ذكر الله تعالى أنواعاً مختلفةً من الحيوانات والحشرات في كتابه العزيز، كما سمّيت عددٌ من السّور على أسمائها كسورة الفيل وسورة النّحل وسورة العنكبوت، وقد ذكرت تلك الكائنات في معرض بيان فائدتها في الشّفاء من الأمراض بما تفرزه من عسل كالنّحل، أو في معرض بيان كونها جندٌ من جنود الله تعالى أرسلها الله على الكافرين حين فكّروا يوماً بغزو الكعبة كالفيل، وقد ذُكرت بعضها للتّشبيه بحال أقوامٍ كالعنكبوت وبيتها؛ حيث شبّه الله تعالى الّذين يتخذون من دونه أولياء كحال العنكبوت حين تتّخذ بيتاً، فما هو وجه الشّبه بين بيت العنكبوت وحال من يتخذ أولياءً من دون الله، وما هي أسرار هذا البيت العجيب؟ وما الاسم الذي أطلق عليه؟


يتّخذ بعض النّاس الّذين ضلّوا عن سبيل الله تعالى أولياءً من البشر أو الحجر، ويظنّون أنّهم ينفعونهم أو يضرونهم فتراهم يسعون لإرضائهم وتولّيهم بالقول والعمل، وهذا كان حال أهل الجاهليّة الأولى حيث كانوا يعبدون الأصنام من دون الله تعالى ويظنّون فيها النّفع والرّشاد وبلوغ المنى، وقد شبّه الله تعالى حال هؤلاء البشر بحال العنكبوت التي تتّخذ بيتاً هو من أوهن البيوت على الإطلاق، وإنّ وهنه ليس بسبب ضعف مادّته التي تصنع منه، فقد أثبت العلم الحديث أنّ نسيج العنكبوت يفوق قوّة بعض المعادن أضعافاً كثيرةً، ولكن وهنه معنويّ نابع من أنّ العنكبوت، وحين تبني بيتها إنّما تبنيه كلّ يومٍ وتتّخذه مكاناً لاصطياد الفرائس؛ فهو بيتٌ مبنيّ لهدفٍ معيّن ينتهي بنهايته وتحقيق غايته.


وقد ذكر العلماء أنّ العنكبوت حين تنتهي من بناء بيتها تنتظر مجيء الذّكر الّذي يترقّب الاجتماع بالأنثى في هذا البيت الجديد، ليتمّ التّزاوج بينهم، وتصدر العنكبوت أصواتاً تجذب الذّكر إلى الفخّ الّذي ينتظره، وعندما يدخل ذكر العنكبوت إلى هذا البيت ويتحقّق مراد الأنثى منه؛ حيث ينتج البيض، تقوم الأنثى بحمل البيض إلى مكان آمن، ثمّ تباغت ذكرها وتنقض عليه غدراً لتقتله بسهام المكر والخديعة، لتنتهي بذلك الحياة الزّوجيّة الهشّة بينهما.


ولقد اكتشف العلماء أنواعاً كثيرة من العناكب منها: عناكب الطّاووس التي تنتمي إلى عائلة العناكب القفّازة التي تضم أكثر من خمسة آلاف نوع، وعنكبوت السّوس الأحمر، وعنكبوت قطر النّدى، وعنكبوت الوشق، وعنكبوت قمل الخشب، وهناك أنواع خطرة على صحّة الإنسان وسامّة مثل عنكبوت الأرملة السّوداء. ولذلك شبّه الله تعالى حال الرّكن الّذي يلجأ إليه الكافرون حين يتبعون أحداً غير الله ويظنّون أنّ فيه الأمان والحماية بحال بيت العنكبوت من حيث الضّعف والهوان، ومن حيث عدم وجود وقايةٍ أو حمايةٍ من البرد أو الحر أو غير ذلك، وقد سمّي بيت العنكبوت بالشّباك أو الشّبكة؛ لأنّه يتّخذ مصيدةً للفرائس التي تتغذّى عليها العنكبوت، ويطلق عليه أيضًا اسم بيت العنكبوت .