قصة قرأتها قبل قليل اثناء تصفحي لجريدة المشرق
احببت ان اشارككم بها بالرغم من ان بعض السطور تحوي بين طياتها رعب وخوف
البطالة أجبرته على أن يتقدم بطلب للتعيين كحارس ليلي في الطب العدلي بصفة حارس على ثلاجة الموتى ، باشر وظيفته في أول ليلة ،
كانت غرفة الأموات تقع في طرف قصي من حدود المستشفى ، سار عبر الطريق المؤدي لها.
أخذ يدق الأرض بقدميه كأنه يتأهب لخوض معركة.. حاول أن يرفع عقيرته بالغناء ..
خانته حنجرته ،وأحس إن صوته ينحسر...اقترب من الغرفة ..كانت الغرفة مضاءة ،
وثلاجة الموتى تربض كأنها أسد محنط ، فتح الباب بيد مترددة ،
أخذ الباب يئن ، امتزج أنين الباب بنباح كلاب في جوار المستشفى ، لم يكن شاعرا ، ولم يكن خياله خارقا للعادة ...
ومنذ تلك اللحظة تشعب خياله ونما...سمع صوتا غريبا يصدر من رفوف ثلاجة الموتى. ظن إن ذلك أثر من آثار أوهامه ،
لكن الوهم لم يكن إلا حقيقة ، فتح عينه مذهولا حيث رأى أحد الرفوف الأفقية ينسحب تدريجيا إلى خارج الثلاجة ، انه يقف أمام أول تجربة له مع الموتى !
وقع فريسة لصراع حاد بين الإقدام والإحجام ، فكر بالصراخ لكن صوته لم يزل في حالة هبوط ، حاول أن يسـتعين بالريح لدفع ساقيه ، لكن برودتهما كفيلة بتجميد الدم في عروق الريح ، تمالك نفسه واستعاد رباطة جأشه شيئا فشيئا ،
إنها البداية ، وغالبا ما تكون البداية محفوفة بالصعاب.. استجمع قواه .. سار نحو الرف المندلق من الثلاجة .. كلسان سحب من فم صاحبه ..
وبحركة عصبية رد الرف إلى الثلاجة دون أن يرى ما في بطن الرف المجرور ، أدار ظهره للثلاجة ليجد المقعد الوحيد المعّد للحارس بانتظاره ، بردت حماسته ، وعاوده إحساس غريب بالخوف ،
خشي أن يندلق الرف مرة ثانية ، وأخذ يفكر بعواطفه المشحونة بدم الخيال المركب ..
وأخذت الصور تـتشضى وتتعدد كأنها وجه مرئي في مرآة متصدعة ، لم يدر كيف واتـته الشجاعة حتى فعل ما فعل ، ألا يجوز أن يكون الرف عليه ميت دبت فيه الحياة ؟
يذكر انه سمع قصصا خرافية عن أموات يدفنون ثم يعودون للحياة وغالبا ما تكون عودتهم قصيرة ثم يدرجون من جديد في الأكفان ، وسمع إن بعض هؤلاء الموتى يصرخون قبل أن يخرجوا ثانية ، لكنه لم يسمع صراخا يصدر عن الرف ، مهما يكن فان الأموات لا يؤذون أحدا ولكن الأذى يأتي من الأحياء ..
وهنا تذكر قول الشاعر ..
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى
وصوت إنسان فكــــدت أطيــــــــر
وقف أمام هذه الكلمات... هذه أول عاصفة من الخوف أطاحت به .. فها هم الأموات بديل في وحشته .. أنس مادام أنس الأحياء وحشة ، ولكن الذئب يعوى ،
على كل حال يصدر صوتا .. وأما هؤلاء فلا حركة ولا صوت ... هرب من أفكاره ،
حاول أن يمزق الصمت الذي غلف المكان. سار نحو الباب وما كاد أن يتجاوز عتبته حتى أحــّس شيئا يشده من الخلف ... جمد في مكانه وجف ريقه .. كاد أن يغمى عليـه.. تشنجت عضلاته وبدا متسمرا كمن حط على رأسه الطير .. فلم يحرك ساكنا .. إن التجربة الأولى مع الرف الذي خرج من الثلاجة بسبب عدم إحكام غلقه ...
بدت باهتة أمام هول هذه التجربة ، وما هي إلا لحظات حتى سمع أصواتا قريبة ، إنهم حملة الموتى ينقلون ميتا جديدا إلى الغرفة وهم لا يدرون إن هناك شخصا
يموت في كل لحظة ، خفف عنه مجيء حملة الميت ،
فتـحلل بعض جموده واستطاع بعد حين أن يدرك السبب ، وعجب من نفسه ، كيف هضمت ذلك الحدث ؟ كانت ليلــة ليــلاء ، لم يدر كيف تمكن من قضائها وساعة الحائط تـدق لتغرس مع كل دقة مسمارا في قلبه. لماذا يضعون ساعة حائط في غرفة الموتـى؟
وما حاجة الموتى إليها! إذ لا سبيل إلى ضرب المواعيد!
لابد إنها وضعت للحارس ليجد بها الأنيس عند سماع دقاتها فتقطع عنه شريط هواجسه وأوهامه ..
إنها تنخر عظامه. وما أن أعلن الصبح عن قدومه حتى بدأ الكابوس الجاثم على صدره يزول شيئا فشيئا .. وعندما بدأت حركة الموظفين بالدخول إيذانا ببـدء الدوام الرسمي الصباحي ..حينها وضع الحارس طلـب الاسـتقالة على مكتـب المدير.