ومن مأثور ذاكرتي انني لا زلت اتذكر جيداً كيف كنت التذ بترانيم صوت جدي وهو يتلو آياتٍ من مصحفه العتيق ذي الاوراق السمراء التي تنتشي لها عروقي كلما استنشقت عطرها .
كان قد اعتاد ذلك الجدّ الحنون أن يجلس فجراً على الكرسي القصبي -الذي لم اعد اراه منذ سنوات- في باحة المنزل "الطارمة"، يرتدي نظارته ذات الاطار الاسود السميك ، يُقبّل ذلك المصحف ثم يفتحه برويّة ويقرّبه للغاية من عينيه وكأنه يتمعّن في تفاصيله ثم يطلق العنان لحنجرته الهرمة ويشدو بالايات الكريمة بطورٍ عراقي -بغدادي- يتيم ..
كنت لا افقه كثيراً مما يتلوه ومع هذا كنت احبّ ان اجلس على مقربة منه ويدي اليمنى مبسوطة تحت ذقني لأنصِتَ بامعان لتلاوته التي كانت تطرب لها اذناي ايما طرب. كان لديكِهم العجوز -الذي اعتاد كغيره من ابناء جنسه منذ ان وُجدوا على الارض ان ينام مبكراً ويصحو مبكراً- دوره ايضاً في اضفاء رونقاً مميزاً الى ذلك الجو الفريد حين يُطلق صياحه بين برهة واخرى بلا هوادة غير مكترثاً للجد !!
كان ذلك قبل ما يقرب العقد من الزمن ..
ما أن بدأت ازداد سناً وأفقه مما يتلوه جدي ، أخذ هو الاخر ايضاً يطعن في السن ويذبل في القوة ، أخذت يداه تزداد ارتجافاً كلما حمل المصحف الذي اصبح اثقل عليه من ذي قبل وازداد بصره ضعفاً وصار يرفع المصحف الى عينيه اكثر من السابق ايضاً. لكنه استمر على عهده القديم فلا يقرّ له ساكنٌ ان لم يستهلّ يومه ولو ببضع آيات من الذكر الحكيم وان شقّ عليه ذلك. اما الديك العجوز فلا اعلم في أي بطن تسكن اشلاؤه المشوية الآن !!
كان يسهر كثيرا..كي لا يستيقظ باكرا...لأن الصباح للسعداء و هو ليس منهم ....لا ادري اين هو الآن...لكن على الأرجح هو في مكان ما لوحده ..
لطالما آمنت بأن الموت مصير افضل من الحياة ..
لأنك ستنجمع مع أَحِبَّائِك المفقودين ..
لكن ..
لن نتقابل مجدداً يا صديقي ..
و لكن لدي احساس أن إلهك لن يعترض على زيارتي لك في الجنة ..
اسمه فيليب
لقاء صحفي
لا جذب هههه
جلسة لمريض و صوروها