التغيُّر المناخي… القضية التي تُؤرّق الحضارة البشرية، بدايتها وتطوراتها، وسُبل مُواجهتها!
يُعد التغير المناخي وعلوم البيئة بشكلٍ عام؛ أمران يُستهان بهما في كثيرٍ من الأوساط المُجتمعية في دولٍ حول العالم، والتي لا تُعطي لتلك القضية أهميتها حالها كحال كافة القضايا الأخرى. وفي عالمنا العربي بشكلٍ خاص، قلّما نرى أشخاص مُختصين يتحدثون عن تلك القضية سواءً أكانت مؤتمراتٍ رسمية أو ندوات توعوية مختلفة.
بالتالي أصبحت تلك القضية بالتحديد – لسببٍ ما مجهول – لا تَلْقَى قبولاً في الشارع العربي ويتم اعتبارها قضية يتحدث فيها هُواة أو أناس لا تشغل بلادهم المآسي كحال بلادنا؛ غافلين تمامًا أن تلك القضية قد تُفني البشرية بأكملها.
وخلال العام المُنصرم وحتى الآن، شهد العالم العربي تغيّرات غير مسبوقة في ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، ودرجات برودة مُنخفضة للغاية وصلت لدون الصفر شتاءً. وانحصر مفهوم التغير المناخي في هذان الأمران فحسب؛ لكن القضية أكبر من ذلك بكثير.
فإن التغير المناخي في مفهومه العام؛ يُعرّف بأنه أي تغيُّر طويل المدى في مُعدّل حالة الطقس الذي يحدث في منطقة معينة.
حالة الطقس هذه يُعبّر عنها بأنها تغيُّر في درجات الحرارة، واختلاف مُعدلات هبوب الرياح وهطول الأمطار، وهذا التغيّر له تأثيرات كثيرة على الأرض.
تأثيره المباشر هو عن طريق إحداث تغيُّرات جذرية في تضاريس كوكب الأرض وصولاً لأعماق المحيطات؛ والتي تتضمن ارتفاع أو انخفاض منسوب المياه فيها، أو حتى موت الكائنات البحرية بشكلٍ غير مُلاحظ.
ومن مسببات التغير المناخي الطبيعية؛ هي عمليات ديناميكية أرضية مثل حدوث البراكين بكثرة، أو سقوط نيازك كبيرة، أو بسبب قوة الأشعة الشمسية، والحضارة البشرية.
بداية عهد الحضارة البشرية بالتأثير على المناخ
وفقاً لأبحاثٍ جديدة نشرها الدكتور «أندرو كينغ» من جامعة ملبورن؛ فقد سجلت الحضارة البشرية رقماً قياسياً في التأثير على مناخ الأرض بدءاً من العام 1937م؛ وصولاً للعام 2014م.
ووفقاً لهذه الأبحاث؛ فإن درجة الحرارة قد سجلت رقماً قياسياً في أستراليا حيث تقبع القارة الأسترالية في الجزء الجنوب الشرقي من الكرة الأرضية، وفي وسط المحيط.
دراسات حديثة تُفسّر التغير المناخي
بشكلٍ عام؛ يحدث الاحتباس الحراري نتيجة الغازات الدفيئة وأبرزها هو وجود 3 أنواع غازات رئيسية؛ وهُم غاز «ثاني أكسيد الكربون، غاز الميثان، غاز أكسيد النيتروز (النيتروجين)».
كان يعتقد أن غاز ثاني أكسيد الكربون هو المُتسبب الوحيد في تغيّر المناخ، ونتيجة لذلك الاعتقاد؛ عملت الدول كثيراً على تقليل مصادر انبعاثات غاز الكربون؛ كوسيلة لتقليل خطر التغير المناخي.
وبشكلٍ مفاجئ لهذا الاعتقاد؛ اكتشف علماء المناخ أن نسبة امتصاص الأرض للانبعاثات من غازي «الميثان وأكسيد النيتروز» – التي يتسبب بها البشر من أنظمتهم البيئية – أكثر بكثير من قدرة الأرض على امتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يجعل الغلاف (المحيط) الحيوي للأرض عامل أساسي في تغيُّر المناخ.
ونتيجة لهذا الاكتشاف؛ بدأ علماء بالبحث في دراسة جديدة عن مصادر أخرى لمُسببات الانبعاثات الغازية من خلال البحث في «الانبعاثات الإحيائية» فقط دون غيرها من المصادر الغير إحيائية مثل الوقود الأحفوري، أو إنتاج الغاز الطبيعي.
هذه «الانبعاثات الإحيائية» هي انبعاثات للغاز من النباتات والحيوانات والميكروبات وغير ذلك من المصادر الإحيائية التي أحدثتها الصناعات البشرية على مدار الـ 3 عقود الماضية، والتي زادت عن مُعدلها الطبيعي نتيجة للثورة الصناعية.
وبعبارة أخرى، ساهم «الغلاف الحيوي – Biosphere»؛ وبسبب الصناعات والمساهمات البشرية بشكلٍ مباشر في التغير المناخي.
كما وجد العلماء القائمين على هذه الدراسة؛ أن انبعاثات الغاز المتسببة في الاحتباس الحراري تختلف على حسب المنطقة.
وأوضحت الدراسة أن الانبعاثات الغازية التي يتسبب بها الانسان في مناطق مثل جنوب آسيا في دولٍ مثل الهند والصين؛ هي أكبر الدول تأثيراً على ارتفاع درجة الحرارة؛ مُقارنة بمناطق أخرى.
وسبب ذلك؛ أن مناطق جنوب آسيا تحتوي على نحو «90%» من حقول الأرز في العالم، وأكثر من «60%» من استخدامات الأسمدة النيتروجينية في العالم. وبالتالي، تزداد انبعاثات غاز الميثان في هذه المناطق إلى حدٍ كبير؛ بسبب زراعة الأرز وتربية الماشية. أمّا الأسمدة التي يتم تصنيعها فهي مصدر رئيسي لأكسيد النيتروز.
وبتلك الصورة؛ أصبح «الغلاف الحيوي» للأرض أحد المُساهمين الرئيسيين في تغيُّر المناخ، ولم يعد الأمر مقتصراً على الغازات الدفيئة فحسب.
آلية تأثير الانبعاثات العضوية في الغلاف الجوي
تتكوّن السُّحب من قطرات ماء مُكثفة إلى جزيئات صغيرة مُعلقة في الهواء، وعندما يكون الهواء رطباً؛ تتضخم الجزيئات الصغيرة وتصبح قطرات سُحب.
* قطرات السُّحب: هي جُسيمات من الماء السائل يتراوح قطرها من بضعة إلى عشرات الميكرومترات؛ والتي تشكلت عن طريق بخار الماء في الغلاف الجوي، وعَلِقت مع جسيمات أخرى لتشكل السحب بشكلٍ عام.
من المعروف أيضاً أن عدد وحجم تلك الجسيمات هي التي تحدد البريق للسحب، وتعطي مشهداً مبعثراً لأشعة الشمس النافذة من خلالها، أما التحدي الرئيسي لعلماء المناخ؛ فهو كيفية فهم وتحديد تأثير هذه الجسيمات، والتي لها تأثير كبير في المناطق الملوثة.
وتؤثر الانبعاثات العضوية على الغيوم (السُّحب) في الغلاف الجوي؛ حيث تعمل على خفض درجة الحرارة بطريقة ما غير معلومة الكيفية، وبالتالي يصل هذا التغيير في هيئة درجة حرارة منخفضة للغاية وبرودة ملحوظة وغير مسبوقة في المناخ بشكلٍ عام.
ووجد باحثون أن هذه الانبعاثات تؤثر في اتجاه مُعاكس في الغلاف الجوي بوصفها مركبات عضوية مُتطايرة من الغلاف الحيوي، حيث تتبخر وتعطي روائح مميزة، عادةً مثل رائحة «غابات الصنوبر».
يقول البروفيسور «جوردون ماكفيجانس» أستاذ علوم الأرض والغلاف الجوي والعلوم البيئية في جامعة مانشستر: أنهم اكتشفوا أن المركبات العضوية – مثل تلك التي يتم تشكيلها من انبعاثات الغابات، أو من عوادم السيارات – تؤثر على عددٍ معين من الجزيئات في السحب، وبالتالي تؤثر أيضاً على سطوعها وعلى المناخ.
ويتم ذلك بسبب أنه وفي الظروف الباردة الرطبة تتشكل الغيوم، وتتحول بعضاً من جزيئاتها إلى سائل، حيث تُكوّن الجسيمات الكبيرة في السّحب والتي تعتبر هي البذور الرئيسية المسؤولة والأكثر فعالية لتكون قطرات السّحب.
كما تُعطي قطرات السحب الكثيرة؛ سحابة أكثر إشراقا عندما يُنظر إليها، والتي تعكس المزيد من ضوء الشمس ويظهر سطوعها ناصعاً دون سحب أخرى.
ويكمل البروفيسور قوله:
لقد أجرينا بعض الحسابات للتحقق من تأثيرها على المناخ، ووجدت أن تأثير التبريد على المناخ العالمي؛ يحدث نتيجة الزيادة في فعالية السحابة البذرة الكبيرة.
تأثير التغير المناخي على منسوب المياه في المحيطات ونمط المعيشة
أظهرت دراسة جديدة بأن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص يعيشون على مقربة من ساحل البحار حول العالم بنسبة أكبر مما كان متوقعاً في وقتٍ سابق، وهؤلاء الناس هم الفئة الأكثر عُرضة لخطر ارتفاع منسوب المياه أو ارتفاع مستوى سطح البحر؛ فضلاً عن العدد المُتزايد من الفيضانات، والعواصف المكثفة في تلك المناطق.
ويقدّر باحثون في جامعة «آلتو» باستخدام بيانات أجريت في الفترة الأخيرة؛ أن حوالي «1.9 مليون» نسمة، أي نسبة «28%» من مجموع سكان العالم؛ يعيشون على مقربة من «100 كم» من الساحل في مناطق ترتفع بأقل من «100 متر» فوق مستوى سطح البحر.
وبحلول عام 2050؛ من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص في تلك المناطق إلى نحو «2.4 مليار» شخص، في حين أن عدد السكان الذين يعيشون في مناطق أقل من «5 أمتار» قد يصل عددهم إلى نحو «500 مليون» شخص، وكثير من هؤلاء الناس في حاجة إلى التكيُّف مع معيشتهم في تغيّر المناخ.
ووجدت الدراسة أيضاً أنه في حين أن عدد السكان والثروات التي تساعدهم على المكوث هناك ترتكز في البحر، إذاً يجب أن يكون مصدر الغذاء بعيداً عن تلك المناطق التي يعيش فيها الناس. حيث تزداد المرتفعات والمناطق الجبلية أهمية من أجل إنتاج الغذاء، لكنها أيضاً عُرضة للتغيرات المناخية.
وأنه على مدى القرن الماضي؛ كان هناك اتجاه واضح بأن مناطق الأراضي الزراعية والمراعي قد نمت في معظم المناطق خارج المناطق المكتظة بالسكان، وانخفضت في المناطق الساحلية، ومن المحتمل أن يستمر هذا النمط فقط في المستقبل.
تكشف الدراسة أنه وبالرغم من أن التعداد السكاني الهائل والثروات الغذائية؛ فإن نموهما يستمر في الانحصار بالقرب من الساحل، بل ينحصر بمعدل أسرع من مصادر نمو غذائية اخرى في المناطق الداخلية والجبلية.
وفي المستقبل، وعند تقييم الأمر من وجهة نظر الجغرافية المكانية؛ سيصبح العالم أقل تنوعاً واتزاناً من حيث التحضر والإنتاج الاقتصادي، حيث سيصبح جزءاً كبيراً منه مزدحم بالسكان والثروات، وجزء آخر خالٍ تماماً من كلاهما.
* مُعدّل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو للعام 2015
هذه الإحصائية أجراها مرصد «ماونا لوا» الوطني لدراسة المحيطات والغلاف الجوي في هاواي، وأظهرت أن معدلات وجود غاز CO2 في الغلاف الجوي للعام 2015 وصلت إلى «3.055 جزيء» في المليون.
تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على هطول الأمطار
تعمل زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري – إحدى ظواهر التغير المناخي – على هطول الأمطار بغزارة في المناطق الأكثر جفافاً في العالم؛ وبالتالي تزيد الرطوبة فيها كحال المناطق الرطبة.
ووفقًا لدراسة بحثية تؤكد أنه وفي المناطق الجافة والمدارية في الأرض؛ تعمل ظاهرة الاحتباس الحراري على زيادة كمية هطول الأمطار فيها، أما في المناطق المنخفضة فيؤدي هطول الأمطار الكثيف إلى حدوث فيضانات بشكلٍ منتظم.
لكن رغم ذلك؛ هذه الزيادة المتوقعة في كمية هطول الأمطار على المناطق الجافة؛ لا يعني بالضرورة أنه يمكن توفر كميات كبيرة من المياه، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري؛ والتي تُؤدي إلى زيادة مُعدّل التبخر. وبالتالي؛ فإن حدوث الفيضانات، سيؤثر بشكلٍ بسيط على معدلات زيادة في المياه الجوفية المُخزّنة.
هذا البحث أظهر أيضاً أن الأمطار التي تزيد في المناطق الجافة؛ تعتبر مقياس محلي لتلك المناطق وليس فقط كمعدل في جميع أنحاء العالم.
تدابير لإيقاف ظاهرة الاحتباس الحراري
يعمل علماء من المركز الوطني لعلوم المحيطات (NOC) و 9 منظمات بحثية أخرى متعددة التخصصات على مشروعٍ يسعى لفهم سبب تغيّر الاحترار العالمي – الاحتباس الحراري – من عقدٍ إلى آخر.
يُدعى هذا المشروع اختصاراً «SMURPHS»، ويهدف لإيجاد ضمانات وتفاهمات من أجل وقف هذه الظاهرة والتصدي لها.
وفي عام 2014 نشر باحثون من جامعة «ساوثامبتون» و«المركز الوطني لعلوم المحيطات»؛ بحوث تُظهر القواعد المهمة التي يتم من خلالها امتصاص الحرارة بواسطة محيطات مثل (المحيط الأطلسي الشمالي، المحيط الاستوائي الهادي، والمحيط الجنوبي في أحدث تباطؤ لظاهرة الاحتباس الحراري).
وسيقوم مشروع «SMURPHS» على معالجة سبب اختلاف مُعدّل الاحترار على مدى فتراتٍ زمنية، ومن ثم يقوم الفريق القائم على المشروع بإبلاغ الحكومة بسياسات التكيّف مع تغيّر المناخ.
حيث تُعتبر طريقة امتصاص الحرارة عن طريق المحيطات؛ هي واحدة من أهم عمليات التي ستساهم في الاعتدال المناخي، أما المؤسسة الوطنية للنفط؛ ستعمل على توفير عمليات عالية الدقة والتقنية في رصد المحيطات، وعمل ونماذج لدوران المحيطات والتي ستساعد على نجاح المشروع كله.
الطاقة النووية و التغير المناخي
إذا ما تحدثنا عن الطاقة النووية واستخداماتها للحد من انبعاثات الغازات المسببة للتغيرات المناخية؛ فإن هناك علماء كُثر أفنوا حياتهم في البحث عن مسببات التغير المناخي وفهمها بشكلٍ جيد وواضح؛ كي يتمكنوا من إيجاد وسيلة تعمل على الحفاظ على كوكب الأرض بعيداً عن التغيرات المُوحشة التي من الممكن أن تستمر بإلحاق الضرر به.
على سبيل المثال: «استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر، وفقدان تام للجليد في القطب الشمالي وآثار المدمرة على المجتمعات البشرية والنظم الإيكولوجية – البيئية – والطبيعية على حدٍ سواء.»
التدابير التي وُضعت لحل تلك الأزمة تم مناقشتها في مؤتمر باريس للمناخ من قِبل أكثر من 100 دولة، والتي خرجت بنتيجة واحدة وهي إذا لم تكن هناك من تدابير قوية للحد من الانبعاثات المهددة للغلاف الجوي لما بعد عام 2030؛ ستبقى هذه الانبعاثات تزيد على مستوى عالٍ.
وتُعد الطاقة النووية وخاصة الجيل المقبل منها والتي تعمل في دائرة وقود مُغلقة (حيث يتم إعادة تصنيع الوقود المستنفد)؛ هي طاقة قابلة للتطوير بشكلٍ فريد، ومفيدة للبيئة.
وعلى مدى السنوات الــ 50 الماضية، عملت محطات الطاقة النووية – عن طريق تعويض احتراق الوقود الأحفوري – على منع انبعاث ما يُقدر بنحو «60 مليار طن» من ثاني أكسيد الكربون للغلاف الجوي.
ويُمكن لبناء «61 مفاعلاً» سنويا أن يجعل من الطاقة النووية بديلاً شاملاً للجيل الحالي من الكهرباء التي تستخدم الوقود الأحفوري؛ بحلول عام 2050.
وهو ما يمثل زيادة الطلب العالمي على الكهرباء بفعل النمو السكاني والتنمية في البلدان الأكثر فقراً، والذي يُمكن أن يضيف «54 مفاعلاً» أخر في السنة.
كما تشكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدائل جيدة لإنتاج الكهرباء، وبالتالي تقل معدلات الانبعاثات التي تتسبب في حدوث التغيرات المناخية الخطيرة.