يقول عُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شديدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: 28][1].

وهناك روايةٌ أخرى تصف المشهد نفسه، وأحببتُ أن أُوردها هنا لوجود بعض الإضافات التي تُكَمِّل لنا الصورة.

عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ، فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. أَوْ كَمَا قَالُوا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ، غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ». فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ؛ حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا. قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ؛ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ». قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ. قَالَ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- دُونَهُ، يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ [غافر: 28]؟! ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ[2].

وهناك رواية ثالثة تصف الموقف نفسه؛ وهي عن أنس بن مالك رضي الله عنه:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَقَدْ ضَرَبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَجَعَلَ يُنَادِي: «وَيْلَكُمْ» ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ [غافر: 28]؟ فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ الْمَجْنُونُ[3].

والحقُّ أنَّنا أمام موقفٍ مهمٍّ وفي غاية الثراء، وسنذكر هنا بعض التعليقات عليه، وإن كانت الدروس والفوائد فيه لا تنتهي:

أولًا: استعمل المشركون طريقتهم السفيهة؛ وهي طريقة الهمز واللمز، والسخرية والاستهزاء، فقالوا بعض الكلمات التي يسخرون بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تَرَكَت هذه الكلمات أثرها على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور؛ حتى إنه لم يستطع أن يُخفي وقعها عليه، فظهر الألم على قسمات وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وكم هو مؤلم لحامل الحقِّ أن يجد الناس يسخرون من حقِّه! وكم هو موجع أن تبسط يدك بالخير إلى الناس فتجدهم معرضين! بل ساخرين مستهزئين، ولهذا الألم الكبير الذي يُؤَثِّر في أهل الحقِّ تَوَعَّد الله الساخرين من المؤمنين بالويل والعذاب؛ فقال: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1].

ثانيًا: مع أنَّ الكلمات الساخرة أثَّرت في رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّه آثر السكوت في المرَّة الأولى، وكان لسان حاله ما ذكره الله عز وجل في وصف عباد الرحمن حين قال: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، وسكت كذلك عندما استهزءوا به في المرَّة الثانية؛ ولكنَّه في المرَّة الثالثة أقبل عليهم وقال كلمات مُخَوِّفَة! لقد قال لهم: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ!». إنَّ هؤلاء المجرمين قد لا ينصاعون أحيانًا لصمت الدعاة أو حلمهم عليهم؛ إنَّما يكون علاجُ سفاهتهم كلمةً شديدة، أو تحذيرًا صارمًا، وهذا ما رأيناه في هذا الموقف؛ حيث إنَّ كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم أعادت إلى عقولهم صوابها فجأة! فانطلقوا يُطَيِّبون خاطره، ويُسَكِّنون غضبه، وكان كلُّ همِّهم أن ينصرف راشدًا. ولم يتجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الردِّ طبيعة المرحلة؛ فإنَّه فقط تَوَعَّدهم بالذبح، أي هدَّدهم أنَّه سيقتلهم يومًا ما؛ ولكنَّه لم يُمارس منه شيئًا الآن؛ لأنَّه مأمورٌ بعدم القتال في مكة، كما أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يخرج عن أخلاقه الرفيعة؛ إذ إنَّه فقط ذكر لهم أنَّهم إذا ظلُّوا على حربهم له فإنَّ مرحلةً قادمةً من الصدام ستأتي، وأنَّهم سيُقْتَلون في هذه المرحلة، فكأنَّه يُحَذِّرهم خوفًا عليهم لا كراهيةً لهم.

ثالثًا: كان انتقال المشركين من مرحلة السفاهة باللسان إلى مرحلة التعدِّي باليد أمرًا متوقَّعًا، فهم لن يُردعوا بالتهديد النبوي فقط، ولئن كان هذا التهديد مؤثِّرًا في اليوم الأول فإنَّهم سرعان ما تناسوه في اليوم التالي، وأقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربونه! ولم يُصَعِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر؛ بل اكتفى بدفاع الصدِّيق رضي الله عنه، ولم يُهَيِّج بني هاشم، أو يجمع المسلمين، ليقوموا بعملية انتقامية من أولئك المجرمين؛ لأن المرحلة لا تسمح بذلك، وإن كان المستقبل سيحمل كما نعلم تطوُّرات كبيرة عندما تتغيَّر الظروف وينتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ ولكن كما رأينا لكلِّ مقامٍ مقال.

رابعًا: لقد وصل الأمر بقريشٍ إلى درجة الجنون الحقيقي! فهذا عقبة بن أبي معيط -في ظلِّ حالة الهياج المشرك، والانفلات الأخلاقي- يُقْدِم على خطوة غير محسوبة يُحاول فيها أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُفَكِّر لا من قريب ولا من بعيد في تداعيات هذا الأمر، وهل ستقبل بنو هاشم -أعزُّ قبائل قريش- بهذا الأمر من رجل من بني أمية؟ وهل سيقبل أبو سفيان بن حرب كبير عائلة بني أمية بهذا التهور من ابن عمِّه عقبة بن أبي معيط؟

إنَّها مغامرةٌ آثمةٌ لا تصدر إلَّا من مجنون!

لكنَّها في النهاية حدثت؛ وذلك في ظلِّ الأجواء المشحونة في مكة..

خامسًا: يبقى الصدِّيق رضي الله عنه هو الصدِّيق! لا يُنافسه أحدٌ من المؤمنين، ولا يقترب من منزلته إنسان، وهذا الموقف أحد أسباب تفوُّقه؛ فإنَّه لم يُفَكِّر في أيِّ عواقبٍ يُمكن أن تعود على حياته، أو تجارته، أو أهله؛ إنَّما تحرَّك بما يقتضيه الظرف تحرُّكًا سريعًا قويًّا، وكان تحرُّكُه رضي الله عنه فرديًّا -وليس جماعيًّا- فلن يُثير حربًا داخليَّة في مكة؛ ولذلك لم يَلُمْه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعله، ولم يعتبر ذلك تجاوزًا للمرحلة، ولقد ظلَّ المسلمون يُقَدِّرون للصديق رضي الله عنه هذا الموقف، ويتذكَّرونه له، ويكفي أن ننقل تعليق علي بن أبي طالب رضي الله عنه على هذا الحدث؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ فَهَذَا يَجَؤُهُ، وَهَذَا يُتَلِّتُلُهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَنَا مِنْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، يَضْرِبُ هَذَا، وَيَجَأُ هَذَا، وَيُتَلْتِلُ هَذَا، وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ [غافر: 28]. ثُمَّ رَفَعَ عَلِيٌّ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ خَيْرٌ أَمْ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ. فَقَالَ: أَلَا تُجِيبُونِي؟ وَاللَّهِ لَسَاعَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَاكَ رَجُلٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَهَذَا رَجُلٌ أَعْلَنَ إِيمَانَهُ»[4].

سادسًا: قد يبدو أنَّ هناك تعارضًا في موقف الصديق رضي الله عنه هنا مع ما ذكرناه في أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في موقف إلقاء سلا الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما ذكرناه بحقِّ تبرير عدم تدخُّل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عمِّ الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر.

والحقُّ أنَّه ليس هناك تعارض لأنَّ الموقفين مختلفان!

فالذي يحدث الآن ليس أحد مواقف الاستهزاء والسخرية التي يُمكن أن نصبر عليها حتى يأذن الله بتغيير المرحلة؛ ولكن الذي يحدث هو محاولةٌ جادَّةٌ لقتل رأس الدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو سكت المسلمون على ذلك لانتهى الإسلام، وأُغْلِق ملف الدين، ومن هنا كان لا بُدَّ من التحرُّك مهما كانت النتائج، ومع ذلك فالذي تحرَّك هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو يختلف عن عبد الله بن مسعود وعن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما وإن كان مسلمًا مثلهما، فهو ليس حليفًا كعبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ إنَّما هو رأس قبيلة تيم، التي لا شكَّ ستثور إن قُتِل زعيمها الأكبر، وهو رجلٌ شريفٌ مُقَدَّمٌ في قريش، وكان يُشارك في حكم مكة قبل إسلامه؛ حيث كان يتحمَّل الدِّيَات، فكان أحد العشرة المشاركين في حكم البلد الحرام[5]، ومن هنا فسيكون هناك على الأقل شيءٌ من التردُّد في قتله، وهو كذلك ليس كحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لأنَّه ليس من قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلن يستثير حميَّة بني أميَّة فتقوم حرب بينها وبين بني هاشم؛ ومن ثَمَّ فالموقف غالبًا سيمرُّ دون عواقب وخيمة، والمسلمون كانوا يُريدون تهدئة الأجواء في مكة على الرغم من رغبة الكفار في إثارتها، فكانوا يُدافعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعين في أذهانهم فعل ذلك بأقل خسائر ممكنة.

سابعًا: دائمًا يُصَوِّر الإعلام الكافر المؤمنين على أنَّهم مجانين لا يعقلون، مع أنَّهم يُطلقون هذه الصفة على أعقل عقلائهم! فقد قالوها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ذلك الله عز وجل في أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ حيث قال مثلًا: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: 36]، وقال: ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ [الدخان: 14]، والآن في هذا الموقف يُطلقونها على أعظم رجالهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون في سفاهة: أبو بكر المجنون! فينبغي للدعاة ألا يلتفتوا إلى مثل هذه الاتهامات الباطلة؛ فإنَّها سرعان ما تختفي مع حركة التاريخ ولا يبقى إلَّا الحقُّ؛ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17].

لقد كانت عدَّة جولات من التعدِّي الآثم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليُثبت لنا بطريقةٍ عمليَّةٍ جدًّا أنَّ طريق الدعوة إلى الله مليء بالابتلاءات، وأنَّ ما مرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلَّا حلقةٌ في سلسلةٍ طويلةٍ من الإيذاء والصدِّ عن سبيل الله، مرَّ بها الأنبياء الذين سبقوه، ومرَّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وسيمرُّ بها كلُّ الدعاة الذين يحملون المنهج ذاته؛ خاصَّةً إذا حافظوا عليه نقيًّا دون تحريفٍ أو تبديل.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: 34، 35].

إنَّ الآيات تُخبرنا أنَّه مهما فعل الدعاة فسيظلُّ هناك مناوئون للدعوة، محاربون لها، ولن يُؤمن أهل الأرض جميعًا؛ ومن ثَمَّ فهذه الحرب أبديَّة، ولا بُدَّ للدعاة أن يُوَطِّنوا أنفسهم على ذلك، وهي رسالةٌ ذات مغزى لا بُدَّ أن نستوعبها، غير أنَّ البُشرى في الآيات أنَّ نصر الله يأتي في نهاية المطاف لا محالة، وهو ما كان يجعل الأنبياء يصبرون على الأذى الشديد انتظارًا لوعد الله.



ويبدو أنَّ إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم كان خارجًا عن توقُّعات بني هاشم فسبَّب لها ذلك حرجًا شديدًا، وبعيدًا عن حسابات الدين والعقيدة فإن قبيلة بني هاشم هي أعزُّ قبائل قريش وأشرفها، وليس من الطبيعي أن يقبل رجالها هذه الإهانات المتكرِّرة التي يُوَجِّهها أفراد القبائل الأخرى كبني مخزوم، وبني أمية، وبني جمح، وبني عبد شمس، إلى رجلٍ هو أشرف رجالها مطلقًا، وهو الحفيد المباشر لسيِّدها عبد المطلب، الذي يعتزُّون به وبتاريخه كثيرًا؛ كانت هذه الإهانات التي تجاوزت الحدَّ دافعةً أبا لهب -كبير بني هاشم الجديد بعد وفاة أبي طالب- إلى اتخاذ موقفٍ يستغربه كثيرٌ من الناس، ولكنِّي -في الواقع- أراه طبيعيًّا!

إنَّ ما يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر هو إهانةٌ مباشرةٌ من كلِّ القبائل القرشيَّة إلى أبي لهب شخصيًّا؛ فهؤلاء الذين كانوا لا يجرءون على التعدِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان أبي طالب صاروا الآن جرءاء عليه في زمان أبي لهب، وهذا لا يعني إلَّا شيئًا واحدًا، وهو أنَّ قريشًا لا تنظر بعين الاعتبار إلى أبي لهبٍ كقائدٍ أو شريف! فقبيلة بني هاشم هي القبيلة نفسها لم تفقد من رجالها إلَّا واحدًا، وكلا الرجلين أبو طالب وأبو لهب على دين مكة الوثني، غير أنَّ أحدهما شجاعٌ صنديد، والآخر جبانٌ رعديد!

هذه الحسابات وَضَعت أبا لهب على المحكِّ، وصار لزامًا عليه أن يفعل شيئًا ليحفظ ماء وجهه، وليحتفظ في الوقت نفسه بزعامة قبيلته، ولِيُبْقِيَ على صورته ومكانته أمام أولاده ورَحِمِه وصحبه، ومن هنا ذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منه هذا الموقف.

روى ابن سعد بِسَنَدَين مختلفين عَن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَة بن صُعَيْرٍ[6]، أَنَّهُمَا قَالَا: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَخَدِيجَةُ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، اجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصِيبَتَانِ، وَلزِمَ بَيْتَهُ وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ وَلَا تَطْمَعُ فِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ امْضِ لِمَا أَرَدْتَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا إِذْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا فَاصْنَعْهُ، لَا وَاللَّاتِ لَا يُوصَلُ إِلَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ.

وَسَبَّ ابْنُ الْغَيْطَلَةِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ فَنَالَ مِنْهُ، فَوَلَّى يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ صَبَأَ أَبُو عُتْبَةَ، فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ: مَا فَارَقْتُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنِّي أَمْنَعُ ابْنَ أَخِي أَنْ يُضَامَ حَتَّى يَمْضِيَ لما يُرِيدُ. فَقَالُوا: لَقَدْ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ وَوَصَلْتَ الرَّحِمَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ أَيَّامًا يَأْتِي وَيَذْهَبُ لَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَابُوا أَبَا لَهَبٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبُو جَهْلٍ إِلَى أَبِي لَهَبٍ فَقَالَا لَهُ: أَخْبَرَكَ ابْنُ أَخِيكَ أَيْنَ مَدْخَلُ أَبِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: يَا مُحَمَّدُ أَيْنَ مَدْخَلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: «مَعَ قَوْمِهِ». فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: مَعَ قَوْمِهِ. فَقَالَا: يَزْعُمُ أَنَّهُ فِي النَّارِ! فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَيَدْخُلُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النَّارَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ مَاتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ النَّارَ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: وَاللهِ لَا بَرِحْتُ لَكَ إِلَّا عَدُوًّا أَبَدًا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فِي النَّارِ. وَاشْتَدَّ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو لَهَبٍ وَسَائِرُ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ[7].

ومع أنَّ السندين لهذه القصة مضطربان[8] فإنَّ كثيرًا من علماء السيرة أوردوا القصة في كتبهم كابن كثير والصالحي الشامي وابن الجوزي وغيرهم[9]، كما أن السياق منطقيٌّ للغاية، فليس من المعقول أنَّ أبا لهب لم يفعل أيَّ شيء -ولو على سبيل الاضطرار- ليُؤَكِّد زعامته الجديدة لبني هاشم؛ إنَّنا -كما ذكرتُ منذ قليل- أمام موقفٍ طبيعيٍّ غير مستغرب؛ فقد كان لزامًا على أبي لهب أن يتحرَّك ليفعل شيئًا حيال صورته المهزوزة في مكة؛ ومن ثَمَّ كان هذا الموقف السابق، وليس الدافع في هذا الموقف هو الشرف والنخوة، أو العزَّة والقوَّة، فهذه صفات فقدها أبو لهب منذ زمن؛ إنَّما كان نشاطًا عابرًا مؤقَّتًا لن يلبث إلَّا قليلًا حتى ينزوي مع أوَّل تهديد، وهذا ما رأيناه عندما تحدَّث أبو جهل وعقبة مع أبي لهب، فإنَّه لم يُنَاقِش كثيرًا، ولم يجادِل طويلًا؛ بل بدا كأنَّه يكتشف لأوَّل مرَّة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخْبِر عن عذاب المشركين بالنار، مع أنَّ هذه -مع قضيَّة التوحيد- هي القضيَّة الرئيسة التي شغلت مكة طَوَال السنوات العشر الماضية؛ لقد جَبُنَ أبو لهب عن إكمال مسيرة النخوة، وتراجع فورًا تاركًا ابن أخيه لقادة القبائل الأخرى، غير عابئ بمكانة قبيلته الشريفة، ولا صورتها أمام العرب.

وأروع ما في القصة ما رأيناه من ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم اكتراثه بالمحاولات الصبيانيَّة التي يبذلها كفار قريش وأبو لهب لإثنائه عن المضيِّ في طريق دعوته، وهكذا ينبغي للدعاة أن يتعلَّمُوا أنَّ صعوبة المرحلة لا تعني التنازل عن مبدأ من مبادئ العقيدة والدين، وإنَّنا إنْ كنا نقبل العون والمساعدة من بعض مَنْ على غير ديننا؛ فإنَّنا لا ندفع لذلك شيئًا من عزَّتنا أو كرامتنا، ولن يحدث في النهاية إلَّا ما أراده الله عز وجل، وما أجمل كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يُعَلِّمنا عزَّة النفس عند طلب العون من الآخرين.. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ»[10].

هكذا صار الوضع في مكة!

أحزان تتبعها أحزان!

كان المسلمون في هذه المرحلة منهكين للغاية؛ ففريقٌ خرج من الشِّعْب والحصار ضعيفًا مريضًا، وفريقٌ يُعاني من التضييق والإيذاء، وفريقٌ يتخفَّى في قلق وحذر، وفريقٌ في الحبشة لا يدري متى الرجوع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرقب ذلك كله بأسى وحزن! لقد تراكمت عليه مصائب عدَّة في أسابيع قليلة.. مات عمُّه أبو طالب مُخَلِّفًا فراغًا كبيرًا، وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها وقد تركت بنتين صغيرتين في البيت؛ وهما أم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهما، بينما زينب ورقية رضي الله عنهما كانتا متزوجتين، وغَدَرَ أبو لهب به وأسلمه لزعماء قريش ينالون منه ما يكره، وتنافس زعماء الكفر في إيذائه والتعدِّي عليه!

هكذا صار العامُ عامَ الحزن!

ولا شك أنَّه في ظلِّ هذه الأجواء تردَّد الناس في مكة في سماع أيَّ دعوة لهذا الدين، فالأمر يحتاج إلى مخاطرةٍ كبيرةٍ حتى يلتحق الإنسان بهذا الركب المعذَّب؛ ومن ثَمَّ يمكن القول: إنَّ الدعوة قد تجمَّدت كثيرًا في هذه الفترة، وصارت احتمالية إسلام أفراد جدد من مكة ضعيفة للغاية، بالإضافة إلى أنه صار من الواضح جدًّا أنَّ قبيلة بني هاشم لن تُقْدِم على أيِّ محاولة نصرة وحماية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتلك التي حدثت منذ ثلاث سنوات يوم دخلوا الشِّعْب معه؛ ومن ثَمَّ فإنَّ فكرة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تتجدَّد في مكة في أيِّ لحظة!

ماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

لقد قرَّر -وللمرَّة الأولى في تاريخ الإسلام- أن يخرج بنفسه من مكة حاملًا دعوته خارجها للبحث عن نصرةٍ غير قرشيَّة، ومن هنا جاءت رحلة الطائف!

[1] البخاري: كتاب التفسير، سورة غافر، (4537)، وأحمد (6908).

[2] أحمد (7036)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وابن حبان (6567)، وقال الهيثمي: في الصحيح طرف منه. رواه أحمد، وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع، وبقية رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/15، 16، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 9/288.

[3] أبو يعلى (3691)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح على شرط مسلم. والحاكم (4424)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبزار: البحر الزخار 14/58، وصححه ابن حجر العسقلاني، انظر: المطالب العالية 15/724، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، والبزار، وزاد: فتركوه، وأقبلوا على أبي بكر. ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 6/17.

[4] البزار: البحر الزخار 3/15، وأبو نعيم الأصبهاني: فضائل الخلفاء الراشدين ص182، وقال الهيثمي: رواه البزار، وفيه من لم أعرفه. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/47.

[5] وكان في الجاهلية وجيهًا رئيسًا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق في الجاهلية، والأشناق: الديات. ابن عبد البر: الاستيعاب 3/966، وابن الأثير: أسد الغابة 3/311، وابن عساكر: تاريخ دمشق 24/118، وابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 2/216، 217، والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص29.

[6] عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري: ويقال: ثعلبة بن صعير. ويقال: ابن أبي صعير. ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير. حليف بني زهرة، قيل: له صحبة. وقيل غير ذلك. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 3/876، وقال ابن حجر العسقلاني: «قال البخاري: وهو مرسل. وقال ابن السكن: وحديثه في صدقة الفطر -يعني الذي أخرجه الدارقطني- مختلف فيه. والصواب أنه مرسل، ولم يصرِّح في شيء من الروايات بسماعه». انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 4/28.

[7] ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/164.

[8] قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر عن محمد بن صالح بن دينار وعبد الرحمن بن عبد العزيز والمنذر بن عبد الله عن بعض أصحابه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، وقال -أي محمد بن عمر-: وحدثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، والروايتان ضعيفتان لأجل محمد بن عمر، وهو الواقدي، كما أن السند الأول فيه مبهم، والثاني فيه موضع إرسال.

[9] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 3/11، 12، وابن كثير: البداية والنهاية 3/165، والسيرة النبوية 2/147، والصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 2/435، 436.

[10] ابن ماجه: كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة (2144)، واللفظ له، وابن حبان (3239)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والحاكم (7924)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه 2/207، 208.



د.راغب السرجاني