نشر فيليمير خليبنيكوف قصيدته "تعويذة ضَحْك" عام 1910 في كراس جماعي عنوانه "استوديو الانطباعات".
وقد أثارت ضجيجا كبيرا وسط الأدباء الروس، وسخر منها البعض، والآخر رحب بها كإضاءة لشعرية جديدة، وشهرتها عتمت على معظم أعماله الشعرية المليئة بالاشتقاق الشعري والكلمات الجديدة، التي استمد منها الشكلانيون الروس،
أفكارهم النقدية. وثمة دلالة طليعية للقصيدة هذه :
فهي مكتوبة في أوج الحركة الرمزية التي يقوم مبدأها الشعري على التناغم والصمت والجمالية، بينما مستقبلية خليبنيكوف تفضل النشاز ولغة الشارع وأصواته، وبهذا تدل القصيدة على استهزاء بالرمزية، كما ينطوي نشرها على إشارة ثقافية إلى فلسفة هنري برغسون خصوصا إلى كتابه واسع الانتشار آنذاك:
"الضحك".
بنى خليبنيكوف "تعويذة ضحك" على اشتقاقات جذر فعل "ضَحِكَ"، وذلك بزيادة سوابق prefixes ولواحق suffixes إلى الفعل، ناحتا كلمات
جديدة ذات صوتيات إيقاعية. والقصيدة تعتمد بناء صرفيا وجملا اقتضائية، للكلمات المنحوتة فيها بروز أكثر، والقوافي بالمعنى المعروف غير موجودة، لكنها تعتمد التوزيع الاوركسترالي للصوائت والصوامت، كما يوضح الباحث نيلس اكه نيلسون.
حينما قررتُ ترجمة هذه القصيدة، وقفت على صعوبتين اثنتين تتبناهما القصيدة أساسا، اولاهما: في اللغة الانجليزية وفي الفرنسية، مثلا، هناك إمكانية زيادة سوابق ولواحق، مثل اللغة العربية التي تعرف اجراءات السوابق واللواحق والحشو ليتغير المعنى او يتسع لكن علينا في عدد من الحالات إضافة كلمة جديدة للتوصل الى المعنى المتعلق بالكلمة الاصلية. فمثلا في الانجليزية laugh يضحك يكفي أن نضيف بادئة re ليكون لدينا كلمة جديدة واحدة وهي relaugh التي لا يمكننا ترجمتها، عربيا، بكلمة واحدة مقابلة،
بل بكلمتين: "يعاود الضحك" الا اذا اخترنا صيغة "ضحّاك" مبالغة لاسم الفاعل "ضاحك". هل اترجم القصيدة، إذن، حرفيا على حساب الإيقاع الصوتي واللعب الاشتقاقي، فيأتي البيتان الأولان شيئا من هذا القبيل: "كفوا عن الضحك، يا ضحّاكون/ انفجروا ضحكا يا ضحّاكون"!
واخرى الصعوبتين هي أن هذه القصيدة لم تُكتب لإيصال معنى محدد وبالتالي على المترجم تحديده ثم إبرازه،
وإنما على العكس كُتِبت على أمل أن تكشف هي، في مهب أصوات الحروف والتشقيق اللغوي،
عن معان جديدة لم تُحدد من قبل. وفي مسيل هذه التساؤلات، وجدت، في أثناء بحثي عن كل ما كتب بالفرنسية والانجليزية عن خليبنيكوف، دراسة قديمة بالانجليزية حول ترجمة هذه القصيدة، كتبها الباحث المختص بالآداب السلافية نيلس أكه نيلسون. أخضع فيها عشر ترجمات ألمانية، انجليزية، فرنسية وبولونية، للنقد والتمحيص مبينا ابتعاد هذا المترجم عن الأصل واقتراب ذاك منه،
وبالأخص من زاوية توزيع الشاعر للحروف الصائتة والتلاعب بالجرس الإيقاعي للاشتقاق الروسي. وكيف أن كل واحد من المترجمين حاول أن يستفيد من الإمكانيات التوليدية لكلمة "ضَحِك"، في اللغة المنقول إليها. ومع هذا، فإن كل هذه الترجمات،
مضافا إليها تلك التي تمت بعد ظهور هذه الدراسة، بقيت مجرد تقليد للاصل وليس نقله. غير أنها أعانتني على أن أسلك طريقا جديدا ألا وهو "الترجمة على منوال الأصل"، بدلا من "الترجمة عن الأصل".
تعويذةُ ضَحْكِن
انتمُ أضحكتم الضَّحوكَ
ضحكاً ضاحكا
تضحّكوا استضحكوا ضِحكتُكم أضْحوكةٌ
ضُويْحكٌ ضِحكتهُ مُستضحكاً
مِضحاكُكم مُمَضحِكُ
ضَواحِكٌ أضْحَكت المِضْحاكَ
تضاحكوا ضِحكويا بضحكته تُضاحِك ضاحكا
بضاحكٍ للضحك لا تضحكوا
ضُحيكة الضاحك تَضحيكُ
استضحِكوها ضحكة تضحّكا
وأنتمُ أضْحَكتم الضَّحوكَ ضِحكاّ ضاحكا.