ليس من المستغرب أنَّ سجل أوائل البشر، الذين تم تعريفهم من خلال استخدام أسماء شخصية يعود إلى ما قبل فجر التاريخ نفسه.
فيما يلي نستعرض أقدمَ الأسماء التي ذُكرت في الحضارات العتيقة، والتي تعود بداية بعضها إلى عام 3200 قبل الميلاد، بحسب النسخة الأميركية من “هافينغتون بوست”.
الصين
غالباً ما تُظهِر الشظايا الأثرية الفخارية وغيرها من الأعمال الفنية المكشوفة في الصين رموزاً غريبة يعود تاريخها إلى فجر الكتابة الصينية بين أعوام 6600، و6200 قبل الميلاد. الرموز التي تسمى رموز “جياهو”، ليست جزءاً من لغةٍ مكتوبة، ولكنها مجرد رموز اختُرِعت بشكلٍ شخصي، ونُحِتَت على الفخار لتحديد ملكيته لشخص معين: بعبارة أخرى هي مجرد “اسم”!
الحضارة السومرية
يمكن العثور على أول اسم مسجل ورد في نظام كتابة فعلي على ألواح الطين التي يرجع تاريخها إلى فترة جمدة نصر في بلاد سومر بين أعوام 3200 و3101 قبل الميلاد.
الألواح لا تحمل أعمالاً كتابية عميقة عن التفكير الإنساني، ولكنها بمثابة دفاتر محاسبة لاحتساب السلع والممتلكات! ترجع بعض الأسماء الأولى إلى مالك الرقيق غال- سال، واثنين من عبيده، إنباب-إكس وسوكالجير (3200-3100 قبل الميلاد).
وهناك اسم آخر هو لتورغونو سانغا (3100 ق.م)، الذي يبدو أنَّه كان محاسباً لدى أسرة تورغونو. وهناك العديد من الأسماء من هذه الفترة، ولكنها لم تظهر سوى قبل عام 3200 قبل الميلاد بفترةٍ قصيرة.
مصر
إذا نظرنا إلى مصر، سنجد أنَّ اسم إري-حور (فم حورس) من أوائل الأسماء التي نعرفها، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 3200 قبل الميلاد. لا نعرف الكثير عن الملك إري-حور غير اسمه الذي وُجِدَ على القطع الفخارية في واحدةٍ من أقدم المقابر في مدينة أبيدوس القديمة، على الرغم من أنَّه استناداً إلى طقوس جنازته كان إري-حور ملكاً على صعيد مصر في عصر ما قبل الأسرات.
وكان الملك كا، من نفس الفترة الزمنية تقريباً، هو أول من وضع اسمه داخل سيرخ (أي ما يعرف في علم المصريات بالخرطوش الملكي)، على شكل مستطيل كمؤشر على الملوكية.
نجد أيضاً بعد الملك كا والملك إري-حور أسماء ملوك مكونة من رموز الكتابة الهيروغليفية؛ إذ نجد مثلاً الملك التمساح، والملك العقرب، يليها اسم الفرعون الأول، مثل نارمر (الملك السلور)، الذي وحَّد كلاً من مصر العليا والسفلى وعاش جنباً إلى جنب مع زوجته نيت-حُتِب بين أعوام 3150 و3125 قبل الميلاد. زوجته، بالمناسبة، من أقدم النساء التي يتم ذكرها بالاسم. اسم نيت-حُتِب يعني “[الإلهة] نيث راضية”.
وصلت الحضارات الأخرى إلى كتابة الأسماء في وقتٍ متأخر كثيراً عن الصينيين، والسومريين، والمصريين، ولكن لا يزال بوسعنا أن نسأل نفس السؤال فيما يتعلق بهذه الحضارات.
منطقة البحر الأبيض المتوسط
كان أنيتا (لا نعرف معنىً للاسم) ملكاً لكوشارا المدينة الحثية. عاش أنيتا خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد، وهو من أوائل الحُكَام الذين عُرِف أنهم ألفوا نصوصاً باللغة الحثية، وهي من أقدم النصوص الهندو-أوروبية المعروفة.
الكتابات الخطية “بي” هي كتابة مقطعية سبقت الأبجدية اليونانية بعدة قرون. وتعود أقدم الكتابات إلى منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وتذكر بعض ألواح الكتابة الخطية “بي” التي تعود إلى مدينة كنوسوس القديمة الناس بالاسم.
وهناك عدد من الأسماء من الحضارة الميسينية لها مقابلها الدقيق عند الشاعر الإغريقي هوميروس، مثل اسم هيكتور، الذي يعني “الممسك بإحكام”.
وبالنظر للعديد من تقاليد الأسماء الخاصة بحضاراتٍ أخرى قديمة، نجد أنَّّه حتى الأسماء اليونانية القديمة لها معنى جوهري. على سبيل المثال اسم أرخميدس يعني “سيد الفكر”، وهو مكون من الكلمة اليونانية (archos) بمعنى “سيد” وكلمة (medomai) بمعنى يفكر أو يتأمل.
وبطبيعة الحال، تقريباً جميع الأسماء المصرية القديمة لها معنى مستقل، مثل توت عنخ آمون، الذي يمكن كتابة اسمه الهيروغليفي مباشرة بعبارة “الصورة الحية لآمون”، ولكنه يشتهر باسم توت عنخ آمون.
حضارة المايا
كتابة المايا القديمة
ظهرت حضارة شعب المايا تقريباً عام 250 ميلادياً. ويرد أقدم اسم مسجل لملك بشكلٍ واضح من خلال شكل منقوش يترجم إلى Yax Ehb’ Xook، التي تعني حرفياً “قرش الخطوة الأولى”.
وكان هذا هو أول ملك من تيكال حكم في الفترة ما بين عامي 63 و90 ميلادياً. بعد ذلك بكثير، في عام 420، نجد مؤسس مدينة كوبان الأثرية المزعوم، K’inich Yax K’uk’ Mo، الذي يعني اسمه “طائر الكوازال المتألق الذي تشبه عيناه الشمس”.
وكانت لدى جميع شعوب إفريقيا، وأستراليا، وأميركا الشمالية لغاتٌ منطوقة، ولم تكن هناك رموزٌ للكتابة، لذلك حتى وقت وصول الكتابة إلى هذه المناطق لم يكن هناك سجل موثَّق بالأسماء.
على سبيل المثال، يرجع أقدم اسم معروف بين سكان أميركا الأصليين إلى فترة وصول المهاجرين وحفظهم للسجلات؛ إذ نقرأ عن تيسكوانتوم (غضب الرب) عام 1620، الذي كان عضواً في قبيلة باتوكسيت.
إفريقيا
وفي إفريقيا، هناك العديد من الأسماء التي ظهرت في وقتٍ متقدم حرفياً بشكلٍ شفوي، ولكن لا سبيل لتحديد التواريخ الفعلية لاستخدام هذه الأسماء في الكتابة. على سبيل المثال، كان يُعتَقَد أن ملكة سبأ الأسطورية (1005-955 قبل الميلاد) جزء من السلالة الإثيوبية التي أُنشِئَت في عام 1370 قبل الميلاد على يد شخصٍ يُدعَى زا بيسي أنجابو.
أستراليا
وبين سكان أستراليا الأصليين، ظهرت الكتابة فقط بعد وصول الأوروبيين في ثمانينات القرن الثامن عشر الميلادي، والذين حولوا الأصوات اللغوية إلى نصوصٍ لاتينية. وتشمل بعض أسمائهم تاراه، الذي يعني “الرعد”، أو “موكي” التي تعني “غائم”.
ما يُثير الاهتمام بشأن جميع أسماء البشر القديمة تقريباً، هو أنَّها تعني شيئاً ما في الواقع في لغتهم الخاصة؛ فهي ليست مجرد ألقاب. وفي حفلٍ في مصر القديمة، كانت ستكون المحادثة بين اثنين من القدماء المصريين على النحو التالي: “مرحباً، اسمي الصورة الحية لآمون”... “سعدتُ بلقائك. اسمي الجميلة قد أتت”. ولم نكن سنسمع شيئاً من قبيل “مرحباً، اسمي توت عنخ آمون”... “سعدتُ بلقائك. اسمي نفرتيتي”.