مقابر تعود لعام 1500 قبل الميلاد تروي جدرانها عظمة الفراعنة
جدران المقابر الملكية من الداخل تجسد مشاهد للحياة الآخرة - مقبرة رمسيس الرابع (حكم بين عامي 1166 و1160 قبل الميلاد) - جانب من وادي الملوك - مدخل المقابر بين أحضان الجبل الضخم - صورة توضيحية لأماكن المقابر المتاحة للزيارة في وادي الملوك
هل سمعت عن «لعنة الفراعنة»؟ هنا في رحاب وادي الملوك بالأقصر تنتظرك مغامرة مليئة بالإثارة والغموض... هنا ولدت حكايات كثيرة حول أسرار اللعنة التي ظهرت حكاياتها جلية مع اكتشاف مقبرة الملك «توت عنخ آمون»، حيث يقول المؤرخون إن 40 ممن شاركوا في اكتشاف المقبرة عام 1922 ماتوا جميعاً بأسباب تافهة، بمن فيهم ممول رحلة الاكتشاف اللورد كارنارفون الذي توفي بسبب لدغة بعوضة في فندق «كونتيننتال» بوسط القاهرة.
هنا بالبر الغربي بمدينة الأقصر التي تنفرد بثلث آثار العالم، يتكشف أمامك عالم غامض من الكنوز والأسرار التاريخية وحكايات الاكتشافات والسرقات وتفاصيل احتفاء المصريين القدماء بالحياة الأخرى الأبدية وطقوس الموت والخلود. يطلق على وادي الملوك اسم «الغرب العظيم» أو «جبانة طيبة» أو «أرض الآثار». يبدو أن الفراعنة اختاروا هذا الموقع لتخليد ملوكهم؛ ربما يعود ذلك للشكل الهرمي للجبل الذي يرتفع نحو 300 متر (985 قدماً).
يتكون وادي الملوك من فرعين لمجموعة أودية على البر الغربي، وقسمت إلى منطقتين للزيارة: الوادي الشرقي؛ وهو يضم عدداً كبيراً من المقابر الملكية المهمة. والوادي الغربي، الذي يضم مقبرتين ملكيتين كبيرتين وعدداً من المقابر الصغيرة لأفراد ملكيين غير معروفين.
عليك أن تستقل قطاراً طوافاً، («طَفْطَفْ» حسب ما يطلق عليه في مصر)، سوف يأخذك عبر مسافة 15 كيلومتراً تقريباً من كوبري الأقصر للوادي الذي يقع في منطقة قاحلة بين تلال ضخمة في الصحراء من الحجر الجيري، تكسوها آثار قنوات جافة يعود عمرها لآلاف السنين، لموقع الزيارات الذي يضم 64 مقبرة منحوتة في الصخور الصلبة منها مقبرة على هيئة غرفة صغيرة أو مقبرة عبارة عن 120 غرفة، جميعها نقش على جدرانها أروع ما قد تراه عين من جداريات.
في تلك المنطقة الجبلية القاحلة يقبع تاريخ عريق. يعود تاريخ وادي الملوك بصفته مقابر لدفن الفراعنة إلى عام 1550 قبل الميلاد، وقد وقع الاختيار على الموقع لقربه من المعابد الملكية، ويرجح أن أول حاكم فرعوني دفن فيها هو «تحتمس الأول»، وآخر من دفن فيها هو «رمسيس الحادي عشر» آخر ملوك الأسرة العشرين. في الطريق سوف تمر على معالم أثرية منها: تمثالا ممنون الشهيران وسط الحقول الخضراء، ومعبد الدير البحري وأيضاً منزل هيوارد كارتر، عالم المصريات مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، وهو منزل يزيد عمره على 80 سنة كان يقيم فيه طوال 15 سنة، هي سنوات بحثه عن كنوز آمون.
يستقبلك في الوادي مركز الزوار بما يحتويه من لافتات وصور توضيحية تضم معلومات عن أسباب اختيار الفراعنة للموقع، وشرحا لبعض الرسوم التي نقشت على جدران بعض المقابر ورسوم لبعض المعبودات القديمة، وأيضاً شرحا لأهمية التحنيط وسرقة مقتنيات المقابر، وأهم العتاد الذي كان يحرص المصريون القدماء على وضعه في مقابر الملوك، مثل الأواني والتماثيل ونماذج المراكب والأثاث والحلي والملابس وغيرها، وكيف تمت سرقته على مر العصور. كما يعرض فيلم تسجيلي مهم عبارة عن لقطات تصور لحظة فتح مقبرة توت عنخ آمون تم تصويرها في عشرينات القرن العشرين.
قد تضطر إلى الانتظار بالمركز حتى يقل الزحام إذا كان هناك آلاف الزوار داخل المقابر، عندها سوف يتأجج الشغف داخلك لاكتشاف ما المثير في مقابر الفراعنة لكي يتوافد عليها الآلاف يومياً؟
أُعلن وادي الملوك، ضمن مواقع أثرية أخرى بمدينة الأقصر، موقعا للتراث العالمي من قبل اليونيسكو وذلك عام 1979. ويعتبر هو الموقع المفضل والأكثر زيارة من قبل السائحين؛ حيث يأتي على رأس البرامج السياحية قبل معبد الكرنك، أو معبد الدير البحري، وكان عدد زائريه يصل يومياً إلى ما بين 8 آلاف و15 ألف سائح.
ورغم أن هذه المقابر يعود تاريخها لآلاف السنين فإن أسرارها بدأت تخرج إلى النور بسبب الرحلات الاستكشافية بحثاً عن الكنوز المدفونة. وفي منتصف القرن الثامن عشر، قام عالم المصريات جون ويلكنسون بترقيم المقابر وفقاً لتاريخ اكتشافها، واستمر الأمر كذلك حتى آخر مقبرة كشفتها البعثة السويسرية عام 2011 وهي رقم 64.
في الحقيقة روعة النقوش والرسوم الملونة على الجدران ستجلب لك شعوراً بالدهشة من عظمة أولئك المصريين القدامى الذين برعوا في النقش على جدران صخرية جداريات لا تزال ألوانها محتفظة برونقها رغم آلاف السنين؛ أي صبر كان لديهم في النقش على تلك الصخور في باطن الجبل؟! وأي أدوات كانت تستخدم؟! وكم عاماً استغرق ذلك؟! العلامات المنقوشة باليونانية والسريانية والقبطية القديمة وعلامات تحديد مناطق قطع الجداريات التي خطها اللصوص أثناء محاولات لسرقة الجدران... كلها أشياء تثير مزيد من التساؤلات لديك كما هو حال جميع الزوار.
على عكس المواقع السياحية الأخرى التي قد تكون زرتها في الأقصر، لن يصحبك مرشد سياحي داخل المقابر، بل سوف يعطيك التذكرة الخاصة بزيارة المقابر الثلاث مع شرح لأهميتها، ويحدد لك ساعة لزيارتها، وغالباً ما يقع الاختيار على مقابر رقم «2» الخاصة برمسيس الرابع، ورقم «6» لرمسيس التاسع، و«11» الخاصة برمسيس الثالث؛ لأنها الأقرب لبعضها ولا تتطلب جهداً كبيراً، وتعد قريبة من بعضها، فلن تسير لمسافات طويلة في الجو الحار.
تتكون المقابر الملكية في وادي الملوك من ممرات أو دهاليز ضيقة تأخذك إلى غرف نحتت في صخر الجبل يعترضها بعض الآبار، حيث صممت بحيث تصعب سرقتها.
أما جدران المقبرة فكانت مسرحاً للمناظر وغالباً مطلية باللون الأزرق وتزينها نجوم ذهبية، أما الجدران فهي مكسوة بالرسوم والنصوص الدينية المختلفة وأغلبها من كتاب «ما هو موجود في العالم الآخر»، وكتاب «البوابات»، وكتاب «الكهوف»، وكتاب «الأرض»، و«أناشيد شمسية» و«قصة هلاك البشرية» و«كتاب الموتى»، بجانب بعض الطقوس الدينية مثل طقس فتح الفم.
مقبرة رمسيس الرابع
في واحدة من أجمل المقابر التي يضمها وادي الملوك تقبع مقبرة رقم «2» على يمين الطريق خارج حاجز المدخل المباشر، تقع المقبرة التي نهبت من قبل اللصوص في العصور القديمة، فلم يتم العثور على مومياء رمسيس الرابع. فوق مدخل المقبرة يبرز قرص الشمس الذهبي الذي يمثل «الإله رع» رمز القوة، وعلى جانبي قرص الشمس نرى إيزيس ونفتيس. بداخل المقبرة يوجد التابوت الغرانيتي الكبير وهو يزيد على 10 أقدام في طوله وبعرض 7 أقدام، وارتفاع يزيد على 8 أقدام. أما سقف الحجرة ففيه رسم للإلهة «نوت»، وجسمها مزين بالنجوم، وخلف حجرة الدفن دهليز تنفتح فيه بعض الحجرات. والمناظر والكتابات هنا تمثل رحلة الشمس في العالم السفلى، كما توجد مناظر قبطية على الحائط الأيمن من ممر الدخول، توضح أن بعض الأقباط كانوا يستخدمون المقابر مأوى لهم أيام الاضطهاد الديني وقت انتشار المسيحية.
مقبرة توت عنخ آمون
«سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك»... تلك الجملة المنقوشة بالهيروغليفية القديمة على جدار مقبرة الملك توت عنخ آمون كانت هي السبب في انتشار أسطورة «لعنة الفراعنة». جدران تلك المقبرة شاهدة على عظمة تلك الحضارة دون شكك. وتمثل الرسومات الرائعة جنازة الملك في مشهد مركب تجرها زحافة، ويقوم بسحبها مجموعة من أصدقاء وعظماء القصر، ونشاهد داخل المركب «ناووس» بداخله التابوت، وفوقه نص يشير إلى «الإله الطيب سيد الأرضين نب خبرو رع معطي الحياة للأبد». وعلى جدار آخر، نرى الملك «آي» على رأسه التاج الأزرق، وهو الملك الذي تولى العرش بعد موت الملك توت عنخ آمون، مرتدياً جلد الفهد بصفته الأب الإلهي وهو يقوم بطقس فتح الفم لمومياء الملك بأن يلمس وجه المومياء الأوزيرية للملك توت عنخ آمون بالفأسين الصغيرين المعروفين باسم «نوتى». ثم يردد قائلاً: «أنا أفتح فمك لكي تتكلم، وأفتح عينيك لكي ترى رع، وأذنيك لكي تسمع تبجيلك، (ثم) تمشي على رجليك لكي تدفع عنك الأعداء»، والهدف من هذا الطقس هو إعطاء الحياة للمومياء بحيث تستعيد القدرة على تسلم الطعام الذي يقدم لها في العالم الآخر. وعلى الجدار الشمالي رسم يجسد الملك توت عنخ آمون وهو يحتضن الإله «أوزيريس» وخلف الملك قرينه «الكاء» في صورته الملكية وفوق رأسه الاسم الحوري للملك داخل رمز «الكا». على جدار آخر نرى رسومات لاثني عشر قرداً في ثلاثة صفوف ربما يمثلون ساعات الليل الـ12 وفوقها نشاهد خمسة من الآلهة الواقفين ثم مركب الشمس. وفي رسم آخر نجد الملك توت عنخ آمون يتوسط الإلهة حتحور التي تعطيه علامة الحياة «عنخ»، والإله أنوبيس رب الجبانة.
سوف تستغرق زيارتك ما بين ساعة ونصف وساعتين ونصف وفقاً لرغبتك في زيارة المقابر، ومسموح حالياً التصوير بالهواتف الجوالة، أما الكاميرات التي تستخدم الضوء «الفلاش» فهي ممنوعة ويتم تسليمها في مركز الزوار قبل دخول وادي الملوك. بعد الانتهاء من جولتك يمكنك التسوق من البازارات السياحية المتاحة في منتصف الوادي في منطقة مخصصة للاستراحة، ومنها يمكنك أن تبتاع الهدايا التذكارية والصور، كما يمكنك التقاط الصور التذكارية في أحد الممرات أمام الجبل العملاق.
استعدادات الرحلة
تتطلب هذه الرحلة مجهوداً كبيراً لأن زيارة المقابر تحتاج إلى السير لمسافات طويلة، وصعود وهبوط لدرجات سلم بزاوية نحو 90 درجة. ينبغي أن تحصن نفسك بقبعة أو مظلة شمسية ونظارة شمس للاحتماء من درجة الحرارة المرتفعة وأشعة الشمس، وأن ترافقك قنينة مياه ومناديل مبللة، وارتداء ملابس فضفاضة وخفيفة وحذاء رياضي مريح، حيث إن الزيارة تتطلب السير في ممرات غير ممهدة، كما أنك قد ترغب في التجول في القرى المجاورة للوادي، حيث توجد قريتا الحساسنة والسوالم اللتان تفضل بعض المجموعات السياحية زيارتهما وركوب الخيول والجمال وتناول الغذاء فيهما، وشراء تذكارات من تماثيل وقطع الألباستر التي تشتهر بها.
يمكنك زيارة ثلاث مقابر من أصل 63 مقبرة بتذكرة واحدة سعر الواحدة العادية 80 جنيهاً، أما للطلبة بـ40 جنيهاً، إلا أن زيارة مقبرة توت عنخ آمون تتطلب الحصول على تذكرة خاصة بها يبلغ سعرها 100 جنيه، وللطلبة 50 جنيها. زيارة المقبرة لن تطلعك على كنوزها الذهبية التي تعد أروع اكتشاف في القرن العشرين، فقد تم نقلها للمتحف المصري بميدان التحرير، ولا بد من زيارة المتحف المصري في القاهرة لتشاهد الكنوز التي دفنت مع توت عنخ آمون، لكنك ستشاهد التابوت الذهبي وتستمتع بنقوش المقبرة المبهرة.
مصر تستعيد مكانتها كمقصد سياحي عالمي الصيف المقبل
* يبدو أن السياحة المصرية سوف تستعيد رونقها من جديد، وتجتذب السائحين بعد تراجع أعدادهم منذ ثورة يناير (كانون الثاني) 2011. فبعد عدد من زيارات ليونيل ميسي، وأنجيلا ميركل، وويل سميث؛ اُختيرت مصر من قبل اللجنة المنظمة لحفل توزيع جوائز PATWA (رابطة الكتاب السياحيين لمنطقة الباسفيك)، كأفضل مقصد للسفر الفاخر لعام 2017، وذلك على هامش جدول أعمال بورصة برلين السياحية بألمانيا، بحضور يحيى راشد وزير السياحة المصري، وطالب الرفاعي الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ونائب رئيس معرض برلين للسياحة، ووزير السياحة الهندي، ووزير سياحة زيمبابوي ووسط حضور مكثف من المهتمين بالسياحة والعارضين والصحافيين من 18 دولة.
ويقول وزير السياحة المصري يحيى راشد «الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن يشهد موسم الصيف المقبل توافد السياح الألمان، خاصة أن الألمان لديهم ولع خاص بمصر، وكانوا يشكلون نسبة كبيرة من السياحة الوافدة لمختلف المدن المصرية». ويؤكد راشد: «من المهم جداً فصل السياسة عن السياحة، وتبذل الوزارة وكل المؤسسات الحكومية المصرية جهوداً كبيراً في إلغاء حظر السفر حتى يعود النشاط السياحي إلى معدلاته الطبيعية التي تليق بمكانة مصر».
ويشير إلى أن ترشيح مصر لهذه الجائزة مؤشر إيجابي على استعادة مصر لمكانتها المتميزة، وعلى أن السياحة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو استعادة معدلاتها الطبيعية، بما يؤدي إلى عودة المقصد السياحي المصري لمكانته كوجهة مفضلة لمختلف السائحين حول العالم. ويشدد راشد على أن مصر آمنة، وأنها اتخذت من الإجراءات والتدابير الاحترازية ما يكفل رفع الكفاءة الأمنية، وبما يحفظ أمن المواطن والسائح على حد سواء.
جدير بالذكر أن رابطة الكتاب السياحيين لمنطقة الباسيفيك منظمة متخصصة للكتاب السياحيين تأسست عام 1998، أثناء انعقاد مؤتمر رابطة في كولومبيا بسريلانكا من أجل تطوير صناعة السفر ولسياحة في منطقة الباسيفيك، وتعمل الرابطة مع القطاعين الحكومي والخاص، من أجل دعم النمو، وتعزيز جودة السفر والسياحة، كما أنها عضو منتدب في منظمة السياحة العالمية.
وحول زيادة قيمة تأشيرة دخول مصر للأجانب، أعلن هشام الدميري، رئيس هيئة تنشيط السياحة، أن مصر تحرص على تذليل كل العقبات التي من شأنها أن تؤثر في التدفق السياحي خلال المرحلة المقبلة، مؤكداً أن الموضوع قيد الدراسة حاليا، وسيتم عرضه على مجلس الوزراء خلال الفترة الوجيزة المقبلة.
وقد أعرب رئيس اتحاد شركات السياحة الألماني عن تفاؤله بعودة السياحية إلى مصر خلال الفترة المقبلة، بناء على مؤشرات السوق الحالية، سواء بالنسبة لعدد الرحلات أو الحجوزات المستقبلية.
اهتمام خاص بزوار الدول العربية
وتم تفعيل اتفاقيات للسياحة البينية بين الدول العربية الشقيقة والجانب المصري، حيث قام وزير السياحة المصري بعقد جلسة مباحثات مشتركة مع كل من وزير التجارة والصناعة والسياحة بالبحرين السيد زايد الزياتي، وولي عهد البحرين سعادة الشيخ خالد المحمود آل خليفة، ورئيس هيئة تنشيط البحرين ووزير سياحة عمان السيد أحمد بن ناصر المحرزي؛ لبحث سبل تعزيز حركة السياحة البينية العربية وحشد الجهود لتنشيط السياحة العربية وإطلاق الحملات الإعلانية قبل رمضان.
وسوف تشهد الفترة المقبلة تسهيلات منح تأشيرات الدخول للمقيمين في دول التعاون الخليجي ومرافقيهم، وإطلاق قافلة عربية مشتركة لزيارة مجموعة من الدول العربية وتنشيط السياحة البينية في المنطقة..
المصدر: صحيفة الشرق الاوسط اللندنية