بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


من دعاء الامام الحسين عليه السلام يوم عرفة لنعرج على قول الامام علي عليه السلام حول رؤية الله تعالى الذي ورد في رده على سؤال ذعلب عن ذلك. ونحن نتأمل مشيئة الله تعالى من مضانها في الكون وفي النفوس.

فالله تعالى ايات في الانفس وآيات في الافاق لمعرفة الحقيقة الكلية للكون وللتعامل معها.. قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )( ).

ولقد حاولنا تأمل ايات الافاق للكون والكائنات في دراسة بحثية استقصائية لبيان معاني الرؤية القلبية بحقائق الايمان وليس بمشاهدة الابصار.

فبدأنا بحديث الامام امير المؤمنين عليه السلام مع ذعلب ، ثم عرجنا على قراءة علمية في كتاب الكون المفتوح الذي هو بالواقع ترجمة لمشيئة الله تعالى في مخلوقاته ، ثم ركزنا على مخلوقاته المستطيلة المهيمنة التي بالواقع قوائم عرشه سبحانه وسننه النافذة في الكون الكائنات ، ثم تأملنا تلك السنن مع الانماط الخلقية لتكون لنا رؤية قلبية واضحة لآثار الله تعالى الدالة عليه المفضية الى رؤية القلوب له تعالى بحقائق الايمان كما يقول الامام علي عليه السلام. نسال الله تعالى السداد والتوفيق فهو تعالى الغاية وهو ولي التوفيق.

2- الرؤية القلبية بحقائق الايمان :

في منهج اهل البت عليهم السلام ، تعتبر رؤية الله تعالى بالعين ؛ التي هي الحاسة الباصرة مستحيلة في الدنيا كما هي في الاخرة ، وهذا اعتقاد له اسس علمية ومنطقية وعقائدية سنتناولها بالتفصيل.. وان قوله تعالى :

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)( ). كما جاء في تفسير الامثل لسماحة اية الله مكارم الشيرازي يقول :

«ناضرة» : من مادة (نضرة) وتعني البهجة الخاصّة التي يحصل عليها الإنسان عند وفور النعمة والرفاه ، ووفورها يلازم السرور والجمال والنورانية ، أي أنَّ لون محياهم تحكي عن أحوالهم ، كيف أنّهم أغرقوا في النعم الإلهية ، وهذا شبيه لما جاء في قوله تعالى : (تعرف في وجوههم نضرة النعيم)( ).

هذا من ناحية العطايا المادية ، وأمَّا عن العطايا الروحية فيقول تعالى : (إلى ربّها ناظرة) نظرة بعين القلب وعن طريق شهود الباطن ، نظرة تجذبهم إلى الذات الفريدة إلى ذلك الكمال والجمال المُطْلَقَيْن ، وتهبهم اللذة الروحانية والحال الذي لا يوصف ، إذ أنَّ لحظة منها أفضل من الدنيا وما فيها. والجدير بالذكر أن تقديم (إلى ربّها) على (ناظرة) تفيد الحصر ، أي ناظرة إلى الله فقط لا إلى غيره...

ولهذا السبب ورد في بعض الرّوايات في تفسير هذه الآية : (إنّهم ينظرون الى رحمة الله ونعمته وثوابه)( ) لأن النظر إلى ذلك هو بمثابة النظر إلى ذاته المقدّسة.

يقول البعض : إنَّ الله سوف يُرى بالعين الظاهرة في يوم القيامة. والحال إنّ مشاهدتهُ بالعين الظاهرة تستلزم جسمانيتهُ. والوجود في المكان ، والكيفية والحالة الخاصّة وجود جسماني ، ونعلم أنَّ ذاتهُ المقدّسة منزَّهة عن مثل هذا الإعتقاد الملوث ، كما اعتمد القرآن هذا المعنى في آياتهِ مرات عديدة ، منها قوله تعالى : (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)( ) وهذه الآية مطلقة لا تختص في الدنيا.

على كل حال فإنّ عدم النظر الحسي إلى الله تعالى أمرٌ واضح لا يحتاج البحث فيه أكثر من هذا ، ويقُرُّ بذلك من لهُ أدنى اطلاع على القرآن والمفاهيم إلاسلامية( ).

3- ايماءات امير المؤمنين الامام علي عليه السلام الى معاني رؤيته تعالى :

(عن الاصبغ - في حديث - قال : قام إلى الامام علي عليه السلام رجل يقال له : ذعلب ، فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره قال : فكيف رأيته ؟ صفه لنا.

قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه ، أمام كل شئ ولا يقال له أمام ، داخل في الأشياء لا كشي ء في شي ء داخل ، و خارج منها لا كشي ء من شي ء خارج)( ) .

4- رؤية الامام عليه السلام وقراءة في كتاب الكون :

يسعد الكثير من الناس النظر الى الكائنات والظواهر الكونية والاستغراق في التفكر في هذا اصل ومآل هذا الكون العجيب العظيم الكبير ، والتأمل في أصله من اين اتى ، وكيف كان؟ والى اين يسير؟ وما هو مآله والى اين ستصير كل هذه الكائنات؟ لماذا نوجد ؟ لماذا نحيى؟ ولماذا نموت... كيف يحكم هذا الكون الكبير بكل هذه الدقة؟هل هناك شيء يسبقه؟ وهل هناك شيء بعد نهايته؟ وهل ان له نهاية؟ والمفاهيم الكونية الغامضة كالعدم والموت وسعة الكون والفضاء والزمان والمكان والخلق والحركة والسريان وتمدد الكون ، والحق والعدل والباطل والبلاء والايمان والغيب وظاهرة الرسل وعقائد السماء ما منشؤها؟

وابتداء من شيء يشعر به الجميع وينجذب اليه ويسر ويبتهج به وهو الحسن والجمال ، ودققنا فيه لوجدناه في جوهره حركة نحو الكمال ، وكل الحركات الكونية النسقية هي توق للكمال.

لو توجهنا الى الكون وجعلناه مادة لدراستنا وموضوعا للتامل والتفكر ، ووكما علمنا ان الحسن ؛ هو الجاذبية المسرة لنا في كل حركة كونية صاعدة الى الكمال لوجدنا ان في كل حركات الكون مضمون جمالي ، وان كل شيء في الكون يسعى للحسن فالحسن هدف لذاته في هذا الكون ، في سنة كونية للسريان ، اشار اليه الكتاب العزيز : ( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين)( )

5- النسق الكوني المعبر عن مشيئة الله تعالى :

ببساطة وبشكل مجمل فان الكون كله يقع في ستة انماط وتحكمه ثماني سنن بديهية حسنة تنفذ في الكائنات جميعا وغايتها بلوغ الاحسن لان نفوذها يعني بلوغ الكائنات الكمال ، فالكون بدا انطلاقا من علة واحدة هي الرحمة وينشد غاية واحدة هي الكمال. ولذا فنحن نرى كل حركة باتجاه الكمال هي الحسن بذاته ، فالحسن يتجلى في حركة الكائنات باتجاه الكمال.

والكائنات امامنا اجسام وظواهر وحركات تقع في ستة انماط وتحكمها وتنفذ فيها ثماني سنن ، بمعنى ان الكائنات صنفان :

صنف مستطيل في وجوده مهيمن . وصنف خاضع لاستطالات الوجود المستطيل.

ومن الكائنات المستطيلة المهيمنة هي السنن الكونية البديهية الثمانية وهي ، البديهيات العلمية للنواميس النافذة والحاكمة في الكون والكائنات وهي :

1- السنّة الاولى : ان كل الكائنات وكل الاشياء في الكون هي ظاهر لباطن الرحمة.(سنّة الرحمة).

2- السنّة الثانية : كل الكائنات قائمة بالحق.(سنّة الحق والعدل).

3- السنّة الثالثة : كل الكائنات؛ تعبير عن استجابتها لنظام وجودها(سنّة الطاعة).

4- السنّة الرابعة : كل الكائنات تخضع في وجودها لاجل ؛ تستحيل او تموت بعده.(سنّة الموت).

5- السنّة الخامسة : كل الكائنات في حالة حركة سريان نمطي للكمال(سنّة السريان النمطي) ، بل الوجود كله جوهره الحركة.

6- السنّة السادسة : كل الكائنات لها ميزة حسن بها تميزت عن بقية الكائنات ومن اجلها وجدت .(سنّة الامامة).

7- السنّة السابعة : كل الكائنات مربوبة ، استوت بوحدة العلة وسرت باتجاه وحدة الغاية هي الكمال ، وتميزت بينهما بوحدة قيمومة النظام ووحدة الثوابت ووحدة الانماط ووحدة السنن (سنّة الوحدانية).

8- السنّة الثامنة : كل الكائنات في حال تعارض في ما بينها بسبب حركة الانماط ودافع نفاذ السنن ، وكل كائن موجود هو في حال بلاء دائم : ( مبتلي او مبتلى به).(سنّة البلاء).

هذه هي السنن الكونية الماضية في الوجود والموجودات ، وهي واضحة بديهية لا تغيب عن عقل العاقل ، وربما يصعب ادراكها لبداهتها ، ومع هذا فلنا عود لبيانها بالتفصيل بعد ان نبين الانماط التي تتوزع عليها الكائنات جميعا.

6- الانماط الستة للخلق الكائن :

الانماط هي المظروفات الزمانية المكانية التي تتوزع عليها المخلوقات كلها وهي ستة فقط :

النمط الأول : هي القوة والطاقة : وهي مخلوقات لا ترى بذاتها انما ترى بتاثيراتها.

النمط الثاني : النمط الغامض من الوجود في الكون .

النمط الثالث : المادة. وهي كل شيء يشغل حيز في الوجود وله كتلة

النمط الرابع : الحياة. وهي جزء من المادة قام فيها نظام رفع القصور المادي الذاتي عنها وجعلها قادرة على الحرحة و التكائر والنمو والموت.

النمط الخامس : العقل ، محصلة قوى في نفس البشر تسيطر على الغرائز وتوجه الجوارح فيهم

النمط السادس : النبوة ، نفس بشرية ارتفعت عنها القصورات المادية والحيوية والعقلية الذاتية وصارت قادرة على اختيار الحسن بمضامينه كلها.

ولا يوجد مخلوق خارج هذه الانماط او المظروفات الزمانية المكانية الستة.

النسق الكوني : هو الافعال الكونية الناتج من حركة الانماط الستة ونفاذ السنن الثماني في الكائنات.

7- تاملات في معاني السنن الكونية الثمانية :

اولا- الطاعة : هي استجابة المخلوق لنظام خلقه.

سنة مهيمنة نافذة بديهية مستطيلة لا يخرج عن استطالتها مخلوق على الاطلاق. ولا يوجد مخلوق يستطيع ان يخالف نظام خلقه؟

اذن فالطاعة مهيمنة وهي الوجه الثاني لمعنى الوجود والكون.

ثانيا - الرحمة : الصفة الجامعة لقوى الكون المنجزة للكائنات والظواهر الكونية ، ولو حلت القسوة بدلها فلا وجود على الاطلاق.

الرحمة هي العلة الحاكمة والنافذة والبديهية المستطيلة في الوجود والموجودات وهل توجد قوة كونية ليس لها صفة الرحمة ومعناها؟

اذن الرحمة علة الوجود.

ثالثا- الحق والعدل : هو الصدق الثابت القائم في الواقع الوجودي للكون و للكائنات ، والذي نعبر عنه بالنسب الثابتة بين المعاني والعلل والحقائق.

وهل يكون وجودا بدون قيمومة وثبات تلك النسب؟ وهل يمكن ان نجد وجودا ما بدون قيمومة نظام حي فاعل لعناصر اي كائن موجود؟

فالحق سنة نافذة بدهية مهيمنة مستطيلة اساس كل خلق.

اذن الحق هو اساس الكون والكائنات وليس قبله شيء ولا وراؤه شيء.

رابعا-الامامة ؛ ميزة الحسن في كل كون.

وهي سنة نافذة بديهية حاكمة ومستطيلة ومهيمنة لا يفلت منها مخلوق ، ولا يمكن ان نجد مخلوق بلا ميزة حسنه لأنه يكون عبث.

اذن لماذا لا يصدق العبث في الكون والكائنات ؟ ومن وراء ذلك التدبير الحكيم الجميل الحسن؟

خامسا – الموت : استحالة الموجود الكائن بعد نهاية الاجل الى نمط خلقي اخر بانتظار نقلة الى حياة اخرى.

الموت : سنة كونية نافذة بديهية متحكمة مستطيلة في الكائنات لا يفلت منها وجود كائن على الاطلاق.

هل لموجود كائن ان يمتنع على هذه السنة(الموت) ؟ من وضع هذه السنة ؟ ولماذا ؟.

سادسا – البلاء : تعارض وتقاطع حركة الكائنات بالأنماط والسنن باتجاه الكمال.

وهي سنة نافذة بديهية مستطيلة مهيمنة وحاكمة لا يفلت منها مخلوق كائن فكل كائن لابد ان يكون في كل ان مبتلي ومبتلى به.

هل يمكن لكائن ان يفلت من البلاء ؟ ومن وراء تلك السنة؟ ولماذا؟

سابعا – السريان : وهو حركة كل الكائنات في الكل والأجزاء باتجاه الكمال.

السريان : جوهر الكون والكائنات ومعناهما ؛ سنة كونية نافذة بديهية حاكمة ومستطيلة ومهيمنة لاوجود للكون والكائنات الا بها.

من وضع هذه السنة؟ ولماذ تسري بالوجود الى الكمال؟ واين هو الكمال؟ وما معنى الكمال؟