الحب والحنان علاج لمشاكل الأطفال
الإشباع العاطفي يقوي شخصية الطفل ويضعه على الطريق السوي، أما الحرمان فيخل بأركان تربيته.
الحب ينمي الطفل عاطفيا ونفسيا
تعتبر الطفولة من أكثر المراحل أهمية في حياة الإنسان، فالطفل مثل السفينة داخل البحر الكبير، والميناء الذي تقصده هذه الأخيرة، يتوقف على الاتجاه الذي توجه إليه هذه السفينة، ودفة حياته بين يدي الأب والأم.
يعتقد بعض الآباء أن المحبة تعني توفير الملابس والهدايا وما شابه ذلك لأطفالهم، لكنهم لا يرون أن الحب الحقيقي الذي لا ينتبه إليه الكثيرون منهم هي عواطفهم ومشاعرهم، فضلا عن كونهم لا يكترثون بمشاعر الطفل وأحاسيسه، فقد يتركون للخادمة التي قد لا تكون مؤهلة مهمة الاهتمام بصغارهم، أو يقف دورهم عند النقد والتوبيخ على كل صغيرة وكبيرة.
وقد أكدت الدراسات النفسية والاجتماعية على أهمية مرحلة الطفولة وأثرها على التنشئة السليمة، لذا يجب أن نضع في الحسبان أن للطفل غرائز وحاجات عديدة، ومن واجب المربي أن يعرف حاجاته وأن يوفرها لكي يحقق له النمو الإيجابي المطلوب، فالمربي راع “وكل راع مسؤول عن رعيته”.
وإن كان الطفل يحتاج إلى الطعام لكي ينمو جسديا فهو يحتاج إلى الحب لكي ينمو عاطفيا ونفسيا، فدون الحب لن ينضج الطفل ويصير شابا أو رجلا ناضجا وعلى قدر ما يشبع الطفل بحب والديه وخدامه ومعلميه على قدر ما يكون بلا مشاكل في فترة الشباب والمراهقة.
من جانبها قالت روان محمد، أخصائية اجتماعية، الأم مدرسة يتعلم منها الطفل السلوكيات الصحيحة والاتجاهات الإيجابية، ولعل إحدى احتياجات الطفل التي تقوي من شخصيته وتجعله يسير على الطريق السوي هو الإشباع العاطفي أو تلك الكمية الهائلة من الحب والحنان التي يجدها على صدر أمه، فتجعله يشعر بالأمان والراحة.
وبحسب عالم النفس الفرنسي هبرت مونتاغنر، فإن الطفل قبل دخوله المدرسة يعرف لغة الحب، وتظهر كثيرا في تصرفاته مع البعض من زملائه، فالطفل عندما يميل برأسه على كتفه مبتسما أو يلوّح بيده في ود وعطف ناحية الطفل الآخر الذي يقابله لأول مرة، فغالبا ما تبدأ علاقات الحب والتآلف بين هذين الطفلين في ثوان معدودة، بل وفي بعض الأحيان قد يذوبان حبا ويبدأ كل منهما في تبادل الهدايا مع الآخر، وقد تندهش حقا حينما ترى طفلك يقدم عن طيب خاطر أعز لعبة لا يطيق أن يلمسها أحد غيره إلى صاحبه الجديد مبتسما راضيا كأنه يريد أن يقول له، “أنظر كم أنا أحبك”.
الطفل قبل دخوله المدرسة يعرف لغة الحب وتظهر كثيرا في تصرفاته مع بعض زملائه
وأضاف قائلا، للحب قوة لا شك في ذلك حتى بين أطفالنا وهذه القوة تأتي من حركات متتابعة متسلسلة من الطرفين لكن هل يستخدم الطفل هذه اللغة مع أمه؟ غالبا ما يلجأ الأطفال إلى هذه الحركات عندما يودون شيئا معيّنا فهم يريدونه بالود والحب لا بالعنف لكن إن فشل الحب، فالعنف قد يصلح.
وأشار مونتاغنر إلى أن الأم تعرف هذه اللغة، فقد استخدمتها وهي صغيرة ومازلت تستخدمها دون أن تدري، وذلك عندما تحاول أن تسكت طفلها عندما يبكي لأي سبب من الأسباب بالابتسام له ومد اليد إليه بلطف وحنان أو ضمه إلى صدرها، فهذه طريقة ناجحة لإسكات ثورة الأطفال دون شك وتستخدمها بعض الأمهات في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
فيجب على كل أم أن تخاطب طفلها وتتحدث إليه بلطف وحنان وإن لم يفهم الطفل كلماتها، ولكن عندما تستخدم كتفيها ووجهها وابتسامتها وصدرها وكل جسمها، فإنها تؤكد له شيئا واحدا ألا وهو أنها تحبه وأنها قريبة منه وأنها تفهمه وأنها تلبي طلباته، وهذه المشاعر المتبادلة المتصلة تؤثر في أطفالنا كثيرا حتى إن كانوا دون السنة الأولى من عمرهم، ومن أحسن الأمثلة التي يسوقها لنا “مونتاغير” تلك الأم التي تأخذ طفلها الذي يبلغ من العمر سنة واحدة فتسأله بحب وعطف ماذا تريد أن تلعب؟ هل تحكي له حكاية مثلما فعلت بالأمس؟
إن كان الطفل يحتاج إلى الطعام لكي ينمو جسديا، فهو يحتاج إلى الحب لكي ينمو عاطفيا ونفسيا، ودون الحب لن ينضج الطفل
إن هذه الأم التي لا تمل من محادثة طفلها على الرغم من صغر سنه تخلق بذلك جوا من التفاهم والود والثقة بينها وبين طفلها والأهم من ذلك أنها لا تقوم بأي عمل عدواني نحوه إن أخطأ. وترى عبير أحمد، أخصائية تربية أطفال، أن عاطفة الحب والحنان من الأهل للأبناء تجعلهم يشعرون بالأمان، فالطفل الذي يفقد الحب والاهتمام ويعاني من الحرمان العاطفي من عائلته، سيبحث عن العاطفة والحب خارج البيت عندما يكبر، مما يؤدي إلى عواقب عاطفية شديدة.
أما الدكتور وليد محمود، أستاذ علم النفس فيقول، الطفل يحتاج كغيره من أفراد الأسرة إلى الحب ويتعطش إليه منذ الأسابيع الأولى لولادته، فالأطفال مثل البالغين في بحثهم عن السعادة والكمال عن طريق الحب، وأضاف أن الحب يمثل عاملا ضروريا وأساسيا لنمو الطفل جسمانيا وفسيولوجيا، فحاجته لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب والنوم والتربية والتعليم.
ويري الدكتور إقبال محمد، أستاذ علم الاجتماع، أن التعبير عن الحب للطفل يكون بإحدى الوسائل الخمس التالية أو في بعض الأحيان جميعها، وأولها التلامس الجسدي، فاللمسة الجسدية أسهل لغة محبة يمكن استخدامها بشكل غير مشروط، ولا تقتصر اللمسة الجسدية على المعانقات والقبلات، بل تتضمن أيضا نوعا من التواصل الجسماني، كأن يربتوا على أكتاف أبنائهم.
وثانيها كلمات التعضيد، فالكلمات تحمل قوة هائلة في توصيل المحبة، فكلمات التعضيد والتحبب والمدح والتشجيع، والكلمات التي تمنح توجيها إيجابيا، كلها تحمل معنى “أنا مهتم بك”. أما ثالث الوسائل فهي الوقت القيم، فإعطاء وقت كاف لطفلك لتلعب معه أو تتحدث معه هو دليل على حبك له، فالوقت الكافي أحد المفاتيح إلى قلب الطفل، حيث يشعر أنه أهم شخص في حياتك.
ورابع الوسائل هي الهدايا، فبعض الأطفال لا يشعرون بالحب إلا عن طريق الهدية، ولكن يجب أن تكون الهدايا مقرونة بالتعبير عن حبك ويفضل أن تقدم في وجود الأسرة، ويجب العناية عند اختيار الهدية التي تناسب طفلك.
أما الوسيلة الخامسة والأخيرة فتتمثل في تقديم الخدمات، فتقوم لطفلك بمهام لا يستطيع القيام بها بمفرده ولعل أهمها أن تعلمه بأنك تحبه ويتعلم معها خدمة الآخرين في المنزل وتصل به إلى كامل النضج وخصوصا ضرورة أن تعلمه خدمة المحتاجين. فتحقيق رغبة الطفل من الحب والحنان يجعلانه أميل إلى الطاعة والتعاون والانضباط، لذا يعتبر توفير العطف والمحبة ركنا أساسيا من أركان تربية الطفل إلى جانب فهم تصرفاته وكسب ثقته.