صار بيني وبين احد الاخوة حوار حول العلمانية في هذا الموضوع، .. وقد لاحظت إن هنالك لبسا او سوء فهم بخصوص مصطلح العلمانية لذلك احببت ان نناقش الامر هنا
هنالك (تخوف) من العلمانية من قبل المتدينين ..كلمة العلمانية بالنسبة اليهم ترادف كلمة (الالحاد) أو معاداة الاديان.. وغيرها
من أين اتى هذا المفهوم الذي هو في رأس الناس عن العلمانية ؟ من زرعه بهذه الصورة حتى تم رفض كلمة (علماني) ؟
قبل كل شيء . لنأخذ تفسير ويكيبيديا للعلمانية
بعد قراءة التعريف هذا .. هل تبدو العلمانية سيئة ؟هي فصلُ الحكومة والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة أو الشّخصيّات الدّينيّة. وتعني أيضًا عدم قيام الحكومة أو الدّولة بإجبار أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّي معتقدٍ أو دينٍ أو تقليدٍ معيّنٍ لأسباب ذاتيّة غير موضوعيّة،. كما تكفل الحقّ في عدم اعتناق دينٍ معيّنٍ وعدم تبنّي دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة. وبمعنى عامّ، فإنّ هذا المصطلح يشير إلى الرّأي القائِل بأنّ الأنشطةَ البشريّة والقراراتِ -وخصوصًا السّياسيّة منها- يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المُؤسّسات الدّينيّة
من اين أتى مصطلح (العلمانية) ؟ بالانجليزية (Secularism) وتلفظ (سيكيوليرزم) هل هو من الـ (ِ عِلم) بكسر العين أم من الـ ( عَلم) بفتح العين ؟
العلمانية أتت من كلمة (علم) (بفتح العين) (مرادفها راية ربما) وهي ترتبط بعلم الدولة بمعنى إن الحكم العلماني يضع نصب عينه مصلحة الدولة والمواطنين (كل ما ينتمي للعلم).. و هي مشتقة من اليونانية بمعنى (العامة او الشعب)
العلمانية مفهوم سياسي بحت، وليس ديني او مجتمعي تعني فصل الدين عن السياسة في الحكم او الحكم على اساس المصلحة والمواطنة، وليس الحكم على اساس شرائع الاديان ، وهذه الفكرة مهمة للغاية لماذا ؟ انظر لسببين:
- لا يوجد دين يوفر احكام سياسية وقوانين وضعية كاملة، حتى الاسلام (اصدق مثال السعودية وايران الاسلاميتين، ولكن في كل منهما كم هائل من القوانين الوضعية التي تنظم الافراد)
- كلمة (دين) معناها نسبي، فهي للمسلم الاسلام، وللمسيحي المسيحية، وللبوذي البوذية، .. ولكن عندما تحكم كل هؤلاء في دولة واحدة لا يصح ان تميل إلى طائفة دون غيرها (مقتضى العدل)
لذلك هل تعني العلمانية الالحاد ؟ لا ابدا .. لا علاقة للعلمانية بالمعتقدات من قريب او بعيد، لانها مفهوم سياسي، ولكن من اثارها (وهذا قد لا يرضاه الدينيون) إن الملحد يستطيع ان يعيش في ظل الحكم العلماني مثل اي مواطن آخر مسلم مثلا.
هل العلماني تعني معاداة الدين ؟ لا ابدا، بل إن العلمانية وجدت من اجل مصلحة الافراد، واذا كان الافراد يعتقدون في دين معين، فهي ملزمة باحترام ذلك، وتشريع القوانين التي تحفظ للناس حقوقهم في ممارسة شعائرهم ، بضمنها العطل الدينية والتجمعات الدينية (مثل الزيارة الاربعينية فرضا او الحج) وغيرها
هل الدولة العلمانية يجب ان تمنع الحجاب في الجامعات مثلا (مثلما فعلت فرنسا ذات مرة) او تمنع (البوركيني) وتطالب باظهار جسد المرأة ؟ .. لا ابدا .. هذا من افعال ما يسمون (اليمينيون) وليس العلمانيون .. والشخص اليميني هو المتعصب للنظام القائم، ويفعل كل ما يمكنه لكي يقوض ما عداه، وفي ذلك تفصيل كثير.
هل العلمانية تعني الاعتدال؟ قد يكون هذا، لان كلمة (اعتدال) تعني معاملة الجميع بوسطية، وهذا ما تفعله العلمانية بالضبط مع افراد الشعب .. الحكم على اساس المواطنة ومصلحة الدولة (ونقول الدولة وليس النظام)
بالنسبة للعطل، المفروض بالحكم العلماني انه يعطي عدد عطل للمناسبات المهمة (دينية او عرقية) بشكل متساوي بين طوائف الشعب، وفي حالة وجود مناسبات مشتركة مهمة، دينية او وطنية فليكن
الحكم العلماني معناه انه التظاهرات حق مشروع (بخلاف الحكم الاسلامي، حيث تكون التظاهرات ضرب للمشروع الاسلامي كما قال المالكي ذات مرة مثلا)
الحكم العلماني سوف يحمي التجمعات السلمية (مثل زيارة الحسين او الحج) ويضرب يضرب التجمعات غير السلمية
الحكم العلماني سوف يستعين بكل الوسائل المتاحة للدفاع عن البلاد في حال تعرضها للخطر، بضمنها المجهود الشعبي و دعم القادة الدينين ربما وغيرهم
الفائدة الكبرى للحكم العلماني ، إن الاشخاص الحاكمين ممكن أن يتىغيروا بسهولة، من غير هالة من القدسية .. يعني الذي يكذب او يفسد الامور او يسرق، فستتم محاكمته أو على اقل لن يكون له نصيب في الفوز في الانتخابات القادمة لانه (لا يمثل الله، ولكن يمثل البشر)
الحكم العلماني هو ليس لضرب الدين ..ابدا وإنما العمل على مصلحة المواطنين مهما كانت اديانهم، .. مثال على ذلك الحكم في روسيا او اميركا أو المانيا.. ففي تلك البلدان ترى المتدينين عليهم تقييدات ؟ العكس هو الصحيح، المتدينيين بالبلاد العلمانية امنين مطمئنين، ينشرون دينهم (واحيانا حتى الافكار المتعصبة) كما يحبون.
لذلك ما نظنه مرادفا هو في الحقيقة مغاير تماما .. العلمانية هي اسلوب الحكم المناسب الوحيد للبشر، لانه هو الحكم الذي يعامل جميع الافراد حسب مصالحهم
هل هنالك شكل واحد من الحكم العلماني؟ لا بالطبع، الحكم العلماني يتغير بتغير طبيعة البشر المنتمين لعلم الدولة، فترى إن الحكم العلماني في المانيا، يختلف عن الحكم العلماني في روسيا، ويختلف عن الحكم العلماني في ماليزيا (التي تسمى اسلامية، ولكن نظام الحكم برلماني علماني،بسبب وجود ثلاثة اعراق مختلفة مستعدة للتناحر بينها: العرق الصيني والهندي والماليزي المسلم) .. . لان الحكم العلماني يعنى بمصالح افراد الشعب (العامة) فيجب ان يتغير حسب مواصفاتهم
بل وفق تصوري وقرائتي للتاريخ هذا يشمل حتى حكم الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، حيث كان اليهود والمسيح يعيشون بكامل الحرية والحقوق والكرامة مع نظرائهم المسلمين، وهو مصداق لقول علي بن ابي طالب عليه السلام ( الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين ، يعني الحاكم السياسي لبلاد الاسلام انذاك) (البشر صنفان، اما اخ لك في الدين، او نظير لك في الخلق) ..و هو ما ذكرته في موضوع سابق، إن الأحكام التي اطلقها رسول الله من غير القرآن هي (سياسية) لو صح التعبير، من حيث كونه حاكما، وتناسب ذلك الزمان وتلك الأجواء وطبيعة الافراد، ولو كان موجود الان لأطلق احكام اخرى مختلفة لاختلاف الظروف الزمانية والمكانية، لأن الغرض من الحكم العلماني هو تنظيم مصالح المحكومين (وهذا يخالف الحكم الدكتاتوري، الذي يكون هدفه مصلحة الحاكم)
ولكن الرسول، كان رسولا، وحاكما في نفس الوقت، لذلك تم الاشتباه بين القواعد الدينية، والاحكام السياسية ..الكثير من الانبياء لم يكونوا حكام (مثل المسيح عليهم السلام)، والكثير من الحكام الصالحين لم يكونوا انبياء (مثل ذو القرنين)
لذلك هي دعوة للـ (متدينين المسلمين) لا ان يتقبلوا فقط مبدا الحكم العلماني، بل ان يصروا عليه ويرفضوا ما يدعى بـ (الحكم الاسلامي) بجميع صوره، لانه لا يوجد ما يسمى بالـ (حكم الاسلامي) في الدين، ولا يوجد دين يحتوي على قوانين مناسبة لحياة البشر بحيث يصح ان يكون الحكم على اساسه. والله سبحانه وتعالى لا يريد من البشر سوى ان يعبدوه وحده، وهي الغاية من خلقهم، ولكن يريدهم كذلك خلفاء على الارض في الحياة الدنيا (الغاية من جعل البشر على الارض)
وشكرا، بانتظار ارائكم