اللغة
تتميّز اللّغة العربيّة بتنوّع علومها، واتّساع مجالاتها، ومن أهمّ مميّزات العربيّة أنّها لغة بليغة جدّاً، وتوصف بالمُعقّدة أحياناً لكثرة مُفرداتها وقواعدها النحويّة والصرفيّة، وتُصنّف بأنّها من أصعب اللّغات التي من المُمكن للفرد تعلّمها. من أهمّ علوم اللّغة علم البيان، وعلم النّحو، وعلم القوافي، وعلم التّصريف، وعلم العروض، وعلم قوانين الكتابة، وعلم قوانين القراءة.[١]
يُعتبر علم البلاغة من أهمّ علوم اللغة العربيّة لبلاغتها، وتشتهر بين اللّغات الأخرى حول العالم بهذه الصّفة. يُقسَم علم بلاغة اللّغة إلى أربعة أقسام رئيسة، وهي:[٢]
علم البديع: هو العلم الذي تُعرف منه توابع البلاغة من طرق الفصاحة.
علم المعاني: هو العلم الذي يُعرف منه الاحتراز عن الخطأ في كيفيّة التّراكيب، وفي الإفادة لتمام المُراد من المعنى.
علم البيان: هو العلم الذي يُعرف منه الاحتراز عن الخطأ في التّركيب، ويُقسَم بدوره إلى عدّة أقسامٍ منها الاستعارة، والكناية، والتّشبيه.
الفصاحة: وهي الصّفة التي وَصف بها العرب لغتهم، والفصاحة من الأبواب الأكثر اتّساعاً في دراسة علوم اللّغة لما تتّصف به العربيّة من فصاحة كبيرة وواسعة، وتُعرَف الفصاحة في اللّغة بأنّها الوضوح وخلوّ الشّيء ممّا يشوبه.
التّشبيه
التّشبيه لغةً هو مصدر الفعل شَبه، وهو مُماثلة الشّيء لشيء آخر، واصطلاحاً يُعرف بأنّه اشتراك شيئين أو شخصين في صفةٍ واحدة تُقرّبهما من بعضهما، ويكون الأول أفضل من الثّاني فيها، ويتمّ استخدام أداة تشبيهٍ فيه، ويكون الهدف من إيراده واستخدامه جماليّاً أو توضيحيّاً أو لتقريب الصّورة للسّامع، وليس شرطاً أن ينتمي الطّرفان اللّذان جرى تشبيههما لنفس الجنس أو الفصيلة ذاتها، فقد يُشبَّه الرّجل بالأسد، وفي الواقع إنّ الرّجل إنسانٌ والأسد حيوان، وحين تُشبَّه الفتاة بالقمر فإنّ الفتاة كائنٌ حيّ والقمر جماد.[٣]
أدوات التشبيه
تُعتبر أدوات التّشبيه أدوات الرّبط بين المُشبَّه والمُشبَّه به، ولا يتم تشبيهٌ إلا بها، ولها دور خاص في استخدام التّشبيه، ومن المُمكن حذفها، ومن المُتداوَل في اللّغة بأن حذف الأداة أبلغ من ذكرها، تُقسم هذه الأدوات إلى ثلاثة أقسام، هي:[٤]
أن تكون الأداة اسماً، مثل شبه، ومثل، كالقول: المرأة مثل الوردة.
أن تكون الأداة حرفاً، مثل حرف الكاف (ك)، وكأن، كالقول محمدٌ كالغيث؛ دلالة على كرمه، وعند استخدام أداة التّشبيه (كأن) فإن الواجب تقديم أداة التّشبيه في الجملة مثل: كأن زيدٌ أسداً.
أن تكون أداة التّشبيه فعلاً، مثل يُشبه، ويُماثِل، كالقول: كأن على رؤوسهم الطّير؛ كنايةً عن الصّمت والهدوء الشّديد.
أداة التّشبيه الكاف
من أكثر الأدوات استخداماً في التّشبيه، والأصل فيها أن يأتي بعدها المُشبّه به دائماً، مثل قوله تعالى: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ)،[٥] وقد لا ياتي بعدها المُشبّه به، مثل قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا).[٦]
أداة التّشبيه كأن
من أكثر الأدوات شيوعاً واستخداماً في أساليب التّشبيه أيضاً، وتأتي عادةً قبل المُشبّه به، مثل قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)،[٧] والتّشبيه بكأن له خصائص عديدة يُذكَر منها:[٨]
المُبالغة والتّأكيد.
عند استخدامها في التّشبيه يكون الاهتمام الأكبر في الجملة على المُشبَّه.
تتميّز كأن في التّشبيه بأنّ المُشبَّه به من المُمكن أن يكون غير مُحقّق الوقوع أو مستحيلاً، مثل قوله تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ).[٩]
أنواع التّشبيه
للتّشبيه أنواع عديدة في اللّغة، تختلف استخداماتها بحسب أنواعها، وهذا دليل على بلاغة العربية وشموليّتها، ومن أنواع التّشبيه في اللّغة:[١٠]
التّشبيه المُرسَل: وهو التّشبيه الذي ذُكِرت فيه أداة التّشبيه.
التّشبيه المُؤكّد: وهو التّشبيه الذي حُذِفت منه الأداة.
التّشبيه المُجمَل: وهو التّشبيه الذي حُذِف منه وجه الشّبه بين المُشبَّه والمُشبَّه به.
التّشبيه المُفصّل: وهو التّشبيه الذي ذُكِر فيه وجه الشّبه.
التّشبيه البليغ: وهو التّشبيه الذي حُذِفت منه الأداة ووجه التّشبيه.
التّشبيه المُفرَد: وهو تشبيه المُفرَد بالمُفرَد.
أركان التّشبيه
للتّشبيه أربعة أركانٍ وأجزاءٍ رئيسة، وتوجد في كل جملةٍ تحتوي على تشبيه، وهي:[١١]
المُشبَّه: وهو الطّرف الذي يُشبهه المُتحدّث بشيءٍ ما.
المُشبَّه به: وهو الطّرف الذي يتمّ تشبيه الطّرف الآخر به.
أداة التّشبيه: وهي الحرف أو الكلمة التي يستخدمها المُتكلّم لتشبيه المُشبَّه بالمُشبَّه به، فتربط بينهما بعد أن يكونا مُتباعدين في الجملة الواحدة، وقد تُذكَر أو تُحذَف تبعاً لنوع التّشبيه المُستخدَم.
وجه الشّبه: وهي الصّفة المُشتَركة التي تجمع بين المُشبَّه والمُشبَّه به، وتكون هذه الصّفة أقوى في المُشبّه به منها في المُشبّه، وقد يُحذَف وجه الشّبه أو يُذكَر بحسب نوع التّشبيه.
أمثلة على التّشبيه في القرآن الكريم
يُعتبر التّشبيه في القرآن الكريم من أكثر الأساليب الموجودة فيه من بين باقي أساليب البيان والبلاغة، لما يوجد في ألفاظه من قدرة إيحائيّة، و ما تحتويه مفرداته وتراكيبه من قدرة تصويريّة مُذهلة، فتأخذ القارئ إلى عالم يتخيّل فيه هذه الصّور بكامل تفاصيلها وأحداثها، ومن بعض الأمثلة على التّشبيه في القرآن الكريم:
قال تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).[١٢]
قال تعالى: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ).[١٣]
قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).[١٤]
قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).[١٥]
المراجع
↑ أ.إبراهيم عبدالفضيل (29-08-2009)، "علوم اللغة العربية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2016. بتصرّف.
↑ "البلاغة العربية"، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، اطّلع عليه بتاريخ 21-12-2016. بتصرّف.
↑ عمر بن عطیة الله بن عبد الكریم الأنصاري،تشبيهات القرآن الكريم وأثرها في التفسير - رسالة جامعية، صفحة 14-17. بتصرّف.
↑ الدكتور محمد إبراهيم خليفه شوشتري، الدكتور علي أكبر نورسيده (2012)، "دراسة صور التشبيه في الكلام النبوي الشريف "، مجلة دراسات في اللّغة العربية وآدابها، العدد 9، صفحة 34-35. بتصرّف.
↑ سورة القارعة، آية: 4.
↑ سورة الكهف، آية: 45.
↑ سورة المدثر، آية: 50.
↑ عمر بن عطیة الله بن عبد الكریم الأنصاري، تشبيهات القرآن الكريم وأثرها في التفسير - رسالة جامعية، صفحة 28-29. بتصرّف.
↑ سورة الأنفال، آية: 6.
↑ م.م.نبراس جلال عباس، "التشبيه في النص القرآني"، مجلة كلية اللآداب، العدد 104، صفحة 261. بتصرّف.
↑ أتيكة (2008)، التشبيه في صورة القمر - رسالة جامعية، صفحة 29. بتصرّف.
↑ سورة الكهف، آية: 109.
↑ سورة الصافات، آية: 48-49.
↑ سورة الجمعة، آية: 5.
↑ سورة النور، آية: 39.