الصحابة عند الشيعة الإمامية





السيد شرف الدين الموسوي
أجوبة مسائل جار الله - السيد شرف الدين - ص 14 - 25

إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد ممن سمع النبي صلى الله عليه وآله أو رآه من المسلمين مطلقا، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين أبصعين.
أما نحن فإن الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها -بما هي ومن حيث هي- غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين واقتدوا بكل مسلم سمع النبي أو رآه صلى الله عليه وآله اقتداء أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلو، وخرجوا في الإنكار على كل حد من الحدود، وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين، بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية، وبهذا ظنوا بنا الظنونا، فاتهمونا بما اتهمونا، رجما بالغيب، وتهافتا على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم، وحسبك من سوره، التوبة، والأحزاب، وإذا جاءك المنافقون، ويكفيك من آياته المحكمة "الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ" "وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ" "لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ" "وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ" فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كانوا جرعوه الغصص مدة حياة، حتى دحرجوا الدباب وصدوه عن الكتاب، وقد تعلمون أنه صلى الله عليه وآله خرج إلى أحد بألف من أصحابه فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مئة من المنافقين وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة أو رغبة بالدفاع عن أحساب قومهم، ولو لم يكن في الألف إلا ثلاث مئة منافق، لكفى دليلا على أن النفاق كان زمن الوحي فاشيا، فكيف ينقطع بمجرد انقطاع الوحي ولحوق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى؟ فهل كانت حياته سببا في نفاق المنافقين؟! وموته سببا في إيمانهم وعدالتهم وصيرورتهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وكيف انقلبت حقائقهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله فأصبحوا -بعد ذلك النفاق- بمثابة من الفضل لا يقدح فيها شيء مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم، وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات؟! التي تنفر منها الأسماع والأبصار والأفئدة؟
وما الدليل على هذه الدعاوي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس؟ وما ضرنا لو صدعنا بحقيقة أولئك المنافقين، فإن الأمة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة، وهم أهل السوابق والمناقب، وفيهم الأكثرية الساحقة، ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبوية، وسدنة الأحكام الإلهية "وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة الله تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحق المبين.
على أنا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد -في ظاهر الحال- عن الوصي، أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الأعظم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فإن مودة هؤلاء لازمة والدعاء لهم فريضة "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".