الكهرباء اللاسلكية.. متى نقول وداعًا للأسلاك؟
لا تتعجب إذا علمت أن تفكير الإنسان في التخلص من الكم الهائل من الأسلاك الذي يحيط به قد بدأ مبكرا، منذ بداية توليده للكهرباء نفسها تقريبا.
فكر الإنسان في ذلك ولم تكن حياته قد ازدحمت بعد بمثل تلك الأجهزة الإلكترونية والكهربية العديدة، التي سهلت عليه حياته وأصابته كثرة أسلاكها بالتخبط والإحباط، فالتليفزيون وملحقاته يعملون بالأسلاك، وكذلك الكمبيوتر المنزلي ومشغلات الموسيقي وشواحن الهواتف الذكية، حتى الأجهزة التي تلتصق بها صفة المحمولة دوما، مثل اللابتوب والتابلت، ما زالت بطارياتها قاصرة على أن ترضينا، فتلتصق هي الأخرى بأسلاكها معظم الوقت.
تري كيف سيكون المستقبل بعدما نزلت شركات عملاقة مثل سوني وإنتل إلى هذا المجال، فقدمت للمرة الأولى اختبارا لهواتف وكمبيوترات محمولة وتلفاز يتم تزويدهم بالطاقة لاسلكيا؟ هل اقتربنا من كلمة النهاية في عالمنا المليء بالأسلاك المزعجة أم ما زال المستقبل يخفي لنا بعضا من مفاجآته؟ ربما تحتاج الإجابة لأن نلقي بنظرة ما على الماضي.
“تسلا” ونقل الكهرباء لاسلكيا
في بدايات القرن العشرين، خطط نيكولا تسلا لاستخدام ملفات عملاقة لنقل الكهرباء لاسلكيا إلى المنازل، وقد شرع وقتها في بناء برجا عملاقا للاتصالات في لونج أيلاند بنيويورك، ولم يكتمل المشروع لعدم جدواه التجارية، فقد رأى ممولوه وقتها عدم وجود وسيلة عملية تضمن أن يدفع كل مستفيد القيمة الحقيقية لما يستهلكه من الكهرباء، وقد كان أن حلت شبكات توزيع الكهرباء محلها، والتي ما زلنا نستخدمها حتي الآن.
جاء عقد الستينيات حاملا معه تطبيقا عمليا هذه المرة، فقد تم تزويد نموذج مصغر لطائرة هليكوبتر بالطاقة اللازمة لها عبر موجات الميكروويف المرسلة من على الأرض، وفي التسعينيات كان الأمر سهلا لكي يتوقع البعض أنه يوما ما سيتم تزويد سفن الفضاء بطاقتها من الأرض باستخدام آشعة الليزر، أو أن يذهب آخرون لإجراء بحوثهم النظرية حول إمكانية توليد الطاقة من آشعة الشمس في الفضاء وإرسالها فيما بعد إلى الأرض.
بالنسبة إلينا، نحن مستخدمي تقنية القرن الحادي والعشرين، فإن نقل البيانات لاسلكيا صار شيئا معتادا نمارسه يوميا ولا يحتاج لتجهيزات خاصة، فأجهزتنا الإلكترونية وهواتفنا المحمولة صارت تتبادل البيانات فيما بينها عبر البلووتووث Bluetooth، وأصبحنا نستقبل الإنترنت لاسلكيا عبر مزودي خدمات الهاتف المحمول أو عن طريق النقاط الساخنة Hot Spots التي تغطيها شبكات البث اللاسلكية “واي فاي” Wifi، ولا يوجد سوى سلك الكهرباء هذا، الذي لو نجحنا في التخلص منه للأبد لأصبحت أجهزتنا تستحق عن جدارة لقب الأجهزة المحمولة التي نحلم به.
نقل الكهرباء لاسلكيا خطوة حتمية
لذلك فإن نقل الكهرباء لاسلكيا خطوة يراها المتخصصون حتمية في مثل ذلك العصر اللاسلكي الذي نعيشه، ومع نزول العديد من الشركات المطورة إلى الحلبة، يظهر حتى الآن بعض الخيارات التي ربما تحكم الأمر برمته، أكثرهما شيوعا استخدام موجات الراديو في نقل الكهرباء بطريقة مشابهة للمرسلات والمستقبلات في تراسل الواي فاي Wi-Fi، وهي التقنية التي استخدمتها شركة باوركاست Powercast، في بنسلفانيا، لنقل بضعة ميكرووات وميللي وات من الكهرباء عبر مسافة تقترب من 15 مترا، وهو ما قد يصل بهم يوما ما مع استمرار التطوير إلى إمكانية شحن الهواتف المحمولة وأجهزة التحكم عن بعد(الريموت كنترول) لاسلكيا بشكل أفضل من تقنية السحن اللاسلكي الموجودة حاليا.
أما الأجهزة التي سوف تحتاج إلى طاقة أكبر لتشغيلها، فسيمكنها ذلك عن طريق إرسال شعاع مركز من الليزر تحت الأحمر إلى خلية ضوئية تحوله إلى طاقة كهربية مرة أخرى، وهي التقنية التي تطورها شركة باوربيم PowerBeam، وتحاول التغلب على كفائتها الضئيلة، التي تتراوح بين 15 إلى 30%، ويمكن لها أن تزود بعض الأجهزة التي تحتاج إلى أقل من 10 وات لتشغيلها، مثل اللمبات اللاسلكية والسماعات وإطارات الصور الرقمية الإلكترونية.
مع هذا لا يزال البعض متشككا من الصعوبات التي تواجه مثل تلك التقنية، فكما يذكر مينو تريفرز، رئيس اتحاد الطاقة اللاسلكية بنيوزيلندا، أن مثل ذلك الشعاع من الليزر لن يكون من السهل استخدامه في شحن هاتف محمول مثلا، لكونه يحتاج أن يكون موجها بدقة كبيرة، وبلا أية عقبات، قد تعترض طريق المرسل والمستقبل، كما أن التقنية التي تتبناها باوربيم PowerBeam تجعل من الواجب أن يكون لكل جهاز الشعاع الخاص به والمصوب نحوه.
الخيار الثالث هو استخدام الحث المغناطيسي، فالمجال المغناطيسي لأحد ملفين متجاورين يستطيع توليد تيار حثي في الملف الآخر، وهي تقنية مستخدمة بالفعل في العديد من التطبيقات، مثل شحن فرشاة الأسنان الكهربائية وبعض الهواتف المحمولة والبطاريات الفارغة القابلة لإعادة الشحن، وهي تعمل بكفاءة عالية في حالة القرب الشديد من الجهاز الناقل للكهرباء، إلا أنها قد تفقد فعاليتها على بعد ملليمترات قليلة منه.
أما إنتر كاراليس وزملاؤه فيعرفون جيدا أن نقل مثل تلك الطاقة يتحسن كثيرا إذا ما كان الجسمين يحدث لهما اهتزاز أو رنين بنفس التردد، وما زالوا يبحثون ما إذا كان منطقهم العلمي هذا قد يساهم في تحسين التيار المولد بالحث المغناطيسي على مسافات كبيرة، فعندما يكون المرسل والمستقبل لهما نفس التردد، تزداد المحصلة الكلية للطاقة المنقولة، ومن تجاربهم التي حققت نجاحا في عام 2007، استطاع الفريق نقل 60 وات من الكهرباء على بعد متران بكفاءة 40%، وقد وجد الفريقان مساعدة من شركة واي تريستي WiTricity، التي تبنت تطوير فكرتهما، لتصل بنجاح إلى نقل 50 وات من الكهرباء لتشغيل تلفاز يبعد نصف متر تقريبا عن مصدر الكهرباء بكفاءة وصلت إلى 70%.
قد يكون هذا ما شكل دافعا لدى بعض شركات التجارية الكبيرة، مثل سوني وإنتل، للتحقق من خاصية نقل الطاقة بتماثل الرنين resonant transfer، فقد عرضت سوني تلفازا يعمل لاسلكيا، وتسعى إنتل إلى تطبيق ذلك على العديد من منتجاتها.
مخاوف مشروعة
وبعيدا عن الجانب التقني الذي يجري فيه التطوير، ما زالت تقنية بث الكهرباء لاسلكيا تثير المخاوف من ذلك الكم الهائل من موجات الطاقة الذي سيسري في الهواء من حولنا، فنقلها عن طريق أشعة الليزر مثلا يجعل هناك كما هائلا ومركزا من الطاقة في صورة شعاع ليزر قد يسبب ضررا بالغا للإنسان، كما أن التعرض إلى موجات الراديو والمجالات المغناطيسية المتذبذبة قد يسبب ضررا في خلايانا، التي يمكن أن تتضرر أنسجتها من الحرارة الناتجة عنها على المدى الطويل.
ويوضح روديجر ماتسيس، نائب رئيس اللجنة الدولية للحماية من الأشعة غير المتأينة بألمانيا، كيفية تشابه تلك التقنيات في التأثير الحراري على الجسم، مثلما تفعل الأشعة الناتجة عن استخدام الهواتف المحمولة بالضبط، ولكن كما يضيف ديفيد بومراي، في جامعة نوتينجهام ببريطانيا، والذي اختبر تأثير موجات الميكروويف على بعض الديدان الحية، فإن الأمر ما زال مطروحا للنقاش والبحث، وأن الخطر سيكون عظيما وقد يفوق تأثير الهواتف المحمولة إذا لم تلتزم الشركات المطورة بمعايير الأمان الموضوعة من قبل اللجنة الدولية للحماية من الأشعة غير المتأينة ICNIRP.