روي أن زين العابدين(ع) مر بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فوقف(ع) عليه ثم قال: امسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله إذا نزل بك غدا؟ قال: لا.
قال: أفتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟ (قال): فأطرق مليا ثم قال: إني أقول ذلك بلا حقيقة.
قال: أفترجو نبيا بعد محمد صلى الله عليه وآله يكون لك معه سابقة؟ قال: لا.
قال: أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟ قال: لا.
قال: أفرأيت أحدا به مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنك على حال لا ترضاها ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، ولا ترجو نبيا بعد محمد، ولا دار غير الدار التي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها، وأنت تعظ الناس،
قال: فلما ولى(ع) قال الحسن البصري: من هذا؟ قالوا: علي بن الحسين. قال: أهل بيت علم. فما رأي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس.
.. وسأل(ع) عن الكلام والسكوت أيهما أفضل فقال(ع): لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل من السكوت قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟
قال: لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما يبعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجب ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت، ولا نجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام وما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنك تصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت.
.. وعن ثابت البناني قال: كنت حاجا وجماعة عباد البصرة مثل: أيوب السجستاني، وصالح المروي، وعتبة الغلام، وحبيب الفارسي، ومالك بن دينار فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها فمنعنا الإجابة. فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه، وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطا ثم أقبل علينا فقال:
يا مالك بن دينار! ويا ثابت البناني! ويا أيوب السجستاني! ويا صالح المروي ويا عتبة الغلام! ويا حبيب الفارسي! ويا سعد! ويا عمر! ويا صالح الأعمى! ويا رابعة ويا سعدانة! ويا جعفر بن سليمان!
فقلنا: لبيك وسعديك يا فتى! فقال: أما فيكم أحد يحبه الرحمن؟
فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة. فقال: ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه، ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول - في سجوده -: (سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث).
قال: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب.
فقلت: يا فتى من أين علمت أنه يحبك؟ قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني، فسألته بحبه لي فأجباني، ثم ولى عنا وأنشأ يقول:
من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فذاك الشقي
ما ضر في الطاعة ما ناله * في طاعة الله وماذا لقي
ما يصنع العبد بغير التقى * والعز كل العز للمتقي
فقلت يا أهل مكة من هذا الفتى؟ قالوا: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
.. وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابليقال: دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم، وأوجب على خلقه الاقتداء بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقال لي: يا أبا كنكر! إن أولي الأمر الذين جعلهم الله أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم انتهى الأمر إلينا، ثم سكت.
فقلت له: يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: (لا تخلو الأرض من حجة الله على عباده) فمن الحجة والإمام بعدك؟
قال: ابني (محمد) واسمه في التوراة (باقر) يبقر العلم بقرا، هو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه (جعفر) اسمه عند أهل السماء (الصادق). فقلت له: يا سيدي فكيف صار اسمه: الصادق، وكلكم صادقون؟
فقال حدثني أبي عن أبيه: أن رسول الله قال: (إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسموه: الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله، وكذبا عليه، فهو عند الله (جعفر الكذاب) المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله). ثم بكى علي بن الحسين بكاءا شديدا، ثم قال:
كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه.
قال أبو خالد: فقلت له: يا بن رسول الله وأن ذلك لكائن؟ فقال: إي وربي إنه المكتوب عندنا في الصحيفة: التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول الله ثم يكون ماذا؟
قال: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده يا أبا خالد! إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا. وقال عليه السلام: انتظار الفرج من أعظم الفرج.
اللهم إنا نسألك بحبك لسادة أوليائك(ع)
أن تغفر لنا وترحمنا وتدنينا منك يا جواد يا كريم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعن الله أعداء الله ظالميهم من الأولين والآخرين