مصعد .. للفضاء
ها هم العلماء اليابانيون يُحولون قصة جديدة من قصص الخيال العلمي إلى حقيقة.
فقد أعلنت مجموعة من أفضل العقليات العلمية في اليابان أواخر الشهر الماضي أنهم بدؤوا في تنفيذ أحد أكثر أفكار الخيال العلمية روعة على الإطلاق وهو المصعد الفضائي، حيث يسعون لبناء مصعد سيقل الركاب مسافة 36000 كم في الفضاء ليصل بهم إلى سفينة فضائية في مدار حول الأرض.
ويأمل العلماء أن يستخدم هذا المصعد أيضا لنقل البضائع ونقل مولدات الكهرباء التي تعمل بالطاقة الشمسية وإيصالها للأرض، وربما أيضا استخدامها لإلقاء النفايات النووية إلى الفضاء!!!
وسيتم عمل مؤتمر دولي الشهر القادم في اليابان للإعلان عن الخطة الزمنية لبناء هذه الآلة.
ولكن..هل الأمر بهذه البساطة؟
لا بالطبع.. صحيح أننا لا نتحدث عن العبث بقوانين الفيزياء مثل آلة الزمن أو الانتقال الآني ولكننا نتحدث في المقابل عن تحدي هندسي غير مسبوق، بحيث يتطلب الأمر تحقيق طفرات في مجالات الكيمياء والفيزياء وعلم المواد وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام أكبر الشركات والجامعات اليابانية.
وسيكون أحد أكثر هذه التحديات صعوبة هو الكابلات التي ستحرك هذا المصعد للأعلى وللأسفل، فكما يقول البروفيسور يوشيو أوكي مدير مؤسسة المصعد الفضائي اليابانية وأستاذ هندسة الآلات الدقيقة في جامعة نيهون أن هذه الكابلات يجب أن تكون أقوى بـ180 مرة من الفولاذ، وفي نفس الوقت تكون أخف من أي شيء نعرفه على الأرض لأننا نتحدث عن كابلات بطول 36000 كم حيث ستكون مثبتة في الأرض وتختفي في السماء لتصل إلى محطة فضائية ثابتة في مدارها حوال الأرض.
إذا فنحن نريد شيء أقوى من الفولاذ بـ180 مرة وأخف من أي شيء على الأرض !!!
نعم، ولكن لا تتعجبوا، فنحن نتحدث هنا عن التكنولوجيا فائقة الصغر مرة أخرى، حيث يعتقد العلماء أنه يمكنهم تحقيق ذلك من خلال أنابيب الكربون فائقة الصغر Carbon Nanotubes، وهي جزئيات كربون تتشكل على شكل أنبوبة قطرها 0.5 نانومتر، وهو ما يساوي 55 من مليون من متر.
تخيلوا أنبوبة بهذا القطر؟!!!! وتصل قوتها لـ100 مرة قوة الفولاذ، وخفيفة الوزن.
ولكنها مع كل هذا لا تحقق الغرض أيضا بل يحتاج العلماء لتطويرها لتكون أكثر صلابة وأقل وزنا.
التحدي كبير للغاية ولكن لطالما أثبت العلماء اليابانيون سابقا أنهم على قدر أي تحد علمي مهما كان.
ومن الجدير بالذكر هنا أن الفكرة بدأت في العام 1979 من خلال أحد عمالقة الخيال العلمي وهو الكاتب والمخترع البريطاني آرثر كلارك في روايته The Fountains of Paradise، وألهمت الفكرة خيال العلماء حول العالم، بالإضافة لوكالة ناسا فبدؤوا سباقا عالميا لتحويل هذه الفكرة إلى واقع.
ووضعت اليابان ميزانية مبدئية لهذا المشروع تصل لـ5 مليار جنيه استرليني.
المشروع ضخم ومبهر للغاية، وبالتأكيد هناك بعض الأسئلة التي قد تخطر على بالنا في هذا الموضوع:
لماذا لا نستخدم الصواريخ كما هي العادة؟
لأن الصواريخ مكلفة جدا، فتخيلوا مثلا أن نقل 450 جرام إلى مدار حول الأرض باستخدام مكوك فضاء يكلف 10 آلاف دولار !!!!
ولو جعلت هذه الحمولة ذاهبة إلى القمر أو المريخ ستكلف مئات الآلاف من الدولارات لنقل نصف كيلو جرام !!
إضافة إلى أن الصواريخ ليست آمنة على الإطلاق، مقارنة بالأمان المتوقع من هذا المصعد.
أضف إلى ذلك أن هذا المصعد سيسمح لنا بنقل كميات أكبر من وإلى الفضاء، فتصبح حينها فكرة إنشاء مدينة على القمر على سبيل المثال أكثر قدرة على التطبيق، أو فكرة بناء محطات فضائية على غرار المحطة الفضائية الدولية، ومن الممكن أن نذهب لأبعد من ذلك فتصبح فكرة الصناعة في الفضاء أكثر عملية لأنه سيمكننا بسهولة حينها نقل المنتجات من وإلى الفضاء.
ليس ذلك فقط بل أضف إلى ذلك أيضا الطاقة التي نحصل عليها من الشمس وسيمكننا حينها نقلها من الفضاء إلى الأرض بواسطة كابلات الكربون فائقة الصغر، وهو ما يمكن أن يكون أحد حلول أزمة الطاقة المرتقبة في المستقبل.
ولكن كيف سيكون شعور ركوب هذا المصعد؟
ستذهب إلى محطة الانطلاق في مكان ما من المحيط، ثم تركب المصعد فينطلق بك لأعلى وترى الأرض تبتعد شيئا فشيئا، وفي خلال نصف ساعة ستمر خلال السحاب، ثم تبدأ في رؤية انحناء خط الأفق، بعدها بنصف ساعة أخرى ستصبح في الفضاء وستبدأ في رؤية النجوم حتى لو كنت في منتصف اليوم، وستفقد حينها تأثير الجاذبية.
ستكون الرحلة سَلِسَة جدا ولن تكون هناك أي اهتزازات