الصفحة الثقافية
ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
فندق السلام رواية توثق انتفاضة النجف 1991
مقال بقلم: فلاح العيساوي
فندق السلام
عندما تجولت بين شخوص وأبطال رواية (فندق السلام) للروائي الأستاذ محمد سعد جبر الحسناوي، وجدت نفسي أحد أبطال هذه الرواية. ففي سنة 1991 كنت في سن السابعة عشرة، وقد كنت أعيش أحداث هذه الرواية الواقعية بالقرب منها، تحديدا في الكوفة التي هي قطعة من جسد خارطة النجف الأشرف.
إن أغلب أحداث هذه الرواية عاشها أبناء النجف والكوفة، وكانوا جزءا من أحداثها المهمة التي أصبحت ذكرى لا تنسى؛ فكيف أنسى اليوم الثاني من شهر آذار، الذي انطلقت فيه مظاهر شبابية في النجف كانت بداية إنذار بالثورة، ففي نفس اليوم عصرا أعطاني (حسن عبيد) دراجة هوائية للذهاب بها إلى شارع السكة المشهور في مدينة الكوفة، كي استطلع الوضع العام وحركة الشباب في الشارع، الذي يغلي على صفيح ساخن، حيث شاهدت في وقتها أزلام نظام البعث والخوف باد على وجوههم وتصرفاتهم، واستطعت أن أعرف من بعض الشباب أن الثورة تم تأجيلها إلى صباح اليوم التالي. وكيف أنسى انطلاق الثورة صباح يوم الثالث من آذار، وقد بقينا نتوسل موافقة الوالد للانطلاق والمشاركة مع الثوار، وبعد سيل من التوسل تمَّت موافقته، وفعلا انطلقت مع أخي الأكبر سهيل برفقة مجاميع من الشباب الثائر، فكنا نردد أهازيج الانتفاضة بقلوب ساخطة على النظام، الذي سلب الحريات وقمع كل من يخالفه بالفكر. وكيف أنسى أخي الأكبر سهيل، الذي سقط جريحا قرب المنظمة الحزبية في حي 17 تموز، هذه المنظمة التي تحصن فيها عناصر من النظام الحاكم مع كثرة العتاد، والتي كانت عصية على الثوار، وقد كانت نهايتها على يد إحدى الدبابات. وكيف أنسى أول قنينة دم تبرعت بها في مشفى (صدام)، الذي غيرنا اسمه إلى مشفى الصدر التعليمي. وكيف أستطيع أن أنسى أسعد محمد صالح العيساوي ابن عمي الشهيد محمد صالح صاحب العيساوي، الذي جاهد بضرب أوكار البعث الصدامي، ثم استجاب لنداء استغاثة نصرة كربلاء المقدسة، وكان ضمن الشباب الكوفي المجاهد، الذي ركب في سيارات الحمل المرسيدس، والذي شوهد يقاتل قتال الأبطال في المقبرة الهندية في كربلاء المقدسة الواقعة على طريق شارع العباس (ع)، وكان ضمن أواخر المجاهدين الذين صدوا قوات الحرس الجمهوري؛ بقيادة المقبور حسين كامل، زوج رغد بنت المقبور صدام حسين، وكان أخر شخص شاهد ابن عمي أسعد من المجاهدين الذين شاركوا في هذه المعركة وانسحبوا بسبب نفاد العتاد، ومنذ ذلك الوقت، أصبح أسعد من الشهداء المفقودين، حيث لم نعثر على أي أثر له.
إن رواية (فندق السلام) تعد وثيقة تاريخية مهمة؛ لمدينة تاريخية إسلامية مهمة، استبيحت من جيش أعتى نظام شمولي طاغي لا يعرف الرحمة والشفقة... هذه الرواية، سجلت الكثير من أحداث الجهاد المسلح، في الانتفاضة الشعبانية لأهالي النجف الأجلاء، وبالأسماء الحقيقية... لذا أجد من الضروري جدا؛ طباعة ونشر هذه الرواية بأعداد هائلة، حتى تكون في كل بيت من بيوت النجف الأشرف، كما يجب أن تنشر عربيا، حتى يعرف إخواننا العرب حجم جرائم نظام صدام، التي فاقت جرائم اليهود الصهاينة بأبناء الشعب الفلسطيني. كما يجب أن تترجم إلى عدة لغات أوربية عالمية، وتوزع في أوربا.
وحقا على مؤسسة السيد الخوئي في لندن، ومديرها السيد جواد الخوئي، حفيد المرجع أبي القاسم الخوئي القيام بهذه المهمة. كما أدعو مؤسسة الشهداء، ومؤسسة السجناء السياسيين، أن يقوما بأعباء طباعة ونشر هذه الرواية، التي تعد وثيقة مهمة بهاتين المؤسستين.
إن رواية (فندق السلام) يجب أن تصل إلى منظمة حقوق الإنسان والأمم المتحدة؛ كوثيقة تسجل الظلم والقهر والقتل الوحشي، الذي وقع بأبناء وأهالي مدينة النجف الأشرف خصوصا، والعراق عموما، في زمن النظام الصدامي المنحل، الذي لم ينجُ منه الشيخ والمرأة العجوز، وحتى الطفل الرضيع.
وأخيرا، أسجل إعجابي بالجهد الكبير الذي بذله القاص الأستاذ الحسناوي، في رواية (فندق السلام)، ولا أنسى أن أثني على طريقة السرد الجميل و السلس، والأحداث الرومانسية المشوقة، التي كانت كمثل حبة مهدئ للأعصاب الهائجة؛ بسبب تلك الأحداث المؤلمة، والجارحة للروح الإنسانية الشفيفة. وأقول: إن هذه الرواية، سوف تحفر اسم أستاذي الحسناوي في ذاكرة كل عراقي أو عربي يقرؤها.