رُوي أنه لما كان يوم أُحد حاص أهل المدينة حيصة فقالوا قتل محمد ( صلى الله عليه وآله ) حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امرأة من الأنصار متحزنة فاستقبلت بابنها و أبيها و زوجها و أخيها و هم شهداء .
فلما مرَّت على آخرهم قالت : من هذا ؟
قالوا : أخوك و أبوك و زوجك و ابنك .
قالت : ما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قالوا : أمامك .
فمشت حتى جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) و أخذت بناحية ثوبه و جعلت تقول : بأبي أنت و أمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلُمت أنت من عطب .
و خرجت السمراء بنت قيس أخت أبي خزام و قد أصيب ابناها فعزاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهما فقالت كل مصيبة بعدك جلل و الله لهذا النقع الذي في وجهك أشد من مصابهما
و عن جويرة بنت أسماء أن ثلاثة إخوة شهدوا بششتر و استشهدوا و بلغ ذلك أمهم فقالت مقبلين أم مدبرين فقيل لها بل مقبلين فقالت الحمد لله نالوا و الله الفوز و أحاطوا الذمار بنفسي هم و أبي و أمي و ما تأوهت و لا دمعت لها عين .
و عن أبي قدامة الشامي قال كنت أميرا على جيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان و دعوت الناس الغزاة و رغبتهم في الجهاد و ذكرت فضل الشهادة و ما لأهلها ثم تفرق الناس و ركبت فرسي و سرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تنادي يا أبا قدامة فمضيت و لم أجب .
فقالت : ما هكذا كان الصالحون .
فوقفت فجاءت و دفعت إليَّ رقعة و خرقة مشدودة و انصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة و إذا فيها مكتوب أنت دعوتنا إلى الجهاد و رغبتنا في الثواب و لا قدرة لي على ذلك ، فقطعتُ أحسن ما فيَّ و هما ضفيرتاي و أرسلتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك في سبيل الله فيغفر لي .
فلما كان صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسرا ، فتقدمت إليه و قلت يا غلام أنت فتى غر راجل و لا آمن أن تجول الخيل فتطؤك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا .
فقال : أ تأمرني بالرجوع و قد قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ } و قرأ الآية إلى آخرها .
قال : فحملته على هجين كان معي .
فقال : يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم .
فقلت أ هذا وقت قرض ، فما زال يلح حتى قلت بشرط ، إن منَّ الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك .
قال : نعم .
فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهما في قوسه فرمى به فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر فقتل روميا ، ثم رمى بالآخر و قال السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع ، فجاءه سهم فوقع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه فقدِمتُ إليه و قلت : لا تنسها .
فقال : نعم ، و لكن لي إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة فآت والدتي و سلِّم خُرجي إليها ، و أخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك فسلِّم عليها ، فهي العام الأول أصيبت بوالدي ، و في هذا العام بي ثم مات ، فحفرت له و دفنته .
فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت إلى أمها و قالت يا أماه هذا أبو قدامة و ليس معه أخي و قد أصبنا في عام الأول بأبي و في هذا العام بأخي .
فخرجت أمه فقالت : أ معزيا أم مهنئا .
فقلت : ما معنى هذا ؟
فقالت : إن كان ابني مات فعزِّني ، و إن كان استشهد فهنئني .
فقلت : لا بل قد مات شهيدا .
فقالت : الحمد لله .
الحرُّ صبور
عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ( عليه السَّلام ) يقول :
" إن الحر حرٌ على جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، و إن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، و إن أسر و قهر و استبدل باليسر عسرا ، كما كان يوسف الصديق الأمين ( عليه السَّلام ) لم يضرر حريته أن استعبد و أسر و قهر و لم تضرره ظلمة الجب و وحشته و ما ناله ، أن من الله عليه فجعل الجبار العالي له عبدا بعد أن كان ملكا ، فأرسله و رحم به أمته ، و كذلك الصبر يعقب خيرا ، فاصبروا و وطِّنوا أنفسكم على الخير تؤجروا " .
الجنة محفوفة بالمكاره
رُوي عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنه قال :
" الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر ، من صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، و جهنم محفوفة باللذات و الشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها أو شهوتها دخل النار " .
الصبر ثلاثة
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
" الصبر ثلاثة ، صبر عند المصيبة ، و صبر على الطاعة ، و صبر عن المعصية .
فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض .
و من صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش .
و من صبر على المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش " .
ما أعظم هذا الموقف !
رُوي أن قوما كانوا عند الإمام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فاستعجل خادماً بشواء في التنور فأقبل به مسرعاً فسقط السفود من يده على وَلد لعلي بن الحسين ( عليه السَّلام ) فأصاب رأسه فقتله .
فوثب علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) لماَّ رأى ابنه ميتا و قال للخادم :
" أنت حر لوجه الله تعالى ، أما إنك لم تتعمده "
ثم أخذ الإمام ( عليه السَّلام ) في جهاز ابنه .