دعِ الدُنيا وما فيها لمَن لا يَدري ما فيها
وسِرْ فرداً بلا ثانٍ على الأشواكِ وأمشيها
ولا تَصحو لأطيافٍ عفَت في عقلِ رائيها
بحورُ الشعرِ قدْ جفَّتْ ولَن تَروي سواقيها
دموعٌ أضرمت ناراً فكيفَ النار تُطفيها
إذا ما رَقرَقت عينٌ وسالت في مآقيها
فكَفكفْ دمعةَ الحُزنِ ولا تَحدو بحاديها
ولا تَرجو مِن الدُنيا إذا خابَت مَساعيها
فَهذي النفسُ إن مالَت فمِلْها حيثُ يُعنيها
وخالفْ نظرةَ العينِ فمَنْ بالعَينِ يَمليها
فلا في حدّها حدٌّ ولَن تَحصي أمانيها
فغضُّ الطرفِ لا طرفٌ بما فيهِ سَيغويها
ومُرْها حيثما شاءَت بكَ الأقدارُ واعصيها
فكَم مِن هائمٍ أمسى بذاكَ الليلِ يُحيها
ظلامٌ والرؤى لاحَت لذي عقلٍ يُناجيها
ويَسري حيثما تَسري مصابيحُ الهُدى تيها
سيَلقى ما لَقى ناجٍ ولا آهٍ سيُبديها
فَشكوى الحُبِّ للحبِّ كما تَهوى سيَغنيها
وما يُدريكَ هلْ تَرضى بما لَن تَرضى يؤتيها
فانَّ الأمرَ محكومٌ وعقلُ المرءِ غاشيها
بأمرٍ سابقٍ جارٍ كتابُ اللهِ يَرويها
وسِرْ من حيث لا تَدري ولَو تَدري بناعيها
لصاحَت حَولكَ الدُنيا إلا فاقعُدْ وواسيها
جليساً حيثما شاءَت ولا تَسعى بناديها
فكَم مِن ميتٍ يَحيى بقاصيها ودانيها
وحيّ ماتَ لو عاشَ مِن العمرِ ثوانيها
ألا فاعرضْ عن اللغوِ فانَّ اللغوَ يُلهيها
وخُذ من ناطقٍ أمسى بطيِّ الحرفِ جانيها
فبعضُ الصمتِ تبيانٌ لمَن أحصى معانيها
فهذي الروح لا صوتٌ ولا حسٌّ يواريها
وحتّى الموت لا يَخلو من الروحِ وباريها
ولـولا مـا نرى فيها لـمـا كنُّـا بمـا فيـها