تنمية موهبة القراءة لديك؟ وكيف تختار الكتب التي ستقرأها؟
الاعتياد على القراءة وطريقة انتقاء الكتب.. إضافة إلى مقارنة النوع بالكم










فعلياً عندما تقرأ كتاباً فأنت تطلع على تجربة حياة كاملة لكاتبه، وكأنك تستعير منه عيونه وعقله لترى العالم كما يراه، فأنت مع كل كتابٍ قيِّم تعيش حياة جديدة، لذلك تغيرك القراءة لأنك ترى الحياة في عيون غير عيونك.
غالباً ما يعتقد المقبلون على القراءة حديثاً أن كمية الكتب المقروءة هي ما تجعل من الإنسان مثقفاً أو قارئاً جيداً، لكن من خلال تعاملنا اليومي ودون الحاجة إلى دراسات علمية معقدة سنعرف أن كمَّ القراءة لا يشكل معياراً حقيقياً لمدى الفائدة المحققة منها، حيث تعتبر نوعية الكتب التي نطلع عليها أهم بكثير من كميتها وربما يكون هذا الأمر بديهي! لكن ما قد يبدو معقداً هو أنَّ كيفية القراءة ستحدد مدى الفائدة التي سنحققها أكثر من الكم والنوع، كما أنَّ طريقة القراءة ستساعدنا على تطوير مهارتنا في تقييم الكتب المختلفة واختيار الكتب الجيدة، كيف ننمي موهبة القراءة؟! تابعوا معنا.نصائح تساعدك على الاعتياد على القراءة
كثيراً ما نسمع السؤال التالي: "كيف سأبدأ بالقراءة؟"، ولا يمكن أن تكون الإجابة سهلة! لأن القراءة تبدو من بعيد ممارسة صعبة ومعقدة، كما أنَّ من لا يقرأ يتوقع أن نتائج القراءة ستكون جيدة لا محالة وهذا أمر يحتاج لإعادة نظر أيضاً، لكن قبل إعادة النظر في مدى استقرار الفائدة المرجوة من القراءة مع اختلاف القرَّاء، سنتعرف أولاً على بعض النصائح التي ستساعدنا في البدء بممارسة القراءة لأول مرَّة، وستساعد من جرب أن يعتاد على القراءة ولم يستطع.
نصائح للاعتياد على القراءة
  • اختيار الكتاب الأول

إذا كانت هذه تجربتكم الأولى مع القراءة فلا بد أن تحسنوا اختيار كتابكم الأول، لأن تقييم التجربة سيعتمد على مدى رضاكم عن أول الكتب التي ستطالعونها في حياتكم، لذلك لا بد أن يكون موضوع الكتاب مهمَّاً بالنسبة للقارئ، فإذا كانت تستهويكم القصص البوليسية ربما ستختارون شيئاً من مؤلفات أجاثا كريستي، أما إذا كنتم من عشاق القصص الرومانسية ربما ستحتاجون إلى نمط مختلف من الرواية مثل روايات باولو كويللو الحالمة...إلخ.
  • حان وقت القراءة

كقارئ مبتدأ لا بد أن تخصص وقتاً للقراءة، حيث يجب أن تكون القراءة جزءاً من البرنامج اليومي بغض النظر عن حصتها من هذا البرنامج، ربما ستعطيها ساعة واحدة في اليوم بشكل أولي، ويجب أن تحافظ على هذا الالتزام مهما كان الأمر حتى تصبح القراءة جزءاً مهماً من حياتك اليومية، كما يجب أن يكون الكتاب معك دائماً.
  • اصنع سلسلتك الخاصة

أثناء قراءة الكتاب الأول يجب أن تبدأ بتحضير مجموعة من العناوين التي تهمك، ربما تتخذ قراراً بقراءة جميع مؤلفات نجيب محفوظ بعد أن قرأت الفصول الأولى من روايته (زقاق المدق)، سجل هذه القائمة وكن مستعداً للحصول على محتوياتها قبل أن تنهي ما في يدك لتحقق الاستمرارية، وحافظ دائماً على دفتر ملاحظات خاص بالقراءة لتسجل أسماء الكتب أو المواضيع التي تريد أن تبحث عنها لاحقاً.
  • ناقش الكاتب

لا تترك الأفكار عالقة في رأسك، فرغها على الورق فوراً وناقش الكاتب بها، افترض أن الكاتب هو من يخبرك بهذه الأمور بشكل شخصي، أخبره بدورك عما تفكر به، ربما كنت تفضل أن تكون بعض المشاهد بشكل مختلف أو أن تأخذ بعض المواقف مساحة أوسع، وربما تعترض على بعض الأفكار الواردة في الكتاب، دوِّن ذلك كله واحتفظ به.
  • اجمع الاقتباسات والأفكار المهمة

أحد أهم الطرق للاستمتاع بالقراءة هو أن تجمع الاقتباسات وأن تدوِّن الأفكار المهمة، ليس لاستعراضها فقط وإنَّما للاحتفاظ بها والعودة لها في مراحل لاحقة، فأنت الآن دخلت في نفق القراءة ولن تخرج منه، حيث ستحتاج مستقبلاً للمقارنة بين طرحين مختلفين للفكرة ذاتها، أو ربما يكمِّل كاتبٌ ما فكرة ناقصة لدى كاتب آخر، ولا تنسَ أن تترك تعليقاتك الخاصة بخصوص الأفكار التي تراها مهمة.
حصلتُ ذات مرَّة على كتابٍ مستعملٍ بعنوان (أسطورة سيزيف) للكاتب ألبير كامو، وهو كتاب فلسفي يتحدث عن شعور الإنسان بجدوى حياته ويتخذ من الانتحار موضوعاً رئيسياً للتعرف على نظرة الإنسان للحياة، وكان قارئ الكتاب الأساسي قد ترك تعليقاته على صفحات الكتاب مباشرة، ومن بين التعليقات المهمة التي تركها تحت ما يقوله ألبير كامو في الصفحات الأولى من الكتاب:
"هذا الإنسان (الذي ينتحر) ربما يرى أنَّ الحياة كثيرة عليه وأنَّه لا يستحقها"
لكن الملفت أن تعليق قارئ الكتاب بقلم الرصاص فوق الجملة كان:
"أو يرى أنَّه كثير على الحياة وهي لا تستحقه"!.

  • حاول أن تنقل أفكار الكتاب للآخرين

عندما تنتهي من الكتاب الأول حاول أن تنقل ما قرأته إلى الآخرين من العائلة والأصدقاء، أخبرهم بفكرة عامة عن الكتاب وبعض الاقتباسات منه وإن كنت تنصحهم بقراءته أم لا.
هل يجب أن نقرأ كثيراً؟!
هذا سؤالٌ محير لكنَّه جوهري، هل حقاً يجب أن نقرأ كثيراً؟ وما الفائدة من ذلك؟ لنتفق أولاً على أنَّ كم القراءة لن يكون مجدياً إذا لم يكن مصحوباً بنوع جيد من الكتب وقدرة على تحديد الهدف من القراءة، إضافة إلى القدرة على تحقيق هذا الهدف، فإذا قرأنا 100 كتاب من الكتب التجارية التي تقدم لنا مجموعة من القصص والأفكار التي لا يمكن تطوريها أو نقاشها أو حتى قياسها في بعض الأحيان، لن نكون قد حققنا فائدة كتابين من الكتب المهمة والجادة، لذلك يمكن القول:
إن القراءة الكثيفة تكون أمراً مهماً في حال كانت القدرة على الانتقاء والقدرة على التحليل متوفرة، أما إذا لم تكن تلك القدرة موجودة فلن يكون لكمية الكتب التي قرأناها أي معنى، ولا بد أن نشير أن أغلب القراء المتمرسين يشعرون بحاجة أكبر للقراءة مع كل كتاب جديد، وحاجة أقل لإحصاء عدد الكتب التي فرغوا من قراءتها، لأنَّ الهدف الأساسي من العدد هو التباهي به، بينما الفائدة لا تتعلق بالعدد فقط.

مثال على تقييم الثقافة من عدد الكتب
لنفترض أنَّنا نريد تقييم ثقافة شخصين تبعاً لعدد الكتب التي قرأها، ولنفترض أنَّ كلاً منهم قرأ عشرة كتب، الأول قرأ في الفلسفة عن أفلاطون في كتابه الجمهورية، وقرأ دراسة عن الفارابي، كما قرأ في التاريخ لابن خلدون في مقدمته، وفي الشعر قرأ كتاب الجمهرة للجواهري، إضافة إلى رواية عناقيد الغضب لجون شتاينبك (John Steinbeck) ورواية مرتفعات ويذرنج لايملي برونتي (Emily Brontë) وبعض روايات قائمة البوكر العربية مثل عزازيل ليوسف زيدان وغيرها.
أمَّ الثاني قرأ عشر روايات جميعها للأديب المصري نجيب محفوظ، فهل يمكن أم نعتمد على المعيار الكمي في تقييم اطلاع كل منهما ومعرفته وثقافته؟!... أعتقد أن الإجابة المنطقية ستكون (الأول أكثر اطلاعاً طبعاً فقد نهل من ينابيع مختلفة!)، لكننا أهملنا بذلك معياراً ثالثاً هو طريقة القراءة، فربما يكون الأول قد قرأ متصفحاً غير مهتمٍ بكلِّ ما قرأه، بينما الثاني الذي قرأ روايات محفوظ قرأها بتأنٍ وانتباه قاصداً أن يكتشف مواطن القوة والضعف في أدب نجيب محفوظ!.
إذاً... لا بد من توافر قراءة واعية، ونوعية جيدة، مع كمية معقولة من القراءة، لتحقيق أكبر فائدة ومتعة ممكنة من القراءة.

الكتاب الرديء والكتاب الجيد
اختيار الكتاب أمرٌ معقد، وكثيراً ما يؤثر على الرغبة بالقراءة عند القراء المبتدئين، لكن لنتفق على وجود نسبية مقيدة في طريقة تقييم الكتب السيئة والجيدة، أما المقصود بنسبية أن الكتب تقبل اختلاف الآراء حولها، بل لا يمكن الاتفاق على قيمة كتاب بشكل نهائي، وأما أن النسبية مقيدة؛ فذلك يعود لوجود قيود محددة تطرد بعض الكتب من قائمة التقييم سلفاً لرداءتها المطلقة، حيث لا يمكن وضع كتب الأبراج في قائمة القراءة لأنَّها كتب تجارية لا يمكن مقارنتها مع غيرها من الكتب الأدبية والعلمية.
والشيء الوحيد الذي قد يجعل منها جيدة هي رغبة القارئ بمعرفة المستقبل، وهذه الرغبة لا تمنح الكتاب قيمة استثنائية إلَّا عند القارئ نفسه وبشكل شخصي، كذلك كتب الطبخ تعتبر كتب مهنية يتم الاطلاع عليها لإعداد الوصفات المذكورة فيها لكن لا يمكن اعتبار هذه الممارسة من باب القراءة التي نحن في صدد الحديث عنها.

هل نستطيع تجنب الكتب السيئة أو السطحية؟
بعد ممارسة القراءة لن تحتاجوا إلى دليل استخدام للتمييز بين الكتب الجيدة والرديئة، لأنكم ستتمكنون من فرز هذه الكتب بشكل شخصي دون الحاجة لتفكير كثير، حتى أن القراء المتمرسين يستطيعون التعرف إلى مدى أهمية الكتاب بالنسبة لهم من خلال العنوان والصفحات الأولى ليعرفوا إن كان يستهويهم أم لا، أمَّا القراء الأكثر جديَّة والذين يهدفون إلى النقد أو الدراسة وليس مجرد القراءة يفضلون قراءة الكتاب كاملاً قبل الحكم عليه.
عموماً يمكن أن نطلع على بعض الدراسات والآراء التي قيلت بخصوص كتاب معين قبل أن نقتنيه، وهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي توفر مجالاً للقراء لإبداء آراءهم بمواضيع الكتب التي قرأوها منها موقع (Good Reads)، كما أنَّ وجود أصدقاء قراء سيسهل علينا المهمة.

ختاماً.... القراءة تشكل سلسلة متصلة بعضها ببعض، حيث يبدأ القارئ من نقطة معينة ويبدأ بمراكمة المعلومات والأفكار إضافة إلى المشاعر التي تطرحها الكتب عليه، ليتمكن في النهاية من صياغة هذا التراكم بطريقته الخاصة، والاستفادة من هذه الصيغة بطرق مختلفة يحددها هو بنفسه، شاركونا رأيكم عبر التعليقات.