الحرب العالمية الأولى
: 1914 - 1918
المكان:أوروبا، أفريقيا، المحيط الهادي، المحيط الأطلسي، المحيط الهندي، الشرق الأوسط
النتيجة: معاهدة فيرساي 1919
المتحاربون :
الإمبراطورية الروسية
فرنسا
الإمبراطورية البريطانية
الولايات المتحدة
اليونان
رومانيا
صربيا
الإمبراطورية النمساوية المجرية
الامبراطورية العثمانية
الحرب العالمية الأولى أو الحرب العظمى أو الحرب التي أنهت جميع الحروب هي الحرب التي قامت بين عامي 1914 و1918. تم استعمال الأسلحة الكيميائية في تلك الحرب لأول مرة ولم يحرك العالم عدداً من الجنود مثلما حرّك في الحرب العالمية الثانية. وتم قصف المدنيين من السماء لأول مرّة في التاريخ.
شهدت الحرب ضحايا بشرية لم يشهدها التاريخ من قبل وسقطت السلالات الحاكمة والمهيمنة على أوروبا والتي يعود منشأها إلى الحملات الصليبية، وتم تغيير الخارطة السياسية لأوروبا. تعد الحرب العالمية الأولى البذرة للحركات الإيديولوجية كالشيوعية وصراعات مستقبلية كالحرب العالمية الثانية، بل وحتى الحرب الباردة.
شكلت الحرب البداية للعالم الجديد ونهاية الأرستقراطيات والملكيات الأوروبية، وكانت المؤجج للثورة البلشفية في روسيا التي بدورها أحدثت تغيراً في السياسة الصينية والكوبية كما مهدّت الطريق للحرب الباردة بين العملاقين، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. ويُعزى سطوع بريق النازية لهزيمة ألمانيا في الحرب وترك الكثير من الأمور معلقة حتى بعد الحرب. وأخذت الحروب شكلاً جديداً في أساليبها بتدخل التكنولوجيا بشكل كبير في الأمور الحربية ودخول أطراف لاناقة لها بالحروب ولاجمل وهي شريحة المدنيين. فبعدما كانت الحروب تخاض بتقابل جيشين متنازعين في ساحة المعركة بعيداً عن المدنية، فقد كانت المدن المأهولة بالسكان ساحات للمعركة ممانتج عن سقوط ملايين الضحايا.
الجذور الدبلوماسية
في 28 يونيو 1914، تم اغتيال وريث العرش النمساوي "فرانز فرديناند" على يد الصربي "جافريلو برينسيب" مماأجج النقم النمساوي على الصرب وأشعل فتيل الحرب العالمية الأولى. وليس من الإنصاف إلقاء اللوم على حادثة الإغتيال بدون الرجوع إلى الوراء والنظر إلى الحالة السياسية للقارة الأوروبية في تلك الفترة للتعرف على الأرض الخصبة لإشعال الحرب العالمية الأولى وأن حادثة الإغتيال لم تكن إلا الشعرة التي قسمت ظهر البعير. ففي القرن الثامن عشر، كانت فرنسا على حافة الثورة والغليان الشعبي كان في أوجه، فكان المجتمع الفرنسي يتكون من الملك في أعلى الهرم، والشعب في المستنقع، والكنيسة والنبلاء بمرتبة تقل عن الملك بقليل لكنها بعيدة كل البعد عن الطبقة الدنيا (طبقة الشعب). وبتغير العجلة الإقتصادية الفرنسية، أحدث التغيير تكوين طبقة اجتماعية جديدة تسمّى بالبرجوازية التي بدورها طالبت أن تُعامل معاملة النبلاء بالرغم من كونها طبقة متوسطة. وبتزايد حدّة الضرائب الملقاه على كاهل الشعب باستثناء النبلاء نتيجة المغامرات الحربية للملك الفرنسي لويس، حاول الفرنسيون إصلاح الإقتصاد الفرنسي المكسور وتحوّل الإصلاح الإقتصادي إلى ثورة شعبية تمخّضت عن نابليون كزعيم لفرنسا. ولم ينفك نابليون من تجهيز الجيوش وتسخير أوروبا مرتعاً له ولفرنسا مستعيناً بدغدغة المشاعر الوطنية الفرنسية مماأحدث حسّاً جديداً سُمّي بالوطنية والإنتماء للوطن.
وتنامت المشاعر الوطنية في أرجاء أوروبا بتعدد عنصرياتها وبدأ الصراع بين معتنقي الصرعة الجديدة (الوطنية) وبين أنصار أنظمة الحكم التقليدية التي تنادي باعتلاء العائلات العريقة والنبلاء دفّة الحكم. إضافة إلى ماسبق ترجع جذور التحالف بين إنجلترا وفرنسا تبعا للوفاق الودي عام 1904 وتكون العداء بين كل منهما وبين ألمانيا نظرا لرغبة ألمانيا في إقامة إمبراطورية لها ورفضها أن تضع فرنسا المغرب تحت سيطرتها (الأزمة المغربية الأولى) وتم عقد مؤتمر لإنهاء الأزمة انتهى بأن خرجت ألمانيا صفر اليدين وتأكدت من ضرورة مواجه التحالف الفرنسي الإنجليزي السبب فيما حدث كما يذكر أن النمسا بعد حادث قتل ولى العهد أرسلت إلى ألمانيا تطلب تأييدها ووافقت ألمانيا انتقاما من الروس وبدا فتيل الحرب في الاشتعال.
الإنفجار
تنامت الجغرافية ضعفين نتيجة حرب البلقان،
وقلقها من مساندة روسيا لصربيا للإستيلاء على الأراضي السلافية من النمسا. ووصلت النمسا إلى قناعة الهجوم على صربيا كضربة وقائية لتفادي شرّ الصرب، كما نظر النمساويون للضربة الخاطفة لصربياً حلاً للمشاكل الداخلية للإمبراطورية النمساوية الهنغارية المتمثلة بوجود حكومتين المخاوف النمساوية على وحدة أراضيها من الجارة صربيا وخصوصاً أن الأخيرة اتسعت رقعتها (نمساوية وهنغارية) تحت النظام الملكي النمساوي. فكان النمساويون مسؤولين عن السياسة الخارجية للإمبراطورية التي تدعو لتسليح الإمبراطورية إلا أن الهنغاريين عارضوا الإنفاق اللازم للتسلح. وبدعم ألماني، ارسلت الحكومة النمساوية رسالة ذات 10 نقاط للحكومة الصربية بمثابة تهديد وقبل الصرب الشروط باستثناء شرط واحد.
وفي 1909، تعهدت روسيا بالدفاع عن السيادة الصربية مقابل السكوت عن الإحتلال الروسي للبوسنة. فقامت روسيا بتحريك قواتها نتيجة ضغوط الجنرالات الروس للدفاع عن الصرب. وطالبت ألمانيا من روسيا عدم تحريك القوات وأن تتراجع القوات الروسية عن حالة الإستعداد، ولمّا لم تمتثل روسيا للمطالب الألمانية، أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في 1 اغسطس 1914 ولحقتها بإعلان آخر
ضد فرنسا في 3 اغسطس.
سباق التسلح
ازداد سباق التسلح الذي اندلع بين ألمانيا وبريطانيا مع إطلاق بريطانيا في عام 1906 للسفينة الحربية HMS Dreadnought السفينة التي ألغت كل ماكان قبلها من سفن.
يشير باول كينيدي إلى أن كلا من بريطانيا وألمانيا كانتا تؤمنان بنظرية ألفريد ثاير التي تقول بأن السيطرة على البحر مسألة حيوية جداً وبناء السفن هي جزء من حركة عامة باتجاه الحرب.
الاسباب
التوسع الاستعماري و تصادم المصالح
لقد أدى تقدم الثورة الصناعية إلى تطور النزعة الاستعمارية تطورا حادا جعل من تصريف البضائع والحصول على المواد الأولية وتوظيف رؤوس الأموال قضية من القضايا الأوروبية الملحة التي لم يجد رجال السياسة حلا لها إلا عن طريق امتلاك المستعمرات فكان لا بد من التصادم والنزاع بين القوى المستعمرة ذاتها .
كذلك برز النزاع حول السيطرة على البحار خاصة بين بريطانيا التي تعتبر نفسها سيدة البحار و ألمانيا الموحدة التي طورت أسطولها بسرعة فائقة .
كما اشتدت الخلافات بين ألمانيا و فرنسا حول مقاطعتي الألزاس و اللورين التين ضمتهما ألمانيا إليها بعد حرب 1870 ولم تتفق الدولتان أيضا حول أسبقية كل منهما في احتلال المغرب الأقصى . لذلك عرف النزاع بينهما حول هذا البلد أزمتين حدثت الأولى في 1905 و 1906 وعبرت خلالها ألمانيا عن تمسكها بمصالحها التجارية في هذا البلد . أما الأزمة الثانية فقد وقعت في سنة 1911 وذلك إثر دخول القوات الالمانية إلى اغادير وتهديد فرنسا باللجوء إلى استعمال القوة أيضا الأمر الذي اضطر فرنسا إلى التنازل عن جزء من مستعمرة الكونغو لألمانيا مقابل إطلاق
يدها في المغرب الأقصى .
التحالفات والتسابق نحو التسلح
أدى التنافس الشديد بين الدول الأوروبية من أجل توسيع مجالها الاستعماري إلى عقد اتفاقيات سرية وإقامة أحلاف عسكرية نذكر منها الحلف الثلاثي الذي ضم ألمانيا و إمبراطورية النمسا المجر و إيطاليا وهي حليف غير ثابت سرعان ما خرجت منه إيطاليا وأخذت مكانها الدولة العثمانية وفي المقابل برز الوفاق الودي الثلاثي وقد ضم فرنسا
و بريطانيا و روسيا .
وقد أفضت هذه التحالفات إلى حصول تسابق نحو التسلح برز بالخصوص من خلال التمديد في فترة الخدمة العسكرية وزيادة عدد القوات المسلحة في كل من ألمانيا و فرنسا و روسيا .
صراع القوميات
كانت منطقة البلقان الواقعة بجنوب شرق القارة الأوروبية مجالا لصراع حقيقي بين أطراف عديدة استغلت تراجع النفوذ العثماني في المنطقة والوضعية المعقدة الناتجة عن تعدد الشعوب و القوميات التي كانت تطمح إلى الاستقلال أو الانضمام إلى دول تلتقي معها في الانتماء القومي .
وقد شهدت المنطقة صراعا حادا من روسيا القيصرية وإمبراطورية النمسا المجر حول مقاطعتي البوسنة والهرسك التين كانتا خاضعتين للدولة العثمانية لكن الحكومة النمساوية المجرية استغلت فرصة انشغال العثمانيين بحل مشاكلهم الداخلية وأعلنت ضم المقاطعتين سنة 1908 ودعمتها في ذلك ألمانيا مما أحدث أزمة مع الدول الأوروبية خاصة مع روسيا التي رأت في ذلك تهديدا لنفوذها في البلقان ومع صربيا المجاورة وقد شهدت منطقة البلقان فيما بين سنتي 1912 و 1913 حربين عنيفتين أدتا إلى تفاقم التوتر ومهدتا لقيام الحرب العالمية الأولى .
حادثة سراييفو
في 28 يونيو 1914 اغتال طالب صربي ولي عهد النمسا وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في منطقة البوسنة والهرسك فاتخذت حكومة النمسا التي كانت تدعمها ألمانيا من هذه الحادثة ذريعة لإعلان الحرب ضد صربيا في 28 يوليو 1914 وبهذا الإعلان بدأت آلية التحالفات الأوروبية في العمل .
فقد سارعت روسيا إلى نصرة صربيا وأيدت كل من بريطانيا وفرنسا روسيا . وأعلنت الحرب في أوروبا بين دول الحلف الثلاثي من جهة ثانية . وبذلك يمكن اعتبار حادثة سراييفو الفتيل الذي أشعل نار الحرب العالمية الأولى .
وعندما بدأت روسيا بالتعبئة ضد النمسا ـ هنغاريا، أعلنت ألمانيا الحرب ضد روسيا في 1/8. غير أنها أعلنت الحرب كذلك على فرنسا في 3/8، وبدأت بغزوها عبر لوكسمبورغ وبلجيكا، وسرعان ما أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4/8، كما أعلنت النمسا ـ هنغاريا الحرب على روسيا. وبقيت إيطاليا لفترة على الحياد، في رغبةٍ منها لعدم الانجرار للوقوف مع أحد الأطراف قبل أن تتّضح حقيقة الموقف. كما كانت الولايات المتحدة في عزلة وراء البحار، أما تركيا الإسلامية بقيادة العثمانين ، المعادية تاريخياً لروسيا، والتي تنامت ارتباطاتها بألمانيا، فلم تدخل الحرب حتى 29/10، حين قام أسطولها بقصف الموانىء الروسية على البحر الأسود
العمليات العسكرية
دامت الحرب أربع سنوات تحولت خلالها من حرب أوروبية إلى حرب عالمية .
الحرب الأوروبية
(1914-1916)
شهدت هذه المرحلة فترتين عرفت الأولى بحرب الحركة والثانية بحرب الخنادق .
حرب الحركة
امتازت التحركات العسكرية في خلال هذه الفترة بسرعة الحركة على كل الجبهات وكانت الانتصارات الأولى لفائدة دول التحالف الثلاثي بزعامة ألمانيا غير أن دول الوفاق تمكنت من وضع حد لتقدم قوات التحالف بعد معارك حاسمة أهمها معركة فردان و معركة السوم بفرنسا سنة 1916 .
حرب الخنادق
اتخذت الحرب على الجبهتين الغربية والروسية خاصة طابع الثبات في المواقع وقامت الجيوش المتقابلة على الجبهات بحفر الخنادق وتحصينها وتجهيزها مستخدمة في مواجهاتها أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات .
وقد دخلت أطراف أخرى الحرب مثل إيطاليا التي انضمت إلى صف دول الوفاق الثلاثي والدولة العثمانية التي دعمت دول الحلف الثلاثي .
الحرب الأوروبية تتحول إلى حرب عالمية
التحول في مسار الحرب (1917)
أقامت دول الوفاق الثلاثي حصارا بحريا ضد دول التحالف الثلاثي بهدف خنقها اقتصاديا فرد الألمان بحرب غواصات استهدفت كل السفن حتى المحايدة منها بهدف منعها من الوصول إلى بريطانيا وكان من بين السفن التي تم إغراقها عدد من السفن الأمريكية الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الدخول في الحرب إلى جانب دول الوفاق فأصبحت الحرب عالمية .
العودة إلى حرب الحركة
(1917-1918)
كان لخروج روسيا من الحرب بعد نجاح الثورة البلشفية أكتوبر 1917 وتوقيع زعيمها لينين معاهدة سلام منفصلة مع ألمانيا (معاهدة بريست ليتوفسك 1918) دور حاسم في دفع ألمانيا إلى شن هجوم مكثف على فرنسا بغية احتلالها قبل وصول الدعم الأمريكي غير أن توحد القوات البريطانية والفرنسية بقيادة الجنرال الفرنسي فوش مكن من إيقاف زحف الألمان والانتصار عليهم في معركة المارن في شمال شرق فرنسا .
انتصار دول الوفاق الثلاثي
شكل وصول القوات الأمريكية إلى فرنسا في يوليو 1917 تحولا هاما في مسار الحرب لأنها ساعدت جيوش الوفاق على شن هجوم مضاد على الألمان فتراجع هؤلاء مئات الكيلومترات وفي الوقت الذي كانت جيوش الوفاق قد قضت على قوات العثمانيين في سوريا و مصر وتقدمت نحو آسيا الصغرى نفسها . وفي البلقان أجبرت قوات الوفاق بلغاريا على الاستسلام في سبتمبر 1918 فطلبت الدولة العثمانية الصلح في أكتوبر من نفس السنة وكذلك فعلت النمسا في بداية نوفمبر . فلم تجد ألمانيا بدا من الاستسلام ووقعت الهدنة في 11 نوفمبر 1918 بعد أن فشلت في مواجهة تكتل الوفاق الثلاثي بمفردها .
النتائج
أسفرت الحرب العالمية الأولى عن خسائر مادية وبشرية جسيمة وعن تراجع الدور الرائد لأوروبا في توجيه سياسة العالم . أما أهم نتيجة لهذه الحرب فقد تمثلت في قيام سلام منقوص يحتوي على جميع العناصر التي من شأنها إشعال حرب عالمية ثانية .
خسائر بشرية ومادية جسيمة
تسعة ملايين قتيل وعدد أكبر بكثير من الجرحى والمشوهين هو عدد الضحايا البشرية للحرب العالمية الأولى . وقد أتت خسائر روسيا في رأس قائمة الخسائر البشرية تلتها خسائر كل من ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية .
أما أهم الخسائر المادية فقد وقعت في الأراضي التي دارت فيها المعارك حيث أتلفت المحاصيل الزراعية وقضي على المواشي ودمرت مئات آلاف المنازل وآلاف المصانع إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية وبمناجم الفحم التي غمرها هذا الطرف أو ذاك بالماء لمنع استغلالها من قبل العدو .
ولذلك كان على الدول المتحاربة في مرحلة السلام إعادة بناء ما دمرته الحرب وتحويل الصناعات الحربية إلى صناعات مدنية . لكن قلة الأموال واليد العاملة التي قضت عليها الحرب عرقلت إلى حد كبير عملية إعادة الاعمار المرجوة .
تراجع مراكز أوروبا في العالم
في أثناء الحرب اضطرت الدول الأوروبية المتحاربة إلى شراء الكثير من المعدات والمواد المعيشية من دول فتية لم تتعرض أراضيها لأذى الحرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و أستراليا و الأرجنتين الأمر الذي جعل أوروبا مدينة لهذه الدول بعد الحرب . وقد رأت أوروبا نفسها بعد الحرب مجبرة على دفع ديونها من احتياطي الذهب الذي كانت تملكه وأدى ذلك إلى تراجع قيمة النقد الأوروبي وإلى ظهور التضخم المالي .
كانت الولايات المتحدة الأمريكية المستفيدة الأولى من هذا الوضع على أساس أنها الدائنة الأولى لأوروبا قبل الحرب وخلالها . فقد جمعت الولايات المتحدة بعد الحرب نتيجة تسديد أوروبا لديونها 45% من احتياطي الذهب في العالم فأصبحت بذلك أول دائن في العالم .
أما الدول الأوروبية الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا فقد اضطرت خلال الحرب إلى تكثيف استغلال مستعمراتها إما لجهة المواد الأولية أو لجهة اليد العاملة والمقاتلين . لذلك رأت شعوب هذه المستعمرات أن النصر قد تحقق بفضلها وأن مكافئتها على هذا الفضل لا يمكن أن تكون أقل من الاستقلال .
السلام المنقوص
مؤتمر السلام (1919)
وافقت ألمانيا على توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918 على أساس مبادئ ويلسون . وقد اعتقدت في حينه أن مؤتمر السلام الموعود سوف يصدر مقرراته واتفاقياته مستلهما الأفكار السامية التي تضمنتها هذه المبادئ ولكن شيئا من هذا لم يحصل فمؤتمر السلام الذي عقد أولى جلساته في باريس 18 يناير 1919 حضره ممثلون عن 32 دولة حليفة واستبعدت منه الدول المهزومة وروسيا والدول المحايدة ولذلك كان هذا المؤتمر عبارة عن اجتماع عقدته الدول المنتصرة لتتقاسم المغانم فيما بينها وتفرض إرادتها على فريق مهزوم مسلوب الإرادة . وبالإضافة إلى ذلك فرض ممثلو ثلاث دول هي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية رأيهم على جميع رؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر .
مطالب المؤتمرين
أظهر المؤتمر رغبة فرنسا وبريطانيا في توسيع حدودهما واكتساب مستعمرات جديدة . فالفرنسيون لم يكتفوا بالمطالبة باستعادة منطقتي الألزاس واللورين من الألمان بل بالحصول أيضا على الضفة اليسرى لنهر الراين كمنطقة دفاعية وعلى منطقة السار الألمانية كمصدر للتزود بالفحم الحجري . وبالنسبة للمستعمرات اعتبر جورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي الذي كان رئيسا لوفد بلاده أن محافظة فرنسا على مستعمراتها في شمال أفريقيا ووسطها وفي جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان أمور غير قابلة للنقاش .
أما رئيس وزراء بريطانيا رئيس وفد بلاده إلى المؤتمر لويد جورج الذي اعترض على مطالب فرنسا الحدودية فقد طالب لبلاده بوراثة المستعمرات الألمانية في أفريقيا وشرق آسيا وبالانتداب على مصر و السودان و فلسطين و العراق متناسيا الوعد البريطاني باستقلال المشرق العربي تحت راية الشريف حسين بن علي .
أما رئيس الوزراء الإيطالي أورلاندو فقد طالب باستعادة
منطقتي ترانتان و تريستا إلى إيطاليا .
وانفرد الرئيس الأمريكي ويلسون من بين رؤساء وفود الدول الكبرى بالمطالبة بإقامة عصبة الأمم وبأن تستلهم مقررات المؤتمر من مبادئه الأربعة عشر .
مقررات المؤتمر ونتائجها
تغيير الخريطة السياسية لأوروبا
قرر مؤتمر باريس تفكيك الإمبراطوريات الألمانية والنمساوية بإجراء تعديلات على الحدود السياسية لدول أوروبا فظهرت على الخريطة الأوروبية دول جديدة مثل المجر و تشيكوسلوفاكيا و يوغوسلافيا وأجريت تغييرات جذرية في أنظمة حكم العديد من الدول فاعتمدت كل من تركيا و ألمانيا النظام الجمهوري وتحولت النمسا إلى جمهورية صغيرة أما روسيا فكانت قد تحولت من النظام القيصري إلى النظام الشيوعي وذلك بعد ثورة 1917 البلشفية التي قادها فلاديمير لينين .
معاهدة فرساي
كانت هذه المعاهدة أقسى مقررات مؤتمر باريس ومن أكثرها إذلالا للشعب الألماني فقد استدعى وفد ألماني إلى فرساي في ضواحي باريس وأجبر على التوقيع على هذه المعاهدة التي تضمنت شروطا قاسية أهمها اقتطاع ما يقارب 25 ألف ميل مربع من الأراضي الألمانية وضمها إلى كل من بولندا و الدانمرك و تشيكوسلوفاكيا وتحميل ألمانيا وحدها مسئولية الحرب وتسريح جيشها ولدى قراءة بنود هذه المعاهدة يمكن معرفة السبب الذي جعل الشعب الألماني يرفضها جملة وتفصيلا ويتحين الفرص لإلغائها والانتقام من الذين فرضوها عليه .
الانتداب
فيصل الأول
وافق المؤتمر على المطالب الاستعمارية لكل من بريطانيا وفرنسا وأقر بشرعية انتدابها على دول المشرق العربي بالرغم من اعتراض الأمير فيصل بن الحسين الذي حضر المؤتمر بصفة مراقب .
قيام عصبة الأمم
وافق رؤساء الوفود المشاركة في مؤتمر الصلح بالإجماع على قيام منظمة عصبة الأمم التي أصر عليها الرئيس الأمريكي ويلسون وادخلها كبند أساسي في جميع المعاهدات التي وقعها المنتصرون مع المهزومين وقد كان الهدف الأول للعصبة التي اتخذت مدينة جنيف في سويسرا مقرا لها حل الخلافات بين الدول بالوسائل السلمية وذلك للمساعدة على خلق جو من التفاهم والثقة بين الشعوب .
لكن الأمور لم تجر في هذا الاتجاه إذ لم يكن للعصبة عند إنشائها قوة عسكرية قادرة على تنفيذ مقرراتها كما أنها تحولت إلى أداة لمصلحة المنتصرين في الحرب الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها إلى عدم المشاركة في عضويتها على الرغم من كونها صاحبة الفكرة في قيامها .
جرائم الحرب
خوفا ً من المقاومين الشعبيين الفرنسيين و البلجيكيين, قام الجنود الألمان بقتل المدنببن في مدينة أندينى ( 211 قتلى ) و تامينس ( 384 قتلى ) و دينانت ( 612 قتلى ) ، و كان هناك نساء و أطفال من بين الضحايا. كما قام الألمان بحرق المدبنة ليوفين و أشعلت مكتبة المدينة التى كانت تحتوى على ما يقرب من 230,000 كتاب, و قتلوا 209 مدنيا ً و أجبروا 42,000 على ترك المدينة. أدينت هذه الأعمال من قبل المجتمع الدولي .
أسباب دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى سنة 1917 رغم إتباعها لسياسة الحيادية أو العزلة
1. مكافحة الإرادة الألمانية في السيطرة والنفوذ.
2. غزو الألمان لبلجيكا وعدم احترام المواثيق الدولية.
3. معاملة ألمانية قاسية تجاه السكان المدنيين في المناطق التي احتلتها ألمانيا.
4. حرب الغواصات التي شنها الألمان والتي أساءت كثيرا للمصالح
الاقتصادية الأمريكية.
5. قضية "برقية زيمرمان" : مساعد أمين سر الدولة الألماني في وزارة الشؤون الخارجية يرسل برقية إلى وزير ألمانيا في المكسيك يقترح فيها على المكسيك أن تكون حليفة ألمانيا إذا ما نشبت حرب بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد استطاعت المخابرات البريطانية القبض على البرقية وتحليلها وتقديمها للرئيس ويلسون
والحكومة الأمريكية.
6. خشية أصحاب المصارف وحكومة الولايات المتحدة من انكسار الحلفاء، وقد كانت المصارف الأمريكية قد أقرضت بريطانيا وفرنسا أموال طائلة لتمكنها من شراء المواد الأولية والأغذية من الولايات المتحدة، لذلك بدأ أصحاب المصارف ورجال الأعمال الأمريكان بدعوة الحكومة الأمريكية للتدخل بجانب الحلفاء.
أثر الحرب العالمية الأولى على الوطن العربي
كان الوطن العربي حتى عشية الحرب العالمية الأولى يحاول جاهدا مشاركة العثمانيين في تسيير شئون السلطنة وفي إيجاد توافق لحفظ وحدتها لكن تمسك العثمانيين بسياسة الاستبداد وسوء الإدارة وعدم تجاوبهم مع العرب أدى إلى تدهور العلاقات العربية العثمانية ففتح الباب أمام دول الوفاق الثلاثي للتقرب من العرب والحصول على مساندتهم خصوصا بعدما دخلت الدول العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا .
واقع الوطن العربي قبيل الحرب
كانت البلدان العربية الأفريقية قبيل الحرب خارج نفوذ السلطنة العثمانية وكانت فرنسا تسيطر على كل من الجزائر و تونس و المغرب و موريتانيا و الصومال و جيبوتي وكان الإنجليز يبسطون نفوذهم على مصر وجنوب الجزيرة العربية وشرقها عدن و عمان و البحرين و الكويت وكان الإيطاليون يحتلون ليبيا أما العثمانيون فكانوا يسيطرون على ما تبقى من المشرق العربي كالشام والعراق والحجاز ومرتفعات عسير واليمن والخليج العربي أما نجد فهي تسبح في فلك شيوخ القبائل وغالب مقاطعاتها خضعت للأمير عبد العزيز آل سعود . وفي هذه الأثناء وجد العرب أنفسهم أمام خيارين : إما الوقوف إلى جانب دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في ساعة الشدة وبذلك يكسبون عطفها وإما الثورة عليها والفوز بإستقلالهم وتردد الزعماء العرب أول الأمر في اتخاذ قرار الثورة على العثمانيين وخصوصا أن الدول الأوروبية المعادية للدولة العثمانية كانت على الدوام تطمع في البلاد العربية والإجهاز على نظام الخلافة الإسلامية الذي طالما أرقها لقرونٍ عديده .
اتصالات الحلفاء بالعرب
كان العرب قد التفوا حول الشريف الحسين بن علي شريف مكة وحامي الديار المقدسة الإسلامية وقد كان بينه وبين الخلافة العثمانية جفاء وكانت تراوده هو وأبنائه آمال في إنشاء دولة عربية كبرى ولما كانت بريطانيا حريصة على اجتذاب العرب إلى جانبها فقد دخلت في مفاوضات سرية مع الشريف حسين وتم تبادل رسائل بين الشريف حسين ممثلا للعرب وسير هنري مكماهون مندوب بريطانيا في مصر والسودان عرفت بمراسلات حسين مكماهون وأوضح فيها الشريف ما يشترطه العرب لدخول الحرب إلى جانب بريطانيا وهذه الشروط تتلخص في استقلال البلدان العربية القائمة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وإقامة دولة عربية كبرى تشمل مختلف أرجاء الوطن العربي باستثناء مصر والشمال الأفريقي وعلى الرغم من الاختلاف مع مكماهون حول حدود الدولة العربية الموعودة دخل العرب الحرب إلى جانب بريطانيا .
الثورة العربية الكبرى (1916)
بدأت الثورة العربية الكبرى في 10 يونيو 1916م بإعلان الشريف حسين الجهاد المقدس والثورة على العثمانيين بمساعدة عميل الإستخبارات البريطانية لورنس الشهير بلورنس العرب ، واستطاع أبنائه السيطرة على الحجاز بمساعدة الإنجليز ثم تقدم ابنه فيصل نحو الشام ووصل بمساعدة الإنجليز إلى دمشق حيث خرج العثمانيون منها وأعلن فيها قيام الحكومة العربية الموالية لوالده الذي كان قد أعلن نفسه ملكا على العرب غير أن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملكا على الحجاز وشرق الأردن .
خيبة آمال العرب
بالرغم من تعهد بريطانيا للعرب بقيام دولة عربية كبرى فقد أجرت هذه الدولة مفاوضات واتفاقيات سرية مع فرنسا وروسيا تناولت اقتسام الأملاك العثمانية بما فيها البلاد العربية ثم انفردت بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سرية عرفت باتفاقية سايكس بيكو (1916) نسبة إلى كل من المندوب البريطاني مارك سايكس والمندوب الفرنسي فرانسوا جورج بيكو وقد قاما بهذه المفاوضات التي فضح أمرها بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 وفي السنة نفسها غدرت بريطانيا بالعرب مرة أخرى إذا وعد العرب بتحرر ووعد لزعماء الصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من خلال ما عرف بوعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917
الوطن العربي تحت الانتداب
بدأ التطبيق الفعلي لمضمون اتفاقية سايكس بيكو سنة
1918 والمعارك لم تنته بعد وذلك حين قسم الجنرال اللنبي قائد الجيوش الحليفة في الشرق المناطق العربية إلى ثلاث : واحدة إدارة فرنسية (الساحل) وواحدة بإدارة عربية (الداخل) والأخيرة بإدارة بريطانية لكن التغطية الدولية لهذه الاتفاقية جاءت عبر مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 فقد طرح المؤتمر مفهوما جديدا للاستعمار هو الانتداب الذي اقترحه الرئيس الأمريكي ويلسون ورئيس وزراء جنوب أفريقيا الجنرال سمطس وهو ينص على تولي دولة كبرى شئون الدولة التي لا عهد لها بالحكم والتي خضعت لفترة طويلة لإحدى الإمبراطوريات المتداعية كالدولة العثمانية فتساعدها الدولة المنتدبة حتى تصبح قادرة على إدارة شئونها بنفسها .
لكن المؤتمر السوري العام رفض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وأعلن قيام المملكة السورية ونصب الأمير فيصل ملكا عليها فانعقد المجلس الأعلى للحلفاء في مدينة سان ريمو الإيطالية في أبريل 1920 وقرر ردا على المؤتمر السوري تطبيق اتفاقية سايكس بيكو التي تقضي بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي والعراق وفلسطين و شرق الأردن تحت الانتداب الإنجليزي وتعهد مؤتمر سان ريمو كذلك بالعمل على تطبيق وعد بلفور كما أعلنت بريطانيا حمايتها للإمارات العربية الواقعة على سواحل الخليج العربي كذلك تكرست السيطرة الأجنبية على شمال أفريقيا حيث فرضت بريطانيا حمايتها على مصر والسودان وسيطرت إيطاليا على ليبيا واحتلت فرنسا ما تبقى من المغربي العربي وكرست سيطرتها على كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والصومال.
انتهى