رجل لديه ملايين الوظائف بحاجة لمن يشغلها
استلهم مات باري فكرة إنشاء مشروع تجاري تبلغ قيمته الآن أكثر من 400 مليون دولار أسترالي (300 مليون دولار أميركي) من معروف أسداه لوالدته.
وتقوم فكرة شركة "فريلانسر" وموقعها الالكتروني على مفهوم بسيط، وهو ربط الناس الذين لديهم أعمالا يبحثون عمن ينجزها، بأشخاص آخرين يتنافسون على تنفيذ المهام من خلال عرض المقابل المادي الذي سيتقاضونه مقابل ذلك.
ويضم هذا الموقع الإلكتروني، الذي أنشيء قبل ثمانية أعوام فقط في سيدني، أكثر من 22.5 مليون مستخدم حول العالم، سواء من العاملين لحسابهم الخاص أو أصحاب الأعمال الذين يسعون للحصول على خدماتهم.
وتشمل الوظائف المعلن عنها على الموقع كل شيء، بدءا من المساعدة في تحميل تطبيق على هاتف محمول، وحتى كتابة تقرير لشركة وتصميم وشم، وصولا إلى الترويج لأي منتج.
وحتى وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) تستخدم الموقع منذ عام 2015، مما يسمح للناس بتقديم عطاءات، للمساعدة في تصميم مواد لمحطة الفضاء الدولية، بما في ذلك أذرع لأجهزة روبوت جديدة.
وتعتبر هذه قصة نجاح جيدة لشخص يبلغ من العمر 43 عاما ويعترف أنه عندما تفتق ذهنه عن فكرة إنشاء موقع فريلانسر كان "رجلا محطما".
الموقع الخطأ
في عام 2006، ترك باري أول مشروع تجاري أقامه، والذي كان عبارة عن شركة بالعاصمة الأسترالية سيدني تدعى "سينسوري نتووركس" والتي كانت تصنع رقائق إلكترونية للمعدات الأمنية. ولم يكن باري يشعر بالارتياح لذلك المشروع.
ويقول باري:" كان الناس يستخدمون المنتج، لكن كل شيء كان خاطئا فيما يتعلق بطريقة بيعه".
ورغم الضجة الإعلامية ودعم أصحاب رؤوس الأموال، تبين أن التسويق كان صعبا للغاية وكانت الشركة تشق طريقها بصعوبة، لذا قرر باري الاستقالة.
ويقول:" تشعر بأنك خذلت أصحاب رؤوس الأموال ومجلس الإدارة وأصدقاءك الذين وظفتهم في الشركة وعائلتك".
ينشر مستخدمو الموقع صورا من جميع أنحاء العالم، وهذه الصورة من بيرو
ومضت شركة "سينسوري نتووركس" في عملها رغم الصعوبات دون باري، قبل بيعها في نهاية المطاف لشركة "إنتل" العملاقة عام 2013 مقابل 20 مليون دولار، لكن باري يقول "إنه شعر حقا بالفشل " حينذاك، وبالتحديد في عام 2006.
وبعد بضعة أشهر من "زوال الضغط"، بدأ باري يفكر في خطوته المقبلة، عندما ضربت الأزمة المالية العالم في عام 2007.
ويتذكر باري ما حدث قائلا:" العالم كله كان ينهار، والشركات لم تعد تتلقى التمويل. فكرت ما الذي سأفعله بنفسي؟
وقرر أن يستفيد من فترة الاستراحة القسرية، بإنشاء موقع على الإنترنت لوالدته التي تورد أعمالا فنية بالجملة.
وأراد أن يتضمن الموقع دليلا للمخازن التي زودتها والدته بتلك الأعمال، معتقدا أن ذلك قد يشجع آخرين على شرائها.
أنشأ باري جدول إكسيل مؤلفا من 1000 صف، وقرر الاستعانة بمصادر خارجية لإدخال البيانات المطلوبة على الجدول من خلال أطفال محليين. ولكن رغم تقديم مبلغ إجمالي قدره 2,000 دولار أسترالي، لم يبد أحد اهتماما بالموضوع.
وقال:" نظرت حولي وسألت عددا من الناس وكانوا يقولون لي، آه إنه عمل ممل، وكنت أجيبهم، أعلم أنه ممل ولهذا السبب أريدكم أن تقوموا به".
وبعد أربعة أشهر بدأ باري البحث على الإنترنت عن نظام رخيص لإدخال البيانات، وعثر على موقع سويدي يدعى "غتافريلانسر".
ويقول:" كان من أبشع المواقع التي يمكن أن تراها في حياتك. وفي النهاية عرفت كيفية الإعلان عن وظيفة.
ذهبت لتناول الغداء، وعدت لأجد 74 رسالة إلكترونية من أناس يقولون إنك تعرض مبلغ 2000 دولار، سأقوم بالعمل مقابل 1000 دولار، أو 500 دولار وهكذا... اعتقدت أن تلك عملية احتيال".
وفي نهاية المطاف استعان باري بفريق من الهند، وأنجز العمل في ثلاثة أيام مقابل 100 دولار أسترالي فقط.
وقال:"اعتقدت أن ذلك غير معقول، هناك جيش كامل من الناس ينتظرون العمل، ومعظمهم من أسواق ناشئة. نظرت إلى كل المشروعات الموجودة على الموقع، وكان يشبه موقع "إيباي" للوظائف. قلت هذا أمر مدهش".
زملاء باري في العمل في لحظة مرح بعد ظهور باري على غلاق مجلة "بي أر دبليو" الأسترالية للأعمال
كان باري معجبا للغاية بهذه الفكرة، وهو ما دفعه لإنشاء مشروعه الخاص.
وكان عدد أصحاب رؤوس الأموال الذين اندفعوا إلى مشروعه الأول أكثر حذرا هذه المرة، وكانت المصارف غير مستعدة لمنح قروض لتجارة على الإنترنت دون أي أصول مادية قابلة للاسترداد في حالة الفشل.
وفي النهاية، دفع صديق كان قد باع شركته المال لباري، الذي ضمن أولا وجود العمال عن طريق موقع "غاتفريلانسر" قبل أن يشتري ذلك المشروع في نهاية المطاف.
ومنذ ذلك الحين، واصل موقع فريلانسر، الذي يعتمد تشغيله بشكل كامل على تطبيق كلاود من خلال خدمات شبكة أمازون، شراء مواقع أخرى منافسة بلغ عددها 18 موقعا. وتصل القوة العاملة في المشروع لآن إلى 570 شخصا.
الجدارة القصوى
واجهت مواقع إلكترونية مثل "فريلانسر" بعض الانتقادات، لتسببها بخفض الأسعار للمهنيين الذين يحاولون بيع خدماتهم، لكن باري كان يرد على ذلك قائلا إنه كان للشركة تأثير إيجابي كبير على ملايين الناس، في الدول النامية.
ويقول: "يمكنك أن تكون في أي مكان حيث يبلغ متوسط الأجور دولارين في اليوم، فيما يدفع المشروع المتوسط على موقع فريلانسر 200 دولار. يمثل ذلك أقصى درجات الجدارة، والأمر يعود إليك لمعرفة ما الذي تريد أن تفعله".
كذلك، فإنه ليس بالضرورة أن يفوز مقدم العطاء الأقل بالعمل. ويقول فريلانسر، إن 47 في المئة من المشاريع على الموقع تمنح لـ "مقدم العطاء المتوسط أو الأعلى".
تقول إيما سنكلير، المؤسسة المشاركة لشركة برمجيات الموارد البشرية "إنتربرايز جنغل"، إن الشركات تتطلع بشكل متزايد إلى توظيف غير الموظفين لإكمال المشروعات بدلا من تكليف الموظفين فيها بتنفيذ العمل.
وتضيف: "يمثل غير الموظفين نحو 35 في المئة من مجموع القوى العاملة، وسيواصل هذا الاتجاه النمو.
لذا فإن مواقع مثل فريلانسر في موقع جيد للغاية، لخدمة كل من القوة العاملة التي تبحث عن عمل، والتي يتزايد عليها الطلب والشركات التي تتعاقد معها.
إنه سوق لا يقدر بثمن للمواهب، في ظل وجود نظام تصنيف مهم للتخلص من العاملين الضعفاء أو غير الموثوق بهم".
يقول باري: "أعيش وأتنفس العمل، وأبدأ عملي بمجرد الاستيقاظ من النوم وعادة ما أبقى في المكتب حتى الساعة العاشرة مساء. لدي عدة عروض للبيع ـ أحدها رسمي. فكرت جيدا بالموضوع وقلت لا يمكنني التفكير بالقيام بأي عمل آخر."
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital .