ألغزل ومعانيه المختلفة:
تجمع مجمعات اللغة علي أن أصل مصطلح ألغزل من «ألغزل» الذى هو مصدر غزل. فقد جاء فى لسان ألعرب، والقاموس المحيط، غزلتِ المرأة- ألقطن اوألصوف. ادارتهما بالمغزل. فالغزل استعمال مجازى مأخوذ من هذه المادة اللغويـة- أى ألغزل- فكلما تدير الغازلة مغزلها لتغزل به القطن ونحو، كذلك يدير الشاعر مغزل فنه لاستماله المرأة واستهوائها.
_ غزل بالمرأة- يغزل من باب فرح- حادثها وأفاض بذكرها. وأغزلت الظبية- صار لها غزال. فالغزل ولد الظبية.
هذه ثلاثة معان لكلمة غزل ويوجد ارتباط وثيق بين «غزل الصوف» و«مغازلة المرأه» و«غزل الظبية».
قال الزجاجى- اصل المغازلة: الادارة والفتل. لادارته عن امر. ومنه سمى الغزل لاستدارته وسرعة دورانه. وبه سمي الغزل لسرعة عدوه، وسميت الشمس الغزالة لاستدارتها وسرعتها.
«الغزل هو اللهو مع النساء ومحادثهن ومراودتهن» وفالمغازلة اذاً ضرب من الغزل كما اثبت ابن منظور في «اللسان» أو كما قال ابن دريد في التغازل بأنه محادثة الفتيان فى الهوي.
فالغزل لايعدو ان يكون حديثاً فى الهوي، وليس مقصوراً علي ما يقوله الرجل فى حديث هواه الي المرأة، فهو ايضا وسيلة المرأة الشاعر والنساء الشواعر، اذا اردن التودد الي الرجل والترجمة عن مشاعرهن في مثل هذا الضرب من الاحاديث.
وقد غني ألغزل بألفاظ كثيرة توافق هذه المعاني الجمة التي عرض لها الشعراء وتوافق هذه العاطفة الثائرة، وما يتصل بها من لوعة وحرقة وأنين.
ومن هذه ألألفاظ:
النسيب، التشبيب، العشق، الحب، الهوي، الصبابة، الهيام، الشغف، العلاقة، اللوعة، الوجد، التيم، التبل، التدليه.
واذا شئناً أن نكشف معانى هذه الألفاظ، ونعرف مدلولاتها، فأنها لاتخرج هي وسائر ألفاظ الغزل عن معان ثلاثة:
- ألتحدث إلي المرأة، والتودد اليها.
- العلاقة التى يتركها هذا الحديث، ومدي هذه العلاقة من قوة او ضعف.
- آثار العلاقة، وتعدد نواحي هذه الآثار.
واذا كان علماء اللغة يقولون ان هناك مناسبة بين أللفظ وألمعني ,فإنا نري المناسبة بين ألفاظ الغزل ومعانيه أثر وضوحاً وبياناً.
ويحسن بي فى هذا المقام ان اوجه النظر الي الملاحظات الآتية:- لاصعوبة ولاتنافر فى هذه الألفاظ، ولا فى الحروف التى تتألف منها.
- ليس فى ألفاظ الغزل حرف ثقيل بالتضعيف، أى التشديد، واذا وجدته فى مثل متيم، مدلّه، فإن الياء حرف لين، تضعيفها لايزيدها ثقلاً بل ليناً. وفإن تضعيف اللام لاثقل فيه ولاشدة.
- حروف اللين ثلاثة: ألألف، والواو الياء، وتسمية هذه الحروف باللين صادقة ولعلك تري أن هذه الحروف تكثر فى ألفاظ الغزل.
- فى بعض الفاظ الغزل او كثير منها مد قصيرأو طويل. ومن ذلك مثلاً: الهوي، الغرام، ولعله بأن لك من هذه الملاحظة أن الفاظ الغزل سهلة لينة تناسب معانى الغزل من رقة وعذوبة.
فالمحبوب حين يتحدث الي حبيبته نفسه لا تراه الا عذب الحديث، وحين يودعها لاتراه الا هزيلاً يرسل نفثات حبه وهو معذب معني، بل حين تهجره وتجفوه لاتراه الا ضارعاً متوسلاً خاضعاً متذللاً. لعلها ترضى بعد امتناع، وتبسم بعد عبوس. ان سهولة ألفاظ ألغزل وسهولة حروف هذه ألالفاظ لاتناسب معانى الغزل من حيث الرقه والعذوبة فحسب، ولكنها توافق طبيعة العربى وحبه للغزل.
قال ابن دريد: واعلم إن اكثر الحروف استعمالاً عند العرب، الواو، الياء، الهمزة. واقل ما يستعملونه علي ألسنتهم لثقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الحاء ثم العين ثم النون ثم اللام ثم الراء، ثم الباء، ثم الميم.
ولعلك تري ان حروف ألفاظ الغزل التي ذكرتها هي من هذه الحروف كثيرة الاستعمال علي رأي ابن دريد.
ويظهر ان هذه السهولة تخطت الفاظ الغزل الي اسماء نساء الغزل، فتري امثال دعد، هند، ليلي، لبني، سلمي، عزة وبثينة. وهي اسماء سهلة عذبة فى النطق حلوة فى اللسان.
الغزل والتغزل النسيب والتشبيب والفروق بينهما:
اذا رجعنا الى امهات كتب اللغة وجدنا ان الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات:فان سيدة يقول:ان الغزل تحديث الفتيات الجواري،و التغزل:تكلف ذلك.و النسيب:التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.
وابن منظور يقول: ان الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف ذلك. ونسب بالنساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذالك.
ألغزل والنسيب، ليست هاتان الكلمتان مترادفتين بالمعني الأخص كما جري فى عرف الناس، ولكن بينهما فرقاً نبه عليه قدامة فقاله: إن النسيب ذكر خلق النساء واخلاقهن وتصرف أحوال الهوي به معهن، وقد يذهب[عن] قوم موضع الفرق بين النسيب والغزل، والفرق بينهما ان الغزل هو المعني الذى اعتقده الانسان.
والتشبيب عبارة عن وصف حال المعشوق وحال الشاعر فى عشقه ويسمونه ايضاً بالنسيب أو الغزل، ولكن المشهور بين الناس ان كل صفة او حال يشرحونها فى بداية القصائد باستثناء مدح الممدوح تعتبر تشبيباً.
لانكاد نجد- فرقاً فى الاستعمال اللغوى بين كلمات الغزل، والتشبيب، والنسيب، فاللغويون يعرفون إحدي هذه الكلمات بالاخري، ففى لسان العرب: تشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب، ونسب بالنساء: شبب بهن فى الشعر، وتغزل، والغزل: حديث الفتيان والفتيات، وفى القاموس الميحط، التشبيب: النسيب بالنساء، ونسب بالمرأة: شبب بها فى الشعر، ومغازله النساء: محادثتهن، والاسم الغزل، وفى المخصص لإبن سيده التشبيب: التغزل بالنساء فى الشعر، والتشبيب مثله، والغزل تحديث الفتيان الجوارى.
ووردت هذه الكلمات علي ألسنة الشعراء بمعني واحد ايضاً:
قال اياس بن سهم الهندلى.
نسبناً بليلي، فانبعثت تعيبها
أضل من الحجام او ساق مغزل...
وقال عمر بن ابي ربيعه:
فبتلك أهذي ما حييت صبابة
وبهـا الحيـاة أشبب الأشعـار...
وهذا ابن سلام يستعمل(التشبيب) مكان(الغزل)؛ اذ يقول فى معرض حديثه عن عبدالله ابن قيس الرقيات: «و كان غزلاً، واغزل من شعره شعر عمر بن ابي ربيعه، وكان عمر يصرح بالغزل، ولا يهجو، ولايمدح، وكان عبيدالله يشبب ولايصرح». كما يستخدم (النسيب) مكان(التشبيت) اذ يقول: كان لكثيّر في التشبيب؛ نصيب وافر، وجميل مقدم عليه وعلي اصحاب النسيب جميعاً في النسيب.
الصبوة الي النساء والنسيب بهن من اجله، فكان النسيب ذكر الغزل، والغزل المعني نفسه.
ويرى ابن رشيق ان الغزل والنسيب والتشبيب كلها بمعنى واحد وان الغزل الف النساءو التخلق بما يوافقهن،و قد اقتفى اثر قدامة في ان الغزل غير التغزل.الا ان الدكتور الحوفي لا يميل الى التفرقة بين الغزل والتغزل،لان التغزل ليس تكلف الغزل كما يتبادر،ذالك ان التاء هنا كالتاء في مصادر اخرى مثل التقدم والترقي والتعلم.و قد حاول بعض القدماء ان يفرقوا بين هذه الكلمات.و من هؤلاء التبريزي الذي يرى"ان النسيب ذكر الشاعر المرأة بالحسن والاخبار عن تصرف هواها به،و ليس هو الغزل.و انما الغزل الاشتهار بالمودات النساء والصبوة اليهن والنسيب ذكر ذالك".
اما في العصر الحاضر فقد حاول المرحوم محمد هاشم عطية ان يصنع شيئا يشبه ان يكون تحديدا لهذه الكلمات فقال:"و يترجح عندنا ان الغزل هو الاشتهار بمودات النساء وتتبعهن والحديث اليهن والبعث بذلك في الكلام وان لم يتعلق القائل منهن يهوى او صبابة واما التشبيب فهو ما يقصد اله الشاعر من ذكر المرأة في مطالع الكلام وما يضاف الى ذلك من ذكر الرسوم ومساءلة الاطلال،توخياََ لتعليق القلوب وتعقيد الاسماع قبل لمفاجأة" ويتفق معه الاستاذ السباعب بيومي في ان التشبيب هو الغزل التمهيدي. ويختلف معه في غير ذلك.فوصف جمال المرأة ومحاسنها وجاذبيتها نسيب عند الاستاض هاشم وغزل عند الاستاذ السباعي
قول طه حسين: برأيى إن إختلاف التشبيب والغزل يرجع الي هذا الامر: كان الشعراء فى العصر الجاهلي يعنون بالغزل كما يعنون بغيره من الفنون، وربما اتخذوه وسيلة فى اكثر الأحيان لاغاية. اما اصحابنا [الغزليون] هؤلاء فقد اتخذوا الغزل غاية لاوسيلة. ولم نعرف انهم مدحوا او عنوا بفن آخر من فنون الشعر الا ما كان يضطرهم اليه الغزل.
اما مقطعات الشعر الجاهلى المختصة بالنسيب المنقولة الينا من كتب الأدب واللغة فقليلة جداً وهي كما قلته, امن باب التشبيب لا من باب التغزل، فلهذا الامر علي رأئي سببان:
الاول: إن التعبير عما في القلب من الهوي والعشق والشوق يستدعى كلاماً ليناً سهل المأخذ بعيداً عن الألفاظ الغريبة وقريب المعانى.
والسبب الثانى: وهو الاخطر إن الشعر فى النسيب المحض كان علي ظني عند العرب الجاهلية نوعاً عامياً تعاطاه ايضاً رعاع الناس فأهانه نوابغ الشعراء وأهملوه وامتنعوا عن قوله قانعين بوضع ابيات النسيب فى اول قصائدهم.
ولعل سبباً ثالثاً ايضاً عمل في كراهة الشعراء المجيدين المفلقين للغزل وهو علو منزلة النظم فى حياة العرب الإجتماعية لأن غاية الشعر الجاهلي انما كان عندهم تعظيم الأ كابرو تخليد ذكر مآثر القبائل والإفتخار بالحماسة أو المكرمات وهجاء الأعداء فلذلك لم يكن التشبيب المحض مماعد من مقاصد الشعرالسامية.
اما فى خلافة على بن ابى طالب وما يتبعهما من الزمان فنجد بمكة والمدينة نوعاً جديداً من الشعر أخذ يزهو بهما بغتة بل يغلب علي سائر الأنواع, فكادت أجيد الشعراء فى مدن الحجاز لايتعاطون غيره خلافاً لعرفهم فيما قلل, وهذا النوع الجديد هو الغزل ولعل اول من اشتهر به ابودهبل الجمحى من أشراف الناس بمكة: وقال الشعر فى آخر خلافة على ومدح معاويه وعبدالله بن الزبير وغيرهما من الأكابر. وما صاغه ابودهبل من الشعر فيها رقيق ظريف بعيد عن اسلوب نسيب اهل البادية المعروف.
التعريف بجنس الغزل:
وإنطلاقاً من الإصطلاح اللغوي المتقدم، تعبير الغزل من الناحية الادبية: فناً من فنون القصيدة الغنائية للتعبير عن الحب واحاسيس المحبين وانفعالاتهم وما تعكسه تلك الإنفعالات فى النفس من ألوان الشعور.
وهكذا يكون الغزل، اذا نبغ من تجربة الشاعر الصادقة احد الوان الشعر الغنائى عند العرب وأقربها الي النزعة الوجدانية فيه، يستمد الشاعر معانيه بما فيها من عطاء الشعور واثر الحس والخيال من علاقته بالمرأة ونظرته اليها، ومنزلتها في واقعه ووجوده، ما يترتب عن ذلك من ميل او حب، علي تباين فى صوره تبعاً للعوامل المؤثرة في امزجة الشعراء وعوامل البئية والعصر.
لماذا ازدهر هذا الجنس في الحجاز؟
1- وإن سألتموني عن سبب هذا التقلب الشديد فى أساليب الشعر فى المدن الحجازية قلت: لايخفى علي احد ان اكثر رجال السياسة والحرب قد تركوا جزيرة العرب فى اواخر خلافة على إبن ابيطالب فبقيت بالمدينة اهل التقي والعبادة والنسك من الأنصار والمهاجرين, كان فى الشام والدين بمدنية النبى وقد كثرت فى ذلك العصر ثروة الحرمين ولاسيما مكة لاتساع العلائق والمعارف التجارية ولزيادة الوافدين عليهما تأدية لفريضة الحج. فبزيادة الثروة والنعمة واتساع العيش زاد ايضا ما تنزع النفوس اليه من الشهوات والملاذ والتنعم بانواع الترف.و فسدت اخلاق الشبان من البيوتات الكبيرة الذين لم يكن لهم بالحجاز مجال واسع بامور السياسة والحرب ولابالعلوم العقلية التي لم تزل مجهولة عندالعرب فى ذلك الزمان فاشتد ميلهم الى التظرف والتغزل وسماع الغناء وحضور الملاهى. وجلبت الي مكة والمدينة القينات والمغنيات بالرومى او بالفارسى. ثم اخذت الموالى يغنون بالعربى. وربما كان فتيان مكة من الأغنياء والظرفاء يرتحلون الي المدينة لالتقاء ظرفائها وظرائفها.
فان كان الامر كذلك لاعجب فى ابتداء نوع جديد من الشعر لم يسبق اليه فحول الجاهلية ولا اهل البادية ثم لاعجب ان اكثر شعراء المدن الحجازية لم يتجاوزوا الغزل الي المديح ولا الهجاء وتركوا اسلوب القصيدة القديمة. ثم شاع حب التشبيب فى البلاد البعيدة عن الحجاز وغلب فى شعر بعض من اراد حفظ الاساليب القديمة والتكسب بالمديح.
يري شوقي ضيف "ان شيوع الغزل في المدينتين الكبيرتين بالحجاز يرجع الي عوامل نفيسة، كما يرجع الي عوامل اجتماعية، فاما النفسية؛ فترجع فى جملتها الي شعور الفرد فى المدينتين بنفسه اكثر مما كان يشعر بها فى الجاهلية، فقد كان قديماً يفني فى قبيلته ويذوب فيها، ولا يحس لنفسه بوجود الا من ظلالها، وهو ذلك يتغني بمفاخرها ويهجو خصومها ويمدح ساداتها؛ اما فى العصر الحديث فقد شعر شباب المدينتين، انهم ورثة كسري وقيصر. وقد صبت فى حجورهم خزائن الارض، وشعروا كأن الدنيا تدين لهم، فتولد فيهم شعور عميق بأنفسهم. ولذلك فقد تحول الشعر من بعض الوجوه الي الحديث عن النفس لا عن القبيلة، كما تحول الغزل من بعض الوجوه الي التغزل باللذات بدل التغزل بالمحبوبات".
2- تأثر الغنا العربى بالغناء الفارسى والرومى، وانتشرت مجالسه وكثر رواده وكان من اثر شيوع الغناء في هذه البئية الحضارية المترفة والوارعة ازدهار الشعر الذى يعبر عن مشاعر حب حقيقية تولدت فى هذه البيئة المتحررة، إلي حد ما من قيود الإختلاط بين الجنسين، ولم يكن غزلاً تقليدياً يأتي فى مقدمات القصائد مثلما كان الشعر الجاهلي او الشعر التقليدى؛: فلم يكن عسيراً علي الشباب من الجنسين الغناء بوسيلة أو باخري فى هذا المجتمع الحضارى الذى صرف علي متعته قدراً كبيرا من وقته ونشاطه, والذى خفف شيوع الغناء ومجالسه من جهامه الحياة فيه، بل ربما اشاع قدراً كبيراً من اللين والرفق فى عادات الناس وأخلاقهم، حتي قيل من طويس إنه اول عن غني بالعربية فى المدينة واول من القي الخنيث بها.
وكان من الطبيعى أن يغري المغنون الشعراء بتقديم اشعار تصلح للغناء من حيث ايقاعها والفاظها ومعناها ولم تكن هذه المواقف بطبيعتها بحاجة الي قصائد مطولة، بل الي مقطعات قصيرة محدودة تشيع فيها دقة اللفظ وبساطته، وجمال الايقاع الذى يريح صوت المغنى عند انشاده وكل هذه اللمسات الحضارية التى أصابت شعر الحب، كانت تشير الي اقترانه بالحس الشعبى المتحضر الذى يعزف عن النماذج الجاهلية البدوية واشعار الاسلاميين الذين قلدوا واتبعوا موضوعاتها ونهجها.
شهدت بوادى نجد والحجاز فى العصر الاموي تطوراً واضحاً فيما كانت تخوض فيه من فنون الشعر التقليديه ويسبب الهجره النشطة للقبائل، ووجود علاقات قوية مستمرة بالمراكز الحضارية واشاعة ولادة بني اميه الامن والنظام فى هذه البوادى حتي لاتكون مقراً للخارجين علي الدولة. كل ذلك دفع شعراءها الي الابتعاد عن الموضوعات التقليدية كالحماسة والفخر والهجاء لانقطاع الاسباب الداعية اليها، واتصلوا بالمديح حين كانوا يفدون علي الخلفاء والامراء فى الحواضر لتكسب، ولكنهم فى بواديهم فرغوا لانفسهم يعبرون عن هواهم تعبيراً حقيقياً، بعيداً عن التكلف والاصطناع، وينمون ما احسه بعض اسلافهم الجاهليين من مشاعر العشق التى ذاعت بعض قصصها، وربما ما كان ترامي الي اسماع اهل البادية من شعر الغزل الحضرى في مكة والمدينة حاضراً لهم للتعبير عن عواطفهم الصادق.
لكنهم التزموا في هذا التعبير كل المعاني السامية النبيلة التي تجعل من عاطفة الحب علاقة مقدسة سمتها الطهر والنقاء.
و في الختام جدير بالذكر: إن الوجوه التى دعت الى قيام الغزل، هى التى دعت الي قيام الغناء والموسيقي، وان الظروف التى ساعدت علي نموالاول هى التى ساعدت علي نمو الثاني. وان الارتباط بينهما وثيق بقدر الارتباط بين الوعاء وما يحويه، والغزل أشبه موضوعات الشعر بالغناء.و مطلب النفوس من هذا مطلبها من ذاك، ومن هنا كان التجاوب بين حالتيهما، فمن آثار الموسيقي في الحجاز توجيها موضوع الشعر الي الغزل.
فالحجازيون كانوا يتعصبون للغناء تعصبهم للرأي. والعراقيون كانوا يكرهون الغناء كراهة تزمت وضيق الافق، وانحصار تفكير.
ما هي العوامل التي ادت الي نشأة الغزل الا باحي في الحواظر والغزل العذري في البوادي؟
و قد ذهب الغزل فى الحجاز مذهبين رئيسين اطلق عليهما اسما الغزل العذري او البدوى او العفيف وهو حب عذرى ام طاهى وهذا الحب هو ثمرة الاسلام الذى زرع العفة فى نفس المؤمن، هذا او ذاك من الشعراء كان يحب بحسه، بل بعقله بل بقلبه، بل بروحه فقط، ولا نجد شاعراً او مؤمناً واحداً كان يحب بهذه جميعاً.
الغزل الحضرى او الماجن او غزل اباحي، صريح او محقق او حس عابث او جنسى او مطلق مفحش؛و حب عمرى وغزل عمرى. وهذا الحب والغزل هو ردة جاهلية وخروج علي الاسلام.
وهذا الغزل الحضري فهو الذي يصدر عن تعلق الشاعر بأمره تستهويه فيتودد اليها ويتغني بمحاسنها وقديصور حرقته وألمه وشوقه وعنف حبه ولكن هذا الحب يفتقر في العفة والاخلاص، فهذا الحب قد تتبدل عواطفه فلايستقر علي حبه بل سرعان ما يمضي عنه الي حب جديد.
إن هذين القسمين من الغزل كانا متقاربين لامتجاوزين، اريد ان العذريين والاباحيين كانوا جميعاً فى الحجاز ومايليه، ولكنهم لم يكونوا يعيشون في بيئة واحدة، وانما كان فريق منهم يتحضر، وفريق منهم يبدو، فإما المحققون او الإباحيون، فكانوا يتحضرون، يعيشون في مكة والمدينة، واما العذريون فكانوا يبدون في بادية الحجاز اونجد. وفى الحق ان عمر بن ابي ربيعة كان مكياً قضي حياته كلها في مكة، وان الأحوص بن محمد كان مدنياً قضي حياته فى المدينة، وفى الحق ايضاً ان جميلاً كان بدوياً فى وادى القري وان قيس بن دريج كان بدوياً يعيش فى بادية المدينة، وان المجنون- ان صحت اخباره- كان نجدياً يعيش فى بادية نجد، وان هذا الغزل بقسميه قد نشأ فى جزيرة العرب خاصة فأما عفيفه كان في البادية، واما القسم الاخر فكان فى الحاضر.
كان اهل مكة والمدينة يائيسين، ولكنهم كانوا اغنياء فلهوا كما يلهو كل يائس وكان اهل البادية الحجازية يائيسين، ولكنهم كانوا فقراء لم يتح لهم اللهو، وقد حيل بينهم وبين حياتهم الجاهلية، وقد تأثروا بالاسلام، وبالقران خاصة، فنشأ فى نفوسهم شيء من التقوي ليس بالحضرى الخالص، وليس بالبدوى الخالص، ولكن فيه سداجة بدوية، وفيه رقة الاسلامية، وانصرف هؤلاء الناس عن حروبهم واسباب لهوهم الجاهلى، كما انصرفوا عن الحياة العلمية في الاسلام إلي أنفسهم، فانكبوا عليها واستخلصوا منها نعمة لاتخلو من حزن ولكنها نغمة زهد وتصوف. قل انهم انصرفوا الي شيء من المثل الاعلي فى الحياة الخلقية.
وظهر هذا الزهد او هذا الميل الي المثل الاعلي في مظهرين مختلفين، اختلافاً شديداً: احدهما الزهد الدينى الخالص الذى قد تجد له صدي في اشعار هؤلاء الخوارج الذين كانوا يتركون هذه البوادي لينضموا الي جيوش الخوارج فى بلاد الفرس، والذين يظهر فى شعرهم شيء من الزهد والتقوي وشدة الايمان وسذاجة لاتجده فى شعر غيرهم من الشعراء؛ والاخر هذا الغزل العفيف الذى هو في حقيقة الامر مرآة صادقة لطموح هذه البادية الي المثل الاعلي فى الحب من جهة، ولبراءتها من الوان الفساد التى كانت تغمر اهل مكة والمدينة من جهة اخري. واذن فهذان القسمان من الغزل اثر من آثار الحياة السياسية فى ايام بنى اميه, اضطرت هذه الحياة السياسية اهل الحجاز الي الابتعاد عن العمل وأوقعت فى قلوبهم اليأس ولكنها أغنت قوماً فلهوا وفسقوا، وافقرت قوماً آخرين فزهدوا وعفوا وطمحوا الي المثل الاعلي.
طه حسين- خلاصة القول: ان أليأس والفقر قد احدثا فى البادية فعل ما احدث اليأس والغني في الحاضرة من نشأة هذا الفن الشعري. لكن يأس البادية وفقرها احدثا هذا الغزل العفيف علي حين قد احدث ياس الحاضرة وغناها هذا الغزل العابث الما جن.
خصائص الغزل الحجازى:
ان شعر الحب في العصر الاموى سواء اكان عذرياً ام حسياً، قد اسقط كثيراً من التقاليد الشعرية التي ورثها الاسلاميون عن الجاهليين، فنادراً ما نجد الشاعر الغزل يستهل قصيدته ببكاء الأطلال، فان فعل ذلك لم يجعل الاستهلال لمجرد تقليد لايتصل بموضوع ابياته، بل جعله ضمن نسيج شعره الغزلي، واستأثر الغزل بقصيدة الشاعر يعبر بها عن موقف نفسى واحد. فلم تتسع لاى غرض آخر من موضوعات الشعر التى كانت تضمها القصيدة الجاهلية بصورة تقليدية، كوصف الرحلة بكل ما فيها من صحرا وحيوان، ووصف الراحلة، فان حدث شي من هذا فى بعض قصائد الغزل المطولة- وقلما يحدث- حرض الشاعر علي ايجاد رابطه بين غزله ووصف رحلته وراحلته.
كذلك استأثر الغزل بشعراء فى هذا العصر، لم يتجاوزوا هذا الفن الي غيره، فكان العشق عندهم وجوداً اوحياة، فاستقلت بشعر الغزل دواوين كاملة، كما نري فى ديوان عمربن ابى ربيعة، جميل بن معمر وقيس بن ذريح وغيرهم، اوكان هذا الفن الغالب علي دواوين آخرين من الشعراء العذريين اوالحسيين.
غلب اللين الحضارى علي لغه شعر الغزل حتي عند شعراء البدو، فسهلت الألفاظ ورقت الي حد بعيد، نأت عن الغرابة وقوة الأسر، وكذلك الامر بالنسبة للجملة الشعرية التي اقتربت في تركيبها من لغة الكلام العادية، وخاصة عند ما حاكي الشعراء اقوال النساء بكل ما فيها من لين وضراعة.
خلاصه القول: «انه(الغزل) لم يخلص من السذاجة البدوية، ولم يبرأ من تأثير الحضارة الجديدة، ففيه من البداوة سذاجة تستخفك وتستصيبك، وفيه من الحضارة طلا يبعث فى نفسك الميل الي الاستقساء والاستطلاع. وانت تجد بعد هذا كله عذوبة ولذة فى هذا المزاج الذي يتألف منه الغزل الاموى، والذى يمثل لك هذا الشعب البادى وقد اخذ يحضر ويترف، ويحس علي بداوته كما يحس الحاضرون والمترفون.
زعيم الغزل الحجازى:
اول من تعهر فى شعره من العرب وشبب بالنساء، انما هو امرؤالقيس باجماع الرواة. وكان قبل امرؤالقيس خاله مهلهل، ولم يجيء بعد هذين الشاعرين من يتهالك في غزله غير النابغة الذبياني. وقد افحش فى بعض نسيببه افحاشاً كأنه رومى او فارسى، لطول ما صحب المناذرة والغساسنة.
فكان عمر زعيم الغزل الحضرى، فيما كان جميل زعيم الغزل البدوى، ولكن شعر جميل قد ضاع ولم يبق لنا منه الا شيء قليل جداً، فلم يبق سبيل إلي المقارنة بينه وبين عمر الذي حفظ الدهر لنا شعره كله او اكثره، والذي استقامت لنا اخباره وصحت لنا طائفة من الحوادث المتصلة بحياته، فاصبح من اليسير أن ندرسه ونعلن فيه رأياً صحيحاً او مقارباً.
ومهما تكن مكانة جميل من شعراء البادية والحاضرة، فليس من شك فى ان عمر بن ابى ربيعة كان مقدماً عليه عند اهل عصره. ويجب ان يظل مقدماً عليه من الوجهة الفنية، أننا لانعرف شاعراً عربياً اموياً افتن فى الغزل افتنان عمر. فعمر إذن زعيم الغزليين الامويين جمعياً لانستثني منهم احداً، ولانفرق منهم بين اهل البادية واهل الحاضرة. بل نحن نذهب الي ابعد من هذا فنزعم ان عمر بن ابي ربيعة زعيم الغزليين فى الادب العربى كله، علي اختلاف ظروفه وتباين اطواره، منذ كان الشعر العربى الي الان.
الغزل الأباحي أُو الحضري أو العمري:
تعددت الدلالات علي طابع هذا الغزل عند النقاد، سماه بعضهم الأباحي، واعتبره البعض الآخر غزلاً مادياً ودعاه طه حسين «غزل المحققين» ولا تخلو نسبته الي هذه الظواهر المختلفة من الصدق.
فهو حضري لأنه ظهر في المدن، وکان شعراؤه من اهل الحضر الذين نالوا نصيباً کبيراً من ترف الحياه ونعيم العيش؛ وهو اباحي لأن منشديه لم يتورعوا فيه عن وصف لذائذ الوصال بين المرأه والرجل، وبالغوا في ذلک احياناً ولم يجدوا حرجاً في کثير من الأوقات. وهو مادي لتلک الأسباب التي ذکرنا، لأنه يصور أحاسيس الحب المادية.
وهو غزل واقعي، لأنه يعکس واقع المجتمع الحضري، ونفسية المرأة في ذلک العصر، ويدخل بنا الي ردهات تلک الحياة الناعمة، حيث لاذکر الا الهوي، ولا حديث الا عن العلاقة، ولا اهتمام الا بشؤون القلب وقدشاء الدکتور طه حسين ان يهتم بالجانب الذي يمس الغزليين في هذاالشعر فسمي اصحابه «المحققين» لأنهم اهتموا بالناحية العملية من الحب، وقصدوا الي الوصال ولم يذهبوا کالعذريين الي تصوير اليأس والحرمان واظهار العفة والبراءة.
هؤلاء الشعراء انقطعوا للغزل، او کادو ينقطعون له ولکنهم لم يلتسموا الحب في السحاب، ولم يتخذوا العفه مثلهم الأعلي، وانما عبثوا ولهوا واستمتعوا بالحياة، وتغنوا هذا العبث واللهو وقصروا شعرهم عليها، او جاوزوهما الي فنون اُخري من الشعر، ولکنهم لم يبلغوا منها ما بلغوا من الغزل. زعيم هؤلاء الشعراء عمر بن ابي ربيعه.
الغزل العمري تعبير عن طبقه متحررة منطلقة، تضع شهواتها وملاذها فوق کل شيء وتلوب في حياتها تنشد هذه الملاذ والشهوات. انها لم تنس نصيبها من الدنيا ولکنها نسيت نصيبها من الآخرة ولم تبتغ الدار الآخرة وانما ابتغت الفساد في الأرض... طبقة من سادة قريش وغير قريش وهو شبابها. عادت الي شي من حياة فيها غير قليل من بقايا الجاهلية فغلب عليها الخمر والفساد والاماء واتيت من هذا النحو.
فهو ايضاً التعبير عن العاطفة التي تکالبت علي اللذة في غير حرمان، فأصبح حکاية حال، ووصف الوان واشکال. وذکريات في غير حنين، تشکيات في غير أنين، وتصريحاً في غير اقتصاد، وتلبية لکل هو في غير تردد ولاغناء. ومن ثم فهو التجربة التي لايصقلها الألم، ولا يحرق أنفاسها الوجد والجوي، وهذا النوع من الشعر يحفل بمظاهر الحضارة الأناقة، وأساليب الأغرار والتحايل، ولکنه بعيد عن اغوار النفس، يمتد في العرض والهول، ضاحکاً في آلامه واعماله، حياً في حرکاته وحواره، جذاباً في لينه وعنائيته، الا انه قلما ينقل التجربة المؤثرة التي تهز الکيان وتبعث الأشجان.
وما من شک ان قصيدة الغزل الحضري في العصر الاموي تمتد بجذورها الي قصيدة الغزل الحضري التي عرفت عند امري القيس والأعشي علي وجه الخصوص، في العصر الجاهلي، غير انه ما من شک ايضاً، انها تجاوزتها بالآلاف الأشواط، وذلک لتجاوز الحياة الحضرية في العصر الاموي حضارة الماضي الجاهلي بالأشواط ايضاً.
يؤکد عميد الادب العربي، أن عمر بن ابي ربيعه هو زعيم الغزليين، وزعيم الشعراء العرب قاطبة إلي يومنا هذا، لأنه استطاع ان يمثل العصر الذي کان يعيش فيه، والبيئة التي کان يحيا فيها، فشعره يصور الحياة الحضرية في الحجاز علي حقيقتها، حيث کان سراة قريش والحجاز يقضون حياتهم الهادئة الفارغة، ويصلون بعضهم بألوان الصلاة المختلفة الحلوة. کذلک يصور حياة المرأة المترفة الارستقراطية، وحياة الشباب الحجازي الساعي إلي لهو ابناء السادات وترفهم الذين ضاق بهم الساحه السياسية، فأسرهم نعيم العيش وأسرهم. فضلاً عن ذلک، فعمربن ابي ربيعة، کان يعيش عيشة الرجل المترف الذي اتيحت لهم اسباب اللهو ووسائله، غير انه كان مقيداً بشرفه ومكانته وما الف الناس من الاوضاع الاجتماعية، بحسب رأي طه حسين، ولهذا اتي شعره صورة صادقة، وربما ناطق عن عصر اندرجت فيه الحضارة من الوضيع إلي الرفيع.
واذا کان لطه حسين ان يقابل بين عمر بن ابي ربيعة، واي شاعر آخر، فقد جعله بازاء شاعر الحب الفرنسي «الفرد دي موسيه «الذي انتجته الحضارة الفرنسية»».
فالحب الحسي الذي هو اثر من آثارالحضارة الفرنسية عند الفرد دي موسيه توافر ايضاً لزعيم العربي عمر بن ابي ربيعة الذي کان يمتليء بالحب الحسي، بحسب رأي طه حسين، نحن نري في ذلک شاهداً آخر علي عمق الأثر الحضري في شعر ابن أبي ربيعة.
الى هنا ذكرنا ان عمر ابن ابي ربيعة كان زعيم الغزل الاباحي ولكن نجد قد جاء في كتاب قصة الادب في الحجاز في العصر الجاهلي ان"سحيم عند الحسحاس هو الذي فتح باب الغزل المدي على مصراعه وهو لم يكن عربيا مما يدل على ان نشأة هذا الغزل المادي كانت اجنبية عن العرب فهو عبد اسود نوبي اشتراه عبد الله بن ابي ربيعة وعرضه على عثمان فرده واشتراه بنو الحسحاس وتأثر خطاه عمر بن ابي ربيعة وان لم يفحش مثله.
وبرأيي بما ان نرى نضوج هذا الجنس الشعري في العصر الاموي وخاصة عند عمر بن ابي ربيعة ولذا نعتبر عمر مبدع هذا الجنس الادبي.
وجملة القول: ان مدرسة الغزل الحضري، اذا کان لها ان تنهض بزعيمها عمر بن ابي ربيعة وبأرکانها العرجي والأحوص ويزيدبنالطئرية، فلأن هؤلاء کان لهم أن ينشأوا في حجور الحضارة العربية في العصر الاموي، وإن ينقطعوا للحياة في جبناتها فيشربوا من مائها ويناموا علي فراشها، مما اسهم في انتاج هذا اللون من شعر الغزل الذى جعل الحب يندرج علي الشفاه وينمو بين الحنايا، دون أن يزول.
منشأ هذا اللون من الغزل في حواضر الحجاز، بينا کانت نشأة الغزل العذري في بواديه، وترتبط هذه النشأة بالظروف التي احاطت بالحجاز منذ خلافة عثمان حتي قيام الدولة الاموية، والسياسة التي ترتبت عن انتقال الحکم من الخلافة الدينية القائمة علي الشوري الي ملک قائم علي الوارثة.
کان هدف السياسة الاموية- تجاه المعارضة القوية في الحجاز- عزل هذا الاقليم عن شؤون الدولة وسياستها، ووقف النشاط السياسي في الحجاز، لمکانة هذا الاقليم وتاثير آرائه وميوله في سائر الأقطار الاسلامية. ولم يکن بوسع الامويين دائماً اتباع سياسة العنف في الحجاز، منعاً لتفجر الموقف وازدياد خطورته لأن سكانه هم الذين نهضوا بالدعوة، وبذلوا للفتح. فعمد الامويون الي اساليب خاصة لتحقيق هذه العزلة کان في مقدمتها نقل عاصمة الخلافة إلي الشام. وبذلک ضمنوا تحويل النشاط الادارى عن مدن الحجاز، بحيث بات اقليماً عادياً، فخسر مرکز الزعامة الذي کان له ايام الراشدين، ثم احاط بنوامية هذا الاقليم بجو من الدعة حين هيأوا له اسباب اليسار والثروة، ووفروا فيه عومل اللهو.
وقد تلاقي هذا المنهح السياسي مع الشعور الذي کان يغمر الحجاز، وهو مزيج من الخيبة واليأس في ناحية، والنقمة والحقد في ناحية ثانية، فکان لابد للحجازيين من الاستکانه والاذعان للأمر الواقع. حقاً انهم اصحاب الحق-ولکنه غير قادر علي المقاومة، وشرعي الشرعيه لکنها بلاسلطه. فليکن اغراق في النعيم وتعويض عن وجاهة الزعامة، بوجاهة الغني والبذخ، وتحول من حياة الجهاد الي حياة الترف.
و هکذا أقبل الحجاز، سواء في ذلک انصار بني امية ومعارضوهم، راغبين او کارهين، علي هذه الحياة الجديدة، حيث کثرت الجواري وشاع الغناء، واتجه الشعر مع هذا الاتباع علي الغزل، يري فيه الحجازيون وسيلة لعلاج مشاعر الحقد والقنوط.
وان مؤلفي قصة الأدب في الحجاز في العصر الاموي يران ان الاماء وثأثيرها على الشعر كانت موجودة في العصر الجاهلي وفي الادلاء بآرآءهما قد جاءا بهذا الكلام"و الظاهر انه نشأفي البيءة الحجازية من تأثير الاماء اللواتي كن لا يتحررن ولا يبالغن في العفة وكن لا يأتين الى الحجاز من طرق شتى.و يكفي ان نعرف ان جوائز الملوك الشعراء تكون من الاماء بعض الاحيان.و قال النابغة يمدح النعمان بأنه يبذل الاماء المنعمات في هباته جنبا الى جنب مع الابل الغلاط الشداد:
الـواهب المأئة المعكاء زينها
سعـدان توضح في اوبارها اللبد
الراكضـات ذيول الريط فانقها
برد الهـواجر كالغرلان بالجـرد
و بسبب شيوع الغناء، وشيوع مدارس وجوقاته واجوائه واندائه ومنتدياته في جميع مدن الحجاز ونواحيه کان لابد من ظهور فريق من الشعراء بجانب المغنيين والمغنيات. يمدونهم بالقصائد والاشعار التي هي مادة الغناء الاولي.و قد وجد شعراء المدرسة الحضرية انفسهم وهم يلازمون هؤلاء المغنيين والمغنيات، ويقدمون لهم احدث القصائد والمقطوعات التي تتلاءم مع ذوق الخاصة والعامة، في ظلال النعيم والدعة والفراغ.
ان شعر عمربن ابي ربيعة واصحابه الحجازيين مع مداره علي الغزل فقط ومع قربه مرة من الخلاعة لم ينحط ابداً الي الفحش والمجون المحض الکثير، وجوده في غزل شعراء عهد العباسيين ثم من الجدير بالذکر ايضاً انّ عمر بن ابي ربيعة واکثر شعراء الحجاز لاسيما مکة في زمن الامويين الي اوائل القرن الثاني امتنعوا عن باب الخمريات في شعرهم امتناعاً تاماً ولم يذکروا الخمر الا في التشابيه، وذلک مع ان شرب الخمر غير مجهول في ذلک العصر بالمدينة.
ولم يکن عيش وشعر عمر الا في الغزل. فمن المعروف ان عمر بن عبدالعزيز نفاه الي جزيره دهلک لفرط تشبيبه بنساء ذوات الأخطار من اهل المدينة. ثم عفي عنه ومات بدمشق بعد المأئة بسنين قليلة.
ميزاته:
ومن ميزات هذا الغزل عدم ثبات الشعراء علي امرأة واحدة بل کانوا دائمي النقلة کالنحلة من زهرة إلي اخري مما دعا الي کثرة الأسماء عندهم کما سار اکثرهم علي نهج قصصى شأن بعض الشعراء الجاهليين، وان کان بعض الدارسين يعدون عمر بن ابي ربيعة، مبتکراً له مجاراة للدکتور طه حسين الذي استنکر واستعبد ان يکون امري القيس رائد الاسلوب القصصى ومن البوادر الجديدة في الغزل الحسى الاموى کثرة الرسل والاشارة الي الرسائل الغزلية مع النساء.
أما الشعر الغزلي الحسى او الصريح کما يسميه بعض الباحثين فهو يصور احاسيس الحب ومغامراته فى المجتمع المتحضر الذى ظفرت فيه المرأة العربية بقدر كبير من التحرر, وكانت لا تضيق بما يقال فيها من غزل. ويتميز هذاالعصر ببعده عن العواطف المجردة والتعبير عن الشهوات الحسية واهتمامه بمحاسن المرأة وجمالها الجسدى ووصف تمتع الشاعر بها. ويري احد الباحثين ان المتمعن في شعر عمربن ابي ربيعة لا يري تلک النزعة الحسية التي يشير اليها کثير من الدارسين، فغاية الشاعر الاولي کانت غاية فنية، يقصد بها أن يفلح في رواية تلک الحرکة المادية النفسية للزائر العاشق، والمزورة المشدودة بين الحب والرجل. وذلک الحوار الدرامي القريب من لغة الحياة. أو لغة النساء، المفصح احياناً عن کثيرمن الخلجات النفسية الدقيقة. ولم يکن هم الشاعر ان يصف متعة او يتحدث عن شهواته، او يصف محاسن صاحبته وصفاً حسياً تفصيلياً... فالقصيدة تنتهي في اغلب الأحيان بالأشارة الي متعة حسية يسيرة لا تناسب مع الجهد الذي صوره الشاعر قبل.
فى هذا المجال يؤکد الدکتور شکري فيصل: ان غزل عمر بن ابي ربيعه، کان ينطبع بطابع الغزل الحضرى، ويعلل رأيه هذا باسباب عدة. منها، " غياب الأطلال في المطلع... فلم يبدأ عمر بها ولم ينطلق منها، ولم يجد انه مربوط ما ارتبط به الجاهليون... وانما کان منطلقة فيما رأينا، ذاته التي حرمت الوصل وعاشت علي المواعيد... ومنها بدا وان عمر خالف عن سنة العربى الجاهلى، وان هذه المخالفة کانت استجابة لهذه الحياة الحضرية التي کان يحياها وتمثيلاً بها وتعبيراً عنها"
کان عمر يقتصر القصيدة علي الغزل فلايکاد يقول الا غزلاً، ثم انه لم يقل الا فى الغزل، ومع ان عمر بن ابي ربيعه لم يبتکر شيئاً من خصائص الغزل العامة، فانه قد جمع معظم هذه الخصائص في شعره واجري الغزل فى قصص وحوار حيناً وفي نقاش وامتناع حيناً آخر. ومثل ذلک فعل نفر کيثرون من الشعراء المغامرين الذين کانوا يتبعون الجمال ويهيمون بالمرأة هياماً يجرون فيه علي مقتضي الطبيعة البشرية
وغزل عمر لذلک بديعٌ، لأننا نتسطيع ان تنفذ منه الي معرفة کثير من المحرکات النفسية للمجتمع العربي فى مكة والمدينة وما أصابه من تبدل تحت تأثير الحضارة الجديدة،ذ أتاح لنا بواسطة هذا الحوار المفتوح في الديوان بين السيدات علي جماله وفتنته ان نتعرف الي کثير من جوانب الحياة المعاصرة له، وخاصة حياة النساء وما نلن من حظوظ في الحرية، وايضاً فانه کشف في احاديثهن عن جوانب کثيرة من نفسياتهن وما يتغلغل فيها من تُرّهات وخلجاف ووجدانات.
ومحور الغزل هو عمر نفسه وعشق النساء له، ولکن سقط في اثناء ذلک کل ما يصور المرأة المعاصرة له في مکة والمدينة بواسطة هذه الأحاديث التي يجريها بين النساء أو هذا الحوار الذي يلفت کل من يقرأ غزله. وبما کانت هذه هي الخاصة الثانية الکبيرة في ديوانه: ففيه حوار مفتوح لاينضب معينه ولاتجِفُّ قطراته في نفسه. ومن هنا کان لغزله طابع ثان يخالف فيه طابع الغزل العربي کله الا مايأتي نادراً، ونقصد طابع القصص والحوار الذى يشيع في شعره، وهو طابع يعدُّ لطابع الأول، طابع المعشوق لا العاشق، فانه اتي النساء في شعره لاليبثهن بتاريخ الحبّ، ولا ليصف جمالهن، ولاليشکو عن هجرهن ويصف آلامه, وانما جاء بهن ليعبرن عما ينفث من لواعج الحب فيهن، وليصفن حسنه البديع، ومايتألمّن به من هجره وصدّه، فهي مصورات في شعره, مشغولات به, هائمات بجماله، تتردّد الأحاديث بينهن في فنه واغرائه
الحوار القصصي:
واما القصص والحوار فنأخذهما بمعناهما العام، فلانفني الروايه بکل ما فيها من فنٍ قصصي وعقدة ومتعة فينة، ولا يعني الحوار التمثيلي الذي يجرى علي المسارح؛ انما نعني الحديث المنظوم الذى يکاد يتفرد فيه ابن ابي ربيعة.
وهذا الحوار معروف في الادب الجاهلى، فقد أتي امرؤالقيس بالقصص والحوار في شعره، الا ان ابن ابي ربيعة قصد الي ذلک قصداً وجعله قوام فنه الشعري، فبسط فيه القول، والقي علي حلاوة ولباقة وبلاغة لم تجمتع لغيره.
و يقوم ابداع عمر في فنه هذا بأن تجرى فيه الدقة الواقعيية، واذا النساءيظهرن فيه بأخلاقهن، واشاراتهن، وحرکاتهن، واذا هن يطلبنه ودائماً، ويتحدثن عنه في غيابه، ويتغزلن به اکثر مما يتغزل بهن، ويلقين عليه النعوت الجميلة فکان عمر لايهتم للفن الشعرى بقدر ما يهتم لأدخال لغة النساء فيه:
بينـما ينعتنـي أبصرننـي
دون قيد الميل يعدو بي الأغـزٍ
قالتٍ الکبري أتعرض الفتي؟
قالت الوسطي «نعم هذا عمـر!»
قالت الصغـري، وقد تيمتُها
«قد عرفناه، وهل يخفي القمر؟»
وعمربن ابي ربيعة، في قصصه وحواره فيکثر من القسم واشهاد الله والاستحلاف، وقد يکون ذلك من خصائص الحديث في ذلک العهد.
بربك هل أتاك لها رسول
فنشاتك ام لتيتً لها حًدينا
فعمر يتحدث معنا بلسان النساء ونفسيتهن، وما يغمرهن من غيرة شديدة حين يتغني شخص بجمال احداهن وما لها من فتنة واغراء.
وغزل عمر ظريف من هذه الناحية، فهو يقصُّ، علينا کثيراً من احاديث النساء وتُرّهاتهن، وما يجول فى اذهانهن، وکل ذلک يمده فيه تربية امه له، وما تعوّده من الجلوس مع المرأة في عصره. واکبر الظن أني لا أغلو اذ زعمت ان عمر به جانب من انعکاس العاطفة وشذوذها، فنحن لا نجد عنده الشاعر الغزل المألوف الذي يعني بوصف حُبّه، وانما نجد شاعراً يعنى بوصف المرأة نفسها وصف احاسيسها، وکان غايته من ديوانه ان يصف المرأة وصفاً نفسياً.
ومعني ذلك ان عمر في ديوانه وغزله معطّل الي حد کبير، اذ حول الغزل من الرجل الي المرأة، فالصوره العامة فى غزله انه معشوق لا عاشق، وعمر في ذلک يعبّر عن تطور جديد فى الحياة العربية، فقبله لم نکن نعرف شاعراً يصبح شخصه موضوع الغزل فى غزله، انما شخص المرأة فهو الموضوع المعروف للغزل، وبعبارة اخري کانت المرأة قبل غزل ابن ابي ربيعة هي المعشوقة، اما في غزله، فقد تحولت الي عاشقة، کما تحول عمر نفسه من عاشق الي معشوق.
ولعل هذا ما جعل عمر ينفرد في غزله بشخصيته واضحة، ولم يستطع احد أن يجاريها، لأن عمر نفسه ليس من السهل ان يوجد مراراً، اذ لابد للشاعر من ظروف کثيرة تحوّله من عالم العاشقين الي عالم المعشوين، لابد ان يکون له ثراء عمر، وان تکون له امه التي عاشت له، وعاشت تعشقه، وايضاً لا بد ان يوجد مجتمع مکة وما فيه من نساء أصبن شيئاً من الحرية، فکثر الاختلاط بينهن وبين الرجال، علي نحو ما کثر بين نسا مکة وابن ابي ربيعة.
واذن لم يکن عمر عاشقاً في غزله، بل کان معشوقاً ولعل ذلک ما يدل بوضوح علي فساد هذا القصص الذى اکثر منه الرواة عنه، والذي حکاه صاحب الاغاني، فاکثره لايتفق وهذه الشخصية التى شذت فى عواطفها ولذلک کنا لانشک في عفّة عمر کما شک القدماء، نمثله في تربيته وعواطفه لايکون اباحّياً، ولعل ذلک کان سبباً مهماً فى ان نساء قريش کنّ يبرُزن له، ويتحدّثن اليه.
والحوار القصصي جعل الشاعر فيها اسير مدرسة شهيرة من مدارس الفن القصصي في الادب الحديث وهي المدرسة الواقعيية التي لا تأنف من تصوير الواقعة كما هي،و اذا اجبنا قياسه بمقياس المدارس الادبية المعاصرة.
والملاحظ ان مثل هذه الحوادث العابرة كثير في قصائد هذا الشاعر،و قد نظمها لذاتها،مسجلا فيها بداوته ومغامراته،كما يفعل من يدون مذكراته اليومية مصورا ما جرى معه خلال اليوم من حوادث واخبار،و لو شئنا ان نقولها من الناحية الفنية القصصية،لرأينا ان الحوار القصصي هو العنصر البارز الذي يطعن فيها على سائر العناصر الاخرى التي يمكن ان تتوافر في القصة،وهذا هو الذي جعل (العقاد) يرى ان عمر لم يبدع-كما يقول بعض النقاد-في فن القصة المنظومة،بل ابدع في الحوار القصصي او ما يطلق عليه الحديث المنطوم.
وبرأيي سبب تسميته بالحديث المنظوم لان هذا الشعر والغزل عند العمر واصحابه لا يصدر عن عاطفة الشاعر الصادقة لذا سمي بالحديث المنظوم بدل الشعرالذي يصدر عن العاطفة الصادقة.
ونستطيع بذلک ان نفهم لماذا لم يکن لعمر مدرسة في تاريخ الغزل العربى، لأنه کما قدمنا کان متفرد الشخصية، وعملت ظروف مختلفة في تکوينه ليس من السهل ان توجد عن غيره، ولاريب في انه ثمرة نهايئة لهذه الخسارة التي دخلت في مکة والمدينة، فأرهفت المشاعر، وطبعت الناس بطوابع جديدة، وقد يکون فيه ضرب من الشدوذ العاطفى، ولکنه مع ذلک استطاع ان ينفذ الي تصوير مجتممه الجديد، فنحن لانقرأ ما يصف به امرأة عصرهِ واقبالها علي حديث الرجال وما يکون بينهما وبينهم من رسل، حتي نطلع علي صوره جديدة للمرأة العربية.
وهذا القول الذي جاء به شوقى ضيف. ان عمربن ابي ربيعه لم يکن له مذهب ومدرسة شعرية برأيى مردود لأننا نجد جاء فىکتاب( کيف أفهم النقد): «هو» عمربن ربيعه «مؤسس المدرسة الواقعية في الادب العربي وان سبقته امرؤ القيس والنابغة الذبياني بقليل من الشعر کان بمثابة الاساس الذي اقام عليه عمر دعائم مدرسته»
ميزة الحب العمري:
انه بوجه عام حب حسي يهيم بالصورة الجميلة ويذهب مذهب الواقعيية، لا يعرف اثراً للمعاناة في العلاقة، ولايعکس شعوراً بالحرمان. المثالية فيه ليست فى القناعة والعفة، بل هي فى الاستجابة للجمال في کل انواعه وقسماته وبکل الجوارح والأحاسيس. وهو کذلک حب متحضر، لايعرف الثبات، ولاقدرة له علي المعاندة يميل الي اللهو العابر، ولا يسعي للامتلاک الدائم. تتجدد اجواؤه، وتنتقل خطاه في عالم الحس وهياكله المختلفة,ليس من طبعه أن يكون عبارة صامتة للروح لأنه اندفاع جري الي الوصال، مليء بالحرکة، مفعم بحرارة الشباب وصولته. وتتکرر هذه الميزات في اکثر قصائده، لتهالکه علي اللون الواحد من الشعر.
المرأة في الغزل الحضرى:
والمرأة العربية في عصر ابن ابي ربيعة هي امرأة متحضرة، وقداتيح لها من الفراغ واسباب زينة الحياة مالم يتح للمرأة الجاهلية.
واذا رصدنا جوانب هذه الحياة الحضرية، فقد نجد کيف نضت عنها ملابس المرأة المتحضرة وحيها وطيبها في اشعار عمر بن ابي ربيعة وارکان مدرسته الأحوص والعرجى. فصورة المرأة کما تعکسها لنا قصيدة الغزل الحضري في العصر الاموي، هي صورة منعمة مترفة، تحف بها الجواري،يسلينها ويعدون لها من افانين الهوي واللعب واللهو، ما تقطع به وقتها قطعاً هنيئاً وفي ظل هذا المجتمع الجديد کانت النساء يصبن شيئاً من الحرية، فکثر الاختلاط بين الرجال وبينهن، مما نحا بالشعراء ان يقفوا وقفة شاهد حى علي تجربة جديدة هي اثر من آثار المدنية ,فلا عهد لنا من قبل بشاعر ليحدث بلسان النساء فأباح بما يملأ قلوبهن من غيره، ومايدور في نفوسهن من خلجات انثوية صادقة.
کان عمر اشهر اهل الحجاز يومئذ بالظرف والدقة وطباع الغزل. وخلقت تلک البيئة عمر خلقاً نسائياً، حتي کأنما کن ينجذبن اليه للمناسبة الجنسية،... فقد کان في ايام الحج يلبس حلل الوشي ويرکب النجائب، المخضوبة بالحناء عليها المقطوع والديباج ويسبل لمته ويخرج يتلقي العراقيات الي ذات عرق، وتتلقي المدنيات الي مرّ ويتلقي الي الکرير وکل دلک التماساً للغزل وطلباً لمأتاه.
وشخصية المرأة عند شعراء الاتجاه الحسى ثانوية بالنسبة الرجل، وخاصة في شعر عمر بن ابي ربيعة وهي اداة للمتعة وهي مدلهة في حب صاحبها الذي يبدو دائماً قادراً عليها، وهي التى تشکو وتتعذب وتستعطف.
لغة هذا الغزل:
فقد اخذ شعر الغزل في المدرسة الحضرية، ينمو نحو تأسيس لغة شعرية جديدة، تقوم علي هجر الألفاظ الغريبة، وبناءها بناء سهل، يتلاءم مع حياة الناس الجديدة التي تحضّرت حتي يقتربوا منهم في لغتهم اليومية ولهذا فقد جاء هذا الشعر قريباً کل القريب من حياتهم ومن مجتمعهم، هو يقرب من هذه الحياة، وذلک المجتمع فى العواطف التى يصورها، کما يقرب منها فى اللغة التى يتحدث بها الناس.
واقترب الشاعر من لغة الکلام العادى، وخاصة حين اجري الحوار علي لسان المحبوبة وجعله واقعيياً محضا ًفي لفظه وصياغته وايقاعه.
اوزان الغزل العمرى:
يختلف العروض فى ديوان عمر بن ابي ربيعة عن عروض شعراء عالم البداوة ويتميز ايضاً عن عروض شعراء الجاهلية، وهو يقرن-بالعكس- بالعروض المستعمل في ديوان العرجى مثلاً، فان البحور (التقليدية) ممثلة بوفرة في الديوان وبخاصة بحر الطويل، وبدرجة اقل الکامل والوافر، ويجدر الاشارة الي ان الکامل يبدو في الديوان مجزوءاً، وعلي کل حال، فان البحور الأکثر غنائية، نموذجياً تسيطر في الديوان وفي طليعتها الخفيف والزجل والرمل. ويحمل هذا التقرير علي الاعتقاد بأن هذا الأثر الشعري مؤلف قبل کل شيء، من قطع ومقطوعات معدة للغناء.
قول شوقى ضيف: نستطيع ان نلاحظ هذا التلاؤم عند عمر فى جانبين من ديوانه، او قل من موسيقي شعره، اما الجانب الاول فهو استخدامه للأوزان الخفيفة، کما يلاحظ من يقرأ الأشعار التى استشهدنا بها فيها، وهي اوزان کانت تلائم الغناء الجديد من مثل اوزان سريع والخفيف والوافر والرّمل والمتقارب، وکانت هذه الألوان موجودة في العصر الجاهلي، وعمر من هذه الناحية لم يوجد وزناً جديداً،و انما اکثر من استعمال الاوزان السهلة، التي لايحتاج مجهوداً من المغنى، والتى فى الوقت نفسه تتيح له ما يريد أن يحمّلها من الحان وايقاعات، ولذلک عني بهذه الألوان حتي يخفف علي المغنين والمغنيات.
واما الجانب الثانى، فهو جانب تقصير الأوزان وتجزئتها, وهو ايضاً جانب واضح فيما استشهدنا له من اشعار، وهو جانب کان موجوداً في القديم، ولکن عمر اکثر منه اکثاراً، حتي ليکاد يکون خاصة من خصائص ديوانه، فکثير من غزله بنى من مجزوءات: حتي يهيئ للمغنين والمغنيات الفرصة لتطبيق الحانهم وانغامهم التي اجتلبوها من فارس او الروم.
والصورة العامة في اوزان عمر أنها اوزان سهلة خفيفة، وان کثيراً منها جزّئ، حتي يکون خفيفاً علي هؤلاء المغنين من الأجانب، ونحن نظن ظناً ان تحريفات کثيرة وقعت، وان کانت کلها تستهلکها نظرية الزحاف والعلل التى اتي بها الخليل بن احمد، اذ قال ان کل تفعيلة من حقها أن تُعُلّ عللاً کثيرة، بتسکين المتحرک فيها، او حذف ساکنها، ونحو ذلک.
وقوام هذه المدرسة
- السعي الى المرأة حيثما كانت وبشتى الوسائل الممكنة،لا لانها امرأة وحسب،بل لانهم يعشقون الجمال واللذة،و ليس كالمرأة من كائن يجمعها معا.
- التصريح في الحب والفعال تصريحا يصل الى بعض التفاصيل،من دون تبدل او اسفاف في اللغة الشعرية والوصف الحسي،الا فيما ندر.
- عاطفة سريعة قوية،لا تحتمل الصبر،و لا تدخلها المعاناة الا من قبيل السعي الى اللذة،و لا للوجد والشوق والهيام.
- اللغة الشعرية الواضحة.
التي مر ذكرها.
اصحاب الغزل الحضري:
من قريش: اول من تجرّأ علي التشبيب منهم ابن ابي عتيق، وهو حفيد ابي بکر الصديق، ويقولون انه کان طاهراً عفيفاً شبب عن غير ريبة، ثم عمر بن ابي ربيعة من قريش والعرجي وهو من قريش ايضاً، وغيرهم. وکلهم من شعراء العصر الاموي. فتجرأ الشعراء من غير قريش علي الاقتداء بهم حتي شاع التشبيب، وصاروا يعتقدون ان الشعر لايحس الا به لما فيه من عطف القلوب فيبدأ الشاعر الحضرى بذکر الحبيب والصدود والهجران، کما يبدأ البدوى بذکر الرحيل، والانتقال ووصف الطلول.
يروي ابو الفرج:كانت العرب تقر لقريش بالتقدم عليها في كل شيء الا بالشعر،فانها كانت لا تقر لها به حتى كان عمر ابن ابي ربيعة،فاقرت لها بالشعرو ايضا لم تنازعها شيئا.
و في الختام جدير بالذکر «ان الخصائص الجديدة: قليلة في شعر عمر، اما ميزة عمر الکبري فهى انها جمع خصائص الغزل التى کانت قبله. ثم احسن تصريفها في شعره، وعمر قصر شعره کله علي الغزل,ثم قصر القصائد علي المعانى فانتهي به المعني. فکل قصيدة لعمر موضوع تام في نفسه، سواء أکانت ابياتاً قليلة او ابياتا کثاراً».
الغزل العذري او العفيف (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):
نحو اواسط القرن الاول للهجرة فيمايليها واخذت بعض شعراء اهل الوبر المعدودين يقول القصائد في مجرد النسيب بل لايتعاطون غيره وصناعتهم بعيد عن اسلوب شعراء الجاهلية وعن منهج الغزليين عن اهل المدر, فانهم لايعشقون الاإمراة واحدة، جعلوا عيشهم فداءها ولا يتغزلون ولايفتخرون بنيل وصلها وانما يظفرون في شعرهم رقة القلب وشدة الحنو ويكثرون في بيان الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الاشواق الم الفراق وفرط الحزن والغم واليأس وكل ذلك مصوغ في قالب رشيق, مترجم بلفظ رقيق, وكلام لطيف عفيف لايدخل فيه شيء من الخلاعة والشهرة الدينية
تسميته: ان الغزل العذري اكتسب اسمه من قبيلة بني عذرة احدي قبائل قضاعة التي كانت تنزل في وادي القري شمالي الحجاز، لان شعراءها اكثروا من التغني به ونظمه ويصيرون الي الجنون ومن قبيل صدفة غريبة فان هولاء العشاق المتيمين ينتمون الي قبيلة اصيلة الجنوب العربي، وهذه يضاف اليها حديث منحول:" من احب فعف فمات مات شهيدا".
ماهية الغزل العذري:
فالغزل العذري تعبير عن وضع طائفة من المسلمين كانت تتحرج وتذهب مذهب التقي، وتؤثر السلامة والعافية علي المقامرة والمخاطرة، وتري ان النفس امارة بالسوء "ان النفس لامارة بالسوء" وان النارقد حفت بالشهوات علي حد تعبير الحديث الشريف "و انه من الخير لها ان تصبر... "و ان تلتزم ما امر الله به ان يلتزم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله.
اما الغزل العذري التعبير الفني الشعري عن هذا الحب... انه هذه الثروة الشعرية التي خلقتها لنا النفوس المحبة التي تذرعت بالايمان واجتمعت بالعفة. ولنا ان نقول اذن ان الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففة والمتلهبة في آن معا والتي وجدت ان هذا التعويض الفني هو خير ما تطفيء به لبهما وتتسامي به في غرائزها
ولادة الغزل العذري وعوامل نشأته اوظهوره:
قد يكون من العبث ان تحدد ولادة هذا الفن الشعري ذلك انه ظاهرة من الظواهر الفنية التي ترتبط اشد الارتباط بالظواهر الاجتماعيه... ومثل هذه الظواهر تمتاز بانها ليست منفصلة عما قبلها ولامنفصلة عما بعدها... فليس لها هذا التوقيت، وليس في صورتها المكتمله التي نراها عليها مايبيح لنا ان نقول انها نشأت في هذا العصر او استوت في هذه الفترة.
وكان الاسلام اقوي العوامل في ظهور هذا النوع من الغزل، از خلق ادراكا جديدا للعاطفة، فيما دعا اليه من جهاد النفس، ومقاومة الهوي، وفيما هيا للروح الزهد، وبتهوينه من
شأن الدنيا، وتهوينه لعذاب الاخرة، وكانت مقاوة النفس للهوي اكبر ظاهرة تجلي فيها زهد هؤلاء الغزليين من المتاع الحسي، حتي كان بعضهم من الزهاد والاتقياء
وفي بيان تأثير الاسلام في ظهور هذا الجنس نقوم بدراسه حياة البدوبين في العصرين الاسلامي(الاموي) والجاهلي علي حسب ما جاء به طه حسين في حديث الاربعاء: يكفي ان توازن بين حياه البدو بعد الاسلام وقبله، لتري ان هناك فروقا عظيمة بين هذين النوعين من الحياة، ولكن هذه الفروق تكاد تقتصر علي الحياة المعنوية وحدها. فلم تكد الحياة المادية تتغير عند هؤلاء الناس بعد الاسلام، وانما كانوا في ظل الخلفاء كما كانوا في عصر الجاهلية: يخضعون لقوانين البداوة ويقاسون من شظفها وخشونتها مثل ما كانوا يقاسون في العصر الجاهلي. وربما اتيح لهم شيء من سعة الحياة، ولكنه لم يكن كثيرا ولاموفورا، ذلك لا نهم لم يكونوا يشتركون في الحياة السياسية، فان فعلوا لم يكونوا يحتفظون بالحياة البدوية.
وربما كان من الحق ان نلاحظ ان هؤلاء الناس من اهل البادية كانوا قد احتملوا اعباء في الاسلام لم يكونوا يحتملونها في الجاهلية، اريد اعبا الصدقة والزكاة، فقد كانوا قبل الاسلام احرارا لايؤدون اتاوة ولا يخضعون لنظام الا ما اصطنعوا لا نفسهم من نظمهم الخاصه فيما بينهم. اما بعد الاسلام فقد ضربت عليهم الضرائب واخذوا بالصدقات في سائمتهم. اضف الي هذا شيئا آخر، وهو ان الاسلام قد اخذ علي هؤلاء الناس شيئا من طرق الكسب التي كانت مألوفة في الجاهلية، لأن الاسلام اقرا السلام بين القبائل البدوية وحال بينهما وبين ما كانت تتخذه مجدا وشرفا ومكسبا من الغزو وضروب الاغارة. فلم يكن يتاح للقبائل بعد الاسلام ان تتغازي ويغير بعضها علي بعض، كما كانت الحال في الجاهلية. واذن فقد كانت الحياة المادية عند اهل البادية بعد الاسلام شرا مما كانت عليه قبل الاسلام، ولهذا لم تدم الحياة الاسلامية المنظمة في البادية عصرا طويلا، ولم يكد يضعف سلطان الخلفاء ولم يكد الخلفاء ينصرفون الي تدبير البلاد المفتوحة حتي انتهز اهل البادية هذه الفرصة، فاستأنفوا ما كانوا فيه ايام الجاهلية من غزو واغاره وحرب وخصومة، بل لم يدع اهل البادية فرصة تمكنهم من الفرار من اداء الصدقات والضرائب الا انتهزوها واستفادوا منها.
لم تتغير اذن حياتهم المادية في جملتها، بل ظلوا يلقون من الضيق ويقاسون من الشظف مثلما كانوا يلقون ويقاسون في العصر الجاهلي. اما حياتهم العقلية والمعنوية بنوع خاص فقد تغيرت تغيرا شديدا. وحسبك ان تقارن حياة بدوية متأثرة بهذه الطائفة من الآراء التي كان يتأثر بها الجاهليون، بحياة بدوية اخري متأثرة بالقران الكريم وما فيه من دين وخلق وادب وحكمة ونظام، لتشعر بالفرق بين نفسيه البدوي المسلم في الاول عهد الناس بالاسلام ونفسيه البدوي الجاهلي. كان هذا الفرق عظيما وكان التوازن مختلا بين الحياة العقلية والحياة المادية، تغيرت الاولي تغيرا تاما، ولم تتغير الاخري اولم نيلها من التغير الا شي قليل.
ومن هنا نشأ في نفوس هؤلاء الناس شيء من اليأس (لسبب تغيير مقرالدولة من الحجاز الي العراق) في الحياة المادية، تبعه شيء من الأمل في حياة اخري ليس واضحا في هذه النفوس الساذجة وضوحه في نفوس اهل الحضر ومن هذا اليأس والأمل تكون لهؤلاء البدو مزاج خاص لاهو بالبدوي الغليظ ولا هو بالحضري الرقيق، وانما هو شيء بين بين.
ويعزو كثير من الباحثين ظهور العفة في شعر الغزل الي اخذ الناس باسباب الدين وباسباب الحياة الخلقية والاجتماعية التي كانت تسود اوساط الناس في البوادى، وربما كان شيء من ذلك صحيحا، وربما كان ايضا كثير ام قليل من ذلك صحيحا، غير اننا نؤكد قطعا خضوع الادب شروط الحياة التي تتوافر له في هذه البيئة وذلك المناخ، كما تتوافر له شروط اخري في خارجها، والغزل الذي نما شروط الحياة في البوادي،
انتج لنا نموذجين اثنين من الشعر:
- غزل عفيف طاهر، طغت عليه نزعة الحب الوجداني.
- غزل نقي باهر، طغت عليه نزعة الحب الوصفي.
وعميد النوع الاول من الغزل العفيف، هو جميل بثينة، الذي اقام له مجسما في ركن الروح اما عميد النوع الثاني من الغزل النقي، فهو ذوالرمة، الذي كان يقيم له من شعره مجسما، اتخذ عناصره من اشياء البادية.
وبمقتضي هذه النظرية الاشتراطية التي تطابق بين الحياة والشعر، فان الغزل البدوي كان يشكل اعلي تجليات المطابقة بين الشعر والطهرية الدينية الاخلاقية في المجتمع البدوي
زمن نشاته:
في يقيني ان الغزل العذري لم ينشاء في العصر الجاهلي. لأن شعراء هذا العصر وان كان قد اثر عن بعضهم انهم تغزلوا في امرأة بعينها، ولكن غزلهم لم يكن فنا قائما بذاته، ولم يكن معروفا في ذلك الوقت ان شاعرا كان شعره قاصرا علي الغزل، وعلي الغزل بأمرأة يحبها وتحبه، فاودع شعره كل ما قاله فيها.
ولم ينشأ في العصر الاسلامي: لأنه كانت احداث اخري: احداث الدين الجديد، ونشره، وفتح الفتوحات، ودفع راية الاسلام، ومن شأن هذا ان يغلب الناس علي كل شيء.
ولم يكن من الممكن ان يظهر في عصر الخلفاء الراشدين بالرغم من ان تمثل التقي والصلاح كان في عصر الراشدين اشد وضوحا منه في عصر الامويين، وبالرغم من ان الانعتاق من بعض الحدود والتحلل من بعض النواحي والتحرر من بعض الشدد وجد مجالا في العصر الاموي باكثر مما كان في عصر الراشدين.
وفي العصر الاموي حيث استتب الملك واصبح الناس في ظله الوارف، وفي ضروب من الدعه، والراحه، والطمأنينة والرخاء، واصبح فريق منهم يسكنون بادية الحجاز لم يكن لهم حظ من هذا الترف، بل كان بؤس وحرمان جرهم الي حال من اليأس، والي حال من الزهد والي حال من صفاء الروح، يتجرد عن المادة الي حياة خالصة طاهرة. جعلتهم يجنحون الي الطموح والمثل العليا، وحداهم هذا الطموح الي ان يكون لهم تفكير جديد في الادب.
وكأنهم ثاروا بهذا علي الاوضاع العابثة، التي كانت في مدن الحجاز، ونشأ عنها الغزل الماجن
ويقول الدكتور ياسين الايوبي حول هذا الموضوع"وهو ردة فعل في وجه الحب الصريح، ظهر على مسرح الحياة العربية،في اواسط العصر الاموي لدى جماعة عاشت في بيئة حجازية ضيقة، لا تعرف الا الصحاري والفراغ والضجر. ولم يعرف اول متغزل بهذا النوع بالضبط، وانما عرف من احبوا بطريقته". وانه يواصل حديثه وثم يقول: قلت انه ردة فعل في وجه الحب الاباحي، وقد لا يكون ذلك مؤكجا. وقد يكون وجها آخر من الحياة العاطفية العربية حبث نجد انسانا يحب بطريقة ما، وآخر يحب بطريقة اخرى...مع ان هؤلاء الشعراء المحبين لا بد من التفاتة قصيرة: وهي انهم عاشو في شقوة قاسية مردها البؤس واليأس في كثير من اوقات حياتهم، ولا سيما ان التقاليد كانت صارمة على ابناء العشق؛ فويل للرجل ان احب وويل ان يعلن حبه. وويل له ان كتم هذا الحب وويل اكثر ان اشاعه. كيف يمكنه كتمان ما هو في جوهر حياته ولا يستطيع ان ينشر همسة واحدة حوله؟
الحل في القبول بالامر الواقع، اي: لا بد من اذاعة الخبر وال دفن هو وحبه احتراقا.فليحترق مع الاعلان ومع الايصال افضل من ان يحترق مع الصمت. وهكذا كان؛ بمجرد ان يشبب الرجل منهم بواحدة تحرم عليه، والحرمان هنا مرده التقليد الصارم، لا غير....
والأمرمع ذلك يبدو بسيطا... فهذا الغزل العذري يجب ان يكون اثرا لتربية جيل جديد تربية صادقة صارمة... هذا من نحو... يجب ان يكون اثرا لنوع من الحياة الاجتماعية تعرف الاستقرار وتساعد عليه من نحو آخر... وكلا هذين الامرين لم يتوافر، معا الا في عصر بني امية... صحيح ان الرسول ربي جيلا من الصحابة ولكن هذا الجيل كان مشغولا عن نفسه بواجبه. اما في العصر الاموي فقد آن لهذه البنتة، لهذا الغزل العذري وان تنفتح وان تزدهر، وان تتشقق ازهارها عن الثمرات الطيبة من تاريخ الادب العربى.
لذلك لن تستغرب ولادة هذا الغزل في العصر الاموي، ولن نقول في انفسنا ما بال هذا اللون من الفن لم تتنفس به الجزيرة في عصر الخلفاء...[ففي] العصر الاموي كانت اكتملت نشأة هذا الجيل الذي مازجت التربية الاسلامية اعماقه، وخالطت دماءه وظلت طريقه... وفي هذا العصر ايضا همدت ريح الفتوح وانقلبت هذه الفتوح من عمل جماعي يتدفق من كل ارض الجزيرة ويتجمع في هذه التيارات الي عمل حكومي تنطمه الدولة وتشرف عليه وتأخذ نفسها باعداده والاختيار له، وتركز له وقته وتدعواليه وتلزم الناس الحرب مرة والاستقرار مرة... ففي هذا العصر اذن آن لنا ان نستمع الي انغام هذا الغزل الي دقات اوتاره الاولي... اما قبل ذلك فقد كان المجتمع الاسلامي يخضع لهذه الظروف القاسية التي لا تتيح له ان يصرف قواه العاطفية جميعا في غير حركة التوسع هذه التي كانت ابتلاء لهذا المجتمع الناشيء واختبارا لقواه. ومن كل هذا نستطيع ان نقول ان ولادة الغزل العذري لم تكن حادثة ذات تاريخ محدد... انها شيء اصطلحت عليه بعض الظواهر العاطفية والدينية والاجتماعية ثم صاغته هذه الصياغة الفنية الخاصة... وقد وجد هذا الغزل نموه في العصر الاموي
ولكن الدكتور الحوفي يؤكد انه نشأ في العصر الجاهلي واورد على ذلك شواهد في قصائد مستقلة للحب الخالص لا شي فيها سوى الغزل منها لقيس بن الحدادية قصيدة غزلية في اربعة واربعين بيتا واخرى لحسان في سبعة عشر بيتا وهذه القصائد اثر الغزل المادي فيها ضئيل،فنحن نرى للنابغة الذبياني قصيدة من هذا النوع يتغزل بحبيبتهنعم،ويتشوق الى عهدهما الماضي يوم كانا معا يتناجيان والؤمان غافل عنهما فيتبادلان الاسرار المكتومة والحب الصافي وينتقل الىالمرحلة التالية حيث هجرته نعم فاذا هو يجعو قلبه بملاقاته...
صفات الحب العذري:
اول ما يتميز به هذا الحب، الوحدانية، اي الاقتصار علي نشدان امرأة واحدة من بين سائر النساء، وهكذا اتحدت اسماء العذربين باسماء صويحباتهم فقيل: جميل بثينة، وكثير عزة، ومجنون ليلي، وفقيس لبني وهكذا.
ومادام هؤلاء يحبون امرأة واحدة فهم يحبونها لذاتها لا للجمال الذي تتمتع به ولا يجدون عوضا عن هذا الحب فالحب ها هنا عاطفي وفي. تغلغل مفاعليه في ثنايا النفس، ولا تزيده الايام الا رسوخا، وتمنحه محاربة البيئة البدوية له منعه، فيكتب له الاستمرار والثبات وفديقضي هؤلاء العذريون من فرط الصبابة، ولسانهم لايزال يردد اسم الفتاة، اوالمرأة التي علق قلب الواحد منهم بها.
وهاتان الصفتان البارزتان عند العذريين، الوحدانية في الحب وحب المرأة لذاتها تفسران لنا الصفة الثالثة فيه، وهو انه حب عنيف يستحوذ علي تفكير المحب، ويأسر عقله واعماقه بحيث تهيم روحه في ديار الحبيبة، وتطوف بمضربها، وتقدس التربة التي تطأها
في الحب العذري يعيش فيه العقل في اسار القلب، انه حس لايخالطه برد التعقل ولا تظله سحب الفكر... وانما يمضى بصاحبه في كل حيز خشن صلب، ويقذف به فوق الرمال المشوبة يشتوي بها ,يوقد النار ويحيرق بها... انه حب يمتاز بالحرارة المتلهبة
وهو كذلك، حب زاهد او يأس، والزهد نومان: اولهما بمعني الاعراض التام عن الحب، وثانيهما هذا الناشيء عن الأسي الدائم، والقنوط وخيبة الأمل وزهد العذريين من هذا النوع الثاني، فهم يحبون كغيرهم من الناس اذا احبوا، ويتوقون الي مسرات الحب، وسعادة اللقاء، وطمأنينة الوصال، ولكن مواكب حبهم تتيه في بطاح الصحراء، حين تهب عليها رياح التقاليد البدوية، فينصرفون عن التغني بالجمال المادي، الي هذه الشكوي المريرة التي تجتاح افئدتهم، واذا هم يزهدون بالجمال الذي يري ويحس، ليجدوا العزاء في الوفاء للعهد. فالحب العذري حب ظامئئ عفيف يشكو من ألم الحرمان من غير تصريح ظاهر او اباحية مسرفة، ولا ننسي ما للأخلاق البدوية المتأثرة بالعاطفة الاسلامية من يد طولي في توجيه هذا الحب الوحهه المشار اليها.
لغة الغزل العذري:
لغة هذا الغزل "هنا لغة جزلة فيها من خشونة البداوة وجفاف التقاليد، ما يجعلها اقرب الى العصر الجاهلي منه الى العصر الاموي.
الطوابع العامة للغزل العذري:
يتصف شعر العذريين بوضوح الحب والحرقة والألم والاخلاص وصدق العواطف ونبلها، فالحب العذري لايخرج عن ان يكون صراعا بين الجسد والروح يتحول في نفس العاشق – لاسباب شخصية او اجتماعية اوا قتصادية- الي رغبة مكبوتة، وهي رغبات كان العشاق العذريون يتسامون بها فوق مستوي الغرائز ويرتفعون بها فوق مستوي الشهوات ويستعلون بها فوق رغبات الجسد.
ويري الدكتور شكري فيصل: فان الغزل العذري ينطبع بهذه الطوابع العامة:
- بساطة معاني الحب الذي ينفصل به وينهب عواطفه.
- الصدق النفسي، حيث يصدر الحب عن صاحبه تدفق الماء من الينبوع بالاضافة الي الصدق الفني، حيث يعبر الشاعر عن حبه دون زيف.
- وحدة الغرض والاتجاه، بحيث ينشغل المحب بمحبوبته ولايتجاوزه بل يستغرق فيه.
- الاسلوب المباشر، حيث يتجه الشاعر الي الحب وحده دون التواء.
- العفة في الاسلوب وطهر القول، وعدم التطرق الي المغريات الجنسية.
- تصوير حالة اليأس التي يعيشها الشاعر بسبب شد أسر المحبوبة له.
- الصفاء والاشراق، حيث يتطابق عمق الحب مع قوة اللغة الشعرية وجزالتها
اصحابه:
ان جميل بن معمر العذري، كان زعيم الغزل العذري، ونسطيع ان نذكر من الشعراء العذريين:
1- قيس بن الملوح. ويدعي بمجنون ليلي، نسبه الي ليلي التي اشتهر بحبه لها. ولم يعرف انه تغزل في غيرها. ونموذج من شعره.
اعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهرا لا اعداللياليا
اراني اذ اصليت يمت نحوها
بوجهي وان كان المصلي ورايئا...
2- قيس بن ذريح، وصاحبه لبني، التي احبها، واخلص لها في الحب واصابه في سبيل حبها عذاب وسقم وهلاك، ويقول فيها:
يقر بعيني قربها ويزيدني
بها كلفا من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته
وتلك لعمري توبة لااتوبها
فيا نفس صبرا لست والله فاعلمي
بأول نفس غاب منها حبيبها
3- عروه بن حزام العذري، احب عفراء بنت عمه ويكاد يكون شعره حقولا فيها وحدها، ومن شعره:
ما بي من خبل ولا بي جنة
ولكن عمي يا اخيَّ كذوب
اقول لعراف اليمامه:داوني
فانك ان داويتنى بطبيب و...
ونسطيع ان نذكر: توبة بن الحمير، احب ليلي الأخيلية ومات وسبيل حبها وايضا كثير بن عبدالرحمن، يعرف بكثير عزة، نسبه الي عشيقته عزة، ويزيدبن الطئرية، احب امرأة من جرم يقال لها وحشيه.و...
وكانت لكل منهم قصة حب لاتختلف في اطارها العام عن قصص العشاق الجاهليين، وكانت خيوطها تنسج اما بالمرعي او في اثنا المرور بديار الأحبة، ولكنها عند ما كانت تصل الي العقدة تتشعب بها السبل، فاما ان يتزوج المحب من محبوبته، واما ان يتعذر عليه ذلك فيهيم في هذه الحال علي وجهه الي ان يلقي مصيره المحتوم. وحتي الذين تزوجوا لم تدم لهم السعادة الزوجية اذ سرعان ما انفصلت عراها لضغوط عائلية تاركة الحب في القلوب يؤججها وكان خيال الرواة يأبي الايجمع بين المحبين- في بعض الأحيان- من جديد بأساليب ووسائل ظاهرة التكلف والغرابة لما فيها من خروج علي ابسط قواعد العرف والتقاليد العربية
واذا كان لنا ان ننصب رائد الكل من فني الغزل مادية وعذرية فان عمربن ابي ربيعة رائد للاول (للاباحي) وجميل بن معمر رائد للثاني، واذا كان لابد من تنصيب زعيم لشعر الغزل بنوعيه فلانجد مناصا من الاعتراف لعمر بن ابي ربيعة بهذه الزعامة
رأينا في الحب العذري:
هل صحيح انه كان مظهرا من مظاهر الحياة العربية القديمة،او انه منحول عليها،داخل في الاخبار الاسطورية؟
لقد بقي هذا الموضوع نائما في ضمير الادب العربي حتى الفترة الاخيرة-لسنوات خلت-حينما اقدم الاديب السوري د صادق جلال العظم على اصداركتابه (في الحب العذري)او بالاحرى في محاضرته عن هذا الحب،نفى فيها ان يكون هناك شئ اسمه حب عذري،كما نفى ان يكون ان يكون هؤلاء شعراء صادقين في تعبيرهم وشعرهم،الذي اشتمل-كما يقول-على موصوفات جسدية صريحة لا تنسجم مع المقومات التي تعارف عليها النقاد والشعراء بصدد هذا الحب....
وجوابنا على مقولة الدكتور العظم هو ان شككنا في الحب العضري او رفضنا له، يؤديان الى نكران قسم كبير من الشعر العربي القديم. فاذا جازنا الشك، فانما يجوز على اساس البحث عن الجذور، او البحث عن مسوغات هذا الحب، ومقوماته الحقيقية والدواعي الثابتة لمظاهره ومشاعراصحابه، لا غير.
وفي الختام ارى من الضروري ان اذكر ان هناك الى جانب هذين النوعين من الغزل كان نوعا آخر يسمى الغزل الكيدي او الهجائي. وهذا النوع من الغزل كان يتخذ الغزل والنساء وسيلة للاهداف والاغراض السياسية يستمد منه الشعراءكآلة للنيل من اعراض خصومهم.وفي شأن زمن نشأة هذا الجنس يختلف العلماء، ويتبع عبد المنعم خفاجي جذوره في الجاهلية ويأتي بالشعراء الذين يمكن لنا ان نجد لهم اشعار قد انشدوا في هذا الجنس مثلا يقول"وقد لج بين قيس بن الحظيم وعبد الله بن رواحة فتغزل الاول بعمرة اخت عبد الله ولكن غزله كان عفيفا. وبين حسان وقيس بن الحظيم حدث شئ، من هذا فان حسانا في معرض فخره على الاول تغزل بليلى اخت قيس.
ولهذا النوع من الغزل خطره الشديد على نفوس الحجازيين ويرون فيه الاهانة بالغة قد يحتاجون في غسلها الى الدم، فان كعب بن الاشراف اتخذ من الغزل الكيدي وسيلة الى تجريح المسلمين والتندير عليهم و...
اما الدكتور طه الحسين يرى انه وليد العصر الاموي في بيئة الحجاز ويعد عبيد الله الرقيات والعرجي من اصحاب هذا الجن الادبي ويقول في هذا المجال:
وهنا الاحظ شيئا يكاد يختص به عبيد الله بن قيس الرقيات: وهو انه صاحب لهو وسياسة، وانه اتخذ الغزل الى اللهو والسياسة. فكان يتغزل حينا ليلهو او ليصف عواطف نفسه حقا،وكان يتغزل حينا آخر لا للهو ولا لوصف حب صادق، بل ليبعث بخصومه السياسين، اذ يذكر نساءهم بما يحسن وبما لايحسن.
والعرجي يتغزل بجيداء ام محمد بن هشام، وبجيرة زوج محمد بن هشام هذا. وكذلك فعل عبيد الله بن قيس الرقيات قبل العرجي،فسن له واغيره هذه السنة. وبلغ من هذا الغزل الهجائي مالم يبلغه احد من شعراء العصر الاموي. فلم يكتفي بالنسيب المألوف يذكر فيه المأة التي يريد ان يهجو اهلها كما كان يفعل العرجي، وانما كان يتخيل القصص والاخبار فيقصها في شعره مسرفا في تفصيلها اسرافا شديدا.
وهذا موضوع خصب يحتاج الى دراسة شاملة ومنهجية.
الخاتمة أو النتيجة:
ان الغزل ازدهر في العصر الاموي ازدهارا بحيث قد عرف الحجاز عرف بهذا الجنس آنذاك وهذا الامر ساق الباحثين بان يروا: ان الغزل وليد العصر الاموي فحسب دون ان يرتبط بالعصور الماضية.ولكن لايمكن الاطمئنان بهذا القول ولا يمكن دراسة الغزل دراسة شاملة دون النظر الى ماضي الشعر العربي. لأننا في دراسة الاجناس الادبية عند الامم المختلفة نرى ان الاجناس الادبية قبل ان ظهر في اطارها الناضج كانت موجودة عند الشعوب والامم بصورة الشعبية او العامية او البدائية المتناسقة مع احوال الشعوب وطبيعتهم واوضاع حياتهم ونحن لا نستطيع ان نستثنى الامة العربية او الادب العربي عن هذه القاعدة الكلية. ومن هذا نستطيع ان نستنتج: ان الغزل كان موجودا في العصر الجاهلي وكان معروفا لدى الشعراء الجاهليين ولكن انه كان مقصورا في مستهل القصائد وفي اثناء الاغراض الشعرية الاخرى وفي الواقع انهم يأتون بالغزل ويعبرون ان عواطفهم في الحب دون ان ينفردوا القصيدة له او حياتهم الشعرية له.
ولكن في العصر الاموي وفي بيئة الحجاز نجد الشعراء انهم قد قصروا شعرهم وحياتهم في الغزل فحسب ولا يتعاطون الاغراض والفنون الشعرية الاخرى بحيث قد نضج هذا الجنس الشعري عندهم وانطبع بطابع حياتهم اليومية واكتسب الخصائص الجديدة لم تكن الموجودة في غزل الشعراء الجاهليين وانهم افردوا قصائد في الغزل وعرفوا بهذا الفن الشعري. وطبيعي انهم قد استمدوا مادة شعرهم الاولى عن الجاهلين وعن اجدادهم ولكن زادوا فيها خصائص الجديدة منطبقة مع حياتهم الجديدة المترفة المغنية اوالغنائية والعناصر الاجنبية الموجودة في بلادهم وقللوا عن ابياتها وخففوا عن اوزانها، وبما ان هذه الخصائص الجديدة لم تكن موفورة في غزل الجاهليين المقصور في مستهل القصائد لذا قيل انه قد ولد في هذا العصر وفي هذه البيئة وهذا قول ورأى يمكن الاستناد عليه.
ولكن هناك امر آخر يلفت النظر وهو انقسام هذا الجنس الشعري الى الغزل العمري والبدوي. وان النوع الاول قد سبق النوع الثاني وعلى هذا الامر قد ساق كثير من الباحثين الى الاعتقاد بان الثاني منه يعد بمثابة ردة فعل للاول ولكن برأئي لا يمكن الاستناد بهذا القول. بل يمكننا ان نقول ان كل واحد منهما بمثابة ردة فعل لاوضاع حياتهم واحوال معيشتهم. لان كل واحد من شعراء الغزل الاباحي والحضري كان مشغولا عن الاخرى بنفسه والتاريخ لم يذكر لنا عن علاقة كل واحد من هذين بالآخر لكي ينضجر اصحاب الغزل العفيف عن اباحية ومجون الحضرين وعزم على ردة الفعل.
فهرس المصادر والمراجع:
- الدكتور احمد احمد بدوي: اسس النقد الادبي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة 1994م.
- بلاشير، تاريخ الادب العربي، ترجمة: ابراهيم الكيلاني، دارالفكر دمشق، دارالفكر المعاصر، بيروت، 1419ه|1998م.
- جبرائيل سليمان جبور، كيف افهم النقد، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الاولى1403ه.
- جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، المجلد الاول، دارالفكر، دمشق، الطبعة الاولي 416:ه/1996م.
- حسان ابو رحاب، الغزل عندالعرب، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الاولي، 1414ه/2004م.
- حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الادب العربي (الادب القديم)، دار ذوي القربي، الطبعة الاولي 1422 ه ق/1380ه ش.
- حنا الفاخوري. تاريخ ادبيات عربي، انتشارات توس،1377ه ش.
- رشيد الدين محمد العمري، حدائق السحر في دقائق الشعر. المترجم: الدكتور ابراهيم امين الشورابي: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة الاولي 1364 ه/1945 م.-# شارل بلا، تاريخ اللغة والآداب العربية، التعريب: رفيق ابن وناس وصالح هيزم والطيب العشاش، دارالغرب الاسلامي، الطبعة الاولي 19777م.
- الدكتور شكري فيصل، تطور الغزل بين الجاهليه والاسلام: مطبعة جامعة دمشق، 1379 ه / 1959 م.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي (العصر الاسلامي)، دارالمعارف بمصر، الطبعه السابعه.
- شوقى ضيف، التطورالتجديد في الشعر الاموي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1952 م.
- طه حسين، المولفات الكاملة(الادب والنقد.1) المجلد الخامس، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
- طه حسين، من تاريخ الادب العربي، المجلد الاول، دارالعلم للملايين، بيروت، الطبعه الرابعه، 1982م.
- عبدأ علي مهنأ، شرح ديوان عمر بن ابي ربيعة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الاولى،1406ه|1986م.
- عبد الله عبد الجبار، محمد عبد المنعم خفاجي، قصة الادب في الحجاز في العصر الجاهلي، مكتبة الكليات الازهرية، القاهرة،1400ه|1986م.
- عبد المجيد زراقط، دراسات في مفهوم الشعر ونقده، دار الحق، بيروت، الطبعة الاولى،1419ه|1998م.
- عزيزة مريدن، القصة الشعرية في العصر الحديث، دار الفكر، دمشق، الطبعة الاولى،1404ه|1984م.
- الدكتور عمر فاروق الطباع، اناشيد الحب والجمال في الشعر العربي، دارالقلم، بيروت، الطبعة الاولي، 1414ه/ 1993م.
- الدكتور عمر فاروق الطباع، مواقف من الأدب الاموي، دارالقلم، بيروت، الطبعة الاولي 141 ه/1991م.
- الدكتور عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي، المجلد الاول، دارالعلم للملايين، الطبعة الخامسة.
- الدكتور قصي الحسين، تاريخ الأدب العربي في العصر الاموي، دار ومكتبة الهلال، بيروت الطبعة الاولي 1998 م.
- كارلونالينو، تاريخ الآداب العربية، الناشرة، مريم نالينو، دارالمعارف بمصر،1954 م.
- الدكتور محمد غنيمي هلال، النقد الادبي الحديث، دارالثقافة ودارالعودة، بيروت، 1973م.
- الدكتور محمد مصطفي هدارة، الشعر في صدر الاسلام والعصر الاموي، دارالنهضة العربية بيروت، 1995 م.
- الدكتور مصطفي الشكعة، رحلة الشعر، دارالمصرية اللبنانية، الطبعة الاولي 1418 ه/1997 م.
- مصطفي صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، اخراج: محمد سعيد العريان، الطبعة الثانية، 1373 ه/ 1954م.
- نجيب محمد بهبيتي، تاريخ الشعر العربي في القرن الثالث الهجري، دارالفكر، بيروت.
- وليم نقولا شقير، العرجي وشعر الغزل في العصر الاموي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الاولى،1406ه|1986م.
- ياسين الايوبي، كوامن الفن والابداع في تراثنا الادبي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، الطبعة الاولى،1997م.
- يوسف حسين بكار، اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري، دارالمعارف، بمصر، 1971م.
- الدكتور عمر فاروق الطباع، اناشيد الحب والجمال في الشعر العربي، ص 13.
- حسان ابو رحاب، الغزل عند العرب، ص 1.
- اناشيد الحب والجمال في الشعر العربي، ص 13.
- المصدرالسابق، صصص 99، 10، 11.
- عبد الله عبد الجبار، عبد المنعم الخفاجي، قصة الادب في الحجاز في العصر الجاهلي، ص 515.
- الدكتور احمد احمد بدوي، اسس النقد الادبي، صص 137 و138.
- كارلو نالينو، تاريخ الآدب العربية، ص 102.
- قصة الادب في العصر الجاهلي، صص 515، 516.
- طه حسين، من تاريخ اللأدب العربي، صص 102 و104.
- كارلونالينو، صص 102 و104.
- اناشيدالحب والجمال في لشعر العربي، ص 14.
- الدكتور عمر فاروق الطباع، مواقف في الادب الاموي، ص 145.
- كارلونالينو، ص 104، 105.
- الدكتور قصي الحسين، تاريخ الادب العبي في العصر الاموي، صص 176، 177.
- محمد مصطفي هذارة، الشعر في صدر الاسلام والعصر الاموي، صصص 258، 259، 260.
- نجيب محمد بهبيتي، تاريخ الشعر العربي حتي القرن الثالث الهجري، صص 123، 124.
- وليم نقولاشقير، العرجي وشعر الغزل في العصر الاموي، ص 11.
- عبدأ علي مهنا. شرح ديوان عمر ابن ابي ربيعه، ص 7.
- طه حسين، المؤلفات الكاملة، صصص 497، 498، 499، 526.
- محمد مصطفي هدارة، تاريخ آداب العرب، صص 267، 268.
- طه حسين، المؤلفات الكاملة، ص 514.
- مصطفي صادق الرافعي،، صص110,111.
- طه حسين، المؤلفات الكاملة، ص 592.
- مواقف فی الأدب الاموی، ص 154.
- طه حسين، من تاريخ الادب العربي، المجلد الاول، ص 385.
- الدکتور فيصل شکری، تطور الغزل بين الجاهلية والاسلام، ص.236.
- حنا الفاخوری، الجامع فی تاريخ الادب العربي، ص444.
- الدكتور قصي الحسين، ص 174.
- قصة الادب في الحجاز في العصر الاموي، ص 526.
- قصة الادب في الحجاز في العصر الاموي، ص 524.
- الدکتور قصی الحسين، ص 157.
- تاريخ الآداب العربية، صصص 109,110,111
- يوسف حسين بكار، اتجاهات الغزل في القرن الثاني، صص 23، 24.
- الدکتور محمد مصطفی هدراة، صص 271، 272.
- الدكتور قصي الحسين، صص 179، 180.
- عمر فروخ، تاريخ الدب العربي، المجلد الاول، ص 367.
- شوقي ضيف، التطور والتجديد في العصر الاموي، ص 209.
- حنا الفاخوري، تاريخ ادبيات عربي، صص 259، 260.
- عزيزة مريدن، القصة الشعرية في العصر الحديث، صص 37، 38.
- التطور والتجديد فی الشعر الاموی، صص 195، 196،.
- الدکتور جبرائيل سليمان، جبور، كيف افهم النقد، ص 241.
- مواقف في الادب الاموي، صص 183، 184.
- الدکتور قصی الحسين، صص 174، 175.
- مصطفی صادق الرافعى، صص 115، 116.
- محمد مصطفی هدراة. ص 265.
- الدكتور القصى الحسين، ص177.
- محمد مصطفی هدارة، ص 265.
- بلاشير، تاريخ الادب العربی، صص 761، 762.
- التطور والتجديد فى الشعر الأموى، صصص 205,206، 207.
- ياسين الايوبي، كوامن الفن والابداع في تراثنا الادبي، ص 143.
- جرجي زيدان تاريخ آداب اللغة العربية، ص255.
- عبد المجيد زراقط، دراسات في مفهوم الشعر ونقده، ص94.
- عمر فروخ، ص528.
- كارلونالينو، صص111، 112.
- شوقي ضيف، تاريخ الادب العربي، ص395.
- شارل بلا، تاريخ اللغة والادب العربي، ص104.
- الدكتور شكري فيصل، صص232، 237.
- المصدر السابق، ص235.
- الدكتور غنيمي هلال، النقد الادبي الحديث، ص195.
- طه حسين، المؤلفات الكاملة، صص224، 225.
- الدكتور قصي حسين، صص183، 184.
- حسان ابورحاب، ص 169.
- الدكتور شكري فيصل، ص235.
- حسان ابورحاب، ص 169.
- د.ياسين الايوبي، صص 144، 145.
- الدكتورشكري فيصل.,صص 235، 236.
- قصة الادب في الحجاز في العصر لاموي، ص 522.
- مواقف في الادب الاموي، ص203.
- الدكتور شكري فيصل، ص239.
- مواقف في الادب الاموي، صص 205، 206.
- د.ياسين الايوبي، ص 145.
- يوسف حسين بكار، ص24.
- الدكتور قصي حسين، ص188.
- حسان ابورحاب، صصص 197، 198، 199.
- يوسف حسين بكار، صص 23، 24.
- الدكتور مصطفي الشكعة، رحلة الشعر، ص278.
- د.ياسين الايوبي، صص 145، 146.
- قصة الادب في الحجاز في العصر الجاهلي، صص 528، 529.
- طه الحسين، المؤلفات الكاملة، صص 254، 255.