يا غائبينَ، وما غابتْ محاسنهم،
ونازِحينَ، وأقصَى بَينِهم أُمَمُ
نمتُم ولم تَحلَموا بي في رُقادِكُمُ،
ومع سهادي بكم يقظانُ أحتلمُ
وحقِّ موثقِ عهدٍ كنتُ أعهدهُ،
وصحبَةٍ خِلتُ جَهلاً أنّها رَحِمُ
ما لذّ لي العيشُ مذ غابتْ محاسنكم،
ولاحلتْ، بعدَ رؤياكم، ليَ النعمُ
قد كانَ لَيلي نَهاراً من ضِيائكُمُ،
فاليومَ ضوءُ نهاري بعدكمْ ظلمُ
عشقتكم لخلالٍ كنتُ أعرفهُا،
وإنّما تُعشَقُ الأخلاقُ والشّيَمُ
لا تنقضوا ذممي بعدَ الوفاءِ بها،
إنّ الكرامَ لديها تحفظُ الذممُ
لا ذَنبَ لي يوجبُ الهِجرانَ عندكمُ،
وهبهُ كانَ، فأينَ العفو والكرمُ؟
أعطى الزمانُ نفيساً من وصالكمُ،
فارتَدّهُ، وعَراهُ بَعدَهُ نَدَمُ
إلى منِ المشتكى إن عزّ قربكمُ،
ممّا جنى الدهرُ وهوَ الخصمُ والحكمُ
قد كنتُ أقهرُ صرفَ الحادثاتِ بكم،
فَاليَومَ أصبحَ صَرفُ الدّهرِ يَنتَقِمُ
كم قد بكَيتُ وقد سارَتْ ركائبُكُم،
فالدّمعُ يَسفَحُ، والأحشاءُ تَضطرِمُ
ما للمدامعِ لا تطفي لظَى كبدي،
ويُغرِقُ الرّكبَ منها سيلُها العَرِمُ
وَقَفتُ أُظهِرُ للعُذّالِ مَعذِرَةً
عنكم وإن صحّ عندَ الناسِ ما زعموا
قالوا: غدا مغرماً طولَ الزمانِ بهم،
واللَّهُ يَعلَمُ أنّي مُغرَمٌ بِكُمُ!
صفي الدين الحلي