 =4 هذه قضية نظرية وليس لها ربط بِالسلوك، المسافة بين الشمس والأرض كذا ميل هذه أيضاً قضية نطريه ليس لها ربط بِالسلوك، أما العدل جميل، الظلم قبيح، الأمانة جميلة، الخيانة قبيحة، هذه قضايا سلوكية عملية. القضايا السلوكية والعملية لا ترسخ في الإنسان إلا أذا تفاعل القلب مع العقل، القلب لا يكفي، الظالم يعرف أن الظلم قبيح مع ذلك يظلم، وكذلك الكاذب يعرف أن الكذب قبيح مع ذلك يكذب، أذن القضايا العملية وإلا لا ترسخ في الإنسان إلا أذا تفاعل القلب مع العقل، أن يصل التفاعل إلى حد البكاء ”الدمعة الصادقة“.
إذا بكاء الإنسان لقضية سلوكية رسخت في قلبه ورسخت في سلوكه مثلاً: أنا مؤمن بِقيمة جمالية وهي قيمة الولاء للوطن، الولاء للوطن من القيم الجمالية لكن أذا أشاهد فلم عمر المختار وتفاعلت مع قصة عمر المختار ووصل التفاعل إلى حد البكاء هذه الدمعة الصادقة ليس تفاعل مع شخصية عمر المختار مع قيمة جمالية وهي الولاء لتربة، مبدأ هذه القيمة تحولت إلى سلوك راسخ لأنني تفاعلت معها حد البكاء والدمعة الصادقة.
أذن بالنتيجة: الطريق لتقوية المبدأ والقيم وهي الدمعة الصادقة، من القيم الجمالية التي لا يمكن للنفس إلا أن تتفاعل معها إلا بالدمعة لصادقة قيمة ”رقة القلب“ نحن مبتلون بِمرض قسوة القلب قال تعالى:﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾قسوة القلب التي عبرنا عنها في الليلة السابقة بالجفاف، أنا لا أتفاعل مع الدعاء أقرأ دعاء كميل لكن ما أتأثر أصلي نافلة لكن لا أتأثر، أرى الجنازة أمامي لكن لا أتأثر، أذا أنا مصاب بِمرض قسوة القلب، هذا المرض له أسباب من أسبابه:
كثرة الذنوب: الإنسان أذا تمادى بالذنوب قسا قلبه قال تعالى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾رين صبغ قلبي من ذنوبي.
اللهو: مثلاً: الإنسان طول وقته يسمع أغاني مشغول بالطرب يموت قلبه لا يتأثر بجنازة ولا دعاء، لان وقته مشغول بالاهتزازات النفسية الداخلية نتيجة انغماسه في الطرب لذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ : ”الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع“.
الشره: يعني الحرص على الدنيا يطلع من الصبح يرجع متى؟ الليل، كم تقضي من النهار والليل أفترض 16 ساعة، 16 ساعة يقضيها في ماذا؟! في جمع الأموال هل 16 ساعة تقضيها لقبرك أم تقضيها لِجيبك..؟ 16 ساعة..! ولا منها عشر لِقبرك.! أذن متى تتهيأ لقبرك؟ شره شره على الدنيا والأموال. ورد عن الإمام علي ”مَثَلُ الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلّما ازدادت من القز على نفسها لفّاً، كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غمّاً“ مر الإمام علي يوم من الأيام بسوق الكوفة وهو خليفة نظر إلى السوق شاهد هذه يحلف وهذا يتشاجر وهذا يسوق وهذا يغش ”سوق“ وقف وصار يبكي وقال عبيد الله أذا كنتم بالليل تنامون وبِالنهار تحلفون ومابين ذلك أنتم غافلون متى تهيؤن لِزاد وتستعدون للميعاد ”متى وأي وقت الذي بقي للقبر.؟ كُلّ الوقت لأمولانا بطوننا لراحتنا لجيوبنا ومساندنا، ما بقي وقت لقبرنا، لذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله علهي وآله“ لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء ".
مجالسة الموتى: أتدري من الموتى..؟ ورد عن النبي مُحمّدٍ ”خمس تقسي القلب، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ترادف الذنب على الذنب «ذنب على ذنب ما عنده توبة ريح من ذنب إلى ذنب»،ومجاراة الأحمق يجلس مع ناس حمقه، وكثرة منافسة النساء“ كيف يعني هذه الآن المرأة طبيعتها لأنها امرأة تحافظ على جمالها، تصرف ساعات على شكلها على زينتها وجهه وشعرها.. الخ وكذلك الشباب أصبحوا ينافسونها يصرفون الساعات على أشاكاهم وشعورهم ساعة هنا وساعة هنا ساعة كيف يرتب شكله ساعة كيف يرتب نفسه هذه الانشغالات تقسي القلب ”وطول ملازمة المنزل على سبيل الإنفراد والوحدة والجلوس مع الموتى. قيل وما الموتى؟ قال“ كلّ عبدٍ مترف فهو ميت، وكلّ من لا يعمل لآخر ته فهو ميت "، أنا أجلس مع فاسق أجلس إلى ما همه إلا المباره الفلانية واللعب الفلاني والمسلسل الفلاني والفلم الفلاني، طول وقته مشغول بهذه القضايا الدنيوية، يوم ما تسمع منه شيء في الآخرة ما تسمع منه شيء أبداً، هذا لا ينفعك. الذي تجلس معه يتحدث عن المعاصي والرذائل ويتحدث عن فلان عنده علاقة مع فلانة وفلان فيه كذا وكذا..
هؤلاء موتى مجالستهم تقسي القلب، جالس من يذكرك بالآخرة جالس الشخص الذي يوم من الأيام يقول خلينا نروح المسجد خلينا نروح حسينية نسمع الخطيب الفلاني أو المحاضرة الفلانية، نصغي لقول كذا، الشخص الذي يذكرك بالله والآخرة أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أذن قسوة القلب مرض ورقة القلب قيمة من القيم الجمالية، ما هو الطريق لاكتسابها؟
الطريق لاكتسابها الدمعة الصادقة، أذا تفاعل الإنسان مع الآخرة ورقة القلب بدمعة صادقة فهو طريق لكسب قيمة جمالية وهي رقة القلب ومالي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت. فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني..... البكاء والدمعة الصادقة تغذيك برقة القلب.