بعدما قرَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي سيفعله في الطائف ومن سيبدأ بدعوتهم، وبعدما استعرضنا الأسباب التي دفعته صلى الله عليه وسلم من البداية إلى اختيار الطائف لتكون وجهة رحلته الدعويَّة ولطلب النصرة والمنعة، بعد اشتداد الأذى في قريش في ذلك العام الأليم للرسول صلى الله عليه وسلم وللدعوة عام الحزن، ولم يتبقَّ إلَّا أن نراجع أوَّلًا الرواية التي ذكرت القصَّة، وبعدها نقف بضع وقفات مع أحداثها..

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ، عَمَدَ إِلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ، وَهُمْ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالِيلَ، وَمَسْعُودٌ، وَحَبِيبٌ، بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيَرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحَ[1]، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَكَلَّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَ اللهُ أَرْسَلَكَ. وَقَالَ الآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللهُ أَحَدًا أَرْسَلَهُ غَيْرَكَ؟ وَقَالَ الثَّالِثُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا; لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنَ اللهِ كَمَا تَقُولُ، لأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ الْكَلَامَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللهِ، مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلِّمَكَ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِمْ، وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ -فِيمَا ذُكِرَ لِي-: «إِنْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ». وَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْلُغَ قَوْمَهُ عَنْهُ فَيُذْئِرَهُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ، يَسُبُّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَلْجَئُوهُ إِلَى حَائِطٍ لِعَتَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُمَا فِيهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ مِنْ سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ، فَعَمَدَ إِلَى ظِلِّ حَبَلَةٍ مِنْ عِنَبٍ فَجَلَسَ فِيهِ، وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ، وَيَرَيَانِ مَا يَلْقَى مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطَّائِفِ، وَقَدْ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -فِيمَا ذُكِرَ لِي- الْمَرْأَةَ الَّتِي مِنْ بَنِي جُمَحَ، فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا لَقِينَا مِنْ أَحْمَائِكِ!»[2].

إنَّها قصةٌ حزينةٌ جديدة تُضاف إلى أحداث عام الحزن!

لقد اتَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة من أبناء عمرو بن عمير وعرَّفهم بنفسه، وبدأ يدعوهم بدعاية الإسلام، ويُعَرِّفهم بدين الله عز وجل، ثمَّ يطلب منهم النصرة له وللإسلام وللمؤمنين بمكة، كان الثلاثة هم: عبد ياليل ومسعود وحبيب أولاد عمرو بن عمير، وكانوا كما ذكرنا سادةً من سادات الطائف، وأوضاعهم مستقرَّة إلى حدٍّ كبير، فجاء هذا العرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلب منهم أن يُغَيِّروا دينهم ويتركوا عبادة اللَّات إلى عبادة الله عز وجل؛ ليس هذا فقط؛ بل إنَّ دخولهم في هذا الدين هو بمنزلة إعلان الحرب على قريش، وواضحٌ أنَّ هذا القرار الذي يطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى رجلٍ حكيم، جريء، ثاقب النظر، عميق الفكر؛ ولكن يبدو أنَّ هذه الصفات كانت بعيدةً كلَّ البعد عن أولاد عمرو بن عمير، فإنَّهم لمـَّا سمعوا هذا العرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعوا، وبدا واضحًا أنَّ الطلب النبويَّ أفقدهم القدرة على ضبط النفس أو العقل، فخرجت كلماتهم وأفكارهم سفيهة كأخلاقهم!

أعلن عبد ياليل بن عمرو أنَّه سيُمَزِّق ثياب الكعبة إن كان اللهُ أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم! وهو قولٌ يحمل من الإهانة لربِّ العزَّة أكثر ممَّا يحمل لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالرجل يُعلن إعلانًا مباشرًا أنه سيُحارب اللهَ، ويُمَزِّق ثياب بيته إن كان أرسل هذا الرجل! فأيُّ انهيارٍ للأخلاق كان يعيشه هذا الزعيم!

ولم تكن ردود الزعيمين الآخرَين مختلفةً كثيرًا عن ردِّ عبد ياليل؛ فقد كانت تجمع بين قلَّة العقل وانعدام الأخلاق! وكان حالهم كما وصف الله عز وجل في كتابه؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 41-44]، وهكذا فسَّر لنا ربُّ العزَّة حالهم وطبيعتهم، وكشف عن بواطنهم، فأكَّد أنهم اتَّبعوا أهواءهم مع عِلْمهم بالحقِّ، وكان هذا دليلًا على خفَّة عقولهم، حتى صاروا أقلَّ فقهًا وفهمًا من الأنعام!

وهكذا عميت أبصار رجال الطائف عن الدعوة الواضحة النقيَّة.

وفشلت المفاوضات سريعًا، وتلقَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربةً محزنةً جديدة؛ لكنَّ هذه الضربة لم تُفْقِده صلى الله عليه وسلم دقَّة التفكير، ولا رجاحة العقل؛ فقد أسرع وقال لهم: «إِنْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ». فهذا حِسٌّ أمنيٌّ راقٍ جدًّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو يأخذ بكلِّ الأسباب، ولو شاء الله لأخذ بأسماعهم وأبصارهم وألسنتهم؛ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم لنا الطريق بدقَّة، لقد طلب من قادة ثقيف أن يكتموا أمر هذه المفاوضات التي تمَّت ما دام ذلك لن يضرَّهم في شيء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من أن يصل الخبر إلى قريش؛ لأنَّه لو وصل الخبر إلى قريش فسيُتَّهم صراحةً بتهمة التخابر مع قبيلةٍ أجنبيَّة، ومحاولة زعزعة نظام الحكم في مكة وإثارة الفتنة، وفوق ذلك فإنَّ الكفار سيستغلُّون الفرصة في إعلامهم المضادِّ لإبراز فشل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة ثقيف، وهو دليلٌ في رأيهم على ضعف الرسالة والرسول، لأجل كلِّ ذلك تمنَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتم أولاد عمرو بن عمير أمره؛ لكنَّ هؤلاء السادة كانوا فوق خفَّة عقولهم فاقدين للمروءة، فما لبثوا أن أغروا به سفهاءهم وغلمانهم يسبُّونه ويصيحون به؛ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ييئس، بل مكث في الطائف عشرة أيام كاملةً بعد هذا اللقاء، لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلَّا جاءه وكلمه؛ ولكن رفضوا جميعًا!

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْعُدْوَانِيِّ، عْنَ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مُشَرَّقِ ثَقِيفٍ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصَا حِينَ أَتَاهُمْ يَبْتَغِي عِنْدَهُمُ النَّصْرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ حَتَّى خَتَمَهَا، قَالَ: فَوَعَيْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ، ثمَّ قَرَأْتُهَا فِي الإِسْلَامِ، قَالَ: فَدَعَتْنِي ثَقِيفٌ، فَقَالُوا: مَا سَمِعْتَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِصَاحِبنَا، لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ مَا يَقُولُ حقًّا لَاتَّبَعْنَاهُ[3].

ولمـَّا جاء اليوم العاشر -وفي بعض الروايات بعد شهرٍ كامل[4]- قالوا له: اخرج من بلادنا، وأرسلوا خلفه عبيدهم وسفهاءهم، فصَفُّوا أنفسهم صفَّين خارج الطائف، وجعلوه يمرُّ من بين هذين الصَّفَّيْن وهم يرجمونه بالحجارة، ويقذفونه بأسوأ الكلام والسباب، حتى سالت دماؤه الشريفة صلى الله عليه وسلم على كعبيه، وتلوَّن النعل بالدم، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه يبذل كلَّ طاقته لتلقِّي الحجارة في جسده؛ بل في رأسه، حتى لا تُصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى شُجَّ رأسه رضي الله عنه[5]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُسرع الخطا بين الصَّفَّيْن حتى انتهى منه، ويمَّم عائدًا إلى مكة؛ لكنَّهم لم يتركوه بل ظلوا يتعقَّبُونه بالحجارة والسباب مسافةً كبيرةً جدًّا بعد الطائف، وهو لا يدري ما يفعل، ولسان حاله يقول: يا ليت قومي يعلمون. حتى وجد حديقةً فأسرع إليها يحتمي بها، وهنا وقف السفهاء والعبيد، وعادوا أدراجهم إلى الطائف..

ولهفي عليك يا رسول الله!

أبعد كلِّ هذا الكفاح والكدِّ والتعب والمشقَّة يرغب أناسٌ من أُمَّتِكَ عن سُنَّتِكَ؟!

أبعد كلِّ هذه المكابدة يُفَرِّط فريقٌ من أُمَّتِكَ في شرعك؟

أبدًا ما كان وصول الشرع إلينا هيِّنًا؛ فالناس لا تدري حجم التضحيَّات الجليلة التي بذلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وخديجة، وغيرهم!

تُرَى ماذا سيكون ردُّ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علم أنَّ فردًا من أُمَّته تهاون في حقِّ هذا الدين الذي حُمِل إليه بهذا الجهد والنَّصَب؟!

قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»[6].

عندما نعي هذه التضحيَّات الضخمة نفهم حقًّا هذا العقاب الأليم لأولئك الذين فرَّطوا في منهج نَبِيِّهم، وأولئك الذين أحدثوا في الإسلام ما ليس فيه.

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحائط، وهو مثقل بالهموم والأحزان والجراح، فأسرع إلى ظلِّ شجرةٍ وأسند ظهره إليها، ثم مدَّ يده إلى السماء، وانهمرت عَبَرَاتُهُ وهو يدعو بدعاءٍ ما دعا به قبل ذلك، وما دعا به بعد ذلك، وهو دعاءٌ يُعَبِّر عن مدى الألم والحزن والهمِّ والغمِّ الذي شمل كلَّ كيانه صلى الله عليه وسلم، وقد أُغلقت أمامه كلُّ الأبواب إلَّا هذا الباب الذي لا يُغلق أبدًا، باب الرحمن، فماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

عن عبد الله بن جعفر قال: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الطَّائِفِ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَانْصَرَفَ فَأَتَى ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ بِي سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ»[7].

قد يؤخِّر الله عز وجل استجابة الناس للداعية لحكمةٍ لا يعلمها إلَّا هو سبحانه وتعالى؛ ولكن أحيانًا يكون الداعية مخطئًا في أمرٍ من الأمور فيغضب الله عليه، فيمنع الناس من الاستجابة له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء يذكر أنَّه ما دام أنَّ الله عز وجل ليس بغاضبٍ عليه فهو سيتحمَّل كلَّ هذه الآلام والمصائب والأحزان، وهذا واضحٌ من كلمته: «إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي». وفي لفظٍ آخر: «إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي»[8]. وإنِّي أعتبر هذه الجملة منهج حياة، ولو عاش المسلمون هذه الجملة في حياتهم لفازوا بخيري الدنيا والآخرة.

وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في استراحته بالحديقة إذ ظهر فجأةً أصحابها، فكانا -على غير المتوقَّع- رجلين من أشدِّ أعدائه صلى الله عليه وسلم! إنَّهما الأخوان عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، زعيما مكة المشهوران، وكانت لهما أملاكٌ بالطائف، وذكرياتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيئةٌ للغاية، ويكفي أنَّهما كانا حاضرَين لمشهد إلقاء عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ شهرٍ أو أقل، ودعا عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوةً شديدة، فقال: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ»!

ومع هذا العداء المستحكم والصراع القديم فإنَّ الحالة التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألم والتعب والحزن جعلت القلوب الكافرة ترقُّ وتحنُّ! لقد أشفق الكافران على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأرسلا غلامهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنقودٍ من العنب، وكان هذا الغلام نصرانيًّا واسمه عدَّاس، ولنراجع الروايات التي ذكرت هذه القصَّة، ثم نذكر بعض التعليقات.

جاء في رواية ابن إسحاق: «فَلَمَّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَمَا لَقِيَ تَحَرَّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا، فَدَعَوَا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانِيَّا يُقَال لَهُ عَدَّاسٌ وَقَالا لَهُ: خُذْ قِطْفًا مِنْ هَذَا الْعِنَبِ فَضَعْهُ فِي هَذَا الطَّبَقِ، ثُمَّ اذْهَبْ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقُلْ لَهُ يَأْكُل مِنْهُ. فَفَعَلَ عَدَّاسٌ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُلْ. فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِيهِ قَالَ: «بِسْم الله». ثمَّ أَكَلَ، ثمَّ نَظَرَ عَدَّاسٌ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمِنْ أَهْلِ أَيِّ بِلَادٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ وَمَا دِينُكَ؟» قَالَ: نَصْرَانِيٌّ وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؟» فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَا يُونُسُ بْنُ مَتَّى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَذَلِكَ أَخِي كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ». فَأَكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ. قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْك. فَلَمَّا جَاءَ عَدَّاسٌ قَالَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا عَدَّاسُ! مَا لَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟ قَالَ: يَا سَيِّدَيَّ مَا فِي الأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ»[9].

وفي لفظٍ آخر عند البيهقي وغيره من رواية موسى بن عقبة: «فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا يُدْعَى عَدَّاسًا، وهو نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى مَعَهُ عِنَبٌ، فَلَمَّا جَاءَهُ عَدَّاسٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟» قَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى؟» فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَكَانَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يُبَلِّغَهُ رِسَالَةَ رَبِّهِ-: «أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَاللهُ تَعَالَى أَخْبَرَنِي خَبَرَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللهُ عز وجل مِنْ شَأْنِ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ. فَلَمَّا أَبْصَرَ عُقْبَةُ وَشَيْبَةُ مَا يَصْنَعُ غُلَامُهُمَا سَكَنَا، فَلَمَّا أَتَاهُمَا، قَالَا: مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ، وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ، وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ مِنَّا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ، أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ عَرَفْتُهُ مِنْ شَأْنِ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَيْنَا يُدْعَى: يُونُسَ بْنَ مَتَّى. فَضَحِكَا بِهِ، وَقَالَا: لَا يَفْتِنُكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ خَدَّاعٌ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ»[10].

ولنا بعض التعليقات على هذه القصَّة المؤثِّرة:

أولًا: قد ينظر المسلم إلى بعض المظاهر الإسلاميَّة على أنَّها أمرٌ يسيرٌ لا يستدعي الحرص عليه؛ بل قد يتجنَّب بعض المسلمين إعلان هذه المظاهر الإسلاميَّة في البيئات غير المسلمة خوفًا من الانتقاد، أو حرصًا على عدم الدخول في صداماتٍ فكريَّةٍ مع غير المسلمين؛ أمَّا هنا في هذا الموقف فقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بِسْم الله» قبل الأكل، مُعلنًا طريقته الإسلاميَّة، التي لم تكن مألوفةً عند أهل البلد بدليل استغراب عدَّاس، ولم يخشَ أيَّ تعليقاتٍ سلبيَّةٍ من أحد؛ بل كان من الواضح أنَّه يفعل ذلك دون تكلُّف، وهذا ناتجٌ عن اعتزازه بهويَّته الإسلاميَّة، وفخره بها. ومع بساطة الكلمة فإنَّها آتت ثمارًا كبيرة؛ فقد كانت سببًا في فتح قلب رجل، واكتسابه في صفِّ المؤمنين.

ثانيًا: لا يُضَيِّع الرسول صلى الله عليه وسلم فرصةً أبدًا للدعوة إلى الله عز وجل، فالدعوة تسري في أوصاله ودمائه، وفي دقَّات قلبه، وحركة نَفَسِه، وقد عَلَّمنا بعض فنون الدعوة في هذا اللقاء السريع، فحرص على التعارُّف، وسأل عن بلد الغلام، وأظهر التوقير والاحترام لأحد شخصيَّات هذا البلد، وهو النبيُّ يونس عليه السلام، وأظهر عِلْمَه بتواضُعٍ، وتَبَسَّط في الحديث مع غلامٍ صغير. كلُّ هذه فنونٌ دعويَّةٌ أسهمت في فتح قلب الغلام النصراني.

ثالثًا: تعلَّمنا في هذا الموقف أن نفصل الملفات، ولا نأخذ أحدًا بجريرة غيره، وألا نُحَمِّل الناس أعباء حياتنا أو مشاكلها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلَّم البتَّة مع عدَّاس في مشكلة أهل الطائف، ولم يتكلَّم عن الجراح التي أصابته، أو الدماء التي سالت منه، ولم يُرْهِق سمع عدَّاس بأزمات لا تهمُّه، وليست له علاقةٌ بها؛ إنَّما تعامل معه تعاملًا راقيًا، وكأنَّه في أفضل حالاته، وكأنَّه لم يكن يسكب العبرات منذ دقائق معدودات!

رابعًا: ما أروع حرصه صلى الله عليه وسلم على دعوة عبدٍ بسيطٍ مملوكٍ لأسياد مكة والطائف؛ خاصَّة وقد كذَّبه هؤلاء الأسياد منذ قليل؛ نعم كانت حساباتنا السياسيَّة والدعويَّة تُشير إلى أنَّه لو آمن الأسياد فإنَّ هذا قد يفتح قلوب أهل البلد جميعًا، ومع ذلك فلا ينبغي أبدًا للداعية أن يستصغر شأن أحدٍ من الناس، أو يُهَمِّش وجوده؛ بل يعلم أنَّ من حقِّه على المسلمين أن يُعَرِّفوه دينهم، وأن يشرحوا له عقيدتهم؛ هذا حقُّه الذي لا ينبغي التفريط فيه، وهذا واجبٌ على المسلمين ينبغي عدم التقصير فيه، وقد شاء الله عز وجل أن يؤمن الغلام العبد، وأن يُصبح فجأة أثقل في ميزان الله عز وجل من أهل الطائف جميعًا، بأسيادها وكبرائها، وأصحاب المال والسلطان فيها، وهذه قيمة التوحيد، التي لا يعدلها شيءٌ في الدنيا؛ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المـُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا»[11]. فإذا كنَّا قد رأينا في هذا الموقف السابق أنَّ فقيرًا من فقراء المسلمين أثقل من ملء الأرض من مسلمٍ آخر متكبِّر، فما بالنا إذا كانت المقارنة بين مسلمٍ مُوَحِّدٍ بالله وطائفةٍ من الناس يسجدون للَّات من دون الله عز وجل؟!

خامسًا: لم يكن من همِّ عتبة وشيبة ابني ربيعة أن يتحوَّل عدَّاس من النصرانيَّة إلى الوثنيَّة، وما فكَّرا في دعوة غلامهما إلى الإيمان بهُبَل أو العزى؛ لأنَّهما يعلمان أنَّ دينهما لا يصمد بحالٍ أمام الأديان السماويَّة، وأنَّه دينٌ مليءٌ بالثغرات، وأنَّهما ما اعتنقاه إلَّا لأنَّ الآباء فعلوا ذلك، ولو اختار آباؤهم النصرانيَّة أو اليهوديَّة أو عبادة الشمس أو النجوم لفعلوا مثلهم، لا عن قناعةٍ أو صدق اعتقاد؛ إنَّما قبليَّةً وتقليدًا أعمى، ومع ذلك فإنَّه عندما لاح في الأفق أنَّ عدَّاسًا سيعتنق الإسلام تحرَّكت حواسُّهما الدعويَّة، وصارا من المنظِّرين الذين يُقَيِّمون الأديان، ورفعا -بجهلهما- النصرانيَّة على الإسلام، ولم يقولا له: دعك من هذا وذاك وتعالَ إلى ديننا. بل أمراه أن يَثْبُت على دينه أيًّا كان هذا الدين! إنَّ كلَّ هذا يُثْبِت أنَّ أهل الباطل لا يتمسَّكون بعقيدةٍ أو مبدأ؛ إنَّما هم في الواقع فقط يرفضون الإسلام ويُحاربونه، ويَقْبَلون من الناس أيَّ معتقدٍ إلَّا معتقد التوحيد لله ربِّ العالمين!

أصبح الموقف الآن في غاية الحرج؛ فالطائف رفضت الدعوة هذا الرفض القبيح، ولا شكَّ أنَّ الخبر قد طار إلى مكة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غاب عن البلد الحرام على الأقل أسبوعين، فلا شكَّ أنَّ ذلك لفت نظر القادة هناك، ثم جاء خبر الطائف عن طريق الزعيمين عتبة وشيبة، فقد شاهدا بأعينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف؛ بل عرفا أنَّ أهلها قد تَعَدَّوْا عليه هذا التعدِّي الصارخ الذي رأيناه، وهذه الأخبار تعني أنَّ قادة قريش -في الغالب- سيُفَكِّرون في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عودته، بتهمة استعداء قبيلة ثقيف عليهم، وسيُشجِّعهم على الإقدام معرفتهم أنَّ ثقيفًا رفضت الإسلام، فلن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرٌ فيها؛ بل إنَّهم قد يُقَرِّرون قتله سريعًا بعد أن عرفوا عزمه على الاستنصار بقبيلة من خارج مكة، فلئن كانت محاولته صلى الله عليه وسلم مع ثقيف لم تنجح، فإنَّ النجاح قد يكون حليفَ محاولةٍ أخرى مع هوازن أو غطفان أو بني حنيفة أو غيرها من قبائل العرب القويَّة.

إذًا ستكون محاولة الدخول إلى مكة في غاية الخطورة؛ خاصَّةً أنَّ أبا لهب قد نزع يده من النُّصرة؛ بل أعلن العداء المباشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يكون هناك دورٌ إيجابيٌّ لبني هاشم في الأيَّام القادمة.

ماذا سيفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف المعقَّد؟ وإلى أين يذهب؟ وماذا لو لم يستطع دخول مكة؟ وكيف يُمكن التواصل مع المسلمين في داخلها؟ وكيف سيكون مصيرهم؟ إنَّها أسئلةٌ متلاحقةٌ بلا إجابة، وهذا ما جعله صلى الله عليه وسلم يحزن فوق حزنه، ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه هذا الحزن بطريقةٍ لم نجدها تتكرَّر في كلِّ مراحل السيرة النبويَّة.

[1] قيل: هي صفية بنت معمر بن حبيب بن قدامة بن جمح، وهي أم صفوان بن أمية. انظر: الصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/438، والزرقاني: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 2/50.

[2] ابن هشام: السيرة النبوية 1/419، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/344-346، وابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 3/13، 14، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/685، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/155، وابن كثير: البداية والنهاية 3/167. وقال إبراهيم العلي: أخرج القصة بطولها ابن هشام: 1/419، والطبري في التاريخ: 2/344-2466 والطبراني كما جاء في مجمع الزوائد: 6/35، بسند صحيح عن ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي مرسلًا – مضافًا إليه قصة عداس وانكبابه على يدي الرسول من دون الدعاء فقد جاء بغير سند، والبيهقي في الدلائل: 2/415-417 من مرسل الزهري، فيتقوى به. انظر: إبراهيم العلي: صحيح السيرة النبوية ص98.

[3] أحمد (18978)، والطبراني: المعجم الكبير (4127)، وابن خزيمة (1778)، وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح على شرط ابن حبان. انظر: إتحاف الخيرة المهرة 1/247، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد، وبقيَّة رجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد 7/136، وإبراهيم العلي: صحيح السيرة النبوية ص99.

[4] قال ابن سعد: قال محمد بن عمر -بغير هذا الإسناد-: فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلَّا جاءه وكلمه. انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/165، وقال أبو جعفر البغدادي: وأقام بالطائف إلى أن رجع إلى مكة فدخلها في جوار مطعم بن عدي بن نوفل شهرًا ويومين. انظر: المحبر ص11، وقال ابن قتيبة: فأقام بها شهرًا، ثم رجع إلى مكة في جوار مطعم بن عدي. انظر: المعارف 1/151، وابن عبد البر: الاستيعاب 1/40، وقال أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن الحسن، قال: ثنا الحسن بن الجهم، قال: ثنا الحسين بن الفرج، قال: ثنا محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن جعفر، قال: «غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف إلى أن رجع خمسًا وعشرين ليلة، وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين خلت من ذي القعدة، وكان قد خرج لثلاث بقين من شوال، وقدم عليه الجن الحجون في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة، قال الواقدي: وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة أشهر حتى قدم عليه الجن». انظر: أبو نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة ص364، وقال ابن الجوزي: «قال محمد بن عمر -بغير هذا الإسناد-: فأقام بالطائف عشرة أيام. وقال غيره: شهرًا لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه». انظر: ابن الجوزي: المنتظم 3/12، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/438.

[5] وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ. فَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى إِنَّ رِجْلَيْ رَسُولِ اللهِ لَتَدْمِيَانِ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ؛ حَتَّى لَقَدْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ شِجَاجًا. انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/165، وابن الجوزي: المنتظم 3/12، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/156، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/438، ومجموعة من المؤلفين: صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم ص131، وقال موسى بن عقبة: وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا جَعَلُوا لَا يَرْفَعُ رِجْلاً وَلَا يَضَعُ رِجْلاً إِلَّا رَضَخُوهَا بِحِجَارَةٍ، قَدْ كَانُوا أعَدُّوهَا، حَتَّى أَدْمَوْا رِجْلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. انظر: البيهقي: دلائل النبوة 2/415، وابن عبد البر: الدرر في اختصار المغازي والسير ص62، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/ 155، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/438، ومجموعة من المؤلفين: صحيح الأثر ص131، والصوياني: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة 1/183.

[6] البخاري: كتاب الرقاق، باب في الحوض، (6220)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، (2293).

[7] الطبراني: المعجم الكبير 13/73 (181)، وابن هشام: السيرة النبوية 1/420، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/345، وقال ابن عدي: وهذا حديث أبي صالح الراسبي لم نسمع أن أحدًا حدث بهذا الحديث غيره ولم نكتبه إلا عنه. ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 7/269، وقال محمد بن رزق بن طرهوني: وأبو صالح ثقة... فلا يضره تفرده به، وأما تفرُّد ابن إسحاق به أيضًا فلا ضير فيه، فهو إمام المغازي، وهو مظنَّة التفرُّد والإغراب؛ بسبب سعة علمه في فنه، وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات. انظر: صحيح السيرة النبوية، حاشية رقم (535) 2/442، 423، وابن عساكر: تاريخ دمشق 49/152، وابن الجوزي: المنتظم 3/14، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/686، والكلاعي: الاكتفاء 1/247، وابن كثير: البداية والنهاية 3/166، 167، وقال ابن كثير في تفسيره: وذكر محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن محمد بن كعب القرظي قصة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ودعائه إياهم إلى الله عز وجل، وإبائهم عليه. فذكر القصة بطولها، وأورد ذلك الدعاء الحسن: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي..» إلى آخره. قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة، فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين. وهذا صحيح. انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/290، وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد 6/35، وقال الصالحي: وروى الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم أتى ظلَّ شجرة فصلى ركعتين ثم قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو...». انظر: سبل الهدى والرشاد 2/439، وانظر: محمد إلياس عبد الرحمن الفالوذة: الموسوعة في صحيح السيرة النبوية (العهد المكي) ص381، والصوياني: السيرة النبوية 1/181، واللفظ للهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني.

[8] ابن كثير: البداية والنهاية 3/166، والسيرة النبوية 2/150.

[9] ابن هشام: السيرة النبوية 1/419-421، والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/344- 346، وذكره ابن الجوزي عن محمد بن كعب القرظي دون ابن إسحاق، انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 3/13، 14، وابن كثير: البداية والنهاية 3/166، 167، وانظر: الصوياني: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة 1/183، 184.

[10] البيهقي: دلائل النبوة 2/415.

[11] البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، (4803)، واللفظ له، وابن ماجه (4120).


د.راغب السرجاني