ثمة رأي ساد عند بعض الباحثين مفاده أنَّه تم تدبير مؤامرة دولية كبرى ضد عبد الرحمن الداخل الأموي، أعضاؤها: الرماحس الكتاني والي الجزيرة، وسليمان بن يقظان الأعرابي والحسين بن يحيى الأنصاري في سرقسطة، وعبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي الذي عليه أن يعبر لينضمَّ إلى المؤامرة، ومساعدة شارلمان ملك الإفرنجة. وتمَّت هذه المؤامرة بإشراف الخليفة العباسي المهدي، وكان الهدف من المؤامرة المذكورة القضاء على الإمارة الأموية في الأندلس وضم الأندلس إلى حظيرة الخلافة العباسية.

رأي القائلين بالمؤامرة

وقد استند هؤلاء الباحثون في رأيهم هذا إلى ما يأتي:

1- المراسلات والسفارات المتبادلة بين الخليفة المهدي وشارلمان ملك الإفرنجة والتي كانت موجهة ضد الأمويين في الأندلس، وبتأثير الاتفاق والمراسلات العباسية الإفرنجية تحرَّك شرلمان بجيشه إلى سرقسطة مساعدًا الأعرابي والأنصاري في حركتهما على الأمير الداخل.

2- هروب الرماحس الكتاني بعد فشل حركته إلى بغداد لاجئًا عند الخليفة المهدي.

3- المراسلات المتبادلة بين الأمير عبد الرحمن الداخل والخليفة المهدي والتي بدأها الأمير الداخل؛ فبتأثير المؤامرة الداخلية الكبرى المذكورة وإحراجها لموقف الداخل في الأندلس، أقدم على إرسال رسالةٍ إلى الخليفة المهدي وُصِفَت بأنَّها شديدة اللهجة، فما كان من الخليفة المهدي إلاَّ أن ردَّ عليها بالمثل.

حقيقة تلك المؤامرة

لا نميل إلى الرأي القائل: إنَّ مؤامرة دوليَّة كبرى كانت قد تمَّت ضدَّ الإمارة الأموية، مستندين في قولنا إلى ما يلي:

1- عدم وجود روايات تاريخية تذكر هذه المؤامرة؛ فالرأي القائل بأنَّ مؤامرةً تمَّت بين أطراف عديدة لا يستند ولو إلى مصدرٍ واحد، وعدم وجود دليلٍ تاريخيٍّ يجعلنا نضعف وجود مؤامرة دولية كبرى.

2- لا يوجد دليلٌ تاريخيٌّ ينصُّ على أنَّ مراسلات سياسية كانت قد تمَّت بين الخليفة المهدي وشارلمان ملك الإفرنجية؛ وإنَّما قال الباحثون بذلك نتيجة استقراء الواقع، فوجدوا أنَّ علاقات تجارية وبعض السفارات كانت موجودة بين العباسيين والإفرنجة من جهة، وبين الأمويين والبيزنطيين من جهةٍ أخرى، مع وجود عداء تقليدي بينها.

3- أمَّا مسألة هروب الرماحس الكتاني إلى بغداد بعد فشل حركته في الأندلس فليس دليلًا على وجود اتفاق دولي كبير؛ فمن الطبيعي جدًّا أن يهرب الرماحس إلى الخليفة المهدي باعتباره عدوًّا للداخل، فهرب الرماحس من عدوِّه إلى عدوِّ عدوِّه في سبيل تأمين حياته.

4- إنَّ خلاف الصقلبي مع الأعرابي وعدم مساعدة هذا الأخير للأول في حركته ضدَّ الداخل يُفنِّد وجود أيِّ اتِّفاقٍ مسبقٍ بين الأطراف الخارجية.

5- ليس من المعقول أن يقدم الخليفة المهدي الخليفة المسلم ويطلب المساعدة من ملك نصراني، ويستعين به ضدَّ المسلمين في الأندلس، ثم ما موقف المسلمين في الخلافة العباسية من هذا العمل؟ وما موقف المهدي من رعاياه المسلمين؟

ولو قيل: إنَّ الاتفاق كان سريًّا. نتساءل ما فائدة الخليفة المهدي من عمله المذكور، فحتى لو تمَّ القضاء على الإمارة الأموية في الأندلس، فمن يضمن له تسليم شارلمان الأندلس بعد استيلائه عليها؟

6- نتساءل -أيضًا- لو كان هناك اتفاقٌ دوليٌّ متعدِّد الأطراف موجَّهٌ ضدَّ الداخل، فلماذا كان هناك اختلاف في توقيت الحركات؟! خصوصًا وأنَّ حدوث كلِّ حركةٍ في وقتٍ يختلف عن وقت الحركة الأخرى سهَّل مهمَّة الأمير في القضاء عليها جميعًا، لقد كانت حركة الصقلبي منفردة، واستطاع الداخل القضاء عليها في (162هـ=779م).

أمَّا حركة الرماحس بن عبد العزيز الكتاني الذي كان والي الجزيرة، فلم تمضِ عشرة أيامٍ على إعلان حركته حتى أقبل عليه الأمير عبد الرحمن الداخل بقوَّاته، فما كان من الرماحس إلَّا أن هرب بأهله في مركبٍ عبر البحر إلى إفريقيا، ومن هناك وصل إلى الخليفة المهدي طالبًا اللجوء عنده.

أمَّا حركتا الأعرابي والأنصاري في سرقسطة وطلبهما مساعدة شارلمان سنة (161هـ=778م)، فتنسجم مع مصالح الطرفين: فالأعرابي والأنصاري يرغبان في القضاء على الداخل وإمارته ويرغبان بالتالي في ولاية الأندلس؛ في حين كان شارلمان يطمع في الاستيلاء على الأندلس -أيضًا- وضمِّها للإمبراطورية الكارولنجية، وبالفعل تمَّ استدعاء شارلمان بجيشه إلى الأندلس في سبيل تنفيذ الاتفاق بينهما.

ولما كان شارلمان وجيشه برفقة الأعرابي على مشارف سرقسطة، أقدم الحسين بن يحيى الأنصاري على إغلاق أبواب سرقسطة في وجه شرلمان وجيشه، ولم يفلح شارلمان في دخول سرقسطة، فانسحب إلى بلاده عبر جبال ألبرت معلنًا فشل اتفاقه وتآمره على الداخل، فأقدم على تغيير سياسته ضدَّ الإمارة الأموية، فتمَّت بين الطرفين مراسلات للسلم، وكانت هناك دعوةٌ للمصاهرة، فتمَّ الاتفاق السلمي بين الطرفين ولم تتم المصاهرة.

أمَّا الأعرابي والأنصاري، فساءت العلاقة بينهما إلى درجة أن أقدم كلٌّ منهما على التخلص من صاحبه، فما إن دخل عام (169هـ=783م) حتى تخلصت الأندلس منهما، وعادت سرقسطة للإمارة الأموية.

الخلاصة

لم تكن هناك حقيقة للمؤامرة الدولية الكبرى على الإمارة الأموية التي ذكرها بعض الباحثين، وذلك لعدم وجود دليلٍ تاريخيٍّ ينصُّ على ذلك؛ وإنَّما جاء هذا الرأي نتيجة استقراء واقع العالم العربي الإسلامي والدول المجاورة له.

_____________

المصدر: العلاقة بين أمويي الأندلس والخلافة العباسية، الدكتور خالد إسماعيل نايف الحمداني، كلية الدراسات الإسلامية والعربية - دبي، مجلة التاريخ العربي.

ثمة رأي ساد عند بعض الباحثين مفاده أنَّه تم تدبير مؤامرة دولية كبرى ضد عبد الرحمن الداخل الأموي، أعضاؤها: الرماحس الكتاني والي الجزيرة، وسليمان بن يقظان الأعرابي والحسين بن يحيى الأنصاري في سرقسطة، وعبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي الذي عليه أن يعبر لينضمَّ إلى المؤامرة، ومساعدة شارلمان ملك الإفرنجة. وتمَّت هذه المؤامرة بإشراف الخليفة العباسي المهدي، وكان الهدف من المؤامرة المذكورة القضاء على الإمارة الأموية في الأندلس وضم الأندلس إلى حظيرة الخلافة العباسية.

رأي القائلين بالمؤامرة

وقد استند هؤلاء الباحثون في رأيهم هذا إلى ما يأتي:

1- المراسلات والسفارات المتبادلة بين الخليفة المهدي وشارلمان ملك الإفرنجة والتي كانت موجهة ضد الأمويين في الأندلس، وبتأثير الاتفاق والمراسلات العباسية الإفرنجية تحرَّك شرلمان بجيشه إلى سرقسطة مساعدًا الأعرابي والأنصاري في حركتهما على الأمير الداخل.

2- هروب الرماحس الكتاني بعد فشل حركته إلى بغداد لاجئًا عند الخليفة المهدي.

3- المراسلات المتبادلة بين الأمير عبد الرحمن الداخل والخليفة المهدي والتي بدأها الأمير الداخل؛ فبتأثير المؤامرة الداخلية الكبرى المذكورة وإحراجها لموقف الداخل في الأندلس، أقدم على إرسال رسالةٍ إلى الخليفة المهدي وُصِفَت بأنَّها شديدة اللهجة، فما كان من الخليفة المهدي إلاَّ أن ردَّ عليها بالمثل.

حقيقة تلك المؤامرة

لا نميل إلى الرأي القائل: إنَّ مؤامرة دوليَّة كبرى كانت قد تمَّت ضدَّ الإمارة الأموية، مستندين في قولنا إلى ما يلي:

1- عدم وجود روايات تاريخية تذكر هذه المؤامرة؛ فالرأي القائل بأنَّ مؤامرةً تمَّت بين أطراف عديدة لا يستند ولو إلى مصدرٍ واحد، وعدم وجود دليلٍ تاريخيٍّ يجعلنا نضعف وجود مؤامرة دولية كبرى.

2- لا يوجد دليلٌ تاريخيٌّ ينصُّ على أنَّ مراسلات سياسية كانت قد تمَّت بين الخليفة المهدي وشارلمان ملك الإفرنجية؛ وإنَّما قال الباحثون بذلك نتيجة استقراء الواقع، فوجدوا أنَّ علاقات تجارية وبعض السفارات كانت موجودة بين العباسيين والإفرنجة من جهة، وبين الأمويين والبيزنطيين من جهةٍ أخرى، مع وجود عداء تقليدي بينها.

3- أمَّا مسألة هروب الرماحس الكتاني إلى بغداد بعد فشل حركته في الأندلس فليس دليلًا على وجود اتفاق دولي كبير؛ فمن الطبيعي جدًّا أن يهرب الرماحس إلى الخليفة المهدي باعتباره عدوًّا للداخل، فهرب الرماحس من عدوِّه إلى عدوِّ عدوِّه في سبيل تأمين حياته.

4- إنَّ خلاف الصقلبي مع الأعرابي وعدم مساعدة هذا الأخير للأول في حركته ضدَّ الداخل يُفنِّد وجود أيِّ اتِّفاقٍ مسبقٍ بين الأطراف الخارجية.

5- ليس من المعقول أن يقدم الخليفة المهدي الخليفة المسلم ويطلب المساعدة من ملك نصراني، ويستعين به ضدَّ المسلمين في الأندلس، ثم ما موقف المسلمين في الخلافة العباسية من هذا العمل؟ وما موقف المهدي من رعاياه المسلمين؟

ولو قيل: إنَّ الاتفاق كان سريًّا. نتساءل ما فائدة الخليفة المهدي من عمله المذكور، فحتى لو تمَّ القضاء على الإمارة الأموية في الأندلس، فمن يضمن له تسليم شارلمان الأندلس بعد استيلائه عليها؟

6- نتساءل -أيضًا- لو كان هناك اتفاقٌ دوليٌّ متعدِّد الأطراف موجَّهٌ ضدَّ الداخل، فلماذا كان هناك اختلاف في توقيت الحركات؟! خصوصًا وأنَّ حدوث كلِّ حركةٍ في وقتٍ يختلف عن وقت الحركة الأخرى سهَّل مهمَّة الأمير في القضاء عليها جميعًا، لقد كانت حركة الصقلبي منفردة، واستطاع الداخل القضاء عليها في (162هـ=779م).

أمَّا حركة الرماحس بن عبد العزيز الكتاني الذي كان والي الجزيرة، فلم تمضِ عشرة أيامٍ على إعلان حركته حتى أقبل عليه الأمير عبد الرحمن الداخل بقوَّاته، فما كان من الرماحس إلَّا أن هرب بأهله في مركبٍ عبر البحر إلى إفريقيا، ومن هناك وصل إلى الخليفة المهدي طالبًا اللجوء عنده.

أمَّا حركتا الأعرابي والأنصاري في سرقسطة وطلبهما مساعدة شارلمان سنة (161هـ=778م)، فتنسجم مع مصالح الطرفين: فالأعرابي والأنصاري يرغبان في القضاء على الداخل وإمارته ويرغبان بالتالي في ولاية الأندلس؛ في حين كان شارلمان يطمع في الاستيلاء على الأندلس -أيضًا- وضمِّها للإمبراطورية الكارولنجية، وبالفعل تمَّ استدعاء شارلمان بجيشه إلى الأندلس في سبيل تنفيذ الاتفاق بينهما.

ولما كان شارلمان وجيشه برفقة الأعرابي على مشارف سرقسطة، أقدم الحسين بن يحيى الأنصاري على إغلاق أبواب سرقسطة في وجه شرلمان وجيشه، ولم يفلح شارلمان في دخول سرقسطة، فانسحب إلى بلاده عبر جبال ألبرت معلنًا فشل اتفاقه وتآمره على الداخل، فأقدم على تغيير سياسته ضدَّ الإمارة الأموية، فتمَّت بين الطرفين مراسلات للسلم، وكانت هناك دعوةٌ للمصاهرة، فتمَّ الاتفاق السلمي بين الطرفين ولم تتم المصاهرة.

أمَّا الأعرابي والأنصاري، فساءت العلاقة بينهما إلى درجة أن أقدم كلٌّ منهما على التخلص من صاحبه، فما إن دخل عام (169هـ=783م) حتى تخلصت الأندلس منهما، وعادت سرقسطة للإمارة الأموية.

الخلاصة

لم تكن هناك حقيقة للمؤامرة الدولية الكبرى على الإمارة الأموية التي ذكرها بعض الباحثين، وذلك لعدم وجود دليلٍ تاريخيٍّ ينصُّ على ذلك؛ وإنَّما جاء هذا الرأي نتيجة استقراء واقع العالم العربي الإسلامي والدول المجاورة له.

_____________

المصدر: العلاقة بين أمويي الأندلس والخلافة العباسية، الدكتور خالد إسماعيل نايف الحمداني، كلية الدراسات الإسلامية والعربية - دبي، مجلة التاريخ العربي.

قصة الإسلام