ما أن أجلس على الكرسي - ذاتَ نهارٍ مشمسٍ - |
صالباً ساقيَّ اللتين شوهتهما الحربُ |
ومحدقاً في بريدِ الشوارعِ وهو يحملُ لي بطاقاتِ الأصدقاءِ المفقودة, والكسلََ، |
والباصاتِ المسرعةَ, وغيومَ الدهشةِ.. |
مسترجعاً أمام عينيكِ السوداوين تأريخَ حزني الطويل |
وبمجردِ أن أرمشَ جفني |
تتساقطُ صورُ القنابلِ بدل الدموع |
كفاكِ تحديقاً في مرايا عيوني.. |
لقد بكيتُ كثيراً, أكثرَ مما يجبُ |
أكثرَ من كميةِ الدموعِ المخصصةِ لحياتي |
والآنْ.. |
عليَّ أن أبتسمَ أمامَ مرايا المطعم الفخمِ، الذي تطأهُ أقدامُ دهشتي لأولِ مرة، |
محاطاً بذراعك نصف العارية.. |
بينما يغطّي الفرو الثمينُ نصفَ العالم الشهي |
اتركيني - لدقائق - |
ريثما يهدأُ هذا الهلعُ الذي يسكنني |
منذ دخلتُ – سهواً – رصيدكِ العاطفي |
اتركيني - لساعات - |
ففي داخلي سنواتٌ من الوحلِ والهلعِ والرصاصِ |
لن تمسحَها يافطةُ النادلِ الأجنبيِّ، وهو ينحني بأدبٍ جمٍّ، |
ليزيل قطرات القهوة التي أسقطها ارتباكي |
على قماشِ الطاولةِ الأبيضِ |
كان عليّ - على الأقلِ - أن أحدثكِ قبل هذا |
عن بساتين طفولتي التي حرثتها أسنانُ البلدوزرات والمجنـزرات |
عن قلبي الذي ما زال يرتجفُ على الأرصفةِ، كلما مرَّ به ما يشبهُ شَعرها الطويل |
عن القنابلِ التي حفرتْ ذكرياتها على ملامحي |
عن نساءِ الصالونات اللواتي تضاحكن لرؤية حذائي المغموسِ بالطين |
عن الأرصفةِ التي شردتني في الأجازاتِ القصيرةِ {المسروقةِ} |
والأشجار التي اختبأتْ في مساماتِ جلدي أثناء القصفِ |
عن السنواتِ المرّة التي تركتْ طعمها عالقاً على شفتي..، حتى هذه اللحظة |
من عصير أناناسكِ وفنجانِ قهوتي |
كفاك تحديقاً في مرايا عيوني |
أعرفُ.. أعرفُ.. أعرفُ |
أعرفُ ذلك... |
هذه الذكريات ضيّعتْ حياتي تماماً |
أعرفُ، هذه القصائد التي غاصت معي في البرك، |
وحملتها في الملاجيء والمقاهي والدروب |
ستبقى معي أينما ارتحلتُ |
أعرفُ، هذا القلب سيضيّعُ ما تبقى مني |
لقد تورطتُ.. |
تورطتُ تماماً.. |
ورغم ذلك فلستُ على استعدادٍ |
لأن أبدّلَ حياتي بأيةِ حياة على الاطلاقِ |
فأنا أملكُ هذا الألمَ الذي يضيء |
***********
عدنان الصائغ |