TODAY - July 24, 2010
نحل وفراشات وسنابل قمح
«بلاس فاندوم» تتحول إلى حديقة مرصعة بالأحجار الكريمة خلال أسبوع الـ«هوت كوتير» الباريسي
لندن
بعد 150 عاما من الموضة الراقية، أعطيت المجوهرات، ولأول مرة في باريس، الكلمة الأخيرة الأسبوع الماضي، حيث خصصت لها غرفة الموضة الفرنسية يوما كاملا ضمن برنامج أسبوعها الخاص بموسمي الربيع والصيف. ولا شك أن تأثيرها على هذا الأسبوع كان واضحا، فالأزياء اصطبغت بألوانها الشهية والخفيفة التي سرقت الأضواء من الألوان الداكنة بما فيها الأسود، وليس أدل على هذا من أن دار «شانيل» خاصمت الأسود باستثناء ربطة عنق وحيدة زينت قميصا أبيضا، هي التي اشتهرت بالأسود والأبيض منذ بدايتها. في المقابل، عانقت ألوان المجوهرات من الماس والسيترين والأكوامارين والجمشت وغيرها في أزياء حالمة. كذلك الأمر بالنسبة للمصمم ألكسندر فوثييه، الذي قال إنه استلهم تشكيلته من «بلاس فاندوم»، الأمر الذي تجلى في ياقاته وحواشي الأكمام التي رصعت بالياقوت والسفير والزمرد وغيرها.
بيد أن الجديد في الأمر أن هذه المجوهرات لم يقتصر حضورها على منصات عروض الأزياء، بل وضم، ولأول مرة، ساحة فاندوم الشهيرة التي فتحت أبوابها لوسائل الإعلام والزبائن يوم الخميس الماضي، لتقديم آخر منتجاتها، بدءا من «شانيل»، «شوميه»، «بوشرون»، «فان كليف آند أربلز»، إلى دار «ميليريو» الباريسية التي تعود جذورها إلى 1613. وهكذا ضربت باريس عصفورين بحجر، التأكيد أن موسم الـ«هوت كوتير» بخير ولا يزال يخاطب النخبة، من جهة، وفتح المجال للصاغة وبيوت المجوهرات بالترويج لأنفسهم خلال أسبوع يعرف حضورا مكثفا من قبل المشترين، من جهة ثانية. والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة: قطع أزياء فريدة لا تتكرر مرتين، وقطع مجوهرات خاصة جدا.
وبالفعل ما طرحته هذه البيوت لم يخيب الآمال، وإن كانت معظم الإبداعات تلعب على جانب مهم من السيكولوجية البشرية، ألا وهو جلب الحظ وإبعاد العين والحسد، وإن تطلب الأمر الاستلهام من عالم الحشرات والحيوانات. فالملاحظ أن الجانب النفسي تأثر بشكل أو بآخر بتذبذبات اقتصادية، مما أصبح يستدعي الهروب إلى عالم آخر أكثر أمانا. وهكذا أصبحت المجوهرات الملاذ الذي تهرب إليه طبقات تبحث عن هذا الأمان كما تبحث عن الأناقة والاستثمار في الوقت ذاته.
دار «شوميه» (Chaumet) التابعة لمجموعة «إل في إم آش» مثلا اتخذت النحلة بطلا لمجموعتها الجديدة، على أساس أنها تجلب الحظ. وهو اعتقاد يعود إلى عهد نابليون، ذلك أن هذه الدار التي تأسست في عام 1780 على يد ماري إيتيان نيتو، لم تعرف مجدها إلا عندما أصبحت الدار المفضلة لنابليون. وبالتحديد عندما طلب منها أن تصمم له دبوسا يجسد نحلة على أساس أنها تجلب الحظ وتمنح الحيوية والطاقة. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت النحلة جزءا من تاريخ الدار تعود إليه وتقتات منه أفكارها، وهو ما جسدته هذا الموسم في تشكيلات متنوعة تخاطب كل الأعمار. فالنحلة أخذت أشكالا متنوعة، وزينت أطقما بأكملها، بعضها يخاطب المناسبات الكبيرة وبعضها الأيام العادية. وهذه الأخيرة تحتاج أحيانا إلى مكبر لرؤية ترصيعاتها، كونها موجهة للشابات وصغيرات السن، شكلا وسعرا.
«شانيل» (chanel) مرة أخرى احترمت روح مؤسستها، التي كانت قد صممت تشكيلة واحدة في عام 1932 ثم توقفت، قبل أن تعود الدار إلى هذا الجانب من الإنتاج في عام 1993، واضعة نصب عينيها التصميمات الأولية التي أصبحت من كلاسيكيات الدار تعود إليها دائما لتطورها وتدخلها عصرا جديدا. مجموعة «كوميت» مثلا لا تزال حاضرة بقوة، وتتميز بأنها تلف حول العنق من دون أن تحتاج إلى إقفال. وهذه سمة من سمات كوكو شانيل، التي كانت تكره الأبواب المقفولة وأي شيء يرمز للإقفال، وهذا ما أوحى إليها بتصميم قلادة من البلاتين مرصعة بالماس تلف حول العنق وتتدلى منه من دون أن تحتاج إلى مشبك. في المواسم الأخيرة، تحول البلاتين إلى ذهب أبيض. عقد «فونتين» أيضا مستوحى من تلك الحقبة، إذ يمكن تفكيكه واستعماله بأشكال مختلفة، بالإمكان ارتداؤه كسوار، مثلا. إلى جانب الكثير من القطع الأخرى، التي استوحي بعضها من الفن البيزنطي وبعضها الآخر من الثريات أو من زهرة الكاميليا وغيرها، كان هنا عقد رائع وأقراط أذن مشابهة على شكل سنابل القمح، ذلك أن الآنسة كوكو كانت تتفاءل بهذه السنابل، إلى جانب زهرة الكاميليا، لهذا فهي حاضرة دائما في شقتها وتظهر بين الحين والآخر في مجوهراتها.
دار «فان كليف آند أربلز» (Van Cleef and Arpels) أيضا لعبت على الورود والفراشات. ففي محلها الواقع بـ«بلاس فاندوم» تستقبلك بشلال من الأحجار الملونة تلفتك فيها قلادة مرصعة بالماس والسفير الوردي، تذكرك من النظرة الأولى بحديقة يابانية. قلادة استغرق تنفيذها 3000 ساعة، مما يبرر سعرها 430.000 يورو، لكن أكثر ما ركزت عليه الدار هو الفراشة، التي يعتبرها اليابانيون رمزا للسعادة والوفاء، والصينيون رمزا للحب الأبدي، فيما كان يعتقد الهنود الحمر أن همس أمنية في أذنها، وهو الأمر الصعب إن لم يكن بالمستحيل، من شأنه أن يجعل الأمنية تتحقق في الحال. أجنحتها في دار «فان كليف آند أربلز» تلونت بالفيروز والماس والعقيق اليماني واللازورد وغيرها لمنح السعادة والتميز.
في دار «بوشرون» (Boucheron) التي يقدر عمرها بـ150 عاما، كان الموعد مع «سيرك دي سولاي» التي كانت تحتفل بميلادها الـ25، حيث طلب مؤسسها، غي لاليبرتي، من الدار أن تترجم بعض العروض إلى قطع مجوهرات تخلدها. ولم يكن من الدار العريقة إلا أن لبت الطلب وتفننت فيه، من خلال مجموعة أطلقت عليها اسم «انسبيرا» Inspira. وتتكون المجموعة من عدة قطع، تحمل كل واحدة منها اسم مشهد مختلف، فهناك مثلا «ديليريوم» و«اليغرا» كما هناك «أوفو» و«إلفيس»، مع العلم بأن هذا الأخير اسم عرض قادم سيحتفل بإلفيس بريسلي، وهلم جرا. من النظرة الأولى كانت توحي بالبهجة والسعادة، لكن بالتمعن فيها كانت تتضمن معاني عميقة وقصصا متكاملة، بعضها حزين مثل موت المهرج «كورتيو» أو رعشة طائر «لانوبا».
إقرأي أيضاً: تحف مرصعة تدعو للقاء الحضارات