عندما تنتج الشمس ثلجًا
ظل الإنسان لعهود طويلة يستخدم الشمس لأغراض التدفئة والطهي، ويستظل منها كلما اشتد القيظ، إلا أن هناك استخدامات وتطبيقات جديدة للطاقة الشمسية يتحول معها الضوء المتوهج والحرارة الشديدة إلى أداة للتبريد والتكييف، بل ولصناعة الثلج.إن تكنولوجيا التبريد الشمسي الآن تعتبر من أهم تطبيقات الطاقة الشمسية، خاصة أنها طاقة نظيفة ومتجددة لا تحتاج لتقنية عالية للحصول عليها وتخزينها، فضلاً عن أنها غالبًا ما تستخدم فيها مواد صديقة للبيئة، وهو ما يعطي لها أهمية، خاصة مع انتشار التلوث، وتعرض مواد الطاقة التقليدية كالمحروقات للنضوب، وارتفاع تكاليف استخراجها.تبريد بالحرارة والضوء
ومن بين العديد من تطبيقات تكنولوجيا التبريد الشمسي التي أصبحت متاحة بالفعل، تذكر الدكتورة نجوى خطاب -أستاذة ورئيسة قسم الطاقة الشمسية بالمركز القومي للبحوث بمصر- أنه تم تصميم نظام تبريد شمسي كهروحراري، واختبار قدرته لتشغيل ثلاجة شمسية كهروحرارية صغيرة سعتها 14 لترًا، وتبريد ما بداخلها حتى 25- 30 درجة تحت درجة حرارة الجو، وهو ما يجعلها أخف وزنًا وأيسر صيانة عن مثيلاتها المستخدمة في حفظ الأمصال والمطاعيم ، وهذا بالطبع يتيح إمكانيات إضافية للتوسع في استخدامها لحفظ الأمصال والمطاعيم ، والتنقل بها في المناطق الريفية، والجبلية، ومناطق التنقيب عن المعادن، والمناطق الحدودية البعيدة عن مناطق العمران، وكذلك يضمن حصول قاطنيها على حقهم في الرعاية والإمدادات الصحية الأساسية، فضلاً عن أنها صديقة للبيئة؛ إذ لا يصدر منها صوت على الإطلاق، ولا حاجة بها لغاز الفريون الذي يؤدي انبعاثه في الجو للإضرار بطبقة الأوزون.
وتقوم الثلاجة الشمسية بالتبريد من خلال جهاز تبريد كهروحراري غاية في البساطة، لا يحتوي على أي أجزاء متحركة ولا سوائل تبريد، وهو عبارة عن دائرة كهربية تتكون من نوعين من أشباه الموصلات: أحدهما طراز N، والآخر طراز P.
ويعتمد جهاز التبريد الكهروحراري في تشغيله على "نظرية بلتير"؛ حيث إنه وفقًا لهذه النظرية يتم تمرير تيار كهربي مستمر من مصدر خارجي في دائرة كهربية من أشباه الموصلات، وفيها تتجه الإلكترونات الحاملة للحرارة إلى أحد طرفيها، وهو ما يؤدي إلى سخونته (الوصلة الساخنة)، بينما تنتقل الإلكترونات الحاملة للبرودة إلى طرفها الآخر (الوصلة الباردة)، وباستمرار مرور التيار يصبح لدينا سطح بارد؛ هو المبخر الذي ينقل البرودة إلى داخل الثلاجة، وآخر ساخن؛ وهو المكثف الذي ينقل السخونة إلى خارج الثلاجة، وتعمل الإلكترونات هنا كحامل للحرارة بدلا من سائل التبريد.وتستخدم الطاقة الحرارية للشمس كمصدر للطاقة في هذا النوع من الثلاجات بواسطة طريقتين:ثلج من الشمس
الطريقة الأولى يتم فيها تجميع أشعة الشمس بواسطة مركزات شمسية تتكون من عدسات مجمعة للأشعة (عدسات لامة)؛ لتسخين بعض الزيوت والسوائل التي تتميز بقدرتها على تحمل درجات الحرارة ما بين 100 و130 درجة مئوية، وتخزينها في خزانات حرارية تحفظها ساخنة؛ لاستخدامها على مدار اليوم في تسخين المولد الكهروحراري الذي يستخدم في توليد التيار الكهربي المستمر اللازم لتشغيل وحدة التبريد.
ويتم ذلك بوضع أحد طرفي المولد في الزيت الساخن؛ فيمتص منه الحرارة ويسخن، ويترك الآخر باردًا، وهو ما يؤدي لتمدد الإلكترونات الموجودة على السطح الساخن وتحركها إلى السطح البارد، ثم تتحرك الإلكترونات الباردة في الاتجاه المعاكس، الأمر الذي ينتج عنه توليد قوة دافعة كهربية، فيما يعرف "بنظرية بلتير"، وتستخدم تلك القوة الكهربية في تشغيل المولد الذي يتكون في هذه الحالة من نفس أجزاء الثلاجة.
أما الطريقة الثانية فيتم الاستعاضة فيها عن المحول الكهروحراري بالخلايا الشمسية الكهروفولتية، ويتم تصنيعها من السليكون؛ حيث تؤدي الطاقة الضوئية للشمس الساقطة عليها إلى استثارة الفوتونات الضوئية الموجودة بتلك الخلايا؛ لينتج عنها طاقة حرارية، وهو ما يؤدي لترك الإلكترونات الساخنة لمواقعها إلى مواضع أقل حرارة، وتحرك الإلكترونات الباردة في الاتجاه المعاكس، وهو ما ينتج عنه قوة دافعة كهربية تستخدم في توليد التيار الكهربي المستمر اللازم لتشغيل الثلاجة.
وفي جميع الأحوال تستخدم بطارية جافة لتخزين الطاقة الكهربية المتولدة واستخدامها في أثناء الليل.
وتؤكد الدكتورة نجوى أن الاختبارات العلمية والعملية التي أجريت بالمركز أثبتت نجاح تشغيل الثلاجة الشمسية الكهروحرارية بكلتا الطريقتين بأحسن أداء على مدار العام تحت الظروف المناخية للقاهرة.
وأحد التطبيقات الأخرى للتبريد الشمسي هو إنتاج الثلج؛ حيث يتم ذلك من خلال جهاز بسيط يتكون من مستقبل لأشعة الشمس، ومجموعة من المواسير والصمامات، ومخزن أو مولد للأمونيا، وخزان معزول لإنتاج الثلج، وكل المطلوب هو ملء قوالب معينة بالماء، وفي الصباح يتحول الماء بكل بساطة إلى ألواح من الثلج.
وتعتمد النظرية العلمية لتشغيله على تمدد وتكثيف غاز النشادر "الأمونيا" نتيجة فرق درجات الحرارة بين النهار والليل، وعن طريق التبادل الحراري يستهلك الغاز الحرارة من الماء ليتحول تدريجيًّا إلى ثلج.
وينتج هذا الجهاز حوالي 500 كجم من الثلج يوميًّا، بينما ينتج الجهاز المنزلي الصغير في حدود 50- 100 كجم يوميًّا.
ويحمل هذا الجهاز العديد من المزايا على الرغم من بساطته:
1- لا يحتاج إلى صيانة؛ حيث تنحصر صيانته في إزالة الأتربة من على سطحه.
2- مساحته صغيرة؛ فالجهاز المنزلي مساحته حوالي 3م×2م.
3 - سهل التركيب سواء في المنازل أو المصانع أو المزارع.
4- صديق للبيئة فلا يصدر عنه أي ملوثات، ولا ينبعث عنه أي أصوات؛ مثل: أصوات الموتورات أو المحركات.
وفوق كل ذلك، لا تقدر الفوائد الاقتصادية للجهاز بثمن، فإلى جانب انخفاض تكلفته نسبيًّا لتصل إلى 10-15 ألف جنيه مصري للجهاز ذي الإنتاجية المنزلية الصغيرة "50 كجم من الثلج يوميًّا"، فإن تكلفة إنتاج الثلج تكاد تكون منعدمة؛ حيث تتمثل في ثمن الماء فقط، كما أنه لا تستخدم الكهرباء أو الوقود البترولي في تشغيله، وهذه ميزة هامة جدًّا خاصة مع الزيادة التي تشهدها أسعار البترول من حين لآخر.
وهو ما يجعل مجرد امتلاك هذا الجهاز مشروعًا اقتصاديًّا صغيرًا، يمكن أن تعتمد عليه الأسرة، خاصة أن الثلج لا غنى عنه للعديد من المهن.
ويجب أن يشار هنا إلى أن تكلفة الوحدة الصغيرة المنزلية لو وزعت قيمتها على مدى عشر سنوات -وهو أقل عمر افتراضي للوحدة- بدون حاجة لصيانة ملموسة فإنها ستجعل ثمن الكيلوجرام من الثلج يصل إلى عشرة قروش في حالة تحمل المالك لنفقات الجهاز وثمنه.
ويمكن أن تنخفض قيمة هذه الوحدات إلى أقل من ذلك في حالة إنتاجها محليًّا، خاصة أن طريقة إنتاجها بسيطة للغاية.
استثمار لا مفر منه
إن الطاقة الشمسية -وخاصة في بلاد تتمتع بأشعة الشمس معظم أيام السنة- هي بمثابة كنز بلا حدود، خاصة إذا علمنا أن مواردنا من البترول الذي هو المصدر الأساسي للطاقة في تناقص مستمر، حتى إن البعض يتنبأ بأن ثروتنا النفطية ستنضب بعد 100 عام على الأكثر.
ومن ثَم فإن الاستثمار في الطاقة الشمسية بات أمرًا لا مفر منه؛ حيث سيحد من استغلال الطاقة النفطية من ناحية، وسيخلق مصدرًا جديدًا لا ينضب من ناحية أخرى.
وتأسف الدكتورة نجوى خطاب لعدم استفادة الشعوب العربية والإسلامية بتطبيقات تكنولوجيا الطاقة الشمسية على نحو مرضٍ رغم سطوع الشمس بسمائها معظم أوقات النهار على مدار العام؛ لارتفاع تكاليف استيراد مكونات الأجهزة التي تعمل بها، وترى ضرورة السعي لإنتاج مكونات تلك الأجهزة، وخاصة أشباه الموصلات التي تعتمد في تصنيعها على السليكون المستخلص من الرمال، وما أكثرها بالعالم العربي وغير العربي على السواء!.