فتيات يخلعن الحجاب وآخرون يُخفون هويتهم الدينية.. هذه خطورة أن تكون مسلماً في عهد ترامب
قررت نورا خلع حجابها نهائياً، بعد أسبوعين فحسب من انتخاب دونالد ترامب. شعرت نورا التي تبلغ من العمر 23 عاماً بالخوف، في ضوء الاعتداءات الأخيرة على الأشخاص واضِحِي الإسلام، مثلها رأت نورا أن اشتباه الدولة والعنف الفردي لن يزيدا إلا تفاقماً في عهد ترامب؛ لذلك أخفت جزءاً من هويتها عن العالم.
كثير من الرجال والنساء المسلمين من أمثال نورا اختاروا إخفاء هويتهم الإسلامية، أو التعبير عنها بطرق أقل "تهديداً" للآخرين، بل وصل الأمر ببعضهم إلى اتخاذ تدابير متطرفة، بمحو هويتهم الإسلامية تماماً، وتقديم أنفسهم على أنهم غير مسلمين، وفق صحيفة الغارديان.
رغم أن هذه الظاهرة كانت موجودة من قبل ترامب، إلا أنَّ المؤكد أن الرئيس الأميركي الجديد قد زاد من حدتها؛ فأن تُظهِر إسلامك اليوم يُعد أمراً خطراً بشكل استثنائي.
مقايضات روحية بأخرى وجودية
يتجلى هذا الأمر في أعداد النساء المسلمات اللاتي صرن "يخفن من ارتداء الحجاب" بعد تولّي ترامب الرئاسة، والرجال الذين يحلقون لحاهم للتقليل من فرص اكتشاف إسلامهم، وتغيير الباحثين عن عمل لأسمائهم المسلمة في السير الذاتية، ليزيدوا من فرص حصولهم على مقابلة عمل، إضافة إلى القصص المعروفة، وغير المعروفة، للمسلمين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم غير مسلمين في أماكن العمل، والمدارس، والمجال العام بشكل عام.
هذا الأمر شائع في أوروبا أيضاً، حيث تتردَّد كلمة "إسلاموفوبيا" أكثر من الولايات المتحدة، وحيث تدخل الإسلاموفوبيا في صلب القوانين الأوروبية. وسّع الاتحاد الأوروبي، مؤخراً، من نطاق "حظر الحجاب" الذي طبقته فرنسا عام 2004، والذي يمنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية، إلى منع ارتدائه في مكاتب العمل أيضاً في نطاق دول الاتحاد الأوروبي.
فهذه السياسات، إضافة إلى صعود الشعبوية المعادية للإسلام في أرجاء القارة، كان لها تأثير مباشر على النساء والرجال المسلمين، وهو الأمر الذي دفعهم إلى إزالة العلامات التي تدل على هويتهم الدينية في الأماكن العامة، لتفادي الإجراءات العقابية من قِبل الدولة أو المتعصبين في الشوارع.
بالنسبة لكثير من هؤلاء المسلمين، فإن التقليل من حدة ملامح هويتهم الإسلامية أو الإخفاء التام لها ليس بالقرار السهل. فالمقايضات الروحية والوجودية كثيرة، وتشمل إحساساً منقوصاً بالالتزام والهوية الدينية، والتعرض للانتقاد والازدراء من قِبل مجتمعاتهم، إلى جانب الإدانة بما يُطلق عليه "دو بويز" (الذي كان واحداً من أهم دعاة الحقوق المدنية والمهتمين بشؤون السود مطلع القرن العشرين وهو أميركي من أصول إفريقية) في كتابه "In the Souls of Black Folk"، "الوعي المزدوج"، الذي يؤدي بالمسلم إلى التعبير بحرية عن هويته عندما يكون وسط مسلمين آخرين، وإخفائها عندما يكون في أماكن عامة أو خاصة يكون الإسلام فيها موصوماً.
انتشرت ظاهرة اتخاذ قرار بالتصرف بشكل غير إسلامي قدر المستطاع في أميركا في عهد ترامب، لكنها ليست ظاهرة جديدة تماماً. فمعاداة المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، دفعت الكثير من المسلمين إلى التقليل من تصرفهم كمسلمين، أو التكيف، أو إخفاء هويتهم الإسلامية، كما أن الحرب المطولة على الإرهاب، أدت إلى توسع هذه الظاهرة بشكل كبير في إدارة أوباما.
ودفعت قوانين الهجرة التقييدية، في أوائل القرن العشرين، وقبل الحرب على الإرهاب بوقت طويل، التي نظرت للإسلام على أنه نقيض للمجتمع الأبيض، والتي كانت شرطاً أساسياً للحصول على الجنسية حتى عام 1952، دفعت المسلمين إلى تغيير أسمائهم، والحد من إظهار إسلامهم، أو التحول إلى الديانة المسيحية.
الإسلام كعقيدة أجنبية
وفي النهاية، تُعد إسلاموفوبيا اليوم ثمرة الاستشراق والسردية السائدة، التي تجعل من الإسلام نقيضاً حضارياً للغرب، الأمر الذي أدى إلى وضع قوانين تأسيسية للهجرة، وأحكاماً قضائية تشتمل على مسلمين تقدموا بالتماس ليصبحوا مواطنين مُتجنِّسين.
الأفكار النمطية عن الإسلام بأنه دين عنيف في أصله، وأنه عقيدة أجنبية عن البلاد، وأن المسلمين مُخربون وغير قابلين للاندماج في المجتمع، كلها أفكار متأصلة، أعاد ترامب تعبئتها وتوظيفها في قانونه بـ"حظر المسلمين"، وخطابه القائل بأنَّ "الإسلام يكرهنا".
ترسم كلمات ترامب وأوامره، بصفته متحدثاً باسم الدولة، وعلى رأس أعلى سلطاتها، فاصلاً نهائياً بين الإسلام و"نحن". هذا الانقسام الذي يحفز الإسلام ضد أميركا، يجبر المسلمين الأميركيين على اختيار أحد الطرفين، أو تعريض أنفسهم إلى عنف الدولة والاعتداءات الفردية التي تأتي مع محاولة تجاوز هذا الانقسام.
تضع محاولة النجاة من السياسات الضارة والردود الشعبية العنيفة، كما توضح لنا الفصول السابقة والحالية من التاريخ الأميركي بشكلٍ مأساوي، مجموعة من الأعباء على الأشخاص الموصومين. أثقل هذه الأعباء ألا تكون على طبيعتك، أو على ما تعتقد أن الله قد أمرك أن تكون عليه.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.