ابنك.. كيف يكون جريئًا في الحق؟!
جاءني ابني ذو الـ 11 عامًا يشكو لي من اضطهاد مدرسه له، وتعمده إرساله في قضاء حاجات له أو لزملائه أثناء الحصص، مما يضيع عليه جزءًا من الدرس، ومن ثم يفقد التركيز والمتابعة، فضلاً عن أنه دائمًا يكلفه بحراسة الفصل وحفظ النظام كلما خرج، وبرغم ضيقه بهذا الأمر إلا أنه يستحى أن يعبر عن رأيه خوفًا من المدرس، وعندما يتعرض أحد من زملائه للعقاب بسببه يخاصمه أو يضطهده.
والسكوت على هذا الأمر قد يعرض الولد لعقدة أو مشكلة نفسية محتملة، وقد يساعد في تدهور مستواه الدراسي، وبرغم أننا كأمهات وآباء نفكر بهذه الحساسية الزائدة خوفًا على أبنائنا والتماسًا لصحتهم النفسية وتفوقهم الدراسي، فإن د. ليلى الأحدب تقول لكل أم ولكل أب: إذا فكرت جيدًا في هذا الموقف فقد تلتمس العذر لهذا المدرس.
فقد يكون ذكاء ابنك ولباقته في عرض الأمور، أو طلب الأشياء هو الدافع الذي يجعل المدرس يكلفه بهذه الأشياء، وهو يعتقد أنه بذلك يميزه عن باقي زملائه، كذلك فإن مسألة تكليفه بحراسة الفصل والحفاظ على النظام والهدوء أثناء خروجه أو عدم وجوده في الفصل ثقة جميلة بقدرات ابنك، وفى سماته القيادية الحازمة وأخلاقه الرفيعة التي تمكنه من ضبط إيقاع الفصل والتلاميذ، وهذا شيء ينبغي أن يسعدنا، ويبشرنا خيرًا، ويكون عونًا لنا على تكليف أبنائنا بمهام تزيد في صقل شخصياتهم، وتساعدهم مبكرًا على تحمل المسؤولية في حدود قدراتهم التي تفوق غالبًا تصوراتنا وتقديراتنا نحن كآباء.
ولكن هذا لا يمنع أن نعبر عن استيائنا من استمرار هذا الحال الذي قد يُفوِّت على الولد بعض الدروس، ويشتت تركيزه، ولكن المهم هو اختيار الأسلوب اللائق لنقل وجهات نظرنا وغرس هذا الأسلوب في أبنائنا حتى يتعلموا جرأة الحق، وأدب الحوار والخلاف، فيمكن أن يبدأ ابنك بالاعتذار بلباقة للمدرس في إحدى المرات التي يكلفه فيها بشيء رغبة في الاستفادة من الشرح، أو فهم الدرس، أو الشعور بالتعب إذا كان ذلك حقًا، ويعتذر له عن مراقبة زملائه حتى لا يفقد حبهم أو صداقتهم له.
فإذا لم يستجب المدرس لمبادرة ابنك، يأتي دورك - عزيزي الأب - في مناقشة الأمر مع المدرس والاستماع إليه لمعرفة مبرراته ومنطقه في التعامل مع الابن هكذا، فإن لم تقتنع بوجهة نظره فلتصر على موقفك في أن ينال ابنك حقه فى متابعة دروسه والاحتفاظ بحب وصداقة زملائه دون تطاول أو إهانة لأحد.
وأما ابنك فاجلس معه جلسة حب وأخوة وصداقة، وأخبره أنه صار على أعتاب الرجولة، وأن له شخصيته المستقلة، وله حق مناقشة أو رفض الأوامر والأمور التي لا يقتنع بها، ولكن بشرط التحلي بالأدب والثقة بالنفس، وأن يقدم دائمًا تفسيرًا واضحًا ومقنعًا لرفضه، سواء في تعامله مع مدرسيه أو زملائه أو في البيت مع والديه وإخوته، أو في أي تعاملات عامة .
ومن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الابن في أثناء مناقشة أمر ما، أو الاعتراض عليه أن ينظر إلى من يحدثه ويحترم حقه في تبرير هذا الموقف أو ذاك، فكما نشجعه على إبداء رأيه والتمسك بحقه والدفاع عنه بجرأة وثقة، نعلمه أيضًا كيف يحترم رغبات الآخرين ويحسن مخاطبتهم والاستماع إليهم، ولنا فى رسول الله الأسوة الحسنة، فقد أُتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه ابن عباس ما زال غلامًا وعن يساره شيوخ كبار، فقال للغلام أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فلم يعترض عليه الرسول، ولم ينكر عليه حقه.