بالرقص تحافظ الشعوب على تراثها الثقافي ... تايلاند وفلسطين واليابان
تسعى شعوب كثيرة للحفاظ على هويتها الثقافية من أجل حماية خصوصيتها وضمان عدم الاندثار أو الذوبان في الآخر، ويعدّ الرقص الفلكلوري إحدى تلك الوسائل التي تلجأ إليها الشعوب من أجل تجسيد الثقافة المحلية والتقاليد الخاصة، كما يعتبر الرقص الفلكلوري مرآة ينعكس عليها كل مظاهر وفعاليات الحياة المختلفة، ويعد كذلك أداة من أدوات التأريخ وحفظ التراث.
ونستعرض في التقرير التالي بعض الدول التي حافظت على تراثها عبر رقصها الفلكلوري.
كولومبيا
في كولومبيا وعلى ساحل البحر الأطلسي نشأت الثقافة الكولومبية شديدة الثراء والتنوع، التي جمعت بين مزيج من مختلف الثقافات، نتج عنها الرقص الفلكلوري الكولومبي الذي مزج بين الموسيقى الإسبانية والموسيقى الأفريقية، ومن هذا المزيج المتنوع ظهرت رقصة "السالسا" التي تعد من أكثر الرقصات شعبية في المجتمعات اللاتينية وهي عبارة عن مزيج من الموسيقى اللاتينية ولكن مكونها الأساسي جاء من دولة كوبا.
وهناك الكثير من أنواع السالسا حول العالم حيث تضيف كل دولة حركاتها المميزة حسب طبيعتها الجغرافية، هذا إلى جانب رقصة البامبوكو التي تعتبر من الرقصات الأكثر شعبية في كولومبيا وخاصة منطقة الأنديز، وهناك أيضاً رقصة بورو التي نشأت في سوكري وهي رقصة تشبه المسيرة العسكرية.
تايلاند
تمتد جذور الرقص الفلكلوري التايلاندي إلى الثقافات القبلية الأصلية والتأثيرات الاستعمارية من بورما وإندونيسيا، ومن أشهر الرقصات الفلكلورية في تايلاند رقصات فون التقليدية والتي تعد مجموعة من الرقصات الشعبية التي تقوم بها الراقصات الإناث وتنقسم بالأساس إلى خمسة أشكال أساسية؛ فون ليب "رقص الأفعى"، وفون تيان وتعني "شمعة الرقص"، وفون مارن أو "رقصة الفراشة" وفون نيجو وتعني "رقصة وشاح"، وفون مارن مونج كول وتعني "الرقص السعيد".
وترافق كل رقصة من هذه الرقصات موسيقى خاصة بها، يعزفها الموسيقيون المرافقون على الآلات التايلاندية التقليدية حيث يكون هناك عادة خمسة إلى سبعة موسيقيين برفقة أربعة إلى ستة راقصين.
اليابان
للرقص الفلكلوري في اليابان تاريخٌ طويل وعريق حيث استمر تقليد الرقص الشعبي الياباني لأكثر من ألف سنة، ومن أنواع الرقص الفلكلوري في اليابان رقصة إيومانزاي والتي تعد احتفالاً بالعام الجديد والغرض الأساسي منها هو طلب السلام من الآلهة في العام المقبل.
ورقصة أياكوماي وهي رقصة تاريخية ذات هدف ديني، ورقصة ساكورا أو رقصة الربيع والتي تعني "أزهار الكرز" وعادة ما تؤدي المرأة تلك الرقصة احتفالاً بالسماء المشرقة والكرز.
وتحتفل اليابان في الفترة من 13-15 أغسطس/آب من كل عام بمهرجان أوبون أو مهرجان القناديل للرقص الذي يُقام لتمجيد أرواح أموات الأسلاف وتُرقص فيه رقصات الأوبون الفلكلورية الخاصة لإراحة أرواح الأسلاف الموتى. وهو المهرجان الأضخم من نوعه في اليابان، وقد بدأ الاحتفال به منذ أكثر من 500 عام ويستمر الاحتفال بهذا المهرجان لمدة ثلاثة أيام، ويُحتفل بهذا المهرجان في شهر يوليو في مناطق طوكيو، يوكوهاما، وتوهوكو.
اليمن
يتميز الرقص الفلكلوري اليمني بالتنوع، حيث أن لكل منطقة يمنية رقصتها الخاصة بها والتي تعبر عنها بشكل خاص، وتزيد الرقصات الفلكلورية في اليمن عن ثمانين رقصة ولكل طقس من طقوس الحياة رقصة مختلفة، فهناك رقصة للاحتفال بالختان وأخرى للزواج إضافة إلى رقصات الزار وزيارة الأضرحة والأولياء.
ومن أشهر الرقصات الفلكلورية اليمنية رقصة "البامبيلا" التي تحمل طابعاً أفريقياً وتتواجد بشكل أساسي في مدينتي الشحر والمكلا اليمنيتين، وهناك أيضاً رقصة "السواحيلي" النسائية في حضر موت والتي تُؤدى في الأعراس، هذا عطفاً على رقصة "الدربوكة" والتي يؤديها بحارة السفن الشراعية من أصل أفريقي قبل نزولهم إلى البحر وهي تمثل بالأساس دراما الصيد والمرسى.
المكسيك
إذا كان الرقص الفلكلوري يكشف عن جانب من الهوية الثقافية لبلد ما؛ فالرقص الفلكلوري في المكسيك يعد تجربة رائعة للكشف عن ثقافة المكسيك وذلك لأنه ينسجم معه الإيقاع الموسيقي والألوان المليئة بالحياة وكذلك الملابس والحلي ليكون بذلك لوحة فنية مكتملة الأركان لتراث المكسيك.
ومن أشهر الرقصات الفلكلورية في المكسيك رقصة القبعات المكسكية التي تعد مزيجاً من التأثيرات الأصلية والأوروبية والأفريقية، وتعود جذورها إلى الاستعمار الإسباني للمكسيك في القرن السادس عشر وبدأت ممارستها بالأساس لاسترضاء الآلهة، ثم تطورت ودمجت معها رقصات أخرى مثل الباليه والبولكا.
فلسطين
تعد الدبكة أشهر الرقصات الفلكلورية للمجتمع العربي، وهي جزء من التراث الفلسطيني حيث تترسخ في الذاكرة الفلسطينية بشكل كبير وذلك لتعكس عمق الانتماء للتراب الفلسطيني وقد كانت رقصة الدبكة الفلسطينية تُمارس في الأعياد والمناسبات الاجتماعية مثل الزواج وذلك قبل نكبة 1948 وتطورت بعد ذلك لتصبح أداة من أدوات النضال الفلسطيني.
الدبكة هي رقصة جماعية تضم أكثر من 15 مشاركاً حيث يقف المشاركون في صف ويمسكون بأيدي بعضهم البعض من اليمين إلى الشمال، حيث تتشابك الأيدي خلال تأديتها لترمز للوحدة والتضامن، وتُضرب الأرجل بالأرض رمزاً للصمود.
وتنقسم رقصة الدبكة الفلسطينية إلى ثلاثة أنواع: الكرادية أو الطيارة؛ وتتسم تلك الرقصة بالإيقاع السريع ويجب على من يزاولها أن يتمتع باللياقة والحركة السريعة، وهناك أيضاً دبكة الدلعونا؛ وهي رقصة ذات إيقاع متوسط تصاحبها أغان تحمل نفس الرتم مع تغير في الكلمات حسب المناسبة، كما توجد دبكة ظريف الطول؛ وهي رقصة تعنى بالتنقيب عن محاسن الفتاة أو الفتى وتركز على المدح بشكل خاص، وأخيراً دبكة الدحِّيّة؛ وهي دبكة خاصة بالبدو تصاحبها كلمات أغان لا يفهمها سواهم.