عادة ما يعني لنا المحيط مكانًا مرعبًا تتلاطم بسطحه الهائج الأمواج، وتقبع في قاعه السحيق أغرب الكائنات المستترة عنا؛ فلا عجب أن كان مادة ثرية لقصص وأفلام الخيال العلمي منذ بداية الأدب والسينما.
لكن الأمر يتعدى حدود الخيال العلمي والفانتازيا ليصبح واقعًا أغرب كلما صرنا أقدر على استكشاف تلك البقاع البكر في أعماق المحيط بكوكبنا الأرض! هناك بعيدًا عن مدن البشر وكتل الإسمنت والهواء الملوث تقع ممالك تسكنها أغرب الكائنات التي تبدو دخيلة وغير أرضية تمامًا؛ ولعلها تنظر إلينا بذات النظرة لو كان لها أن تفكر!
هكذا لا نعدم أن يظهر بين الحين والآخر كائن غريب يلفظه المحيط على الشاطيء بلا اسم أو هوية محددة بعد أو يصطدم الغواصون بأنواع جديدة لفصائل معروفة بالفعل لكن بأشكال وأطوار غريبة لم يسبق تسجيلها من قبل. ولربما كان هذا هو الحال تمامًا مع الكائن الغريب التالي الذي يبدو وكأنما هو كتلة مزغبة من الريش الطويل الذي يضرب كالأسواط! رحبوا معنا بالنجمة الريشية Feather Star!
النجمة الريشية حيوان بحري لافقاري، ويعد أحد أنواع زنبق البحر Crinoid الذي يضم أكثر من 550 نوعًا آخر! وبالنظر إليه طويلًا، يبدو وكأن له أذرع مهدبة من الريش تشع وتتموج من جسمه غير الظاهر في المنتصف. خلال هذا المقال، سترون التنوع المدهش للنجوم الريشية…
يُنظر إلى النجوم الريشية باعتبارها أحافير حية، حيث يعود تاريخ وجودها على هذا الكوكب إلى 200 مليون سنة مضت! وهي تتمتع بتنوع لا يصدق يضرب بجذوره عميقًا في الماضي الجيولوجي السحيق.
تغطي النجوم الريشية نطاقًا جيوغرافيًا واسعًا يمتد من خط الاستواء إلى قطبي الأرض؛ سواء في مياه الحيود المرجانية الضحلة أو بأعماق المحيط المظلمة حتى 6000 متر تحت سطح البحر؛ لكن الحد الغربي من المحيط الهادي حول آسيا يعتبر “جنة” النجوم الريشية على هذا الكوكب. ومقطع الفيديو التالي التقطه الغواص الهولندي المحترف Els van den Eijnden لنجمة ريشية نادرة في مياه تايلاند.
لا تستطيع كل النجوم الريشية السباحة كما نرى بالأعلى، حيث تقتصر قدرة أغلبيتها على الزحف على أرضية قاع البحر. لهذا، لا تملك النجوم الريشية السبّاحة ساقًا، عكس مثيلاتها الزاحفة. هناك بعض النظريات القليلة لتفسير تطورها لصتبح قادرة على السباحة، وأهمها بالطبع هو الهرب من المفترسات الطبيعية الأخرى. لكن بغض النظر عن طريقة حركتها سواء كانت السباحة أو الزحف البطيء، فمشهد النجوم الريشية بينما تتحرك مثير دومًا.
أما بالنسبة لأذرع النجوم الريشية نفسها، فهي تتراوح بين 5 إلى 200 ذراعًا! غابة من الريش بزوائد تتجسس لاصطياد الطعام في كل ناحية. هكذا وللحصول على الطعام، تقبع النجوم الريشية على القاع أو تتسمر في الماء بينما أذرعها مشرعة لتستقبل المغذيات الدقيقة التي يجرفها إليها التيار.
وكما هو الحال مع نجوم البحر التقليدية، تستطيع النجوم الريشية الاستغناء عن أحد أذرعها متى تعرضت للخطر كوسيلة للهروب أو جراء هجوم أحد المفترسات عليها؛ مع إمكانية تجديد الذراع المفقود بلا مشاكل! ومع أن بعضها سام لا يغري الكثير من الأسماك الأكبر على التهامه، إلا أنها الحيوانات البحرية الأصغر كالبزاقات تحب العيش عليها، مما يعرض النجوم الريشية المستضيفة لقضمة بين الحين والآخر من المفترسات الأكبر.
الطريف هنا أن البعض استغل المنظر الغريب لنجوم البحر الريشية، ليطلق عليها اسمًا لطيفًا: نخلة البحر! والأطرف أن الجميع تجاوبوا مع الاسم المختلق بشدة وبشكل أكبر من اسمها الحقيقي الأكثر غرابة في رأيي!
وعلى أية حال، فـ “نخلة البحر” مخلوق ساحر لا يكترث كثيرًا بتسميته؛ وفي النهاية هذا أمر لا يهم إلا الإنسان فقط من دون كل الكائنات!