فلان ملحد
ما هي انطباعاتنا عن (فلان) الان ؟
إنه لا يؤمن بوجود الله عز وجل (او بالاحرى، يؤمن إنه لا يوجد خالق لهذا الكون)، هذا سنأخذه كحقيقة ثابتة
ولكن عبارة (فلان ملحد) هي دائما ناقصة
لان تكملتها هي (فلان ملحد حتى هذه اللحظة)
عندها تكون كاملة، ويكون المعنى واضح
لأن الالحاد الحقيقي .. ليس هو المتعارف فيما نراه في اوساط التواصل الاجتماعي من ملاحدة و مشاكساتهم مع الـ (مسلمين)
لان هؤلاء الذين يشاكسون المسلمين أو يسفهون في دينهم، هم يفعلون ذلك كردة فعل على تعصب المسلمين في الغالب، فيتعصبون هم بدورهم إلى افكارهم، ويبدا كل فريق بالتقليل من شأن الاخر و السخرية منه، بالضبط مثلما يحصل الخلاف بين اصحاب المذاهب المختلفة (وان كان يتم بشكل آخر)
أما الملحد الحقيقي، فهو الباحث عن الحقيقة، الذي لم يهتد لغاية هذه اللحظة إلى وجود الخالق عن طريق الدليل العقلي.
ولكن ما حاجتنا إلى الدليل العقلي إذا كان الوالدان اخبرانا إن الله موجود ؟ وعلماء الدين اخبرونا ان الله موجود، و كل من نلتقيه في الشارع يخبرنا إن الله موجود، و القرآن يخبرنا إن الله موجود ؟
هل الدليل العقلي لاثبات وجود الله (ووحدانيته) هو ضروري ؟ ام يمكن التقليد في ذلك ؟ قسم (شيعة وسنة) قالوا يجب (او يكون من الافضل) الاستعانة بالعقل، (للعامي والعالم) لاثبات وجود الله، وقسم قالوا ممكن ان يكون الايمان (تقليدا) من العامي للعالم.
في القرآن الكريم .. نستعرض قصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما استعرض استدلاله أمام قومه عابدي الاصنام (سورة الانعام):
- وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
- وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
- فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ
- فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ
- فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
- إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فعندها بدأ النبي في عقله باستعراض الحقائق التالية:
- إن هذه الدنيا بما فيها لابد لها من خالق عظيم مهيمن على كل شيء ، وبالتأكيد إن عبادة الاصنام كانت (ضلال مبين) .. يعني جهل واضح
- انتظر ابراهيم إلى الليل، ثم شاهد كوكبا في السماء، فقال هذا ربي، ثم لما اختفى الكوكب، استدل عقليا، ان الرب لا يأفل (لا يختفي)
- ثم نظر إلى القمر (قد يكون في نفس الليلة او بعده بايام) و فقال هذا ربي، ثم لما اختفى طلب من (ربه) ان يهديه ليعرفه
- في اليوم التالي في النهار، قال عن الشمس (هذا ربي) ثم لما اختفت قال لقومه (اني بريء مما تشركون) كناية عن إنه بالتأكيد إن الله لا يتجسد في شيء نراه، فلو كان ممكن رؤيته جهرة لرآه حقا، بل إنه (ابراهيم) وجه وجهه لمن خلق الشمس والقمر والارض وكل شيء، فهو المستحق وحده (دون شك) للعبادة.
بالطبع إن ابراهيم عليه السلام قد يكون قد عمل هذا الاستدلال فقط من اجل ان يعلم قومه كيفية الاستدلال العقلي لمعرفة خالقهم، فيؤمنوا به ويتركوا عبادة الاصنام والاوثان، فهو في نفسه مؤمن بالله قبل هذه اللحظة.
من هنا نستطيع ان نعرف إن استدلال ابراهيم عليه السلام بالتأكيد استغرق (نهار+ليل+نهار) على الاقل، وربما استغرق اياما اكثر من ذلك، ولم يتم ذلك الاستدلال بصورة فورية . فأنت في بداية (استدلالك العقلي) تكون (ملحدا) لانك تنكر وجود الله في بادئ الامر، رغبة منك في اثبات العكس، ثم تستمر في الاستدلال إلى ان تصل بالفعل إلى النقطة التي تريدها.
وما نراه اليوم في الملحدين (الحقيقيين) .. فهم دائما يعزون تكون الكون العجيب هذا إلى (سبب)، فقط هم لم يصلوا لحقيقة ماهية ذلك السبب. فإذا اهتدوا إن الذي خلق الكون هو كيان مسيطر وخالق واحد او قوى عظمى، .. ليس بالضرورة ان تتم تسميته بقدرما ان يتم الايمان بوجوده، ففي تلك اللحظة من الاستدلال العقلي، يتحول الملحد إلى مؤمن، ويكون ايمانه عن قناعة، لا تقليد
لذلك .. من الضروري ان نقوم بتقسم الالحاد إلى قسمين:
- الالحاد كمعتقد: و هو جزء من رحلة البحث عن الحقيقة، لانك كصاحب عقل، لا بد ان تعزو تكوين الكون إلى (سبب) أدى لظهوره.
- الالحاد كموقف او مذهب: و هذا لا علاقة له بالبحث عن الحقيقة او العلم، القضية هنا تشبه كثيرا عراك العوام من اصحاب المذاهب المختلفة مع بعضهم، ستصدر الشتائم والسخرية والتسفيه من الجانبين، دون ان يرغب احدهم بالوصول إلى حقيقة ما، بل يكون السبب في هذا النوع من الالحاد في الغالب ردا على تعصب مماثل او ثورة على مظاهر دينية لا تنسجم مع توجه الملحد (بالمذهب)
وتجدر الاشارة هنا: .. إلى أن من لا يؤمن بالشرائع الدينية أو الكتب السماوية أو الانبياء لا يسمى ملحدا، لان الالحاد متعلق فقط بالايمان بوجود الله (او وجود الخالق) من عدمه
تحياتي