تأثر الأطفال الذكور بساعات العمل الطويلة للآباء

عمل الآباء لساعات طويلة يغيب وجودهم داخل الأسرة، مما يخلق فجوة نفسية واجتماعية في علاقتهم بأبنائهم، ويكون تأثير ذلك حتما سلبيا على سلوكيات الأبناء.


النقاش مع الأبناء يولد لدى الأب الإحساس بالمسؤولية

أكد باحثون من ألمانيا أن الآباء الذين يعملون لساعات طويلة للغاية طوال الأسبوع، يخاطرون بالتسبب في إصابة أطفالهم من الذكور باضطرابات سلوكية والميل إلى العنف والعدوانية.
وأجريت الدراسة على أكثر من ألف و400 طفل، وتبين أن الفتيان الذين يعمل آباؤهم أكثر من 55 ساعة أسبوعيا يكونون أكثر ميلا للعدوانية، بينما لم تسجل الظاهرة نفسها عند الفتيات.
وأجرى البحث مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في برلين على عينة لأطفال من غرب أستراليا، حيث يعمل واحد من كل خمسة آباء لمدة 55 ساعة على الأقل أسبوعيا عندما تتراوح أعمار أولادهم ما بين 5 و8 أعوام. وأشار الباحثون إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات للوقوف على أسباب تأثر الأطفال من الذكور بشكل خاص بساعات العمل الطويلة للآباء بينما لم يسجل أي تأثير على الإناث، كما أن طول ساعات عمل الأم أيضا لا يؤدى فيما يبدو إلى إصابة أطفالها بهذا السلوك العدوانى مثل الأب.
وكشف الباحثون أن عمل الآباء لساعات طويلة للغاية يجعل الأطفال أقل خضوعا للمراقبة بعد المدرسة، لاسيما إذا كانت الأم تعمل أيضا لوقت كامل.
وأضافوا أن ثمة أدلة على أن الصبيان قبل مرحلة البلوغ لا يخضعون لرقابة كافية مقارنة بالفتيات عندما يتطلب عمل آبائهم التزاما طوال الوقت، مما ينمّي لديهم مشكلات سلوكية.
وأشارت دراسات عدة إلى أن غياب الآباء عن المنزل لساعات طويلة أو لأيام وأسابيع له سلبيات خطيرة تتمثل في ضعف الجانب العاطفي الأبوي، ويؤدي غياب المشاعر الأبوية تجاه الأبناء إلى انعدام الحنان والمحبة بين الطرفين مما ينتج حالات نفسية مكتئبة لدى الأبناء. فقد تحدث بعض الاضطرابات في حياة الطفل، ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتابه في غياب الأبوين اللذين يمثلان مصدرا للأمن والحماية بالإضافة إلى دورهما التثقيفي والفكري والعلمي، ويحدث تغيّبهما عن المنزل خللا تربويا ويخلف آثارا سلوكية سيئة.
هذا وأظهرت دراسة سابقة أن الفترة التى يمضيها الآباء المعاصرون مع أبنائهم في المتوسط لا تزيد عن 56 دقيقة يوميا. وصرح العديد منهم بأن العلاقات التي تربطهم بأبنائهم تضعف شيئا فشيئا بسبب ضيق الوقت والتوتر الذى يخضعون له في العمل، وكشفت نتائج الدراسة أن 18 ٪ من الآباء لا يقضون 15 دقيقة في اليوم للتواصل مع أبنائهم، واعترف نحو ثلث الآباء الذين تم استفتاؤهم بأنهم مضطرون للاتصال بأطفالهم هاتفيا نظرا لعدم توفّر الوقت لديهم للجلوس معهم وجها لوجه.
كما أن 20 ٪ من الرجال يستخدمون الرسائل النصية للاتصال بأبنائهم.
وعبر 79 ٪ من الآباء عن رغبتهم في إقامة علاقة أوثق مع أطفالهم. كما اعترف 84 ٪ من بين الذين شاركوا في الدراسة بأنهم يرغبون في قضاء وقت أطول مع فلذات أكبادهم، ويرى المختصون أنه من الضرورى أن تكون هناك صداقة متينة بين الآباء والأبناء وذلك من خلال الحوار السهل والمبسط الذي يمكنهم من مناقشة أمور الحياة المختلفة، وعن طريق هذا الحوار تنتقل خبرة الآباء وتجاربهم إلى الأبناء.
كما نبهت الدراسة إلى أن مشاركتهم فى النقاشات المتعلقة بالأسرة تنمّي شخصيتهم وتكسبهم خبرة وتجربة، كما تخلق لديهم الإحساس بالمسؤولية وبالتالي القدرة على المشاركة في إدارة شؤون الأسرة.
وفي سياق آخر أثبتت الدراسات التربوية بالولايات المتحدة الأميركية تأثير الحالة الاجتماعية وحضور الآباء الفعال على تقدم الأطفال في مراحل التعليم المختلفة بداية من فترة الحضانة الأولى، فالأطفال الذين ينحدرون من عائلات ثنائية العائل "أب وأم" وجد أنهم يتمتعون بقدرات أفضل، فيما يتعلق بالقراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية، من أقرانهم الذين ترعرعوا في كنف عائلات أحادية العائل "عائلة دون أب" إذ تتكفل الأم بكافة الأعباء الاقتصادية والنفسية والاجتماعية. كما أن غياب الآباء لساعات طويلة خلال اليوم يمثل غياب القدوة التربوية الحياتية مثل مراقبة واجباتهم المدرسية، والأخطر من ذلك أن هذا الغياب يمكن أن يؤدي إلى الانحراف خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالتلفزيون والإنترنت.