المحيط القطبي الشمالي أصغر المحيطات في العالم، ويغطي نحو 14,090,000كم²، أو أقل من عُشر مساحة أكبر المحيطات (المحيط الهادئ). ويقع المحيط القطبي الشمالي في شمال آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، ويعتبره بعض الجغرافيين جزءاً من المحيط الأطلسي أكثر من كونه جسماً من الماء قائماً بذاته.

ويقع القطب الشمالي بالقرب من مركز المحيط القطبي الشمالي، ويكسو الثلج مساحة شاسعة من المحيط على مدار السنة.

في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، أبحر مكتشف إغريقي اسمه بيثياس بالقرب من المحيط القطبي الشمالي، وأوضح في تقرير له أن هناك بحراً متجمّداً على مسيرة ستة أيام إلى الشمال من الجزر البريطانية، وقد سمّى اليونانيون القدماء المنطقة القطبية باسم جرم سماوي يطلقون عليه أركتوس (الدب). واليوم تعرف هذه المجموعة من النجوم التي تشمل الدب الأكبر باسم أورسا ميجور، أو (الدب الأكبر والدب الأصغر)، وهو يظهر في السماء الشمالية.



حتى أوائل القرن العشرين، وطئت أقدام قليل من الناس المحيط القطبي الشمالي. بيد أن لهذا المحيط اليوم أهمية تجارية وعسكرية كبرى، إذا إنه يقع على أقصر الطرق الجوية بين أمريكا الشمالية وروسيا، وأوروبا الغربية، والطائرات التجارية تعبره يومياً، حتى إذا حلّ فصل الصيف ما فتئت السفن التجارية تخدم الموانئ القطبية في روسيا وعلى بعض جزر ذلك المحيط.

هذه المقالة تعالج موضوع المحيط القطبي الشمالي من حيث مناخه والحياة البحرية فيه، كما تتناول نشاط بعض المكتشفين وغيرهم من الذين خاضوا غماره على مدى الحقَب، أما عن وصف المنطقة القطبية الشمالية نفسها والناس الذين يعيشون في تلك المنطقة،

الموقع والحجم
تقع شواطئ المحيط القطبي الشمالي حول دائرة العرض 70° شمالاً، تشغل روسيا 25,000كم من ساحل هذا المحيط. والأرض الرئيسية الكندية تحدّه بحوالي 20,000كم، أما ألاسكا وجرينلاند والنرويج، فتقع هي الأخرى على ساحل المحيط القطبي الشمالي.

تقسم مجموعة من الجزر المياه الساحلية للمحيط القطبي الشمالي إلى سبعة أبحر، وهذه الأبحر هي، بدءاً من بحر جرينلاند، بارنتس، الكارا، اللابتيف، بحر سيبريا الشرقي، التشوكتشي، البوفورت، كما أن القنوات الواقعة بين الجزر الكندية الشمالية تشكل بدورها جزءاً من المحيط القطبي الشمالي.

ويختلط هذا المحيط بالمحيط الأطلسي شرقي وغربي جزيرة جرينلاند، كذلك يربط مضيق بيرنج بين المحيطين القطبي والهادئ.

أقصى اتساع للمحيط القطبي حوالي 4,235كم، يقع بين ألاسكا والنرويج، وأقل اتساع هو الواقع بين جرينلاند وشبه جزيرة تيمور في روسيا، وهاتان المساحتان يفصلهما حوالي 1,930كم.

القاع المحيطي
متوسط عمق المحيط القطبّي الشماليّ يبلغ 1,205م، وهو يضم الفريز القاري، والفريز القاري هو الأرض المغمورة بالماء في أماكن كثيرة حول القارات، كما يضم الهاوية وهي أعمق مكان بالمحيط. ومعظم الفريز القاري يقع على أقل من 152م تحت سطح الماء، وهو يمتد من ساحل روسيا إلى 1,609كم، أما في شمال ألاسكا والجزر الكندية، فيبلغ عرض الفريز القاري أقل من 200كم، وعلى حافة ذلك الفريز، توجد جُروف (جمع جرف) هائلة تحت الماء تحف بالقاع. وتغطي الفريزات القارية نحو ثُلْث مساحة المحيط القطبي الشمالي وقد وجد المُنَقِّبون طبقاتٍ رسوبيةً من النفط والغاز الطبيعي تحت تلك الفريزات القارية.

كثير من الأعماق، أو بالأحرى الهاويات أو اللُّجَج، توجد تحت السطح على عمق يتراوح بين 3,000 و3,700م. أما أعمق بقعة فهي حوالي 5,450م، وتقع إلى الشمال من سفالبارد، وهي مجموعة من الجزر تقع في نصف المسافة تقريباً بين النرويج والقطب الشمالي. وترتفع سلسلة جبال تحت الماء تسمى سلسلة جبال لومونوسوف، وهي أعلى من الهاوية أو اللُّج بحوالي 3,000م، وتمتد هذه السلسلة 1,800كم بين جزيرة إلسمير وشمال منطقة جزر سيبريا. وثمة سلسلتان أخريان تصعدان من قاع المحيط القطبي، وهما سلسلة وسط المحيط القطبي وسلسلة جبال ألفا وبين هذه السلاسل الثلاث توجد سهول مستعرضة عميقة الغور.

الكتل المائية
تختلف الأماكن المختلفة من المحيط القطبي الشمالي في الملوحة ودرجة الحرارة، ويضع كثير من علماء المحيطات تبويباً لكتل الماء القطبي هكذا: 1- ماء السطح القطبي

2- ماء المحيط الهادئ

3- ماء المحيط الأطلسي 4

- ماء قاع القطب.





محطة أبحاث قطبية يديرها العلماء وتقبع فوق كتلة ثلجية بحرية، والرجل الذي في مقدمة الصورة يحمل سلكاً مجدولاً لتركيب هوائي للمذياع.



ماء السطح القطبي يمتد إلى عمق حوالي 45م، تبلغ حرارته في الصيف درجة واحدة تحت الصفر (-1°م)، أما في الشتاء فتبلغ حرارته درجتين تحت الصفر (-2°م).

ويتجمد جزء من سطح الماء في فصل الشتاء، وبما أن الكمية التي يحتويها الثلج من الملح أقل من تلك التي يحتويها الماء نفسه، لذا فإن الملح ينجرف إلى الماء الأكثر عمقاً، أما في فصل الصيف فإن الثلج يذوب مكوناً ماءً أقل ملوحة بمقدار كبير فيختلط بماء السطح الذي لم يتجمد. وبسبب هذه العملية، فإن ماء السطح القطبي يكون ملْحُه أقل من ماء المحيط الأكثر عمقاً، والماء المحتوي على نسبة قليلة من الملح يكون وزنه أقل من الماء الأكثر ملوحة، ولذلك يطفو ماء السطح فوق الماء الأعمق والأثقل وزناً.

مياه المحيط الهادئ نجدها على ضفة ذلك المحيط الملامسة لسلسلة جبال لومونوسوف الثلجالثلجية، وتقع تحت الماء السطحي، حيث يمتد إلى عمق حوالي 125م بدرجة حرارة واحدة فقط تحت الصفر (-1°م).

مياه المحيط الأطلسي تقع على جانبي سلسلة جبال لومونوسوف، وعلى الجانب الأطلسي تقع تحت ماء السطح، أما على جانب المحيط الهادئ، فتوجد تحت مياه المحيط الهادئ الذي تقل ملوحته قليلاً، وتمتد مياه المحيط الأطلسي إلى عمق حوالي 850م، وتبلغ حرارته درجتين مئويتين تقريباً.

قاع القطب الشمالي أكثر كتل المياه القطبية ملوحةً، ويقع بين مياه المحيط الأطلسي وقاع البحر، ويبلغ معدل حرارته درجتين مئويتين تقريباً.

التيارات البحرية
يتحرك ماء المحيط على هيئة أنهار عظيمة تسمى تيارات، ويحمل تيار شمال المحيط الأطلسي ـ الذي يصب شمالاً فيما بين آيسلندا والنرويج ـ ماءَ الأطلسي إلى المحيط القطبيّ، وهو المسؤول عن وجود حوالي 60% من الماء الذي يدخل البحر الثلجيّ، وحوالي 35% من الماء يغذيه تيار يحمل الماء من المحيط الهادئ متجهاً شمالاً بوساطة مضيق بيرنج.

يحمل تيار شرق جرينلاند حوالي 60% من الماء الذي يكون قد غادر المحيط القطبي الشمالي، وهو يجري في بحر جرينلاند محاذياً ساحل تلك الجزيرة حتى مضيق ديفيز. ويتحرك حوالي 35% من الماء المتدفق من المحيط القطبي إلى جهة الجنوب الشرقي بين جزر كندا الشمالية، وهذا الماء يلحق بتيار جرينلاند الشرقي في مضيق ديفيز، مكوناً بذلك تيار لبرادور في شمال غربي المحيط الأطلسي.

الثلج (الجليد)
في المحيط القطبي الشمالي، يشمل الثلج البحري (ماء البحر المتجمد) وكذلك ثلوج الجبال الجليدية (الماء العذب المتجمد). وثلج البحر هذا هو الذي يشكل معظم الثلج الذي فوق المحيط، وهذا الثلج يبقى متجمداً طوال العام عند القطب الشمالي، كذلك يذوب قدر كبير من ثلج البحر قرب الساحل في فصل الصيف، حتى إذا حل الخريف فإن الماء يغلظ بحبيبات الثلج الدقيقة فيه، وعندئذ تتكون ملاءة ملساء من الثلج على سطح المحيط.

وبحلول الربيع ربما يبلغ سُمك ثلج البحر ثلاثة أمتار في وسط المحيط، ومترًا وثمانية أعشار المتر قرب الساحل، وربما أدت التيارات والمد والجزر والرياح إلى الانكماش وتكوين سلاسل جبال جليدية هائلة، وهي التي أُطلِق عليها اسم السلاسل الجبلية الضاغطة، وقد تنزلق قطعة أو كتلة من الثلج على قطعة أخرى محدثة ما يسمى الثلج الطوف، وقد يتفتت الثلج إلى أجزاء ينفصل بعضها عن بعض بمساحات من الماء تُعْرَف بالقنوات عبر الحقل الثلجي، وقد يتسبب تفكك الحقل الثلجي في إصدار أصوات عالية شبيهة بالرعد المدويّ.

والمثلجة (النهر الجليدي) تتمخض عنها جبال ثلجية وجزر ثلجية، وهذه الأخيرة ألواح من الثلج متراكم بعضها فوق بعض. تنشأ الجبال الثلجية القطبية عندما ينفصل الثلج عن الأنهار الثلجية على ساحل جرينلاند، أما الجزر الثلجية فإنها تنتج عن ألواح الثلج التي تمتد داخل البحر من جزيرة إلسمير الشمالية، وقد يصل سُمْك الجزيرة الثلجية إلى ما يربو على 60م، وتغطي 520كم²، ويطفو الكثير من هذه الكتل الهائلة من الثلج في المحيط القطبي الشمالي عدة سنوات قبل أن ينزلق إلى الماء الأكثر دفئاً فيذوب.

المناخ
مناخ المحيط القطبيّ الشماليّ شديد البرودة، ومتوسط الحرارة في شهر يوليو يبلغ صفرًا، ويتراوح معدلها في يناير ما بين 30°و40°تحت الصفر.

تظل الشمس باقية فوق الأفق عدة أسابيع في فصل الصيف، بيد أن الشتاء يأتي بأسابيع مظلمة لا تطلع فيها الشمس أبدًا، وسماء الشتاء كثيراً ما تتألَّق بفعل الضياء المتوهج في الشفق القطبي أو الضياء الشمالي.

يتلقى المحيط القطبي الشمالي القليل من التساقط مثلما تتلقى بعض أكبر الصَّحَاري اتساعاً، والتساقط السنوي في معظم أجزاء ذلك المحيط يبلغ 25سم أو أقل، ويسقط معظم المطر والثلج في فصل الصيف.

الحياة في المحيط
تعيش نباتات وحيوانات دقيقة جداً تُسَمَّى العوالق المائية في المياه القطبية الشمالية، ولكن عدد هذه الكائنات يعتبر قليلاً مقارنة مع ماهو موجود في المحيطات الواقعة إلى الجنوب من القطب. ولايوجد في المحيط القطبي الشمالي إلا بضعة أنواع من السمك، وهي تتضمن: القد والهلبوت ونوعاً من التروتة يسمى الشار القطبي. والسمك يتغذى بالعوالق المائية، أما الحيتان والفقمة فتأكل العوالق والسمك، كما يقتات بعض الحيتان كميات كبيرة من العوالق المائية، من التي يُطَلْق عليها اسم كريل، ويشكل المحار جزءاً مهمًا من غذاء حيوان الفظ والفقمة الملتحية، وحيتان العنبر الضخمة.

أما الدببة القطبية فتعيش على الثلج وتصطاد الفقمة.

تصيد جماعة الصيادين الروس سمك القد والهلبوت في بحري بارنتس وكارا، كذلك فعلت أساطيل صيد الحيتان العاملة من شتى الدول في المحيط القطبي الشمالي حتى تم حظر صيد الحيتان تجارياً في الثمانينيات من القرن العشرين.

اكتشاف المحيط القطبي الشمالي. ربما بدأت هذه العملية برحلة المكتشف الإغريقي بيثياس في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد. ويعتقد المؤرخون أن الفايكنج خاضوا غمار المحيط القطبي الشمالي في القرن التاسع الميلادي.

في بداية القرن السادس عشر الميلادي، اكتشف عدد من التجار الأوروبيين المحيط القطبي الشمالي أثناء بحثهم عن طريق تجاري قصير يصل بين أوروبا والشرق، وكانوا يبحثون عن ممر شمالي شرقي في شمال آسيا وأوروبا، أو ممر شمالي غربي في شمال أمريكا الشمالية.

أما الرحلة الأولى عبر الممر الشمالي الشرقي بأكمله، فقد تمت في عامي 1878 و 1879م، وقد قاد تلك الحملة مكتشف سويدي اسمه نلز أدولف إريك نورد نشلد، وفي عام 1906م، أكملت الرحلةَ الأولى سفينةٌ كان يقودها المكتشف النرويجي أموندسن عن طريق الممر الشمالي الغربي، واستغرقت رحلته هذه ثلاث سنوات، لكن أياً من المَمَرين لم يكن ذا قيمة تجارية كبيرة.

يرجع الفضل في الوصول إلى القطب الشمالي لأول مرة لروبرت بيري من بحرية الولايات المتحدة الأمريكية، ومعه مساعده ماثيو هنسون وأربعة من الإسكيمو، وقد عبرت مجموعة بيري منطقة ثلوج القطب الشمالي في سنة 1909م.

في عام 1893م، بدأ فريق من علماء المحيطات وعلى رأسهم المكتشف والعالم النرويجي فريتوف نانسن، أول دراسة علمية للمحيط القطبي الشمالي. وفي رحلة مدتها ثلاث سنوات، استطاع أن يجمع طائفة من البيانات عن قاع المحيط، وتياراته، وثلوجه، وطقسه، وحياة الحيوان فيه.

جابت السفن التجارية السوفييتية المحيط القطبي منذ الثلاثينيات من القرن العشرين، وهي تستخدم الموانئ الواقعة عند مصاب الأنهار في سيبريا، مثل كوليما ولينا وأب وينيسي، وتحمل إلى سيبريا المنتجات الصناعية وتعود محملة بسمك سيبريا وفرائها وأخشابها ومعادنها إلى موانئ أوروبا والمحيط الهادئ، ويصحب تلك السفن كسارة ثلوج، وطائرات تدلها على أيسر السبل لاجتياز الجليد الصعب.

في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، بنت الولايات المتحدة وكندا قواعد عسكرية، ومحطات رادار على الساحل القطبي لأقاليم ألاسكا وكندا وجرينلاند، وقامت السفن التجارية وكسارات الثلج، من كلتا الدولتين بالإبحار في المحيط القطبيّ الشماليّ لجلب مواد البناء وغيرها من المواد إلى تلك المواقع، وفي عام 1958م، أصبحت الغواصة الأمريكية النووية نيوتيلس أول سفينة تصل إلى القطب الشمالي، وكانت تلك الغواصة تسير تحت الثلج.

صاحب العلماء الكنديون والسوفييت والأمريكيون حملات بلادهم التجارية والعسكرية إلى المحيط القطبي الشمالي، وبمرور الزمن تمكنوا من دراسة المحيط بوساطة الطائرات والسفن التجارية والغواصات، ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا محطات أبحاث ومراصد جوية آلية على مختلف الجزر وعلى جزر الثلوج وعلى الأبحر الثلجية، وكانت ثمرة ذلك أن تضاعف التعرف على المحيط القطبي الشمالي.

وفي الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي استطاع علماء المحيطات السوفييت، أن يرسموا خريطة لسلسلة جبال لومونوسوف.

ساعدت المعلومات المتوفرة عن الطقس في القطب الشمالي علماء الأرصاد الجوية في مناطق عدة من العالم، على التنبؤ بالزوابع القادمة من الشمال. كذلك بدأ الملاحون دراسة التقارير التي أعدت عن الثلج في تيار شرق جرينلاند بغية التنبؤ بحالات الجليد وتقلباته في شمال الأطلسي، وفي السبعينيات استخدمت الولايات المتحدة الأقمار الصناعية للتزود بالمعلومات حول حركات الثلوج واختلاف الطقس.