(يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون )
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة وصم ما تمتلكه المخلوقات الحية في كثير من الاطروحات في مختلف المنافذ الترفيهية والتعليمة بأنها حصلته من قبل التطور وانها قوة فاعلة ذاتية لدى هذه الكائنات , فما حقيقة هذا الإدعاء وآثاره على العقيدة الدينية ؟
* حقيقة التطور هو خروج عن العقل والمنطق ممن يدعي ذلك، وهو مغالطة واضحة صار يلقنها كبيرهم لصغيرهم ، وهذا الخروج عن المنطق والعقل من وجوه كثيرة :
- منها كما هو مشاهد أن قوى الحركة والصحة في هذه الكائنات مكتسبة من خارجها بالتغذية وشرب الماء والاستظلال من الحر والإستدفاء من البرد والاستطباب من المرض ، فبنعدام هذه المقومات تضمحل القوى فلا مولد لها من داخلها بتاتا !! ، ودعوى التطور جعلت لهذه الكائنات قوى ذاتية فاعلة مكنتها من خلق أنفسها وتشكيل ذواتها !! وهذا نقيض ما تقدم بيانه من كونها تستمد بقاءها من خارجها لا من داخلها .
- ومنها إستحالة الصدفة في نشوء أي أمر في الجمادات فكيف بنشوء أمر معقد بل كيف بنشوء كائن تدب فيه حياة فكيف بنشوء كائن يعقل ويدرك معنى الحياة ، كما ترى في هذا التسلسل فالصدفة مرفوضة اطلاقا بل مدعيها وإن ادعى المنطق فهو مغالط مخبول .
- ومنها لزوم وجود مقومات وحفظ وتدبير خارجي لتستمر الحياة في الكائنات ، وهذا أمر بديهي ومشاهد فكل مواليد الكائنات تخرج ضعيفة جدا كطفل الإنسان ولو ترك بلا حفظ وتدبير لمات ، فأين القوة الذاتية لتنقذه بل لو كان الامر على ذلك لما كان على الأرض حياة .
- ومنها وهب الحياة وسلبها ، فهذه لوحدها دليل على بطلان هذه الهرطقة فالحياة هي الفاعل في هذا الجرم المتحرك وهي أمر خارج عنها فبقدها يضمحل جسم ويذهب ، فقدرة الجسم على كسب أي أمر بدونها لا شيء فكيف بقدرتها على كسب الحياة بنفسها وهي ميتة لا محالة ففقر هذا الخلق لواهب هذه الروح جليا جدا وعجزهم بين أكثر .
- ومنها حاجة المخلوقات للتزاوج وأنهم ذكر وأنثى وليس صنف واحد وهذا مظهر للفتقار والاحتياج من كل فرد للآخر وأنه في نقص شديد وهلاك محيط لولا تدبير اللطيف الخبير .
*أما أثر هذه العقيدة الآ وهي زعم التطور والقدرة الذاتية للمخلوقات عليها على عقيدة المسلم فخطير جدا ، فمرتكز العقيدة الإسلامية على أن الحياة والخلق هبة من الله ، قال تعالى ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) ، فكل ما في المخلوقات من أصل نشأتها إلى ما فيها من مميزات وسلوك هبة وعطية من الله ، وما بها من حفظ وتيسير لمقومات أيضا هبة من الله حنى ما جعل الله في الأم من سلوك لترعى بها وليدها هبة من الله ، وما تراه من تنشأة للخلق في الأرحام شيء من بعد شيء كلها بعلم وتدبير وقدرة الله ومواهب من الله .
فاعتقاد استقلالية المخلوقات وفاعليتها بذاتها كفر بصاحب العطايا والمواهب الحقيقي وجحد لحقه وحقيقته ، وهذا ناقض لإسلام الشخص الذي يقر بمقتضى العقل والفطرة من حق الواهب الخالق والمنعم .
ثم جعل الله للعقول المستنيرة والفطر السوية ما يرشدهم لحقائق الأمور ومعرفة الهدى من الغي والصواب من الخطأ وذلك في أمو عديدة :
- منها معرفة أن الخالق الواهب المدبر واحد متفرد بوهب القدرة والحياة ونزعها ، وذلك بأن العقل يرشد للزوم وجود واهب وخالق ومنعم لوجود آثار هذا في الوجود كما يرى من نفسه حين يهب ويصنع بما خوله الله فيه من وجوده فلا حمل للمرأة بلا سبب خارج ولا بناء مشيد بلا باني ولا مال مثمر بلا صاحب ومدبر فكذلك يعلم أن له ولغيره من الخلق مالك ومدبر وراعي وأنه واحد لأن هذا الخلق متسق محكم بلا تفاوت ولا اضطراب .
- ومنها معرفة صفات الرب المنعم الكاملة ومكانته العظيمة ، وذلك حين ينظر سوي العقل والفطرة لما يحسن في نفسه وعينه ويكمل صورته في عقله فيعلم أن لواهب هذه الأمور الصفة الأكمل منها فالحياة في الخلق والقدرة تدل على أن واهبها لهذا الخلق هو الحي القيوم فلها صفة الحياة التي لا يقاربها شيء من وصفها وله القدرة والقيومية التي لا يقاربها شيء من وصفها فهو واهبهما لغيره فدل ذلك على صفته هذه وهي الحياة والقدرة ، ومنها كذلك ما يراه العاقل من كمال في ذاته فكمال الخلق وأعدله هو في الإنسان وكذلك كمال العقل والتدبير في الإنسان ، فيعلم المتفكر أن لربه كمال هذه الصفات وأنها لا تشبهها شيء من صفات الخلق وإن اشتركت في المعنى بل استحقاق كونها صفات للخالق مقتضى كونها كمال لدى البشر مثل العينين فكمالها في الإنسان وأنها إثنتان ونقص عددها أو زيادته كل عيب ونقص واليدين والرجلين مثلها وهذا الأمر جاء منصوص عليه في الحديث الشريف الذي اضطربت فيه افهام البعض وهو ( إن الله خلق آدم على صورته ) ، فيقر بهذه الصفات التي دل عليها العقل السوي وجاءت في الشرع منصوص عليها بلا تشبيه وتمثيل لأنه إن مثلها فقد سوى بينها وبين صفات المخلوقين التي تحمل المعنى وتلزمها نقص ذاتها فهي مخلوقه , فلزم إثبات المعنى ونفي المثل والشبيه كما قال تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
فإن أقر العاقل بوجود رب واحد حي قادر عالم حكيم وأنه هو من يهب الخلق ويهب لهم حياتهم ثم هو له كمال ما يشاهده في هذا الخلق من صفات فقد خرج من عقيدة الخرافة والهرطقة وهي التطور إلا نور العقل والفطرة وفتح له باب إلى الإيمان بالله ورسله عليهم الصلاة والسلام .
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ ۖ كَلَّا ۚ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صدق الله العظيم .