الطفل والمراهق... كيف ينشآن من دون اضطراب؟





يحوز الطفل والمراهق راهنًا الكثير من الوسائل التي تساهم في نموّهما على المستويين النفسي والذهني. ولكن يبقى السؤال هل أطفال هذا العصر ومراهقوه هم فعلاً منفتحون على كل الأمور؟ وهل يكفي أن تُوفر لهم كل الوسائل التكنولوجية والتعليمة حتى ينمون في صحة نفسية وذهنية جيدة؟
وتعليل هذا السؤال أن الإضطرابات النفسية تؤثر في شكل سلبي على حياة الطفل وتكوينه النفسي والذهني وتواصله الإجتماعي.
لذا فإن توفير محيط اجتماعي يملؤه العاطفة والحنان، إضافة إلى انتباه الوالدين لبعض مؤشرات الإضطراب النفسي عند الطفل والمراهق، كفيل بأن ينتقلا إلى عالم الراشدين بثقة وصحّة نفسية ممتازة.
والدان سعيدان... طفل سعيد
كي يكون الطفل سعيدًا وذهنه صافيًا على الوالدين أن يكونا هما أيضًا سعيدين، فكآبة ما بعد الولادة Baby Blues التي تصاب بها الأم، والصعاب التي يواجهها الوالدان بعد ولادة طفل نظرًا إلى التغيير الذي يطرأ على حياتهما، يجب أخذهما في الإعتبار.
فقد أثبتت الدراسات أن الوالدين السعيدين يوليان عناية أفضل بطفلهما، ويتنبّهان إلى مؤشرات الإضطراب عند مولودهما منها: نوم متقطّع، توتر، قلق، خوف... فالسنتان الأولى والثانية من حياة الطفل أساسيتان لنمو الدماغ وتطوّره.
لذا على الوالدين ألا يتردّدا في استشارة اختصاصي عندما يلاحظان مؤشرات اضطراب في الشهور الأولى من حياة الطفل
كيف يمكن الوالدين اكتشاف ما إذا كان الطفل يعاني اضطرابًا أم لا؟
بيّنت دراسة أجرتها منظّمة الصحّة العالمية إلى أن هناك من 10في المئة إلى 20في المئة من الأطفال يعانون إضطرابات ذهنية، وغالبًا ما تتكشف عند دخول الطفل إلى المدرسة.
ولكن ليس بالضرورة أن يكون اكتشاف ما إذا كان طفل في الثالثة يعاني اضطرابًا، أكثر سهولة من اكتشافه عند الرضيع. فالطفل لا يتحدّث بسهولة عن مخاوفه وقلقه أو توتّره. والحل الأمثل أن يصغي الوالدان والمعلّمون بانتباه إلى الطفل ويتحقّقون من مشكلاته.
فمن بين المؤشرات التي يمكن أن تكون أعراض اضطراب نفسي أو ذهني: كآبة أو توتّر، شعوره بالقلق أو مخاوف متكرّرة تدوم أسابيع عدة.
كما أن النشاط المفرط صعوبة أخرى يمكن أن تظهر عند الأطفال الصغار، مثلاً الطفل الذي يتعرّض للجروح أكثر من غيره، ولديه صعاب مدرسية، وقلق بشكل قوي، ويعاني اضطرابات في النوم... وغيرها من الأعراض التي تستوجب استشارة اختصاصي.
ماذا عن المراهق؟ كيف يمكن اكتشاف حالة الإضطراب عنده؟
من الصعب فهم تصرفات المراهق، فهو لديه هموم وحاجات محدّدة. فالتغيّرات السريعة التي تطرأ على جسده ومحيطه ترافق مراحل من التوتر والخوف والقلق. وليس من السهل السيطرة على فورة المشاعر التي تنتاب المراهق.
ويبقى السؤال كيف يمكن التمييز بين أزمة المراهقة التقليدية وبوادر اضطرابات حقيقية؟ هناك بعض الإشارات والتصرّفات التي تسترعي الإنتباه والحذر، إذا تكرّرت خلال فترة طويلة وهي
أفكار غريبة: يظن أن أحدًا يلاحقه أو يريد إلحاق الأذى به، يظن أن في استطاعته قراءة أفكار الآخرين أو الآخرين يقرأون أفكاره. يشعر بأنه مضطهد من المحيطين به مثل زملاء المدرسة الأساتذة أو أبناء الحي.
عدم ترابط في الحديث: كأن يتحدّث المراهق في موضوع لا علاقة له بموضوع الحوار الجاري، فهو يعاني نقصًا بديهيًا في التركيز.
إضطرابات في المزاج: يشعر بالحزن العميق، والخوف ويصعب عليه النوم لفترة طويلة.
مشكلات مدرسية وإنطواء مستمر: رسوب مستمر ومشكلات مع زملاء الصف أو إدارة المدرسة قد تصل إلى حد الطرد. في مقابل إنزوائه في غرفته ساعات طويلة وعدم رغبة في الخروج منها أو التحدّث إلى أحد.
ومع هذا تجدر الإشارة إلى أنه ليس من السهل التمييز بين تصرف عادي يكون عابرًا يقوم به المراهق ومؤشرات لوجود مشكلة خطيرة. فهذه مسألة معيارية. ولتوضيح الأمر نعرض نموذجين لحالتين متشابهتين في الأعراض مختلفتين في النتيجة.

  • ريان في الخامسة عشرة تظن أن الجميع يكرهها، ففي رأيها أن الفتيات اللواتيترافقهن إلى المدرسة شرّيرات يتصرفن بلؤم معها، ومعلّماتها وأهلها لا يتوقفون عنانتقادها.


  • · فيما جيهان في السادسة عشرة لديها انطباع أن الأشخاص المحيطين بهايتآمرون عليها لإلحاق الأذى بها، وتخاف من أن يلاحقها أناس أو أن يكون هناك من يحاولدس السم في وجبة طعامها.


عند تقويم الحالتين نجد أن شعور ريان بأن الجميع يكرهها يبدو إحساسًا عابرًا يمرّ به معظم المراهقين، فمن المعلوم أن المراهق في رحلة البحث عن هويته واستقلاليته ينتابه شعور أحيانًا بأن من لا يوافقه الرأي يكرهه، ويصبح حسّاسًا من تصرّفات الآخرين له.
ولكن بعد فترة يدرك أن من لا يوافقه الرأي لا يعني أنه يكرهه، وبالتالي يختفي هذا الشعور مع الوقت.
فيما حالة جيهان تنبئ بأنّها تعاني اضطرابًا قد تزداد وتيرته إذا لم تطلب مساعدة إختصاصي، فشعورها مؤشر لمعاناتها الوسواس القهري لأنها تشعر بأن الجميع يتآمرون عليها وهناك من يريد إلحاق الأذى بها إلى درجة قتلها، وهذا دليل على اضطراب شديد في شخصيتها، فهي تتخيل أمورًا ليست موجودة.
وأخيرًا ينصح الإختصاصيون الأهل بعدم تبسيط أو تسخيف الصعاب التي تظهر عند المراهق، وتجنب العبارات التي تبسّط حالته مثل عبارة» إنها مرحلة عابرة تمر بها» أو «أنت لا تزال يافعًا جدًا لتصاب بالكآبة» أو «لا تقلق سوف ينتهي الأمر قريبًا»... وعوضًا عن ذلك على الأهل أن يخصصّوا وقتًا للإستماع إلى أبنائهم المراهقين.
صحيح أن المشكلة التي يواجهها المراهق قد تكون بسيطة بالنسبة إلى الأهل ولكنها ليست كذلك بالنسبة إليه، فعندما يكون حزينًا على الأهل احترام حزنه والتفكير بالطريقة التي تخرجه منه، لا تسخيف سبب الحزن، فذلك يُشعره بأنهم لا يفهمونه ولا يحترمون مشاعره مما يزيده حزنًا وانطواء.