ما الذي يميز قرية مياو زوندغونغ Miao Zhondgong، في إقليم غيزو Guizhou، في جنوب وسط الصين؟
لو سُئلتم هذا السؤال يوماً في برنامج ما على غرار "مَن سيربح المليون؟"، فاعرفوا أن الجواب هو أن القرية تقبع في مغارة طبيعية، منحوتة في الجبل بالقرب من مدينة أنشون Anshun. حتى مدرسة أولاد القرية كانت تقبع في المغارة العملاقة، بطولها البالغ 230 متراً، بعمق 115 متراً، وبارتفاع معتبر يصل إلى 50 متراً، ما يوازي عمارة من 16 طابقاً. لكن المغارة، التي تؤمن جواً منعشاً صيفاً ودافئاً شتاءً، ترتفع أعلى من ذلك بكثير عن مستوى سطح البحر: 1800 متر. أي ما يوازي عمارة من 600 طابق.
فإقليم غيزو، ذو المناخ الماطر، يُعدّ أحد أفقر ربوع الصين الشاسعة. وإضافة إلى قومية هان، الغالبة في البلاد، تقطنه 17 أقلية أخرى. من بينها أقلية مياو، التي ينتمي إليها "أهل الكهف" أولئك، وقوامهم نحو 100 نسمة. ما يوازي نقطة في محيط بالقياس إلى سكان الصين الأكثر من مليار فاصلة كذا.
وهم يقارعون منذ عقود السلطات المحلية وعزمها على إجلائهم "لأسباب صحية وأمنية". ومن تبعات ذلك أن مدرسة القرية، التي افتتحت في العام 1984، تمّ إغلاقها في العام 2011. رغم ذلك، يصرّ سكان القرية "المسقفة" بسقف طبيعي على الحفاظ على نمط عيشهم، القائم على زراعة الأرز والقمح في حقولهم القريبة من المغارة، وتربية الأبقار والخنازير، والسكن في أكواخ بسيطة من عيدان الخيزران، المشيدة داخل المغارة، طبعاً من دون كهرباء أو ماء جارٍ.
ويعاني سكان مياو زوندغونغ مصاعب طبيعية أخرى، ليس أهونها شُح الماء في موسم الجفاف، رغم الجو الماطر عموماً في الإقليم، واستعانتهم بصهريج كبير لتخزين مياه الأمطار. ومن مطالبهم المطروحة على السلطات، أملهم في بناء طريق بري لكي يربطهم بـ"الحضارة". فضيعتهم الضائعة المنزوية، لا يمكن بلوغها إلا سيراً على الأقدام أو على ظهور الدواب إن تسنّى ذلك. لذلك، مرة في الأسبوع، يتكفل "وفد" من القرويين بالسير 15 كيلومتراً، ومثلها للعودة، على أرضية وعرة، بغية شراء متطلبات المجموعة من أغذية وغلال، وكل ما تحتاج إليه القرية للحياة اليومية، فضلاً عن بضع صحف ومجلات. فصحيح أنهم يعيشون في غار، لكنهم لا يودون البقاء منعزلين تماماً عن العالم والنوم نومة "أهل الكهف"، ويطلبون العِلم ولو في... أنشون.