في إحدى أزقة فرنسا تعيش امرأة عجوز مع ابنتها انستازيا، التي كانت ذات احلام كبيرة، وبعد ان توفي والدها جراء حادث اودى بحياته، عانت وواجهت والدتها هيلين صعوبات حتى اصبحت انستازيا شابة، حيث كانت تعمل هيلين بحياكة الملابس الصوفية، وحيث أن المال الذي تجنيه لا يكاد يكفي للطعام والمأوى..
وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة لم تجد هيلين من يشتري منها الملابس الصوفية فإن اغلب سكان فرنسا اغنياء وقررت أن ترسل ابنتها الى بيت خالها ريثما تجمع المال لكي تحقق احلام ابنتها الوحيدة، فكذبت على ابنتها وقالت لها: سوف اذهب الى احدى ضواحي فرنسا لان اباك يمتلك بعض الارث هنالك وسوف احضره لكي نعيش انا وانتِ وتحققي احلامكِ وسوف اعود اليكِ، يا ابنتي اعدكِ بذلك..
فلم تعلم ام انستازيا، بالجحيم الذي رمت ابنتها فيه حيث كانت زوجة خالها التي كانت تملك ابنتان امرأة صارمة وبخيلة جداً، فكانت تجعل انستازيا، تعمل طوال اليوم لتبيع الملابس الصوفية التي تحيكها وتجمع المال لها وكانت تضربها في كل مرة، عندما تجلب المال القليل.
وفي احدى الليالي لم تجلب انستازيا المال لزوجة خالها فضربتها وانزلقت انستازيا، ووقعت على المدفئة التي كانت بجانبها علبة وقود، فاحترق وجه انستازيا بالكامل واغمي عليها فأخذها خالها جيمس مع زوجته الى المشفى فقالت له زوجته: اتركها يا جيمس فاننا لا نستطيع ان ننقذها ولا نستطيع أن ندفع تكاليف علاجها، فتركوها امام باب المشفى في حينها رآها احد موظفي المشفى فصرخ: ايتها الممرضات فليساعدني احد هنالك فتاة مصابة فاتجهت الممرضات نحوها واخذوها الى غرفة العمليات فقام الأطباء بعلاج انستازيا.
ولكن من المحزن انها تشوهت بالكامل ولم تستيقظ من الغيبوبة التي اصابتها بسبب الصدمة التي حدثت لها.
وفي احدى الليالي قام اللورد ارثر بزيارة المشفى الذي قام بشرائه مسبقاً بعد ان توفيت ابنته ماري التي توفيت والدتها عند انجابها، فكرّس والد ماري حياته من اجل الّا تحس ابنته بفقد والدتها، فكبرت ماري في ظل رعاية والدها الذي غمرها بالحنان حتى اصبحت شابة حيث كان يأخذها في جميع اسفاره..
وفي احدى سفراته الى أمستردام حيث كانت ماري تحب السفن والبحار كانت تتأمل وتطل من حافة السفينة لترى البحر عن كثب فقال لها والدها اللورد ارثر: ابنتي الحبيبة حذاري ان تقعي في البحر فإنّه عميق كعمق عيناك، فقالت ماري: انا لم اعد طفلة يا ابي وفي لحظتها تعثرت ماري وسقطت في البحر..
فصرخ اللورد: ايها الغواصون لقد سقطت ابنتي في البحر فلتنقذوها، ولكن بدون جدوى فإن التيار قد جرفها بعيدا فتوفيت ماري، فأصيب اللورد بصدمة لم يخرج منها إلا بعد سنتين، فشاهد تلك الفتاة المحروقة فقال: ايتها الممرضة مابها هذه الفتاة، فقال احد مساعديه: لاتكترث ياسيدي اللورد فانها احد فقراء فرنسا، فقال اللورد: اريد ان اعرف مابها ايتها الممرضة، فقالت الممرضة: ياسيدي ان هذة الفتاة متشوهة لا نعلم من هي عائلتها فقد وجدناها ملقاة امام باب المشفى..
فتذكر اللورد ابنته التي كانت بعمر هذه الفتاة فقال للاطباء: اريد ان تبذلوا قصارى جهودكم لكي تشفى هذه الفتاة وتصبح تشبه ابنتي ماري حتى لو كلفت ثروتي باكملها، وعمل الاطباء بعدها عمليات عديدة.
بعد فترة استيقظت من الغيبوبة ورأت نفسها في غرفة تكبر بيتها بمرتين حيث كانت بقصر اللورد ارثر، فنادت: هل من احد هنا اين انا، وكيف اتيت الى هنا، فأجابتها إحدى الخادمات التي تعمل في القصر: انت في قصر اللورد ارثر احد أغنياء فرنسا، فروت لها الخادمة المختصة برعايتها ماحدث، وفي هذه الاثناء قدم اللورد آرثر فنظرت انستازيا في عينيه وفي لسانها كلام شكر و تراودها أفكار على ان تتشاجر معه لانه قام بتغيير شكلها لانها فكرت بأن امها لن تتعرف عليها بهذا الوجه الجديد، فقال اللورد ارثر: ياابنتي من الان فصاعدا هذا قصرك واسمك هو ماري، فقالت: انا اسمي انستازيا واريد العودة الى المنزل، فتذكرت انستازيا ان زوجة خالها هي من فعلت بها ذلك..
فقال اللورد: فكري بهذا الأمر، فقالت له: سوف ابقى في هذا القصر ولكن اريدك ان تجمعني بأمي حيث انها علمت من زوجة خالها ان امها لم تذهب لتحضر الارث بل انها ذهبت لتجمع المال، فوافق على ذلك، فقال للخادمة: ساعديها لكي ترتدي الملابس اللائقة والحلي، فتفاجأت انستازيا بالثياب المرصعة باللؤلؤ والكريستال، فقالت: ماهذه الثياب انها ثمينة جدا فقالت الخادمة: انها لك ياسيدتي فأنت الان ابنة اللورد، والبستها الحلي والمجوهرات، انصدمت لانها كانت فقيرة ولاتملك المال الكافي لكي تأكل فكان يجب عليها التصرف وكأنها ابنة اللورد، فعمّ السرور في حياة اللورد ورجعت الفرحة الى قلبه، وبعد ايام قال اللورد لانستازيا: ابنتي (ماري) يجب علي ان اسافر الى لندن للعمل هناك فإن عملي يتطلب السفر يا ابنتي وسوف اعود بعد اسبوع واعدك عند عودتي ان ابحث عن امك، لاتذهبي الى اي مكان..
فأوصى الخدم والحرس بان لاتخرج الى اي مكان، اتفقت انستازيا مع خادمتها الشخص
ية بان ترتدي ثياب الخدم لكي لايعرفها احد في كل يوم تذهب لتبحث عن امها في كل ازقة فرنسا، حيث انها لم تجد لها اثر فقررت ان تذهب الى بيت خالها حيث انهم لم يتعرفوا عليها لان شكلها قد تغير، فقالت لها زوجة خالها ان هيلين قد توفيت منذ زمن بعيد..
انصدمت انستازيا وانغمرت عيناها بالدموع ولكنها لم تيأس ولم تفقد الامل بالبحث عن امها وفي عودة اللورد قالت له: قد وعدتني بالبحث عن امي، حيث ان عيناها تلوح بالامل بلقاء امها، وبعد فترة جاء اللورد فقال لانستازيا بنبرة لطيفة تكمن في داخلها الخيانة: ان امك قد توفيت، فجرت الدموع من عينها ولكنها لم تفقد الامل حيث كانت في كل ليلة تتذكر كلام امها بانها قد وعدتها بان تعود حيث تملّك الامل نفسها وقيد بانامل الصبر قلبها وملأتها السعادة الطفيفة..
وبعد ايام قال اللورد: ياابنتي اريد السفر الى احد نواحي فرنسا فلدي احد المؤتمرات هنالك، فكرت انستازيا بان تذهب معه لعلها تجد والدتها فقالت: اريد الذهاب معك، رفض اللورد ارثر لانه تذكر ابنته التي توفيت في احد اسفاره، ووافق ان يصطحبها معه بعد عناء طويل، ولكنه اشترط على ان تبقى في جواره طوال الوقت..
سافرا حيث وصلا الى احد نواحي فرنسا، فشاهدت انستازيا امرأة عجوز تغطي وجهها بوشاح، فلفت نظرها الملابس الصوفية التي تبيعها فكانت تشبه الملابس الصوفية التي تحيكها والدتها، فقالت: ابي اريد ان اشتري من تلك العجوز، فقال اللورد: ما بالك ياابنتي وتلك الملابس الرخيصة فانا سوف اشتري لك الملابس المرصعة بالحلي والالماس، حيث كانت تلك العجوز امها ولكنها لم تتعرف اليها لان انستازيا قد أصبحت بشكل ماري ابنة اللورد..
ظلت انستازيا تتراود الى ذلك المكان الذي تبيع فيه العجوز الملابس الصوفية و في احد الايام كان الهواء عاصفا والرياح شديدة فإذا بالوشاح الذي يغطي رأس والدتها يطير فترى انستازيا وجه المرأة العجوز، فاذا هي والدتها فعانقتها، ولكن من المؤسف انها لم تتعرف اليها، فقالت: امي انا انستازيا ابنتك، تملك اللورد الحزن وامتلكه الخوف بأنه سوف يعود الى الوحدة التي كان يعيشها بعد وفاة ابنته، وبعد أن كذب على انستازيا بشأن والدتها فقصت انستازيا ماحدث لها لأمها وكيف اعتنى بها اللورد حيث وعدت انستازيا اللورد بأنها لن تتركه وانها سوف تبقى كإبنته ماري وان تعيش معه طوال حياتها مع امها....
هذا هو الامل الحقيقي حيث ان انستازيا سارت على درب الانتظار الذي علقت حناجر امالها عليه، أدركت أن الامل هو كالنبض يدق في قلب الصبر والذي لايتحقق الا اذا كانت دقاته منتظمة، جعلت انستازيا احلامها نرجسية كطبيعة خيالها فانها تحققت مادامت تؤمن بان الامل شريان، الحياة فاذا انقطع انقطعت الحياة..
...