قراءة في التعبير الفني عند علياء العزي وقضاياه
قراءة في التعبير الفني عند علياء العزي وقضاياه
الإبداع الفني عند الفنانة علياء العزي قضية، لا نقل "ساذج" لمعالم "الواقع" وجمالياته، أو تجريد يتجاوز الواقع وقضاياه إلى عوالم فردية - جوّانية محضة.
فتتمحور أعمال الفنانة على مفهومَين جوهريين هما المرأة والتراث.
يتجلى التراث في هذه الإبداعات كاستمرارية لا قطيعة شاملة معها، فهو ذاكرة جمعية وتراكم يرسخ تفرد الإنسان العربي ويثمن خصوصياته.
فالتعبير الفني عند علياء العزي يستمد ألوانه ورموزه ومواضيعه/ قضاياه من خصوصية الذاكرة العربية، فتحضر النخلة كتعبير عن المكان أولاً، ثم كطبع، فالنخلة تعبير عن الصمود في البيئة الصحراوية، وتعبير عن صمود الإنسان العربي، نسوةً ورجالاً، أمام هيمنة الواقع وتناقضاته وأهواله.
كما يحضر المعمار التقليدي بفسيفسائه وسماته الشكلية المميزة له، ويتبدَّى في شكل الأبواب والنوافذ والكُوّات، ولا يقتصر "الحضور" التراثي على هذه الرموز، فنجد الهلال حاضراً باستمرار بصفته الطبيعية أو كشكل معماري، فالإنسان العربي في الأخير ابن بيئته وثقافته، و"جمالياته" تعبير عن هذه العلاقة التي تؤثر وتتأثر، فعبَّر الأجداد عن ثقافتهم وانتمائهم الزماني والمكاني عن طريق المعمار ورموزه ومنه استمدوا وجودهم وانتماءهم، وفي هذا التراث الجمالي بُني وعينا البصري، ولو طالته التحولات والتأثيرات يبقى "الأقدم في كل ما هو قديم يلاحقنا، ولا بد أن يدركنا".
لكن هذه الخصوصية ليست محدودة الأفق أو منقطعة عن الواقع، فالآفاق المفتوحة في بعض لوحات الفنانة تضفي على رمزية "التراث"، كمنطلق لإدراك الذات وخصوصياتها بثوابته ومتحولاته، صفة الارتباط بالمشترك الإنساني، فالتراث عند علياء العزي ليس عائقاً معرفياً، رغم تراكم سلبياته؛ بل تعبير له قدرته في التفاعل مع الحاضر لضمان استتباب بنياته واستمراريتها.
حضور التراث إذاً عند علياء عزي ليس اعتباطياً، بل هو منطلق في حد ذاته للتفاعل مع قضاياه والقضايا المرتبطة به.
والقضية الأساس التي ترتبط عند الفنانة بموضوع التراث، هي المرأة.
هذه المرأة التي لا تحضر كمكون/ رمز/ قضية على صورة واحدة، فبتعدد اللوحات تتعدد تجليات هذا الحضور النسوي، فالمشترك بين أغلب اللوحات التي تحمل هذا الحضور هو غياب ملامح المرأة، أي تقاسيم وجهها، مما قد يدل على غياب الخصوصية والتفرد والتميز، فحضور المرأة في جل اللوحات تعبير عن غيابها!
وحضور المرأة "محدد" ومحصور في جل اللوحات، ويتبدَّى في لوحة من إبداعات الفنانة كتقوقع جماعي على الذات، مما قد يعني تطبيعاً بالفعل للمرأة مع وضعيتها في العالم العربي.
وتتكشف إحدى اللوحات عن أفق مغلق بألوان داكنة، لا يظهر فيه غنى وجمالية التراث/ المعمار، بل بؤسه.
فرغم تعدد النوافذ والأبواب أي المنافذ، فإنها مغلقة وموصدة، إضافة إلى الحيطان ذات البدايات والنهايات المشوشة.
وقد يكون هذا ترميزاً على الحدود، التي يصير بها الفضاء المكاني/ الواقع أقرب إلى سجن منه إلى بيت تقليدي، فبنيات الماضي وتصوراته لا تزال ضاربة بقوة في عمق المكان وفي تصورات قاطنيه، فحتى المساكن تتطبع بطبع قاطنيها.
ويفرض اللون الداكن، في خضم هذا البؤس، نفسه كمعضد لهذا الاكتئاب على المستوى النفسي. فالسلطة البصرية للألوان الداكنة تظهر الجبر، الذي تعني كل محاولة تأقلم وتطبيع معه تسليماً للهلاك، شيء ما في هذه اللوحة يدعو للتغيير.
في لوحة أخرى تهيمن المرأة على المكان التقليدي/التراثي، فحضورها أقوى رغم أن مكوناته باهتة مقارنة بمكونات أخرى للوحة.
وفي إحدى اللوحات تظهر مرأة/ المرأة خارج جدران البيت في وضعية تشبه فيها، إلى حد ما، رجلاً في لوحة أخرى. هذه المرأة على خلاف الأخريات تحضر واضحة الملامح بشعر منسدل، تظهر على شفتيها حمرة أحمر الشفاه، ملتحفة لحافاً تقليدياً وحاملة طنجرة على رأسها، فحضور الذات لا ينكر إرث الواقع بحسنه وسوئه.
وفي إبداع من إبداعات علياء العزي، تحضر امرأتان سافرتان في أفق مفتوح، ملاحمهما غير بينة إلا من حمرة التحدي على وجنتيهما، وتبدو إحداهما كأنها في إبحار أو تحليق، أو لنقُل مقاومة بالفعل.
ويظهر الرجل في لوحات الفنانة بجانب المرأة، أو وحيداً بئيس الملامح، يطغى السواد والألوان الداكنة على وجوده، هل يتلبس هذا الرجل سلبيات الموروث؟ ربما.
إن الإبداع الفني عند علياء العزي ليس مصدره رمزيات ومشاعر علقت في ذاكرتها فقط، بل وعي بقضايا العراق والمجتمع العراقي التي هي بنت تربته، والمغرب الذي عاشت تناقضاته، ووعي بقضية المرأة، فالتعبير الفني إذاً عند الفنانة مقاومة إبداعية، لا تسليماً بتناقضات الواقع وجعلها معطى ثابتاً.